البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

دروس الأربعاء بمسجد الجامعة بصنعاء -1- موقف الإنسان من نعم الله عليه (*)

كاتب المقال أ. د/ احمد بشير - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 3502


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


الدرس الأول : موقف الإنسان من نعم الله عليه
أ.د. أحمد يوسف محمد بشير، رئيس قسم الخدمة الاجتماعية، جامعة صنعاء،

المحتويات

- أصول النعم الإلهية وأمهاتها
• أولا : نعمة الخلق والإيجاد من العدم
• ثانيا : نعمة الإمداد من العدم
• ثالثا : نعمة الهداية والإرشاد
- منزلة العلم في الإسلام
- فضل العلم وطلبه ومكانة العلماء في القرآن الكريم
------------------------------------------------------------

تمهيـــد

استجابة مني لما أثاره معي العديد من الأخوة المصلين حول الحاجة الماسة لتناول بعض الأخطاء الشائعة في الصلاة، والتي يقع فيها بعض رواد المسجد الجامعي، وهو الأمر الذي لاحظته يتكرر كثيرا وحاولت التنبيه إليه عقب الصلوات، وتناولته بالنقاش مع العديد من الإخوان، جاءت هذه المجموعة من الدروس التي تناولت مجموعة من تلك الأخطاء والمخالفات، وسلطت عليها الأضواء مع بيان طبيعتها وأسبابها وضرورة وكيفية العمل على تصحيحها، حرصا على أن تأتي الصلاة صحيحة ومطابقة لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والعمل على تذكير الإخوان بأهمية التعلم والتبصر والتفقه في الدين من أجل أن يتحقق الإمتثال لتعاليم الإسلام التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه الصحيح والمقبول، وهو أمر نبهنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حرصا منه على صحة عبادة الصلاة وسلامتها رجاء قبولها فقال : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ( أخرجه البخاري ) (1)، فهذا هو الشرط الأساس الذي لا تصح الصلاة بدونه بل وكذلك العبادات جميعها والأعمال الصالحة التي يقصد بها العبد التقرب الى الله تعالى، وذلك بعد توافر شرط الإخلاص لله، أما الشرط الذي يشير إليه الحديث فهو أن تأتي الصلاة – والعبادة والعمل - على وفق ما جاءت به السنة النبوية المشرفة (2)، وأن يكون العمل مطابقا لما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكلما اجتهد الإنسان في أن تأتي صلاته موافقة في الصفة والكيفية لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم كلما كان ذلك أرجى لقبولها، فلا صلاة حسب الهوى، ولا مخالفة، ولازيادة ولا نقص في الصلاة والعبادة عما ثبت عن رسول الله صلى عليه وسلم، ولذلك جاء الأمر النبوي واضحا لا لبس فيه ولا غموض : ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، فوجب علينا اتباعه مطلقا، وأن نفعل كما رأيناه يفعل، لأنه المبلغ عن الله مراده، وهو المبين لما أجمل في القرآن الكريم، قال جل ذكره مخاطبا إياه صلى الله عليه وسلم : "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم" (النحل: 44)، فبين صلى الله عليه وسلم لنا مواقيت الصلاة، وشروطها ( وجوبا وصحة )، وعدد الركعات والسجدات والجلسات، وصفة جميع الصلوات فرضها وسننها، وما لا تصح الصلاة إلا به من الفرائض وما يستحب فيها من السنن والفضائل؛ ونقل ذلك عنه صلى الله عليه وسلم بالتواتر حتى وصل إلينا كما بينه، نقله الكافة عن الكافة، على ما هو معلوم، ولم يمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى بين جميع ما بالناس الحاجة إليه في كل أمر من أمور دينهم وعلى رأسها الصلاة التي هي عمود الدين وعماده وقوامه، فكمل الدين، وأوضح السبيل؛ قال الله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" (المائدة: 3)،

هذا ولقد رأيت من المناسب أن نقدم بين يدي تلك السلسلة من الدروس ببيان موجز مختصر عن نعم الله تعالى على عباده مذكرا نفسي وإياكم بها، وكذا عن أهمية ومكانة العلم وطلبه في الإسلام، وخصوصا ذلك اللون من العلم - والمعرفة الشرعية - الذي به تصح العبادات وعلى رأسها الصلاة، ثم نشرع بعد ذلك في بيان بعض الأخطاء الشهيرة في الطهارة والوضوء، ومخالفات المصلين لبعض آداب المساجد، وأخطاء الصلاة، وكذا أخطاء صلاة الجمعة وغير ذلك مما له صلة وثيقة بشعيرة الصلاة لكونها عمود الدين كما هو معلوم، فهي قوام الإسلام ودعامته وعماده الذي يقوم عليه، ولذا فهي جديرة بالإهتمام والعناية ببيان ما تصح به وتسلم وتكون أقرب إلى مظنة القبول، ونستفتح بالذي هو خير ربنا عليك توكلنا واليك أنبنا واليك المصير،

الدرس الأول

الحمد لله رب العالمين، حمد المعترفين بفضله، الشاكرين لنعمه، الراضين والمستسلمين لقضائه وقدره سبحانه، يارب لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، سبحانك لا نحصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك، سبحانك يارب الأرباب ويا مسير السحاب، يا من ليس على بابك حاجب ولا بواب، دعوت فأجابوا ورضيت عنهم فطابوا، يا منشيء الكون بلا عون، يا من لا رجاء ولا أمل إلا فيك، ولا سكينة ولا طمأنينة إلا في ذكرك وطاعتك وشكرك وحسن عبادتك " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب " (الرعد28)،

يا من يجيب دعا المضطر في الظلم ***يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
إن كان أهل التقى فازوا بما عمـــلوا *** فمن يجــود على العاصين بالكرم

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شرف العلم وأهله، ورفع العلماء درجات،لا يعلمها إلا خالق الأرض والسماوات،
واشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، إمام العلماء وسيدهم وقدوتهم وأستاذهم ومعلمهم، النبي الأمي الذي علم المتعلمين، والذي أمره ربه جل جلاله بالدعاء والتضرع والابتهال الى الله عز وجل أن يزيده من العلم فقال له : ( وقل رب زدني علما ) (طه :114)، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك وكرمك ومنك ورضوانك يا أكرم الأكرمين،

من ذا الذي ما ساء قط *** ومن له الحسنى فقط
محمد الهــــــادي الذي *** عليه جـــبريل هبط

كيف لا وقد كان خلقه القرآن كما أخبرت بذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أي أنه كان قرآنا يمشي بين الناس وعلى الأرض وفي الأسواق، كان القرآن مجسدا في واقع الحياة،
وبعــــــــــــــــــد

عباد الله
واسمحوا لي إخوة الإيمان أن تكون نقطة الإنطلاق في لقاءاتنا حول هذه السلسلة المباركة حديثا مقتضبا - حسبما يقضي به الحال والمقام ويتسع له – حول نعم الله تبارك وتعالى علينا والتي تستوجب الشكر والعرفان للمنعم المتفضل جل جلاله،

فمرحبا بكم أيها الأحباب في هذا الجمع الطيب المبارك إنشاء الله، في رحاب بيت من بيوت الله، ويجمعنا مجلس طيب نتدارس فيه بعضا من شؤون ديننا، ونطلب العلم الذي ينفعنا في ديننا ودنيانا، ونتدبر نعم الله علينا التي لا حد لها ولامنتهى ولا عد ولا حصر، وهي نعم كثيرا ما نغفل عنها ونذهل عن الوقوف أمامها، فهنيئا لكم إخوة الإيمان مجلسكم الكريم المبارك، وياله من مجلس أخبرعنه المعصوم صلى الله عليه وسلم في الخبر الصادق : أنه مجلس تنزل عليكم فيه السكينة، وتغشاكم الرحمة، وتحفكم الملائكة، ويذكركم الله فيمن عنده (3)، فلنضرع ونبتهل جميعا إلى الله تعالى في مبدأ لقائنا أن يجعلنا أهلا لهذه العطاءات الربانية، والمنح الإلهية، والفيوضات العلوية القدسية، وأن يفتح للموعظة مغاليق أسماعنا وقلوبنا حتى نفقه من العلم ما يصلح الله به ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، آمين .. آمين .

أحبتي في الله :

فلتلهج ألستنا بذكر الله تعالى وحمده والثناء عليه، وبأفضل الصلاة والسلام على حبيب الله صلى الله عليه وسلم، ولتعمر قلوبنا وأفئدتنا بشكر المولى تبارك وتعالى الذي أنعم علينا بنعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، سبحانه صاحب الفضل والمنة والإحسان ابتداء جل جلاله، المحمود على سائر نعمه التي لا تحصى، وعطاءاته التي لا تستقصى، مع تسليمنا وإقرارنا بالعجز التام عن القيام بواجب حمده وشكره عليها كما يحب هو ويرضى، سبحانه هو القائل جل جلاله : " وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، إن الإنسان لظلوم كفار " (إبراهيم: 34)، أي فنعمه التي أفاضها عليكم لا تحصوها ولا تطيقوا عدها، ولا تقوموا بحصرها لكثرتها، كالسمع والبصر وتقويم الصور .........إلى غير ذلك من العافية والرزق وغيرها، فهلا استعنتم بها على طاعته سبحانه ؟ وعلى ذكره وشكره وحسن عبادته (4)، فاللهم إلهنا لك الحمد حمدا يوافي نعمك، ويكافئ مزيدك (5)، فنعمه علينا والله سابغة، ظاهرة وباطنة، سبحانه هوالقائل تبارك اسمه : " ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة " (لقمان: 20)، أي أكملها وأتمها عليكم، بل ولك أن تعلم أخا الإيمان أن في القرآن سورة كاملة تسمى سورة النعم هي ( سورة النحل ) كما قال العلماء وذلك بسبب ما عدد الله فيها من نعمه التي تترى وتتوالى على عباده، فحري بالمؤمن أن يتعرف على نعم الله عليه، وأن يتفكر فيها ويتدبر في عظيم شأنها، وأن يذكرها فيشكره تعالى عليها، ويؤدي حق شكرها بألا يستخدمها إلا في طاعة الله عز وجل ، خصوصا أن الله تعالى أمرنا بذكر تلك النعم وألا نغفل عنها فقال تعالى : {...... فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }(الأعراف69) أي نعمه التي أنعم بها عليكم، وحثنا على التفكر فيها والتدبر في شأنها لنعرف عظيم حقه علينا فقال عز من قائل : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (آل عمران190--191)،
وقال تعالى في موضع آخر مذكرا إيانا بنعمه العظيمة : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }( البقرة164)،
ومرة أخرى يقول الحق تعالى : وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ، وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } ( الجاثية 4—5)

أصول النعم وأمهاتها :

وإذا نظرنا – أحبتي في الله - إلى نعم الله تعالى علينا لرأينا أنها على الرغم من كونها – كما أشرنا لاتحصى ولا تعد - إلا أنها تعود في أصولها ورؤوسها وأمهاتها (6) – كما قالوا - إلى ثلاث نعم كبرى، تتفرع عنها جميع النعم الأخرى، وكل نعمة من النعم التي يفيض علينا بها سبحانه لا بد أن تعود في نهاية المطاف إلى واحدة من تلك الأصول الثلاثة، التي تشترك فيها جميع الخلائق والكائنات، أما الأولى فهي نعمة الخلق والإيجاد من العدم، وأما الثانية فهي نعمة العطاء والإمداد من العدم،، وأما الثالثة فهي نعمة الهداية والإرشاد، ونرى من المناسب هنا أن نلقي الضوء على كل أصل من هذه الأصول لبيان طبيعته وضرورته، وما يتضمنه من فضل الله تعالى على عباده ومخلوقاته،

أولا : نعمة الخلق والإيجاد من العدم :

ويشترك فيها كل الخلائق والكائنات التي أوجدها الله تعالى من العدم، فضلا عن الإنسان الذي كرمه الله تعالى وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، وحديثنا هنا سينصب على نعمة خلق الانسان، ففيها العبر والعظات البليغات، وفيها من الدروس واللفتات والفوائد عند تأملها ما الله به عليم، فانظر يا رعاك الله إلى عظمة هذه النعمة وجلالها ودروسها وعبرها، انظر كيف أوجدك الله من العدم بعد دهر طويل لم تكن فيه شيئا مذكورا، قال جل شأنه : " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا " ( الإنسان 1)، فتفكر أخي قليلا من الذي خلقك وأوجدك، ومن الذي سواك فعدلك، ومن الذي في أبهى وأجمل وأكمل صورة ركبك، أليس هو الله جل جلاله الجواد المنان كثير الخير والإحسان، الحقيق بالشكر والطاعة قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك }(الانفطار6 )، وانظر الى قوله تعالى يمتن على عباده : ( وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ، وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ }(الأعراف11)، فانظر كيف أن الله تعالى لما ذكر نعمه على عباده بأن مكن لهم في الأرض وجعلها قرارا لهم، وجعل لهم فيها ما يعيشون ويقتاتون به وعليه من صنوف المطاعم والمشارب، ذكر ابتداء خلقه لأبيهم آدم عليه السلام وهم في ظهره وامتن عليهم بذلك، وقال تعالى : {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}، (سورة النحل، الآية: 78)، وفي سورة التين يقول الله تعالى : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }(التين4) (7)،

إن تفكر الإنسان في إيجاده من العدم، بعد أن لم يكن شيئا مذكورا، وفي تكوينه وتسويته على أحسن تقويم، وفي أكمل وأبهى صورة، لحري أن يجعله يقف عند حقيقة نفسه فلا يغتر ولا يتكبر،
هل تعلم يا ابن آدم مم خلقت ؟ وكيف خلقت ؟ هل فكرت في ذلك يوما ؟ والله تعالى يدعوك إلى النظر في مبدأ خلقك، وإلى التفكر في كيفية هذا الخلق، فاسمع الى ربك وهو يقول : ( فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب ) ( الطارق 5--7 ) هذا النداء الإلهي العلوي الأقدس يدعوني ويدعوك ويدعوا كل إنسان أن ينظر نظر اعتبار وتفكر وتأمل وتدبر، من أي شيء في الحقيقة خلق، فسيعرف ساعتها أنه خلق مما نعلم جميعا من ماء دافق وهو المني،
وإن من العجب العجاب العاجب العجيب ما توصل اليه العلم الحديث إذ إكتشف العلماء أن أصل الإنسان هو جزء من السائل المنوى !!!وليس السائل المنوى كله كما كان الإعتقاد السائد فى الماضى، ولقد حدد القرآن ذلك فى عبارة (ألم يك نطفة من مني يمنى ) ( القيامة 37)، والنطفة تشير إلى كمية ضئيلة جدا ً من السائل المنوى، ولقد أثبت العلم الحديث أن السائل المنوى يحتوى على مخلوقات صغيرة جدا ً تسمى (الحيوانات المنوية) وإخصاب بويضة الأنثى يتم بحيوان منوى واحد وهو خلية طولها (0.00001 مم )من بين عشرات ملايين الخلايا الصادرة من الرجل فى المرة الواحدة، وينتج الانسان ملايين هذه الخلايا فى اليوم الواحد بدون أى مجهود أو عمل أو قصد أو إرادة، ولكن بقدرة الله وحده عز وجل الذى يحدثنا بذلك فى القرآن الكريم فيقول تعالى :( أَ فَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُون * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُون ) (الواقعة 58—59)،
وهكذا فإن بداية الانسان ليست الحيوان المنوى كله، ولكن جزء من الحيوان المنوى ويوضح ذلك الآية القرآنية ( وأَنّه خَلَقَ الْزَوْجَيْنِ الْذَكَرَ وَالاُنْثََى * مِنْ نُطْفَةٍ اََِذَا تُمْنَى ) ( النجم 45—46)، فقول الله تعالى ( من نطفة ) بدلاً من ( نطفة) أى جزء من النطفة، فسبحان من خلق الانسان وأنزل القرآن،
قال الله تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ " (المؤمنون: 12—16)،
ومن ثم فعلى المؤمن العاقل الفطن أن ينظر إلى نفسه ويتفكر في خلقه من حين كونه ماء دافقا مهينا، إلى كونه خلقا سويا، يعان بالأغذية ويربى بالرفق، ويحفظ باللين حتى يكتسب القوى، ويبلغ الأشد، وإذا هو قد قال: أنا، وأنا، ونسي حين أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، وسيعود مقبورا؛ فيا ويحه إن كان محسورا، فينظر أنه عبد مربوب مكلف، مخوف بالعذاب إن قصر، مرتجيا بالثواب إن ائتمر، فيقبل على عبادة ربه ومولاه، فإنه وإن كان لا يراه يراه، (فإن لم تكن تراه فإنه يراك )، ولا يخشى الناس والله أحق أن يخشاه، ولا يتكبر على أحد من عباد الله ؛ فإنه مؤلف من أقذار، مشحون من أوضار، صائر إلى جنة إن أطاع واتقى أو إن عصى وطغى إلى نار، وقال ابن العربي: وكان شيوخنا يستحبون أن ينظر المرء في الأبيات الحكمية التي جمعت هذه الأوصاف العلمية :
كيف يزهو من رجيعه***أبد الدهر ضجيعه
فهو منــــــــــــــه وإليه***وأخوه ورضيعه
وهو يدعوه إلى الحــــــــــــش بصغر فيطيعه (8)
( الحش بفتح الحاء وضمها: المخرج وهو هنا بمعنى الخلاء )
ولأجل ذلك قالو إن دواء الكبر والعجب والغرور هوأن يعرف الانسان نفسه ويستحضر عظمة ربه وكبرياءه، ويلحظ نفسه وحقارتها، وينظر إلى ما يشتمل عليه باطنه وظاهره، فإن القذر يجري على جميع أجزائه، فالعذرة ( الغائط ) في جميع أمعائه والبول في مثانته، والمخاط في أنفه، والبصاق واللعاب في فيه، والوسخ في أذنيه، والدم في عروقه وشرايينه، والصديد تحت سرته، ويتردد في اليوم مراراً للخلاء ثم إنه في أول خلقته خلق من الأقذار من النطفة ودم الحيض، وجرى في مجرى البول مرتين، فواعجبا له كيف يتكبر، وعلى خلق الله كيف يتجبر،
وفي هذا المعنى ما جاء عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو بكر يخطبنا، فيذكر بدء خلق الإنسان فيقول: خلق من مجرى البول مرتين، ( يعني أن الإنسان في بدايات تكوينه وخلقه نزل من مجرى البول مرتين مرة من صلب أبيه ماءا مهينا، ومرة من رحم أمه طفلا جنينا )، فيذكر حتى يتقذر أحدنا نفسه، وقيل أن من كلام مصعب ابن عمير في التواضع أنه قال: العجبُ من ابن آدم كيف يتكبر وقد جرى في مجرى البول مرتين، وقيل أيضا أن الأحنف ابن قيس قال: عجبت لمن يجري مجرى البول مرتين كيف يتكبر؟ ( ابن كثير، البداية والنهاية ج/ص: 8/361)، وصدق من قال :
يا مدعي الكبر إعجابا بصورته *** أنظر خلاك فإن النتن تثريب
لو فكر الناس فيما في بطونهم *** ما استشعر الكبر شبان ولا شيب

ومن الفوائد الجمة والدروس العظيمة التي نجنيها من تفكرنا في نعمة الخلق والإيجاد ما نراه في الواقع من اختلاف الناس وتباينهم وتنوعهم صورا وأشكالا وألوانا وأجناسا ولغات .....الى غير ذلك، والمتأمل في هذا التنوع والآختلاف يجد أنه نعمة كبرى ومنة عظمى، إذ هو لازم من لوازم الحياة الانسانية لا تستقيم الحياة إلا به، حتى عده الله تعالى في كتابه آية من آياته الدالة على طلاقة القدرة والحكمة قال تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ }(الروم22)، فهذا الاختلاف والتباين في الأشكال والهيئات والصور واللغات ضرورة من ضرورات الحياة، والا اضطربت الحياة الانسانية، فلو تصورنا أن الناس جميعا خلقوا على نسخة واحدة في الصورة والملامح واللون والشكل، لأصبح التمييز بين شخص وآخر عسيرابل مستحيلا، وهنا تضيع الحقوق وتختلط المصالح مما يحيل الحياة الإنسانية إلى فوضى ضاربة لا ضابط لها، ويغرقها في غياهب من الظلمات الحالكة حيث لا شعاع يحدد ملامحها، ولا وميض من نور يقود مسيرتها، فلو تصورنا فرضا وجدلا أن ذلك قد حدث لأصبحت الحياة مستحيلة بكل المقاييس، فكيف – مثلا – يتسنى للمرء في هذه الحالة أن يعرف زوجه من أزواج الآخرين ومن النساء الأخريات ؟ بل كيف تعرف أبناءك وتميزهم عن أبناء الآخرين ؟، كيف تعرف أصدقاءك وإخوانك ؟ ولذلك كان الامتنان الإلهي في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }(الحجرات13)، فمن نعم الله عليكم أيها الناس أن خلقكم مختلفين في الهيئة والصورة واللون والجنس، وجعلكم متباينين في الأعراق والأجناس ليعرف بعضكم بعضا بما تميز به في شكله وصورته وهيئته وبما اختلف به عن غيره في لونه وجنسه وشعبه، ألا لله الحمد والمنة،

ثانيا : نعمة الإمداد من العدم :

وهي نعمة تشترك فيها كل الخلائق والكائنات أيضا، فكلهم ينعمون بعطائه ورزقه، قال تعالى : {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }( هود6)، فانظر رحمني الله وإياك كيف تكفل الله برزق جميع ما دبَّ على وجه الأرض تفضلا منه تعالى وتكرما، وقال أيضا : {وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }(العنكبوت60)،
فما من دابّة إلّا وقد قدّر لها اللّه رزقها، وهو سبحانه شاء أن يبسط الرزق ويقبضه بمقتضى حكمته، ولأجل ابتلاء الإنسان وامتحانه، فلا حِرص الحريص يزيد الإنسان من الرزق المقدّر له، كما لا يردّه عنه كراهية كاره، وإنّ بمقدور الإنسان أن يُرزق بتقوى اللّه والتوكّل عليه بغير الأسباب الطبيعية ومن حيث لا يحتسب ولا يعلم،
ولقد قيل :
وكيف أخاف الفقر والله رازقي*** ورازق هذا الخلق في العسر واليسر
تكفل بالأرزاق للخلق كلــــــهم***وللضب في البيداء والحوت في البحر

وفي الحديث الشريف : (إن روح القدس نفث في روعي إن نفسا لن تموت حتى تستكمل، رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم)، (صحيح ابن حبان ) (9)،
والقرآن الكريم يؤكد لنا في مواضع كثيرة أن اللّه سبحانه قد أمّن "رزق" جميع الموجودات الحيّة في نظام الخليقة والتكوين، ويسّر لها سبيل بلوغ تلك الأرزاق، كما زوّدها بالأدوات التي تستطيع من خلالها استيفاء رزقها،
فانظر أخا الإيمان الى نفسك، وكيف كنت وكيف أصبحت، أنظر من الذي وهبك وأعطاك وعلى موائد كرمه رباك، وبعد أن كنت فقيرا معدما أغناك، أنظر كيف جئت إلى الدنيا عاريا فمن الذي كساك، جئت ضعيفا فمن الذي قواك، جئت جائعا لا تملك قوتك فمن الذي إلى ثدي أمك هداك، وقال تعالى : ( الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ) ( الاعلى 2—3)، قيل في معناها : خلق المنافع في الأشياء، وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها، وقيل "قدر فهدى": قدر لكل حيوان ما يصلحه، فهداه، وعرفه وجه الانتفاع به، قال الامام القرطبي : وهدايات الإنسان إلى ما لا يحد من مصالحه، ولا يحصر من حوائجه، في أغذيته وأدويته، وفي أبواب دنياه ودينه، وإلهامات البهائم والطيور وهوام الأرض باب واسع، وشوط بطين، لا يحيط به وصف واصف؛ فسبحان ربي الأعلى (10)
فاذكر يا ابن آدم نعمة الامداد والرزق والعطاء التي تتضمن ما لا يحصى عدده من النعم، واضرع واسجد واشكر لمولاك، الذي وهبك وحباك، ومن كل نعمة في الوجود أعطاك،
ومن الدروس المرتبطة بنعمة الإمداد – والتي يغفل عنها كثير من الناس ---أن الله مع أنه تكفل برزق جميع الخلائق، إلا أنه أمر بالأخذ بالأسباب والسعي في طلب الرزق قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) ( الملك 15)، فهاهنا كما ترى أمر بالسعي على الرزق، على أن يكون هذا السعي بالوسائل والسبل الحلال والبعد عن الحرام والفرار منه، وانظر وتأمل ما جاء في الآية نفسها من تذكير بأن هناك نشور ووقوف بين يدي الله عز وجل ومساءلة ومحاسبة، فيسأل المرء عن كسبه من أين أتى (من أين اكتسبه ) وإلى أين ذهب( وفيم أنفقه ) ؟ وهذه ثلاثة أمور هامة ينبغي أن ننتبه لها مرتبطة بالرزق :
0 إيمان صادق، ويقين جازم بأن الرازق هو الله جل جلاله، وعلى المؤمن أن يكون صادقا في توكله على الله،
0 الإيمان بأهمية وضرورة العمل والسعي والأخذ بالأسباب لاكتساب الرزق المقدر وهذا لا ينافي التوكل الصحيح بحال،
0 أن يحرص الإنسان في سعيه وعمله وأخذه بالأسباب أن يتحرى الكسب الحلال وأن يبتعد عن الحرام، فلا ربا ولا رشوة ولا تعدي على أموال الناس بالباطل،
0 أن يكون حريصا على إنفاق المال في مصارفه الشرعية التي أحلها الله تعالى، بعيدا عن المصارف المحرمة والمشبوهة، وبعيدا عن الإسراف والتبذير والترف،

ولهذا السبب جاء التركيز في القرآن والسنة وفي مواضع عديدة على أنّ اللّه سبحانه وتعالى ضَمن رزق الإنسان وتكفل به، بيد أنّ هذا الضمان مشروط لصاحبه بالسعي والطلب والعمل والحركة وبذل الجهد،

ثالثا : نعمة الهداية والإرشاد :

أولا لابد أن نعرف أن الهدى هديان والهداية هدايتان : كما قال الامام القرطبي وغيره :

0 هداية دلالة وإرشاد وهو الذي تقدر عليه الرسل والانبياء وأتباعهم من العلماء والدعاة إلى الله والمربين والموجهين، يدل عليه ما جاء ذلك في قول الله تعالى : "ولكل قوم هاد" (الرعد: 7)، أي الإمام المتبع الذي يقدم القوم، والرائد الذي يرشدهم الى الغاية، وقال أيضا في موضع آخر مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم : "وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم" (الشورى: 52)، أي لتدل وترشد، فأثبت لهم سبحانه الهدى الذي معناه الدلالة والدعوة والتنبيه والإرشاد،
0 وهداية التأييد والتوفيق وكذلك خلق الإيمان في القلب : وهو أمر لايكون لأحد من خلق الله تعالى لا نبي مرسل ولا ملك مقرب، بل هو خالص لله تعالى تفرد به سبحانه، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : "إنك لا تهدي من أحببت" ( القصص: 56)، فكيف أثبت الله تعالى في آية الشورى الهداية لنبيه، وفي نفس الوقت نفاها عنه هنا في آية القصص، إن هذا يعني بالضرورة أن الهداية المثبتة ليست هي عين الهداية المنفية وإلا كان التناقض وحاش لله، انما الهداية المثبتة هي هداية الدلالة، أما المنفية فهي هداية التوفيق والمدد والتأييد، وسبحان من هذا كلامه !!!، وقال تعالى في هداية التوفيق والمعونة أيضا "أولئك على هدى من ربهم" (البقرة: 5)، وقال أيضا : "ويهدي من يشاء" (فاطر: 8)،
قال الامام القرطبي في تفسيره : والهدى: الاهتداء، ومعناه راجع إلى معنى الإرشاد كيفما تصرفت. قال أبو المعالي : وقد ترد الهداية والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها، من ذلك قوله تعالى في صفة المجاهدين: " فلن يضل أعمالهم. سيهديهم ويصلح بالهم " (محمد: 4 – 5)، ومنه قوله تعالى: " فاهدوهم إلى صراط الجحيم" (الصافات: 23)، ومعناه فاسلكوهم إليها،
وقيل الهداية في اللغة : هي الدلالة بلطف على ما يوصل إلى المطلوب، ولا تستعمل إلا في الخير غالبا، فاذا استعملت في غيره كان المقصود بها التهكم والسخرية كما قال تعالى : "فاهدوهم إلى صراط الجحيم" (الصافات: 23)،

ولتعلم أخا الإيمان بعد أن عرفت معنى الهداية بجانبيها هداية الدلالة، وهداية التأييد والتوفيق، أن هدايات الله تعالى لخلقه كثيرة ومتعددة لا تعد ولا تحصى لأنها في حقيقتها نعم، إلا أن أمهات الهدايات وأصولها خمس :
0 هداية الإلهام،
0 هداية الحواس،
0 هداية العقل،
0 هداية الدين،
0 هداية التوفيق والمعونة،

هذا ونعرض في إيجاز موجز لكل نوع منها :
0 أما الأولى فهي هداية الإلهام : يعطيها الله تعالى للإنسان والحيوان منذ ولادته والأمثلة على ذلك كثيرة مثل ( التقام الثدي للرضاع، امتصاص اللبن من ثدي الام، الصراخ من الجوع، الصراخ عند طلب الام ............وهكذا )،
0 وأما الثانية فهي هداية الحواس : وهي في حقيقة الأمر متممة لهداية الإلهام، ويعطيها الله تعالى أيضا للإنسان والحيوان، بل الحيوان فيها أكمل من الإنسان، فإلهامه وحواسه يكملان بعد ولادته بقليل، بخلاف الإنسان حيث يكملان فيه بالتدريج البطيء وفي زمن غير قصير، فعند الولادة لا يدرك الإنسان شيئا يذكر من الأصوات والمرئيات، وبعد فترة يبصر ولكنه لا يدرك تحديد المسافات فيحسب البعيد قريبا وهكذا،
0 وأما الثاثة فهداية العقل وهي أعلى من الإلهام والحواس، وخص بها الإنسان وتفرد بها عن سائر الحيوان، فبها يميز بين الخير والشر وبين الحسن والقبيح، ويصحح غلط الحواس والمشاعر ويصوب مسيرتها، إلا أن العقل قد يخطيء ويتنكب الطريق حين ينغمس الإنسان في شهواته وأهوائه وملذاته فيحتاج إلى هداية أخرى تصحح الخطأ وتصوب المسيرة وهي " هداية الدين "، نعم فقد يهمل الإنسان إستخدام حواسه وعقله فيما فيه سعادته وفلاحه ونجاحه، ويسلك بهذه الهدايات مسالك الضلال فيجعلها مسخرة لشهواته وملذاته حتى تورده موارد الهلكة ( وهو ما نراه في كثير من مجتمعات اليوم التي تنتشر فيها ألوان الفساد الإقتصادي والاجتماعي والعقدي والفكري والسلوكي والانحراف الأخلاقي ....الخ )، فما الحل إذن ؟ هنا يكون الإنسان في حاجة ماسة إلى نوع آخر من الهداية تضبط مشاعره وأهواءه، وتمنعه من الإعتداء على حقوق الآخرين وهي هداية الدين،
0 وتلك هي الهداية الرابعة وهي خاصة أيضا بالانسان، حيث أودع الله تعالى في غريزة كل إنسان شعور ( فطري ) بسلطة غيبية تسير الأكوان وتنظم حركتها في الحياة وينسب إليها كل ما لايعرف له سبب، وتوحي إليه بأنه له حياة وراء حياته الدنيا المحدودة، ولن يستطيع – عن طريق تلك الهدايات السابقة - تحديد ما يجب عليه نحو صاحب هذه السلطة الذي خلقه وسواه ووهبه هداياته في الدنيا وما فيه سعادته في حياته الثانية، إذن هو محتاج بالضرورة إلى هداية الدين، فمنحه الله إياها، وأرسل إليه الرسل، وأنزل الكتب، وذكر الله تعالى تلك الهداية في مواضع كثيرة من القرآن الكريم كقوله تعالى : ( وهديناه النجدين ) ( البلد 10 ) أي بينا له سبيلي الخير والشر، وقال أيضا : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ( فصلت 17)،أي دللناهم على طريق الخير والشر فلم يكترثوا لذلك،

ولنا أن نلاحظ أن الهدايات السابقة ( الأربعة ) لا يحتاج الإنسان أن يسأل الله تعالى إعطاءها إياه، فهي محض منحة ربانية منه جل جلاله لكل إنسان، ويتساوى فيها جميع الناس، ولكنه يظل في حاجة إلى أن يسأل الله دوامها واستمرارها، إلا أن هناك نوعا آخر من الهدايه يطلبه الإنسان ويسأل ربه إياه وهو :
0 الهداية الخامسة وهي هداية المعونة والتوفيق والتأييد للسير في طريق الخير دائما وهي لاتكون الا لله ومن الله تعالى وليست لأحد سواه، - كما بينا سابقا - قال تعالى ( إهدنا الصراط المستقيم ) ( الفاتحة 5)، والمعنى كما قالوا : دلنا دلالة تصحبها معونة غيبية من لدنك تحفظنا بها من الضلال والزيغ والخطأ، وهي هداية خاصة يراد بها الأعانة والمدد والتوفيق للسير في طريق الحق والخير دائما، قال تعالى : ( أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) ( الانعام 90 )، والمعنى أولئك الرسل المذكورين هم الذين وفقهم الله تعالى لدينه الحق, فاتبع هداهم وسر على نهجهم واقتدي بهم،

وصفوة القول إخوة الإيمان أن الهداية في القرآن الكريم تأتي بمعنيين : أحدهما بمعنى الدلالة والبيان والارشاد، وهي بهذا المعنى تستند إلى الله عز وجل وإلى النبي وإلى الوعاظ والمرشدين والموجهين والدعاة بل والآباء والأمهات، قال تعالى : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( الشورى 52)، والثاني بمعنى التوفيق والمعونة للسير في طريق الخير والهدى وهي لا تستند إلا إلى الله تعالى وهو وحده القادر عليها ولا يستطيعها سواه، قال تعالى : (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ( القصص 56)، إنك يا محمد لا تهدي هداية توفيق مَن أحببت هدايته, ولكن ذلك بيد الله وحده جل شأنه يهدي مَن يشاء أن يهديه للإيمان, ويوفقه إليه, وهو أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه،

وقال تعالى في سورة الحج (الآية: 16 ) {وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد}، فعلق وجود الهداية بإرادته جل جلاله، فالحمد لله الذي هدانا للإيمان والإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وهي نعمة من أجل النعم وأعظمها على الإطلاق، فالحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان ومنحة الإحسان والعرفان، فهو الذي هدانا للإسلام، وعمر قلوبنا بنور الإيمان، وسلك بنا طريق خير الأنام،

ولك أن تتأمل أخا الإيمان كيف أن أربعة أخماس سكان الكرة الأرضية حرموا من تلك الهداية، وهم يتخبطون في دياجير الكفر وظلمات الشرك والضلال، وكيف أن من فضل الله علينا أن جعلنا بهدايته وتوفيقه من أمة خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم التي يشكل عددها خمس سكان العالم، أليس في هذا عظيم الفضل وجليل الكرم من الله تعالى علينا، ثم انظر هداني الله وإياك الى ما يحب ويرضي كيف جاءنا الإسلام على طبق من ذهب بغير حول منا ولاقوة، ولا سعي ولا تدبير ولا تفكير فولد الواحد منا مسلما لوالدين مسلمين، وتربي ونما وترعرع في بيئة مسلمة، وتأمل أيضا كيف أننا لم نفتن في ديننا ولم نتعرض لشيء من الإختبارات والابتلاءات التي تعرض لها سلفنا الصالح من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أوذوا وعذبوا وشردوا وقوتلوا بسبب دينهم لا بسبب شيء سواه، وكيف أنهم رغم كل تلك الابتلاءات والمحن ثبتوا وصبروا وصابروا ولم يهتز يقينهم لحظة ولم تضعف هممهم وعقيدتهم، رغم كل ما لاقوه من ألوان الإيذاء وصنوف العذاب مما لا يحتمله بشر ،
وإليك هذا النموذج الفذ لترى كيف ثبت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا كالجبال الراسيات أمام أعتى صنوف الفتن والإبتلاءات بسبب هذا الدين، فها هو واحد من جيل الصحابة الفذ وهو الصحابي الجليل خباب بن الأرت رضي الله عنه يقول : " شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلت: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون)،(أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما )،وفي رواية: " وهو متوسد بردة وقد لقينا مِنْ المشركين شدة" (11)، الله أكبر، ألهذا الحد يصنع الإيمان صنيعه العجيب في القلوب نعم، إن الإيمان عندما تباشر بشاشته شغاف القوب فإنه يكاد يجعل المستحيل ممكنا، والبعيد قريبا، والملح الأجاج عذبا فراتا سلسبيلا، والسؤال الذي ينبغي أن نوجهه لأنفسنا : ترى لو كنا نحن مكان هؤلاء الأفذاء النجباء فماذا كنا فاعلين ؟ أترك لكم الإجابة !!
وهذا بلال ابن رباح العبد الحبشي الأسود رضي الله عنه ( وهو من السابقين الى الإسلام ) انظر كيف ابتلي في دينه فصبر، وكيف عذب فثبت، وتنقل لنا الروايات مالاقاه بلال على يد سيده أمية بن خلف الذي كاد يزهق روحه تحت وطأة الصخر واللهب، كل ذلك من أجل أن يرجع عن دين محمد، وكان من الممكن ان ينطق بكلمة الكفر مضطرا ولا شيء عليه، بيد أن الرجل أبي وصبر وكان يردد في إباء وشمم : أحد أحد، وهو يتلوى تحت الشمس المحرقة، والسياط المهلكة، إلى أن تداركته عناية الله تعالى فاشتراه وأعتقه أبو بكر الصديق رضي الله عنه (12)، فهل لو كان أحدنا مكانه وابتلي بلاءه ولاقى ما لاقاه من ألوان التعذيب والاستهذاء والإيذاء والتنكيل أكان يصبر صبره، ويثبت ثباته، دون أن يهتز أو تلين له قناة !!!

أما بلال فقد كان صابرا محتسبا ثابتا راسخ القلب والقدم كالجبل الأشم رضي الله عنه، ولذلك كان له عند الله تعالى أجر الصابرين الذين يوفون أجرهم بغير حساب (13)،

وبعد إخوة الإيمان، فلقد كانت هذه هي أصول النعم التي أنعم الله بها على الكائنات والإنسان وينبثق من كل واحدة منها ما لا يعد ولا يحصى من نعم الله عز وجل، وهي جميعها تستوجب من الإنسان ذكرها والتفكر فيها وتأملها، ليتسنى له شكر المنعم جل جلاله على كريم عطائه، وسابغ نعمه وآلائه، والشكر لا يكون إلا عن معرفة وعلم وبصيرة ودراية وإدراك ووعي بهذه النعم، وإلا فكيف يتسنى للإنسان أن يشكر ربه على نعمة هو لا يعرفها ولا يدركها، ومن هنا كان لزاما على كل مسلم أن يتفكر في آلاء الله ونعمه عليه، وأن يسعى إلى طلب العلم الشرعي الذي يهيء له هذا السبيل فيمكنه من معرفة ربه وأسمائه وصفاته وأفعاله وآلائه ونعمه، وكيفية شكر المنعم جل جلاله على هذه النعم، والله المستعان وعليه التكلان،
إذا كنت في نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإلــه *** فإن الإلـــــــه سريع النقم

وكثير من الناس يظن أن أكبر نعم الله تعالى علينا وأهمها هي نعمة المال، وينسى نعمة الصحة والعافية، ونعمة البصر والعقل والأهل والأبناء وغيرها كثير .
وأخيرا تذكر نعم الله عليك تسعد بما لديك .. فأنت تعيش وسط جو مليء بنعم الله، ولا بد للإنسان من أن يدرك تلك النعم، فكم من الناس لا يدرك فضل الله علينا إلا حينما يحرم إحدى تلك النعم ؟

يقول الدكتور مصطفى السباعي : " زر المحكمة مرة في العام لتعرف فضل الله عليك في حسن الخلق .. وزر المستشفى مرة في الشهر لتعرف فضل الله عليك في الصحة والمرض .. وزر الحديقة مرة في الأسبوع لتعرف فضل الله عليك في جمال الطبيعة ..وزر المكتبة مرة في اليوم لتعرف فضل الله عليك في العقل. وزر ربك كل آن لتعرف فضل الله عليك في نعم الحياة "

ويقول أحدهم : لتكن لك يا بني ساعة في يومك وليلك .. ترجع فيها إلى ربك ومبدعك مفكرا في مبدئك ومصيرك .. محاسبا لنفسك على ما أسلفت من أيام عمرك .. فإن وجدت خيرا فاشكر .. وإن وجدت نقصا فجاهد واصطبر ".
------------------------------------------
(*) هذه سلسلة من الدروس التي ألقيت على جمهور المصلين بمسجد جامعة صنعاء بالسكن الجامعي (الجامعة الجديدة )، وهم – في الغالب - من أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء من جنسيات متعددة ( اليمن، مصر، العراق، سورية، لبنان ...........) وكان ذلك في الفترة من عام 2006م إلى 2008م، أيام كان الكاتب معارا إلى جامعة صنعاء كلية الآداب،

*********

الهوامش والاحالات :
===========

(1) أصل الحديث كما جاء في صحيح البخاري : عن أبي قلابة قال: حدثنا مالك : أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يوما وليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا، أو قد اشتقنا، سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه، قال: (إرجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم)، وذكر أشياء أحفظها، أو لا أحفظها : (وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم)، (شببة متقاربون) أي في السن، وشببة جمع شاب)،
(2) يروى أن الفضيل ابن عياض قرأ قول الله تعالى: ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ) ( الملك 2) فقال : " يعني أخلصه وأصوبه، إن العمل يجب أن يكون خالصاً لله، وصواباً على متابعة النبي صلى الله عليه وسلم " أي حتى يكون مقبولا لا بدأن يتوافر فيه الشرطان الإخلاص، والاتباع والمتابعة،
(3) إشارة إلى الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال : " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس اللَّه عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر اللَّه عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره اللَّه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل اللَّه له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللَّه تعالى يتلون كتاب اللَّه ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم اللَّه فيمن عنده؛ ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" ( رَوَاهُ مُسْلِمٌ )،‏
(4)- قال أرباب المعاني ربط سبحانه وتعالى بني إسرائيل بذكر النعمة وأسقطه عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى ذكره فقال "اذكروني أذكركم" [البقرة: 152] ليكون نظر الأمم من النعمة إلى المنعم ونظر أمة محمد صلى الله عليه وسلم من المنعم إلى النعمة، وبيان ذلك أن الله تعالى أمر بني إسرائيل في ثلاثة مواضع من القران الكريم أن يذكروا نعمه عليهم فقال : {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ }البقرة40، وقال {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }البقرة47، وايضا : {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }البقرة122، وقيل أن بني إسرائيل لما كانوا عبادا للمادة مؤثرين لها على غيرها ناسب ذلك أن يوقفهم الحق مع نعمه التي أسبغها عليهم، أما أمة محمد فهي الوسط التي اصطفاها الله على الامم فناسب ذلك أن يجعل همتهم النظر إلى المنعم جل جلاله لا أن يتوقف نظرهم عند النعمة ،
(5)- كان بعض العلماء إذا تلا {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} قال: سبحان من لم يجعل من معرفة نعمه إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها، كما لم يجعل في أحد من أدراكه أكثر من العلم أنه لا يدركه، فجعل معرفة نعمه بالتقصير عن معرفتها شكرا، كما شكر علم العالمين أنهم لا يدركونه، فجعله إيمانا علما منه أن العباد لا يجاوزون ذلك،
(6)- ولبعض العلماء قول آخر في رؤوس النعم، كما قال وهب : رؤوس النعم ثلاثة:
إحداها: نعمة الإسلام التي لا تتم نعمة إلا بها.
والثانية: نعمة العافية التي لا تطيب الحياة إلا بها .
والثالثة: نعمة الغنى التي لا يتم العيش إلا بها
( ابن كثير : البداية والنهاية، الجزء التاسع )

(7) قال بعض الحكماء: إن كل شيء في العالم الكبير له نظير في العالم الصغير، الذي هو بدن الإنسان، ولذلك قال تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" [التين: 4] وقال: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" [الذاريات: 21]. فحواس الإنسان أشرف من الكواكب المضيئة، والسمع والبصر منها بمنزلة الشمس والقمر في إدراك المدركات بها، وأعضاؤه تصير عند البلى ترابا من جنس الأرض، وفيه من جنس الماء العرق وسائر رطوبات البدن، ومن جنس الهواء فيه الروح والنفس، ومن جنس النار فيه المرة الصفراء. وعروقه بمنزلة الأنهار في الأرض، وكبده بمنزلة العيون التي تستمد منها الأنهار، لأن العروق تستمد من الكبد. ومثانته بمنزلة البحر، لانصباب ما في أوعية البدن إليها كما تنصب الأنهار إلى البحر. وعظامه بمنزلة الجبال التي هي أوتاد الأرض وأعضاؤه كالأشجار، فكما أن لكل شجر ورقا وثمرا فكذلك لكل عضو فعل أو أثر، والشعر على البدن بمنزلة النبات والحشيش على الأرض، ثم إن الإنسان يحكي بلسانه كل صوت حيوان، ويحاكي بأعضائه صنيع كل حيوان، فهو العالم الصغير مع العالم الكبير مخلوق محدث لصانع واحد، لا إله إلا هو، ( القرطبي في تفسيره،ج2، البقرة، اية رقم 164)، وفي هذا المعنى يقول الشاعر وهو يخاطب الإنسان :
وتحسب أنك جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر
(8) ( القرطبي التفسير، ج7، الاعراف 185)
(9) انظر مختصر تفسير ابن كثير، سورة الشورى الاية 42
(10) القرطبي
(11) (متوسد بردة) جعلها وسادة له، (تستنصر) تطلب النصرة من الله تعالى، (ليتمن) من الإتمام والكمال، (هذا الأمر) وهو الإسلام، (تستعجلون) النتائج والثمرات، قوله: (حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت) يحتمل أن يريد صنعاء اليمن، وبينها وبين حضرموت من اليمن أيضا مسافة بعيدة نحو خمسة أيام، ويحتمل أن يريد صنعاء الشام والمسافة بينهما أبعد بكثير، والأول أقرب، قال ياقوت: هي قرية على باب دمشق عند باب الفراديس تتصل بالعقيبة، قلت: وسميت باسم من نزلها من أهل صنعاء اليمن (فتح الباري )،
(12) يروى عن علي رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " رحم اللّه أبا بكر زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالا من ماله"، ولما اشتراه أبو بكر قال له بلال : هل اشتريتني لعملك أو لعمل اللّه؟ قال: بل لعمل اللّه قال: فذرني وعمل اللّه، فأعتقه، وكان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يقول: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا رضي اللّه عنه

(13) عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال لبلال: يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة قال: ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي. ( مُتَّفَقٌ عَلَيهِ )، " الدف " بالفاء : صوت النعل وحركته على الأرض. والله أعلم، وفي رواية : " ما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها " ولأحمد من حديثه " ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين " فدل على أنه كان يعقب الحدث بالوضوء والوضوء بالصلاة في أي وقت كان،

************


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

نعم الله، دروس دينية، توعية دينية، تأملات، التدبر القرآني،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 27-03-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  محاضرة تمهيدية حول مقرر مجالات الخدمة الاجتماعية والرعاية الاجتماعية لمرحلة الدراسات العليا
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -44- الميثاق الاخلاقي للخدمة الإجتماعية Social Work Code Of Ethics
  وقفات مع سورة يوسف - 5 - المشهد الأول - رؤيا يوسف – أحد عشر كوكبا
  من روائع مالك بن نبي -1- الهدف أن نعلم الناس كيف يتحضرون
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -43- خدمة الجماعة المجتمعية : Community Group Work
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -42- مفهوم البحث المقترن بالإصلاح والفعل Action Research
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -41- مفهوم التقويم Evaluation
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -40- مفهوم التجسيد – تجسيد المشاعر Acting out
  نفحات ودروس قرآنية (7) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 7 ثمان آيات في سورة النساء ....
  نفحات ودروس قرآنية (6) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 6 ثمان آيات في سورة النساء .... أ
  من عيون التراث -1- كيف تعصى الله تعالى وانت من أنت وهو من هو من نصائح ابراهيم ابن ادهم رحمه الله
  وقفات مع سورة يوسف - 4 - أحسن القصص
  نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 5 ثمان آيات في سورة النساء ....
  طريقتنا في التفكير تحتاج إلى مراجعة
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -39 - الانتقائية النظرية في الخدمة الاجتماعية Eclecticism
  قرأت لك - 1 - من روائع الإمام الشافعي
  نماذج من الرعاية الاجتماعية في الإسلام – إنصاف المظلوم
  وقفات مع سورة يوسف - 3 - قرآنا عربيا
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -38- مفهوم التقدير في التدخل المهني للخدمة الاجتماعية Assessment
  الشبكات الاجتماعية Social Network
  نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 4 ثمان آيات في سورة النساء ....
  وقفات مع سورة يوسف - 2 - تلك آيات الكتاب المبين - فضل القرآن الكريم
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -36- مفهوم جماعة النشاط Activity Group
  رؤية تحليلية مختصرة حول الإطار النظري للخدمة الاجتماعية (9)
  وقفات مع سورة يوسف - 1 - مع مطلع سورة يوسف " الر " والحروف المقطعة
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -35- مفهوم الهندسة الاجتماعية Social Engineering
  نفحات قرآنية ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة المحمدية 3 ثمان آيات في سورة النساء ....
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -34- مفهوم التثاقف – او المثاقفة - التثقف Acculturation
  من عجائب القران – نماذج وضاءة لجماليات الأخلاق القرآنية
  من عجائب القرآن الكريم والقرآن كله عجائب –1- الأمر بالعدل والندب إلى الاحسان والفضل في مجال المعاملات

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حميدة الطيلوش، صلاح المختار، طارق خفاجي، محمود طرشوبي، محرر "بوابتي"، إسراء أبو رمان، وائل بنجدو، فوزي مسعود ، رافد العزاوي، المولدي الفرجاني، ياسين أحمد، رافع القارصي، صالح النعامي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد بوادي، د - عادل رضا، سليمان أحمد أبو ستة، أحمد الحباسي، منجي باكير، مصطفي زهران، علي الكاش، عبد الرزاق قيراط ، عبد الله زيدان، أنس الشابي، فتحـي قاره بيبـان، د - الضاوي خوالدية، سامر أبو رمان ، أحمد النعيمي، سلام الشماع، فهمي شراب، الهادي المثلوثي، صفاء العراقي، محمد يحي، د- محمود علي عريقات، سلوى المغربي، د. صلاح عودة الله ، د. أحمد بشير، د- هاني ابوالفتوح، د - صالح المازقي، يزيد بن الحسين، د. عبد الآله المالكي، صباح الموسوي ، د - مصطفى فهمي، رحاب اسعد بيوض التميمي، عبد العزيز كحيل، أشرف إبراهيم حجاج، سيد السباعي، صفاء العربي، عواطف منصور، د. طارق عبد الحليم، علي عبد العال، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سفيان عبد الكافي، عمار غيلوفي، مجدى داود، د - محمد بنيعيش، خبَّاب بن مروان الحمد، رضا الدبّابي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد أحمد عزوز، حاتم الصولي، رشيد السيد أحمد، ضحى عبد الرحمن، حسن الطرابلسي، د - محمد بن موسى الشريف ، عزيز العرباوي، بيلسان قيصر، أبو سمية، د - شاكر الحوكي ، عبد الله الفقير، كريم السليتي، جاسم الرصيف، كريم فارق، د. أحمد محمد سليمان، د. مصطفى يوسف اللداوي، د- جابر قميحة، د- محمد رحال، سامح لطف الله، محمود فاروق سيد شعبان، محمد شمام ، الناصر الرقيق، حسن عثمان، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد عمر غرس الله، نادية سعد، د - المنجي الكعبي، صلاح الحريري، أ.د. مصطفى رجب، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد علي العقربي، د.محمد فتحي عبد العال، خالد الجاف ، مراد قميزة، تونسي، رمضان حينوني، الهيثم زعفان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، العادل السمعلي، طلال قسومي، عبد الغني مزوز، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد الياسين، إياد محمود حسين ، عمر غازي، فتحي الزغل، د. خالد الطراولي ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، يحيي البوليني، المولدي اليوسفي، عراق المطيري، محمد العيادي، إيمى الأشقر، محمود سلطان، سعود السبعاني، مصطفى منيغ، ماهر عدنان قنديل، أحمد ملحم، محمد الطرابلسي، فتحي العابد،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة