من قواعد النصر في القران الكريم -30- قل للذين كفروا ستغلبون
أ. د/ احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4625
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
وبعـد :
تمهيــد :
لا يملك المؤمن المعاصر إلا أن يصاب بالدهشة والعجب حين يقلب بصره، في أوضاع الأمة الاسلامية اليوم متأملا ما آل إليه أمر المسلمين اليوم، يعجب المؤمن حين يرى حالة التراجع والتخلف والاستضعاف التي وصلنا إليها، والعالم من حولنا يعمل وينتج ويفكر ويخطط ويتقدم ويحقق نجاحات باهرة في شتى جوانب الحياة المادية والعلمية والتكنولوجية، يعجب المؤمن حين يرى حالة الهزيمة النفسية التي تتملك على المسلمين قلوبهم ونفوسهم فتجعلهم عاجزين عن التطلع إلى الفكاد من تلك الحالة وتلمس السبل نحو النهضة المنشودة، وقد يصاب الكثيرون من أبناء الأمة بمشاعر اليأس والاحباط نتيجة اكتشافهم حقيقة البون الشاسع بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات العربية والاسلامية على سلم الرقي والتقدم، وفضلا عن هذا كله هم يرون ويلمسون ويعايشون تطالب الأمم على المسلمين من كل حدب وصوب، وغايتهم الكبرى محاولة استئصال شأفة الاسلام من الوجود والقضاء على الأمة والاستيلاء على خيراتها ومقدراتها، وفي سبيل ذلك هم يدبرون ويخططون وويحيكون المؤامرات، ويبدعون في صنوف المكر والكيد للإسلام وأهله، أقول إن المؤمن اليوم يصاب بالدهشة والاستغراب حين يرى هذا الواقع المؤلم للأمة، وتزداد الهشة، ويتضاعف العجب حين يرى تلك المبشرات للإسلام وأهله بالنصر والتمكين والغلبة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،
ومن تلك المبشرات ما نتعلمه من القرآن والسنة حيث تقرران أن أعداء الإسلام من أهل الكفر والشرك والنفاق مهما كانت سطوتهم، ومهما بلغت قوتهم، ومهما كان كيدهم وتدبيرهم فإن مآلهم ومصيرهم إلى الخيبة والخسران والهلاك، فهم سيغلبون في نهاية المطاف في الحياة الدنيا وينتصر الإسلام وأهله، وهم سيحشرونيوم القيامة إلى جهنم وبئس المصير،
* من حقائق القرآن أن الكافرين سيغلبون حتما لا محالة، والمؤمنون هم الغالبون :
ومن هنا تأتي القاعدة التي نحن بصددها ومؤداها : " الكافرون سيغلبون في صراعهم مع أهل الايمان لا محالة "، وهي قاعدة نأخذها من قول الله تعالى : {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }( آل عمران : 12 )، أي : قل - أيها الرسول - للذين كفروا من اليهود وغيرهم، والذين استهانوا بنصرك في "بَدْر": إنكم ستُهْزَمون في الدنيا وستموتون على الكفر, وتحشرون إلى نار جهنم ; لتكون فراشًا دائمًا لكم, وبئس الفراش ( التفسير الميسر )، إنها آية يقرؤها المؤمن فيدرك معناها والمعنى واضح لا لبس ولا غموض فيه، إنها رسالة عاجلة من رافع السماء بلا عمد إلى مبعوث العناية الإلهية، إلى الأمين المؤتمن على وحي الله جل جلاله، رسالة يكلف الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلنها عالية مدوية على مسامع الدنيا بأسرها بوجه عام، وعلى مسامع الكافرين والتمردين والمكذبين والمعاندين الذين امتلأت قلوبهم ببغض الاسلام والحقد على أهله، رسالة لهم بأنهم سيغلبون حتما في الدنيا ولا أمل لهم في النجاة من عذاب الله يوم القيامة، رسالة يقرؤها المؤمن اليوم، ويتدبر معانيها وهو يرى حال الأمة، ويرى الانكسارات، ويعايش الهزائم والإصابات التي تتوالى على أمة الاسلام في شرق الأرض وغربها، فتشرق بوارق النور من بين دياجير الظلام، ويحل الرجاء محل اليأس الذي من الممكن أن يكون قد تسلل إلى القوب المؤمنة، والنفوس الموحدة، ويحل الفرح والسرور بكريم وعد الله محل الحزن والقلق والضيق، وجاء الوعد الإلهي بدليله معه، وبحجته معه، حتى لا يبقى بعد ذلك حجة لأحد، ولا مجالا للشك والريبة، وإنما هي السكينة والطمأنينة، والدليل الساطع، والحجة الدامغة، هو مّا شاهده المشركون يوم بدر: { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ ءَايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْىَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِى ذاَلِكَ لَعِبْرَةً لاُِّوْلِى الاَْبْصَارِ }
يقول " ابن عاشور " (1) في تفسيره عن هاتين الآيتين : " استئناف ابتدائي، للانتقال من النذارة إلى التهديد، ومن ضَرب المثل لهم بأحوال سلفهم في الكفر، إلى ضرب المثل لهم بسابق أحوالهم المؤذنة بأنّ أمرهم صائر إلى زوال، وأنّ أمر الإسلام ستندكّ له صمّ الجبال، وجيء في هذا التهديد بأطنب عبارة وأبلغها ؛ لأنّ المقام مقام إطناب لمزيد الموعظة، والتذكير بوصف يوم كانَ عليهم، يعلمونه "، وقال أيضا : " والظاهر أنّ الكفار رأوا المسلمين يوم بدر عند اللقاء والتلاحم مثلي عددهم، فوقع الرعب في قلوبهم فانهزموا . فهذه الرؤية جعلت آية لمن رأوها وتحقّقوا بعد الهزيمة أنّهم كانوا واهمين فيما رأوه ليكون ذلك أشدّ حسرة لهم "،
وما دام الكافرون سيغلبون، فالمؤمنون هم الغالبون، قال صاحب اضواء البيان (2) : " وأغلب معاني الغلبة في القرآن الغلبة بالسيف والسنان كقوله : {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وقوله : {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ}، وقوله : {الم, غُلِبَتِ الرُّومُ, فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ, فِي بِضْعِ سِنِينَ}، وقوله : {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً}، وقوله : {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} .... إلى غير ذلك من الآيات "،
يقول " الشعراوي " رحمه الله في تعليقه على هذه الآيات الكريمات : " ......ألا يُجعل صدق بلاغ الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يحدث في الدنيا دليل صدق على ما يحدث في الآخرة؟ إن تحقيق { سَتُغْلَبُونَ } يؤكد { وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ }، وفي هذه الآية شيئان : الأول ؛ بلاغ عن هزيمة الكفار في الدنيا وهو أمر يشهده الناس جميعا، والأمر الآخر هو في الآخرة وقد يُكذبه بعض الناس، وإذا كان الحق قد أنبأ رسوله بأنك يا محمد ستغلب الكافرين، وأنت لا تملك أسباب الغَلَبَة عليهم. ومع ذلك يأتي واقع الأحداث فيؤكد أن الكافرين قد تمت هزيمتهم، ومادام قد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن الأولى، ولم يكن يملك الأسباب فلابد أن يكون صادقا في البلاغ في الثانية، وهي البلاغ عن الحشر في نار جهنم، وبعض المفسرين قد قال : إن هذه المقولة لليهود ؛ لأن اليهود حينما انتصر المسلمون في بدر زُلزِلوا زِلزَالا شديدا، فلم يكن اليهود على ثقة في أن الإسلام والمسلمين سينتصرون في بدر، فلما انتصر الإسلام في بدر ؛ قال بعض اليهود : إن محمداً هو الرسول الذي وَعَدَنا به الله والأوْلَى أن نؤمن به فقال قوم منهم: انتظروا إلى معركة أخرى، أي لا تأخذوها من أول معركة، فانتظروا، وجاءت معركة أحد، وكانت الحرب سجالا، .....ولنا أن نقول : وما المانع أن تكون الآية لليهود وللمشركين ولمطلق الذين كفروا؟ فاللفظ عام وإن كان قد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال لهم: يا معشر اليهود احذروا مثل ما نزل بقريش وأسْلِموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم، فقد عرفتم أني نبيّ مرسل، فماذا قالوا له؟ قالوا له : لا يَغُرنَّك أنك لقيت قوما أغماراً ـ أي قوما من غمار الناس لم يجربوا الأمور ـ لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، لئن قاتلتنا لعلمت أنّا نحن الناس، فأنزل الله قوله : { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ.. }....... إلخ الآية، والمهاد هو ما يُمهّد عادة للطفل حتى ينام عليه نوماً مستقراً أي له قرار، وكلمة { وَبِئْسَ الْمِهَادُ } تدل على أنهم لا قدرة لهم على تغيير ما هم فيه، كما لا قدرة للطفل على أن يقاوم من يضعه للنوم في أي مكان، ويقول الحق بعد ذلك : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىا كَافِرَةٌ... } (3)،
* من معطيات القاعدة :
- ومن ثمرات هذه القاعدة أن المكر السيِّئ – كما علمنا القرآن – لا يحيق إلا بأهله : فليمكر مجرمي العصر، وليكيد أعداء الأمة، فإن الدائرة حتما ستدور عليهم فيغلبون، كما غلب أسلافهم من الكفار والمشريكين واليهود، وكنموذج شاهد على صدق هذه الحقيقة القرآنية – وان كنا لا نحتاج لذلك من دليل أو شاهد فيكفي أن الله تعالى قال - أن دراستنا لوقائع السيرة النبوية الصحيحة والموثوقة والمعتبرة تنبئنا كيف كان مكر اليهود، وتآمرهم على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والدولة الإسلامية في غاية الخسة والوضاعة، وكانوا يريدون من مكرهم وغدرهم عزة ورفعة ومجدًا وغلبة , لكن الله سخر منهم، ونجى رسوله والمسلمين من مكرهم وأذلهم وأخزاهم، فزال مجدهم، وكسر غلبتهم، وخرب بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، ورحلهم عن ديارهم، ولم يكلف ذلك المسلمين اصطدامًا مسلحًا، ولا قتالاً ضاريًا، ولكن الله قذف في قلوبهم الرعب والفزع , فطلبوا النجاة بأرواحهم في ذلة وخزي، مخلفين وراءهم ثروة وملكًا، حازه المسلمون غنيمة باردة , وسبحان من بيده الأمر كله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وقد قال تعالى في شأنهم: ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبْصَارِ ) (الحشر: 2 )، هذه عاقبة المكر السيئ، والغدر المشين، وانظر بعد ذلك كيف أشار القرآن الكريم إلى مواطن العبرة في هذا السياق، وإلى هذا التهديد الذي أعلنه لكل من يسلك سبيل المكر المزري، والحقد المستبد ( 4) وقال: ( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبْصَارِ ) ( الحشر: 2 )،
- ومن ثمرات أن الذي يقف في وجه الحق، ويصد الناس عنه، ويطارد دعاة الحق
منهزم لا محالة، مغلوب لا شك في ذلك، وأن الصراع بين الحق والباطل لا يتوقف وباق حتى يرث الله الأرض وما عليها، وستكون للباطل جولات وللحق جولات , ولكن العاقبة – كما بينا في الحلقات السابقة من هذه السلسلة - لأهل الحق في نهاية المطاف.
ومن خلال تأملنا للآية التي استندنا إليها في الحديث عن القاعدة التي يودر حولها النقاش، وسياق تلك الآية السابق واللاحق يمكننا أن نبرز مجموعة من الملاحظات التي نعتقد بأهميتها لمزيد من الفهم لتلك القاعدة وذلك على النحو التالي :
- أن في هذه القاعدة القائمة على قوله تعالى : { قل لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ...} دليلٌ قوي على أنَّه لو رجَع المسلِمون إلى دِينهم حقًّا في العقيدةِ والقولِ والعملِ والأخلاقِ والآداب، وجميعِ أمور الدِّين، ولو اصطلحوا مع الله تعالى، لحصَلَتْ لهم الغَلَبةُ على الكفَّار، ويَشهَدُ لهذا تاريخُ المسلِمينَ؛ حيث ملَكوا مشارقَ الأرضِ ومغاربَها ،
- ومن سياق الآية وخصوصا قوله تعالى : { ..فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } نأخذ أنَّ القتالَ وحده لا يكون سببًا للنصرِ في منظور الاسلام إلَّا إذا كان في سبيلِ الله ؛ إخلاصًا، وموافقةً للشَّرع، واجتنابًا للمحارِمِ، فإذا تمَّتْ هذه الأمورُ الثَّلاثةُ، فهذا هو الَّذي في سبيلِ الله ،
- ومن هنا فإذا كان القتالُ في سبيلِ الله، ( خالصا لله، وموافقا للشرع، ومقترنا باجتناب المحارم ) توجَّهَتْ إليه النَّفوسُ المؤمنة بكلِّ ما فيها من قوَّةٍ وشُعورٍ، وما تستطيعُه من تدبيرٍ واستعدادٍ، مع ثقةٍ قويَّةٍ بأن وراءَ قوتها معونةَ اللهِ وتأييدَه ،
- التأكيد على الحقيقة التي أسلفناها في الحلقات السابقة، ولا مانع من التكرار والتأكيد عليها لمسيس الحاجة إليها، وهي أن النَّصرُ ليس بكثرةِ العَدَدِ، ولا بقوَّة العُدَدِ، ولكنَّه من الله؛ لأنَّ اللهَ لَمَّا ضرَب هذا المَثَلَ قال : {....وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ } ؛ فالنَّاظرُ إلى مجرَّدِ الأسبابِ الظَّاهرة يجزم بأنَّ غلَبةَ الفئةِ القليلة للفئة الكثيرة مِن المُحالات في حسابات اهل الدنيا، ولكن وراءَ هذا السَّبب المُشاهَدِ بالأبصار، سببٌ أعظمُ منه، لا يُدرِكُه إلَّا أهلُ البصائر والإيمانِ والتَّوكُّلِ، وهو نصرُ اللهِ، وإعزازُه لعباده المؤمنين،
- أن انتفاءُ العِبرةِ يدلُّ على ضَعْفِ البَصيرةِ أو عدَمِها بالكلِّيَّةِ, فإذا وجَد الإنسانُ من نفْسِه عدمَ اعتبارٍ واتِّعاظٍ بما يجري من حوله، وبما يرى ويسمع من وقائع وأحداث، فليعلَمْ أنَّه ضعيفُ البَصيرةِ ؛ لقوله تعالى : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ }،
- أن الله تعالى وعْدُ بهزيمة الكافرين المنحرِفين عن منهجِ الله، وأن هذا الوعد قائمٌ في كلِّ لحظةٍ، ووعْدُ الله بنصرِ الفئةِ المؤمنة - ولو قلَّ عددُها – وهو وعد قائمٌ كذلك في كلِّ لحظةٍ ؛ كما في قوله تعالى : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ ...}،
- أن في قوله تعالى : { وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ } دليلٌ على أنَّ توقُّفَ النَّصرِ على تأييدِ اللهِ الَّذي يعطيه مَن يشاءُ، حقيقةٌ قائمةٌ لم تُنسَخُ، وسُنَّةٌ ماضيةٌ لم تتوقَّفْ، فعلى المؤمنين أنْ يطمئنُّوا لهذه الحقيقةِ، ويثِقوا في ذلك الوعدِ، ويَأخُذوا للأمْرِ عُدَّتَه، ويَصبِروا حتى يأذَنَ اللهُ، وألَّا يَستعجلوا أو يَقنَطوا إذا طال عليهم الأمدُ المُغيَّبُ في عِلمِ اللهِ،
- أننا من قولِ الله تعالى لرسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الآية : { قُلْ للكافرين ..} نُعلَم أنَّه صلى الله عليه وسلم عبدٌ تُوجَّه إليه الأوامرُ؛ فهو عبدٌ لا يُعْبَد، ورسولٌ لا يُكَذَّب،
- أن ضَرْبُ الأمثالِ بالأمورِ الواقعةِ أبلغُ في التَّصديقِ والطُّمأنينةِ، فينبغي للواعظِ والدَّاعي إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، والمربي وامصلح أنْ يضرِبَ المَثَلَ للمدعوِّين بالأمورِ الواقعة؛ لأنَّ ذلك أبلغُ, يؤخَذُ ذلك من قوله : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ....}،
- لا أُلفةَ بين المؤمنين والكافرين؛ لقوله تعالى : { فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ، فمَن حاوَل أنْ يجمَعَ بين المؤمنين والكافرين، فقد حاوَل الجمعَ بين النَّارِ والماء (5)،
- وختاما نقول أن إيماننا ويقيننا بأن أهل الكفر والعدوان والظلم والجبروت الذين يكيدون للمسلمين المكائد، ويدبرون لهم المؤامرات، هم حتما سيغلبون ويقهرون، خصوصا وأننا رأينا نتائج هذا الظلم والطغيان وهي تكاد ان تقتلع الامة من جذورها، خصوصا مع استسلام المسلمين وغفلتهم، أن هذا الايمان واليقين من شأنه أن يشيع في نفوس المسلمين حسن الظن بالله، مع العمل الصالح والنافع، فإن ذلك يفتح باب الأمل ويشجع على الجهاد وبذل الجهد، والاجتهاد في زمن كثر فيه الأعداء الطغاة البغاة على المسلمين وانتشر فيه من الفتن ما تدع الحليم حيران، إن هذا المنهج الرشيد السديد حسن الظن بالله مع عمل ما أمر الله به من أمور الدين والدنيا على حسب قدرة الإنسان وما في وسعه وحدود طاقته، واقتناص كل فرصة ذهبية سانحة، واستثمار كل حدث بحكمة وعدل وعقل، وتسخير القدرات المالية والبشرية في حفظ دين المسلمين ودمائهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم وبلادهم، سيكون هو السبب بإذن الله تعالى في عودة المسلمين إلى سالف مجدهم، وتسلمهم قيادة البشرية إلى الخير والصلاح من جديد، وهو أمر ليس على الله ببعيد،
================
الهوامش والحواشي :
=============
(1) - الشيخ محمد الطاهر بن عاشور : " التحرير والتنوير "، الطبعة التونسية، دار سحنون للنشر والتوزيع - تونس – 1997م، ج3، ص : 177،
(2) - محمد الأمين الشنقيطي : " أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن "، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، 1983م، ج4، ص : 39،
(3) - محمد متولي الشعراوي : " تفسير الشعراوي "، مطابع أخبار اليوم، القاهرة، ج 1، تفسير سورة البقرة، ص : 405،
(4) - محمد فوزي فيض الله : " صور وعبر من الجهاد النبوي في المدينة "، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، 1416 هـ - 1996م،
(5) - أنظر : www.dorar.net/tafseer/3?sec=834
*******
أ.د / أحمد بشير، جامعة حلوان، القاهرة
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: