رؤية تحليلية مختصرة حول الإطار النظري للخدمة الاجتماعية (4) A brief Analytical Vision on the Theoretical Framework of Social Service
أ. د/ احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3840
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
" ....نستطيع أن نقرر أن شبكة العلاقات هي العمل التاريخي الأول الذي يقوم به المجتمع ساعة ميلاده " ( مالك بن نبي : ميلاد مجتمع )
****
الحلقة الرابعة :
توقفنا في اللقاء السابق عند عملية التفاعل الاجتماعي، وبينا كيف أنها تمثل المستوى الأساسي الأول لعملية التنظيم الاجتماعي في المجتمع، وفي هذا الحلقة نكمل ما ينبني عليها من عمليات وهي :
* العلاقات الاجتماعية : Social Relations
سبق أن أشرنا إلى أن وجود الجماعة البشرية يعني بالضرورة وجود تفاعل اجتماعي، وهو أمر حتمي في المواقف والمواقع المختلفة، سواء كان في الأسرة، أو المدرسة، أو العمل، أو الجيرة، أو في المجتمع المحلي بغض النظر عما إذا كانت هذه الجماعة صغيرة العدد أم كبيرة، اختيارية أم اجبارية، ومن البديهي أن يكون بعض أفراد هذه المجموعات في بؤرة العمل الجماعي أي دورهم اساسي في التفاعل الاجتماعي وبعضهم يرضى لنفسه أن يكون هامشياً مع كونه ضمن الجماعة،
وفي ضوء ما سبق بمكننا أن نتوقع أيضا أن التفاعلات التي تحدث حول كل من تلك المواقف والمواقع ستتم على نفس النمط المطرد المستمر، بما يمكننا من تمييز كل مجموعة من تلك الأنماط التفاعلية Interactive patterns على الأرضية العامة غير المتمايزة للتفاعلات الاجتماعية التي تحدث بين الناس، ونحن نستطيع أن نطلق على مجموعة التفاعلات الاجتماعية التي تتم بشكل مطرد ومستمر نسبيا على نفس الوتيرة أو النمط العام اصطلاح " العلاقات الاجتماعية " Social Relationships ومن أمثلة تلك العلاقات : علاقة الأب بالابن، والزوج بالزوجة، والمستأجر بالمالك، والصديق بصديقه ........وهكذا ...
والعلاقة بوجه عام هي : " اتصال أو تفاعل بين شخصين أو شيئين أو كيانين "،
* العلاقات الاجتماعية أساس العمران البشري :
ولمزيد من الإيضاح نقول أن موضوع العلاقات الاجتماعية يحتل مكانة هامة في علم الاجتماع العام، بل أن معظم المؤلفين والعلماء يرون أن العلاقات الاجتماعية هي اساس علم الاجتماع ، ولكن ماذا نعني بمصطلح العلاقات الاجتماعية وما تعريفها، عرفت العلاقات الاجتماعية بأنها : " الروابط والآثار المتبادلة بين الافراد والمجتمع، وهي تنشأ من طبيعة اجتماعهم معا، وتبادل مشاعرهم، واحتكاكهم ببعضهم البعض، ومن انصهارهم في موجات من التفاعل في بوتقة المجتمع "،
ووبهذا المعنى تعتبر العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الأفراد في مجتمع ما نتيجة تفاعلهم مع بعضهم البعض من أهم ضرورات الحياة، ولا يمكن تصور أية هيئة أو مؤسسة أن تسير في طريقها بنجاح ما لم تسعى جاهدة في تنظيم علاقاتها الاجتماعية، ومن الملاحظ أن العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الأفراد تكون : (1) :
* علاقات اجتماعية وقتية : Temporary social relations
وهي العلاقات ذات الأمد القصير Short – Term Relationship ( كما هو الحال بالنسبة لقائد السيارة الذي يريد اقناع رجل الشرطة بأنه لم يكن مخطئا ) (2)،
وهذا يعني أن هذه العلاقات لها وقت معين بحيث تبدأ وتنتهي مع الحدث الذي يحقق هذه العلاقة، أو الموقف الذي تنشأ فيه تلك العلاقة، ومن أمثلة هذه العلاقة التحية العابرة في الطريق، أو العلاقة بين البائع والمشتري (3)،
- علاقة اجتماعية طويلة الأجل : Long-Term Social Relation
وهي نموذج التفاعل المتبادل الذي يستمر فترة معينة من الزمن، ويؤدي إلى ظهور مجموعة توقعات اجتماعية ثابتة، وتعتبر علاقة الدور المتبادل بين الزوجة والزوج، والعلاقة بين المحلل النفسي والمريض، من أوضح الأمثلة لمثل هذه العلاقات (4).
- علاقة اجتماعية محدودة : Limited Social Relationship
وهي عبارة عن نموذج للتفاعل الاجتماعي بين شخصين أو أكثر، ويمثل هذا النموذج البسيط وحدة من وحدات التحليل السوسيولوجي، كما أنه ينطوي على الاتصال الهادف والمعرفة المسبقة بسلوك الشخص الآخر (5)
وهكذا ومن خلال تعريف علماء الاجتماع للعلاقات يتبين أن العلاقات الاجتماعية مختلفة في شكلها فقد تكون العلاقات الاجتماعية مؤقتة، أو طويلة الأجل، وقد تكون محدودة، وبما أن العلاقات الاجتماعية مختلفة في شكلها كما ذكرنا، فإن العلاقات الاجتماعية لها أنواع مختلفة أيضاً (6)
ومن أهم أنواع العلاقات الاجتماعية ما يلي :
- العلاقات الاجتماعية الجوارية ( علاقات الجوار ) Social Neighborly Relations وهي :
يعرف التجاور .. بأنه : " إقامة السكان بعضهم قرب بعضه، وهؤلاء السكان غالباً ما يتعاشرون ويتزاورون ويتعاونون فيما بينهم "، والجيرة Neighborhood : يقصد بها: العلاقات الإنسانية الناشئة عن التجاور المكاني في الإقامة الدائمة " (7)
ويشترك الجيران بعضهم مع بعض في أفراحهم وأحزانهم، لذلك اعتبرت علاقة الجار بجاره واجباً مقدساً، لاسيما عند الشعوب وفي المجتمعات العربية الإسلامية من خلال قيام الجار برعاية جاره في حالة غيابه، وفي الوقت الحالي أصبحت علاقات الجوار قليلة جداً، فقد لا يشاهد الجار جاره فترة طويلة بسبب الانشغال الدائم وكثر الالتزامات الاجتماعية سواء بالنسبة للمرأة أو الرجل (8)،
ومن المعلوم أن لرابطة الجوار دور كبير في حركة المجتمع وتطوّره ورقيّه، فهي علاقة إنسانيَّة تأتي في المرتبة الثّانية بعد رابطة الأرحام، ولعلاقة الجوار تأثير كبير في الأسرة، فالجيران هم المحيط الاجتماعي المصغّر للمجتمع الّذي تعيش فيه الأسرة، والتمتّع بحسن الجوار حقّ اجتماعيّ للجميع، أمرنا به الإسلام دون تفرقة بين النّاس على أساس ألوانهم أو أجناسهم أو ملّتهم، فحسن الجوار من أساسيّات بناء المجتمع الإنساني، فمن شأن الجيرة مكافحة الأمراض الاجتماعيّة الّتي نعانيها في عصرنا الحاضر، لذلك لا بدَّ من أن تكون العلاقة بين الجيران متينة وقوية، حتّى تشكّل إطاراً لعلاقة متميّزة بين أشخاص لا تربطهم رابطة دم أو صلة رحم، وهذا في صالح الجميع في نهاية المطاف، لأنَّ الإنسان دائماً يحتاج إلى الغير، ففي وقت الشّدائد والأزمات، يصبح الجار أقرب وأسرع من الأهل لنجدة جاره".
- العلاقات الاجتماعية الأسرية : Social Family Relations
يقصد بها تلك العلاقات التي تقوم بين أدوار الزوج والزوجة والأبناء، ويقصد بها أيضاً طبيعة الاتصالات والتفاعلات التي تقع بين أعضاء الأسرة الذين يقيمون في منزل واحد، ومن ذلك العلاقة التي تقع بين الزوج والزوجة، وبين الأبناء أنفسهم، وتعتبر الأسرة الحضرية أسرة ممتدة وابوية، وتتميز بهيمنة الرجل على المرأة، وكذلك الكبار على الصغار، لذا يكون هنالك توزيع هرمي للسلطة وتكون السلطة في يد الرجل، وبالرغم من ذلك كله إلا أن الدولة عملت على إعادة إنتاج هذه العلاقات التي تخص التعليم والدين والتشريع،
ويلاحظ أن هناك تحولات أساسية بسبب التغيرات البنيوية في الأوساط الحضرية العربية، من قيام الأسرة النووية، وتحديد الاقتصاد والحرية والاستقلال، ومن خلال هذا كله ندرك أن العلاقات الاجتماعية الأسرية تحتوي على ثلاث مجموعات من العلاقات (9)،
أ – العلاقات الاجتماعية بين الزوج والزوجة : Social Relations Between Husband and Wife
ففي الماضي كان الأب هو الذي يرأس الأسرة، ويصدر القرارات الخاصة بالمنزل، ويعمل جاهداً في توفير الحاجات الأساسية للحياة الأسرية، كما أن علاقة الزوجة بزوجها علاقة الطاعة والخضوع ويشتمل عمل المرأة على تربية أطفالهم ورعايتهم . ومع التطور الذي حدث تقطعت تلك الصورة التقليدية بسبب التصنيع والتحضر وتبين مدى ذلك التغير الذي حدث من حيث :
1 – مساعدة الزوج لزوجته في الأعمال المنزلية .
2 – تحمل المرأة المسؤولية في حال غياب الزوج عن المنزل .
3 – الخلاف بين الزوجة والزوج .
ب – العلاقات بين الآباء والأبناء : Relations Between Parents and Children
أن الإنسان خصوصاً العربي والمسلم ما زال محباً للأولاد، فهو يفخر ويتباهى دائماً بكثرة الإنجاب وخاصة إذا كانوا ذكور، وإذا لم يرزق الشخص بولد ورزق ببنات فإنه يظل راغباً في إنجاب الذكور، لأنه يعتبر الذكر مصدر اعتزاز وفخر، وهذا غالباً ما نجده ينطبق على مناطق كثيرة سواء كانت حضرية أو ريفية، كما أنه يوجد تشابه بين الريف والحضر في الرغبة في كثرة الإنجاب، وخاصة إنجاب الذكور، ويفترض في العلاقات بين أعضاء الأسرة أن تقوم على التعاون والمودة.
ج – العلاقات الاجتماعية بين الأبناء أنفسهم : Social Relations Between Children Themselves
أطفال الأسرة هم مواطنون يعيشون في عالم الصغار، وفيه يتلقون مجموعة مختلفة من الخبرات خلال معيشتهم المشتركة، وتتميز العلاقات بين الأخوة بالإشباع والشمول، كما تتسم بالصراحة والوضوح ومما تجدر الإشارة إليه أن مكانة الأبناء تختلف حسب تسلسلهم داخل الأسرة (10)،
ومجمل القول أن الحياة الاجتماعية تنشأ عندما يتفاعل الأفراد فيما بينهم مكونين جماعات بشرية ينتج عنها مجموعة من العلاقات الاجتماعية والتفاعلات التي تعتبر المحور الأساسي في حياة البشر الاجتماعية، (11).
- وانطلاقا من المناقشة السابقة حول موضوع العلاقات الاجتماعية وأهميته في علم الاجتماع، يمكننا أن نتصور المجتمع ( أو أن نعرّفه مبدئيا ) على أنه : عبارة عن مجموعة من الناس، بينهم عدد هائل من العلاقات الاجتماعية المتنوعة – وهو تصور صحيح وإن لم يكن دقيقا،
ويتبين لنا من تلك المناقشة أيضا أن تلك العلاقات الاجتماعية إنما تحدث بين الأفراد نتيجة لعدة عوامل، لعل أهمها تبادل المصالح، أو تبادل الخبرات، أو لوجود اهتمامات مشتركة كالصيد أو السباحة .......الخ، وهناك عدة أنواع من العلاقات كالعلاقات الأسرية والقرابية، وعلاقات العمل، والجيرة ......وغيرها، وتختلف العلاقات الاجتماعية باختلاف المجتمعات فمثلاً : العلاقات في المجتمعات العشائرية الصغيرة تتميز بقوة العلاقة، بينما العلاقات في المجتمعات الحضرية تتسم بالتعقيد والرسمية،
- إن الناس في المجتمع ومن خلال ممارستهم ودخولهم في العديد من العلاقات الاجتماعية في مواقف الحياة ومجالاتها المختلفة، وبمرور الوقت، سرعان ما يتبينون أن بعض أشكال السلوك الذي يتم في إطار تلك العلاقات الاجتماعية مما يساعد " فعلا " على تحقيق أهداف التجمع الإنساني ( إشباع الحاجات الإنسانية )،، ومن ثم تصبح تلك الأشكال السلوكية مرغوبا فيها من قبل المجتمع، وأن بعضها الآخر يتعارض مع إشباع حاجات الفرد أو المجتمع ككل في المدى القريب أو المدى البعيد، وبالتالي فينظر إليها على أنها سلوكيات غير مرغوبة اجتماعيا، ولذلك يبدأ الناس في وضع مستويات للسلوك الذي يُنظر إليه على أنه " مرغوب فيه "، وهي مستويات تستمد من خلال الخبرات الحية الواقعية للناس في تفاعلهم الاجتماعي،
الناس في المجتمع ------ بحكم تواجدهم معا يحدث بينهم أشكال متعددة من التفاعل التفاعلات الاجتماعية --------- ينتج عنها عدد هائل من العلاقات الاجتماعية ---------- تتم في إطارها أشكال من السلوك الانساني، يكون هذا السلوك مرغوبا فيه اجتماعيا اذا كان يساعد على تحقيق أهداف التجمع الانساني، بينما يكون مرفوضا وغير مرغوب فيه إذا تعارض مع تلك الأهداف، ولكن كيف يمكن التفرقة بين السلوك المرغوب، والسلوك غير المقبول اجتماعيا،
* المعايير الاجتماعية : Social Norms
- ويمكننا أن نطلق على هذه المعايير أو المستويات من السلوك الذي ينظر إليه على أنه مرغوب فيه من المجتمع، بمعنى أنه يحقق أهداف المجتمع الإنساني ( إشباع الحاجات الإنسانية ) اصطلاح " المعايير الاجتماعية " Social Norms، ومثال من أمثلة تلك المعايير ما يتوقعه المجتمع من الطالب من جهة الاعتماد على نفسه فقط في قاعة الامتحان ( الأمانة وعدم الغش )، أو أن ما يتطلبه من التاجر ألا يتعمد إخفاء عيوب سلعته أمام المشترى ( الأمانة ) .......وهكذا،
والمعايير الاجتماعية بوجه عام : هي عبارة عن أمور وأوضاع من عمل الناس، ثم مرت في مرحلة من الاختبار والتجريب على مدى زمني معين، فاكتسبت صفة العموم، وبعد ذلك توارثها جيل عن جيل،
وتعرف المعايير الاجتماعية بأنها : " مقياس للرجوع إليه في إصدار الأحكام ".
ويتضمن مفهوم المعايير الاجتماعية ما يقبله المجتمع من قواعد وعادات واتجاهات وقيم وغير ذلك من محددات، وتعتبر هذه المعايير الاجتماعية بمثابة أطر يرجع إليها الفرد كي تكون مرشداً له لما ينبغي أن يكون سلوكه عليه ، هذا وتشمل المعايير الاجتماعية عدداً هائلاً من نتائج تفاعل الجماعة في ماضيها وحاضرها، فهي تشمل التعاليم الدينية، والمعايير الأخلاقية، والقيم الاجتماعية، والأحكام القانونية، واللوائح والعرف والعادات والتقاليد .. الخ.
وتعرف المعايير الاجتماعية بأنها " مبادىء عامة يتمسك بها الافراد تمسكا شديدا بحيث تؤثر على سلوكهم وتجعله يتميز بالتطابق والتشابه وهذا ما يساعد على زيادة وحدة الجماعة "،
ويرى البعض أن المعايير بصفة عامة، أو الأعراف المتخذة كمعايير هي آداب التصرف والحياة والتفكير المحددة اجتماعيا، والمُعاقب على تجاوزها اجتماعيا.
فالمعيار الاجتماعي هو مستوى العادات والتقاليد والتوجهات المشتركة، الذي تبلغه جماعة، وتتخذه بمثابة قوة موجهة لسلوكها أو تصرفها،و يمكن اعتبار المعيار الاجتماعي بمثابة المرجعية الذاتية للجماعات المعينة .
لقد جاءت كلمة ( معايير Norms ) في معجم العلوم الاجتماعية على أنها كلمة أجنبية مشتقة من اللفظ اللاتيني (Norma) بمعنى قاعدة أو قانون، ويبدو أن استعمالات هذا المصطلح تتفق قليلا أو كثيرا مع مضامين هذا الاشتقاق.
وأحيانا يُطلق المصطلح على النموذج المتخذ أساسا للقياس (Type; Model)، وأحيانا يطلق على ما ينبغي أن يكون عليه السلوك العام والمواقف الجماعية بالنسبة للمشاعر السائدة في المجتمع، وفي هذا المعنى يختلط مفهوم (المعيار) بمفهوم (القيم) وهذا المعنى الأكثر شيوعا وانتشارا في مجالات استعمال المصطلح، واستخدم المصطلح أيضاً للتعبير عن القدر الذي يسهم به الأفراد فيما يتوقعه المجتمع منهم أن ينجزوه بصدد عمل معين.
واستُخدم كذلك لتقييم اختيار الفرد لموقف ما من بين عدة ممكنات، ويفسر بعض المفكرين هذا الاختيار بالإطار الفردي الذاتي المرتكز على مبلغ سعي الفرد لإشباع غاياته، ويفسره البعض بالإطار الثقافي والاجتماعي.
ويرى الاجتماعيون أن المعايير من صنع المجتمع ووضعه، وهي في مجموعها تعبير عن المستوى العام المطلق في زمن ما ومرحلة اجتماعية معينة.
يقول " الجوهري " أن هذا المصطلح جديد نسبيا على المصطلحات والكلمات العامة المستخدمة في علم الاجتماع، وقد سبق أن استخدمه البروفيسور ( مظفّر شريف M. Sherif ) في كتابه " سيكولوجية المعايير الاجتماعية The Psychology of social norms " الصادر عام 1939 م، لوصف الأفكار أو المقاييس المشتركة التي توجّه استجابات الأعضاء في كل الجماعات الثابتة (12)،
إن كلمة معيار في الوقت الحاضر تستخدم كمصطلح عام يستوعب القوانين والأعراف والقيم، ولو أن اعتبار الفعل معيارا أو معياريا معناه بالتأكيد أنه يتواءم مع توقعات المجتمع من السلوك، وقد أدرك علماء الاجتماع المبكرين مثل (تونيز Tonnies، وسمنر Summner ) ذلك فاستخدموا قسوة الجزاءات الاجتماعية كأساس لتصنيف الأفعال.
فالمعايير الاجتماعية هي مبادئ عامة يتمسك بها الأفراد تمسكا شديدا بحيث تؤثر على سلوكهم وتجعلهم يتميزون بالتطابق والتشابه، وهذا ما يساعد على زيادة درجة وحدة الجماعة وتماسكها، والمعايير تصف السلوك الحقيقي أو الواقعي أكثر مما تصف السلوك المتوقع.
والمعايير الاجتماعية كما يعرّفها البعض هي الاتجاهات والعادات والقيم المشتركة التي توجّه استجابات أعضاء الجماعة وتحقق التطابق في التصرفات البسيطة أو في الأحكام الخلقية المعقدة مما يزيد من وحدة الجماعة، فهي تعد بمثابة إطار يرجع إليه الفرد كي تكون له مرشدا لما ينبغي أن يكون عليه سلوكه.
لذا فان المعايير الاجتماعية تعني وجود نسق منظم من العادات والتقاليد والتوجهات والقيم والأعراف، يكون بمثابة الدليل الذي يقود الفرد بأن يختار الفعل الذي يتوقعه منه المجتمع من بين مجموعة من البدائل، السبب الذي يؤدي إلى تطابق سلوك أفراد المجتمع، أو تطابقه بدرجة اقل، فالمعايير الاجتماعية هي القاعدة أو القانون الذي يحدد إشباع حاجات الفرد في إطار مجتمعه، الذي يحافظ على الثقافة والسلوك العام، بذلك تعمل المعايير الاجتماعية على خلق نوع قوي من التوازن وتزيد من وحدة الجماعة.(13)
وتنتشر المعايير وتقوى، وتصبح بذلك دعامة من دعائم الثقافة القائمة، ويتسع تأثيرها ويزداد قوة حينما يضفي عليها الأفراد ألواناً عاطفية مختلفة، وحينما يخضعون لها خضوعاً مباشراً يهيمن على حياتهم من قريب أو بعيد.
تفسير الالتزام ومسايرة الأفراد لمعايير الجماعة:
ويؤدي تبلور وتكوين المعايير الاجتماعية إلى تشابه سلوك أفراد الجماعة، وتقارب اتجاهاتهم وتناسق آرائهم، ويلخص " كارترايت وزاندر " أسباب الالتزام ومسايرة الفرد لمعايير الجماعة في ثلاثة أشياء هي:
1 – أن عضوية الفرد في الجماعة تحدد بكثير من الأشياء التي يراها ويفكر فيها ويتعلمها ويفعلها أي أن طبيعة المنبهات التي يتأثر بها الفرد تتحدد إلى قدر كبير بالبيئة التي توفرها له عضوية الجماعة فالابن مثلاً يتعرض لحقائق وتفسيرات تختلف عن تلك التي يتعرض لها والده وكذلك الموظف ورئيسه والطالب وأستاذه والمريض وطبيبه.
2 – أن الفرد قد يسلك مسلكاً مشابهاً لسلوك غيره في الجماعة لأنه يريد أن يستوثق من أن فهمه للأمور وللأحداث فهم سليم فإذا لم يكن واثقاً من سلامة هذا الفهم تقبل آراء الأشخاص الذين يحبهم ويحترمهم (وهم الذين يكونون جماعته المرجعية).
3 – إن ضغط الجماعة على أعضائها بقصد توحيد سلوكهم يحقق لها الكثير من المزايا.
والواقع أن مصادر القوى التي تهدف إلى توحيد سلوك الأعضاء ليست مفهومة كل الفهم ولكن يمكن أن نحدد نوعين عامين من هذه المصادر:
1 – قوى تنشأ من صراع داخل الشخص حين يلاحظ أن آراءه أو أفعاله تختلف عن آراء وأفعال الآخرين.
2 – قوى موجهة من الأعضاء الآخرين للتأثير في آراء أو سلوك الفرد (ضغوط الجماعة على الأعضاء).
وضغوط الجماعة على الأعضاء وهي تلك التي نلمسها في الكثير من جوانب حياتنا اليومية والتي نطلق عليها اصطلاح المعايير الاجتماعية فهي توجه لتحقيق الوظائف التالية:
1 – مساعدة الجماعة في حركتها نحو أهدافها وأنه لكي تتحرك الجماعة نحو هدفها فقد يكون من الضروري أو من المرغوب فيه أن تتوافر للجماعة درجات معينة من توحيد الآراء أو الاتجاهات أو العقائد ويزداد الدافع عند أعضاء الجماعة إلى تحقيق هذا التوحيد كلما ازدادت أهمية هدف الجماعة بالنسبة لهم وكلما أدركوا أن حركة الجماعة سوف تتيسر عن طريق هذا التوحد وكذلك كلما ازدادت حاجاتهم إلى الاعتماد على الجماعة لتحقيق أهدافهم الفردية.
2 – صيانة الجماعة والإبقاء عليها ولذلك نجد أن الكثير من اللوائح المنظمة لعمل الجماعات تنص على ضرورة حضور العضو نسبة معينة على الأقل من الاجتماعات كما نجد في الهيئات والأندية الأخرى وأن كثرة التفاعل بين الأعضاء من شأنه أن يعمل على الإبقاء على الجماعة.
3 – مساعدة الأعضاء على أن يجدوا سنداً لآرائهم وسلوكهم في الواقع الاجتماعي أي الاتفاق مع الجماعة على الرأي الصحيح أو العقيدة الصحيحة عندما يتعذر على الفرد أن يلجأ إلى واقع مادي.
وفي ضوء هذه المعاني التي أسلفناها تعتبر المعايير الاجتماعية سننا عامة تدفع الأفراد إلى التواؤم سواء عند القيام بالأفعال البسيطة أو عند إصدار الأحكام الأخلاقية المعقدة، لأنهم استوعبوا هذه السنن العامة او قبلوها و وافقوا عليها، ومن ثم فان المعايير الاجتماعية تزيد من وحدة الجماعة وتماسكها وترابطها.
إن المعايير الاجتماعية social norms هي توقعات سلوكية وانماط داخل الجماعة وهي دليل غير رسمي لتقرر ما هو صحيح أو خاطيء وتقسم إلى ثلاث اقسام العرف والمحرمات والعادات، وهي يمكن ان تكن واضحة أو ضمنية ومن يحاول أن يتمرد على المعايير يعرض نفسه للعقوبة الاجتماعية حيث أكثر ما يخيف هو الاستبعاد من الجماعة، وتوصف المعايير بانها قوانين السلوك والعادات التي تنسق تفاعلنا مع الآخرين وهي تختلف وتتطور من وقت لآخر ومن جماعة لأخرى ومن طبقة لأخرى وما يعتبر مقبولا للاطفال يعتبر منبوذا للكبار وتلعب لغة الجسد دورا بها.
العرف جمع أعراف هي قوانين اجتماعية تحدد سلوك الأفراد في المجتمع والتي إذا انتهكت فانها ستلقى عقاب أو استنكار شديد وتشكل جزء من تفكير شعب ما حيث يكون هذا السلوك شائع للجميع، والعرف يقترب من مفهومه المحرمات مثل القتل أو سفاح الاقارب.وهي ليست قوانين مكتوبة
وكل المعايير يمكن أن تظهر في شكل معايير مرجعية (إطار معياري) تنظم بصرامة سلوك الناس والاتجاهات المتبادلة بينهم في الحاضر ومعايير فكرية تخطط لنماذج وتقاليد مثالية تماماً لسلوك الناس في المستقبل وبدوره فإن الإطار المعياري يتضمن معايير المحظورات معايير الحق والواجب.
يتبــــع،،،،،،
****
الهوامش والإحالات :
============
(1) - أنظر :
- إبراهيم مدكور : " معجم العلوم الاجتماعية "، 1975م، ص : 403.
- محمد الجوهرى : " معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية "، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2010م،
(2) – محمد عاطف غيث : " قاموس علم الاجتماع "، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1992م، ص : 437.
(3) – فاروق العادلي : " علم الاجتماع العام "، دار زهران، القاهرة، ط2، 1415هـ /1994م، ص ص : 263- 264،
(4) – محمد عاطف غيث : " مرجع سبق ذكره "، ص : 437،
(5) – " نفس المرجع السابق "، ص : 437.
(6) - عبد القادر القصير : " الأسرة المتغيرة في مجتمع المدينة العربية "، دار النهضة، القاهرة، 1999م، ص :180.
(7) - محمد محمد بيومي خليل : " تنمية المفاهيم الاجتماعية للطفل العربي في عصر العولمة " ، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، الثاهرة، 2003م،
(8) – عبد القادر القصير : " نفس المرجع السابق "، ص ص : 181 – 201 – 203،
(9) - محمد عاطف غيث : " قاموس علم الاجتماع "، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1992 م، ص : 437.
(10) - عبد القادر القصير : " مرجع سبق ذكره "، ص : 216.
(11) - سناء الخولي : " الأسرة والحياة العائلية "، دار النهضة، القاهرة، 1988م، ص : 79،
(12) - مولود زايد الطبيب : " العولمة والتماسك المجتمعي في الوطن العربي "، المركز العالمي لدراسات وابحاث الكتاب الأخضر، بنغازي، ليبيا، ط1، 2005م،
(13) – " نفس المرجع السابق " ص : 137 – 138،
***********
أ.د / احمد بشير – جامعة حلوان، القاهرة،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: