من قواعد النصر في القران الكريم -28- ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة
أ. د/ احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4690
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
" لغزوة بدر خصوصية مطلقة حيث كانت أول تجربة نصر للمسلمين وأول طعم للغنائم للمسلمين سماها الله سبحانه يوم الفرقان لأنه فرق بين الحق والباطل وبانت لأول مرة في تاريخ الإسلام بوارق الحق بصورتها الجديدة " ( عبد اللطيف البريجاوي )
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين،
وبعـــد :
لقد أرسى القرآن الكريم في مواضع كثيرة منه مجموعة من القواعد والقوانين، وأخبرنا عن العديد من السنن الألهية الكونية والنفسية والاجتماعية التي تنظم حركة الوجود كله، وأمرنا أن نتدبر تلك القواعد والقوانين، ونسعى جاهدين لاكتشاف تلك السنن وفقهها، والعمل بمقتضاها، ليتحقق لنا الفوز والفلاح والنجاح والصلاح والسعادة في الدنيا والآخرة،
وفي هذا الإطار وجدنا القرآن الكريم يحدثنا عن أول حلقة من حلقات التدافع بين الحق والباطل، وبين الايمان والكفر، بعد مجيء الاسلام ومبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلك الحلقة التي تمثلت في واقعة بدر الكبرى (1) التي كانت أول لقاء قتالي بين معسكر التوحيد والحق بقيادة رافع لواء التوحيد سيدنا محمد، وبين معسكر الكفر والباطل، وامتن علينا المولى جل جلاله بأنه نصر أجدادنا الأوائل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائهم رغم ما كانوا فيه من ذل وضعف في العدد والعتاد بالقياس إلى ما كان عليه عدوهم (2)،
ومن هنا تأتي قاعدتنا اليوم التي تقول : أن الله تعالى ينصر عباده المؤمنين بغض النظر عن عددهم وعدتهم، أمام عدد وعدة عدوهم، وأن هذا النصر قد وقع بالفعل على أرض الواقع، وأول ما رآه المسلمون في غزوة بدر الكبرى، قال الله تعالى : ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ ( آل عمران : 123 )،
ولسائل أن يتساءل : إن هذه الآية تتحدث عن غزوة بدر وعما حدث فيها من انتصار المسلمين رغم قلة عددهم بالقياس إلى عدد الكفار، فكيف يمكن لنا أن نجعل منها قاعدة عامة من قواعد النصر في القرآن الكريم، أي كيف يمكن اعتبارها قاعدة سارية وهي تتناو واقعة محددة بعينها ؟
وللإجابة عن هذا التساؤل المشروع نقول : إنها واحدةٌ من الآيات التي تخبرنا أن الله تعالى منّ بالنصر على المؤمنين، وهي وإن كانت آية خاصّةً بمعركة بدرٍ، إلا أنّ ظاهرها يوحي بإمكان تعميم هذا المبدأ إلى غير هذه الواقعة من الوقائع، والمؤشّرات التي تسمح بمثل هذا التعميم تتمثل فيما جاء من الحديث عن النصر مع الإشارة إلى الضعف وقلّة العدد الذي كان عليه المسلمون في ذلك الزمان، وختام الآية بالدعوة إلى التقوى والشكر، الأمر الذي يوحي ولو على نحو الإشعار بالوعد بدوام مثل هذه المنّة إن ثبت المسلمون على التقوى والشكر، ويتأكّد هذا المعنى بملاحظة سياق الآية اللاحقة لهذه الآية ومن ذلك قوله تعالى : في الآية 521 من السورة نفسها : ﴿بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ ( آل عمران : 125 ) (3).
وهكذا تبين الآية أن الله تعالى نصر نبيه والمؤمنين في بدر، وأذل الشرك وأهله، وأظهر قدرته في نصر عباده ولو كانوا ضعفاء أذلاء قليلين، وكما نصرهم في بدر فهو يربي عباده المؤمنين على أنه قادر على نصرهم إذا هم استوفوا شروط النصر وأسبابه كما حدث في غزوة بدر،
ومن فوائد القاعدة وثمراتها :
- يعلمنا القرآن الكريم أن المسلمين فيما يتعلق باستحقاقهم لنصر الله تعالى وتأييده لهم على أعدائهم بين حالين لا ثالث لهما : إما أن يؤمنوا بالله تعالى إيمانا حقيقيا ويعتصموا به، ويثقوا فيه وفي قدرته على نصرهم مع الأخذ بكافة الأسباب المأمور بها، فالله حينئذ يتولاهم بحفظه وحمايته ورعايته ونصره، كما حدث في بدر وهي شاهدة على ذلك، وإما أن يعتل إيمانهم ويغتروا بقدرتهم، ويتبعوا أهواءهم، فيتخلى الله عنهم ويكلهم إلى أنفسهم، وإذا أوكلهم إلى أنفسهم باءوا بالهزيمة والخسران، فهم إذا بين أحد الحالين حال " التولي " أو حال " التخلي" .. ففي حالة التولي امتن الله تعالى عليهم بنصره وتوفيقه، فقال لهم : ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ ( عمران : 123 )، فعلى الرغم من قلة عددهم وعتادهم كان النصر حليفهم، وتولاهم الله حين افتقروا إلى الله عز وجل، وتحققوا بحال الافتقار إلى الله، وفي حالة التخلي، كانت الهزيمة رغم كثرة العدد، كما حدث في " حنين " وهو أمر سجله القرآن ليأخذ المسلمون الدرس والعبرة، ففي غزوة حنين كان المسلمون هم المسلمون، وكان فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أن قالوا {لن نغلب من قلة }، ويوم أن اغتروا واعتزوا بقوتهم وبكثرة عددهم فتخلَّى الله عنهم.. وكانت الهزيمة في أول الأمر، قال تعالى : ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ ( التوبة : 25 )،
فالإنسان إذا في هذه الحياة بين حالين لا ثالث لهما :
0 إما أن يكون مؤمنا بالله تعالى، مستجيباً له في كل ما يأتي وفي كل ما يدع، وهو ما يمكن أن نطلق عليه حال " التولي " أي أنه يتولى الله تعالى، يؤمن به، ويوحده، ويحقق العبودية الخالصة له، والافتقار إليه في كل شأن من شؤونه وفي كل لحظة من لحظات حياته، هنالك يتولاه الله تعالى ويؤيده، ويحفظه ويرعاه ويسدده،
0 وإن لم يكن كذلك فهو متبعٌ للهوى حكماً، وهو ما يمكن أن نطلق عليه حال " التخلي "، إن أعرض عن ذكر الله، واتبع هواه، واعتز بعلمه، وخبرته، وبقدرته، أو بنسبه، أو بعشيرته، أو بماله .....وما إلى ذلك، وهنا يتخلى الله تعالى عنه، ويكله إلى نفسه، وليس هناك خطٌ ثالث، وهذا في الحقيقة درسٌ يحتاجه كل مؤمن في كل ساعةٍ من ساعات النهار أو الليل، بين أن يكون مفتقراً إلى الله؛ وهذا موقفٌ علمي، وواقعيٌ، وصحيح، فالانسان بغير الله لا شيء، ولكن الله هو كل شيء، وبين أن يتوهَّم أنه قويٌ، أو غنيٌ، أو عالمٌ، أو ذو خبرة عريقة.. إلخ. فعندئذٍ يعتدُّ بها ويغتر فيتخلى الله عن (4).
- أن النصر من عند الله وحده تلك عقيدة راسخة : إن هذه الغزوة ( غزوة بدر ) تبين بجلاء ووضوح لا يعتريه شك تلك الحقيقة التي يعرفها ويؤمن بها كل مسلم من أن النصر كله بيد الله وحده يؤتيه من يشاء , ويحجبه عمن يشاء، فانظر كيف أن الصحابة رضوان الله عليهم – في هذه الغزوة - لما خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يريدون الحرب، وما ظنوا أن سيكون قتال ولا كان ذلك في بالهم ولا تقديرهم، ولذلك لم يتهيؤوا للحرب والقتال، ولم يخططوا لها، ولم يعدوا ما يكفي من العدة، ومع ذلك أظفرهم الله، ونصرهم على عدوهم لما صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وامتثلوا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم , فببركة إيمانهم وبصدقهم مع الله وطاعتهم لرسوله نصرهم الله وأظفرهم وأظهرهم على عدوهم، على اننا ينبغي أن نؤكد – حتى لا يساء الفهم – أن عدم تخطيطهم للحرب، وعدم إعدادهم للقتال لم يكون تقصيرا منهم، ولكنهم أرادوا أمرا آخر، وأراد الله أن يكون هناك قتال فكان ما أراده الله، وكان النصر للمؤمنين على الكافرين، وهذا هو ما قرره القرآن الكريم ونطق به قال تعالى : {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ } ( الأنفال : 7 )، أي : واذكروا -أيها المجادلون- وَعْدَ الله لكم بالظَّفْر بإحدى الطائفتين: العير وما تحمله مِن أرزاق, أو النفير, وهو قتال الأعداء والانتصار عليهم, وأنتم تحبون الظَّفْر بالعير دون القتال, ويريد الله أن يحق الإسلام, ويُعْليه بأمره إياكم بقتال الكفار, ويستأصل الكافرين بالهلاك.( التفسير الميسر )،
- أن النصر في بدر كان معجزة بكل المعاني : ففي ضوء ما سبق الإشارة إليه فإن النصر في بدر كان معجزةً،.فقد تم بغير أداة من الأدوات المادية المألوفة للنصر، كما قررنا، لم تكن الكفتان فيها - بين المؤمنين والمشركين - متوازنتين ولا حتى قريبتين من التوازن، فكان ميزان القوى مختلا لصالح الكافرين بكل وضوح، كان المشركون حوالي ألف مقاتل، خرجوا نفيرا لاستغاثة أبي سفيان، لحماية القافلة التي كانت معه، مزودين بالعدة والعتاد، والحرص على الأموال، والحمية للكرامة، والرغبة في إثبات الذات، وكان المسلمون حوالي ثلاثمائة، لم يخرجوا لقتال هذه الطائفة ذات الشوكة، إنما خرجوا لرحلة هينة، لمقابلة القافلة العزلاء وأخذ الطريق عليها فلم يكن معهم - على قلة العدد - إلا القليل من العدة، وكان وراءهم في المدينة مشركون لا تزال لهم قوتهم، ومنافقون لهم مكانتهم، ويهود يتربصون بهم.. وكانوا هم بعد ذلك كله قلة مسلمة في وسط خضم من الكفر والشرك في الجزيرة، ولم تكن قد زالت عنهم بعد صفة أنهم مهاجرون مطاردون من مكة، وأنصار آووا هؤلاء المهاجرين ولكنهم ما يزالون نبته غير مستقرة في هذه البيئة! (5)
- لقد كان المسلمون في حالة ضعف الذلّ في هذه الغزوة : وهو ما يتضح من خطاب القرآن لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كانوا قليلي العَدد والعُدد، وكان أعداؤهم يتجبّرون ويتكبّرون، وكانوا في المنطق المادّيِّ والحسّيّ أذلّة أمام عدوٍّ مستكبر، فقال سبحانه وهو يذكرهم بضعفهم ذاك في وقت ذلتهم :{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}، إذًا : جاء التأييد في وقت ضعفٍ كان يعيش فيه أولئك المؤمنون حالَ ذُلّ حسّيٍّ مادّيّ،
- للإسلام مقاييسه الخاصة للنصر والهزيمة : فحينما تكون المعركة بين الإيمان والكفر فإن النتائج لا تقاس بالمقاييس البشرية التي تبنى عادة علي الأسباب المادية وحدها , فإن الله عز وجل يؤيد جند الإيمان , يؤيد المؤمنين على الكافرين وإن كان الميزان المادي بينهم وبين عدوهم ليس متكافئا فإن الله سبحانه وتعالى الرحيم بعباده المؤمنين يعوض ما عساه نقص من استعداداتهم بما شاء من جنوده وما يعلم جنود ربك إلا هو، فالصحابة رضوان الله عليهم في بدر كان عدوهم أكثر منهم عددا وأقوى عدة , كان جيش المشركين ثلاثة أضعاف جيش المؤمنين ولكنهم لما لجأوا إلى ربهم واستغاثوا به نصرهم الله عز وجل علي عدوهم رغم هذا الفارق المادي الكبير في العدد والعدة .
- قيمة الشورى وطريق النصر : لم يكن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوانى عن مشاورة أصحابه في جلائل الأمور وخاصة في المواقف الخطيرة التي تتطلب قرارا حاسما تشارك فيه الأمة، كما حدث في غزوة بدر وغزوة أحد وغزوة الخندق، فلقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ بمبدأ المشاورة امتثالا لأمر ربه عز وجل، { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } ( آل عمران : 159 )، وجعل الله تعالى أمر هذه الأمة قائم على الشورى كقاعدة محورية : { ....وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ .. } ( الشورى : 38 )، ولذلك كانت بركات هذا المبدأ تنزل عليه وعلى أصحابه نجاحا وفلاحا وفوزا في الأمور ونصرا وظفرا في المعارك .
- إظهار الافتقار إلى الله تعالى أحد عوامل النصر : علمنا القرآن الكريم أن الأمر كله لله، المُلك ملكه، والخلق عبيده , وهذا ما أكدنا عليه مرارا في الحلقات السابقة من هذه السلسلة، فالخلق كلهم مفتقرون إلى الخالق في كل زمان ومكان، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } ( فاطر : 15 )، وهذه هي حقيقة العبودية، وهي حقيقة عرفها المؤمن وامتثل لها، وعاندها الكافر وتمرد عليها، وهذا هو النبي الأكرم الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف العظيم في غزوة بدر، يعلمنا هذا الدرس الجليل مهما كانت الأحوال، فان إظهار الافتقار إلى الرب عز وجل والتضرع بين يديه والتذلل له سبحانه وإظهار الضعف بين يديه والحاجة إليه والاستغاثة به , هذه كلها أمور مطلوبة من المؤمن مهما كانت الأحوال فالنبي صلى الله عليه وسلم مع يقينه بالنصر، حتى إنه حدد المواضع التي سيقتل فيها زعماء المشركين، ومع ذلك يقف بين يدي ربه يدعو ويلح في الدعاء والتضرع والاستغاثة، وببركة هذه الاستغاثة من النبي صلى الله عليه وسلم وببركة استغاثة الصحابة الكرام استجاب لهم الرب فنصرهم وأيدهم على الرغم من ذلتهم والمقصود بالذلة – كما أسلفنا - ضعف القوة وقلة العدد , يقول تعالى : { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين } ( الأنفال :9 )،
- الأمر بتقوى الله وشكره : وأخيرا فإن مما ينبغي ملاحظته والوقوف عنده في تصوير القرآن لتلك الغزوة، هو كيف أن الله سبحانه وتعالى بعد التأييد للمؤمنين بالنصر والظفر على عدوهم، حثَّ على التقوى والابتعاد عن مخالفة الأمر فقال : {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ( آل عمران : 123 )، أي : تقومون بطاعته، يعني من أجل أن تشكروه، وهذا باعتبار أن "لعل" المراد بها هنا التعليل وليس الترجي.ومعروف أنه بالشكر يزداد العون، ويزداد التأييد، قال تعالى : {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } ( إبراهيم : 7 )، أي : وقال لهم موسى: واذكروا حين أعلم ربكم إعلامًا مؤكَّدًا : لئن شكرتموه على نعمه ليزيدنكم من فضله , ولئن جحدتم نعمة الله ليعذبنَّكم عذابًا شديدًا.( التفسير الميسر )،
- وأخيرا نعود فنقول أن الأمة الاسلامية اليوم في أمس الحاجة إلى تدارس أحداث غزوة بدر، والتماس الدروس النافعات، والعبر والعظات التي تعمر قلوبهم باليقين أن حال الذلة والمهانة، والضعف والخوار، والهزيمة النفسية التي يعيشها المسلمين اليوم لن تدوم، ولابد للحق في النهاية من الانتصار كما وعد الله تعالى، لقد كان أجدادنا أذلة بنص القرآن الكريم يوم بدر، ومع ذلك نصرهم الله تعالى، فأعز الله رسوله، وأظهر وحيه وتنزيله، وبيَّض وجه النبي وقبيله، وأخْزى الشيطان وجيله، وعلمنا أن النصر إنما هو من عند الله، لا بكثرة العدد والعُدَد ؛ فالله تعالى يربي عباده وأولياءه تربية عقدية إيمانية في المقام الأول، ولذلك بين الله في سياق الآيات أنه سبحانه هو الناصر لهم يوم بدر، فعلم بذلك أن ما أعطاهم من السلاح والقوة، وما أمدهم به من الملائكة كل ذلك من أسباب النصر والتبشير والطمأنينة، وليس النصر منها بل هو من عند الله وحده , قال تعالى : {وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } ( آل عمران : 126 )، أي : وما جعل الله هذا الإمداد بالملائكة إلا بشرى لكم يبشركم بها ولتطمئن قلوبكم , وتطيب بوعد الله لكم، وما النصر – في الحقيقة - إلا من عند الله العزيز الذي لا يغالَب, الحكيم في تدبيره وفعله، وقال في موضع آخر : {وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ( الأنفال : 10 )، أي : وما جعل الله ذلك الإمداد إلا بشارة لكم بالنصر, ولتسكن به قلوبكم, وتوقنوا بنصر الله لكم, وما النصر إلا من عند الله, لا بشدة بأسكم وقواكم. إن الله عزيز في ملكه , لا يغلبه غالب، وحكيم في تدبيره وشرعه.
فنسأل الله تعالى كما نصر أجدادنا يوم بدر وهم أذلة، أن ينصرنا اليوم ونحن على هذا الحال من الضعف والذلة، وكما أمدهم بمدده، أن يمدنا بمدد من عنده، وأن ينصرنا على القوم الكافرين، فهو ولي ذلك والقادر عليه،
***********
الهوامش والاحالات :
==========
(1) – " بدر " : محلة بين مكة والمدينة تعرف ببئرها المنسوب لرجل حفرها يقال له بدر،
(2) – إنه يوم بدر، وهو يوم من أيام الاسلام، وكان في يوم جمعة وافق السابع عشر من شهر رمضان من سنة اثنتين من الهجرة، وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله، ودمغَ فيه الشرك وخرَّب محِلَّه مع قلة عدد المسلمين يومئذ، فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً فيهم فرسان وسبعُون بعِيراً، والباقون مشاة ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه، وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبَيض، والعدة الكاملة والخيول المسومة،
(3) - محمد حسن زراقط : " النصر الالهي - سنن النصر في القرآن الكريم "، سلسلة الدروس الثقافية، مركز نون للتأليف والتردمة، جمعية المعارف الاسلاميةالثقافية، 2015 م، ص : 79،
(4) - محمد راتب النابلسي : " خطبة الجمعة - الخطبة 0742 : خ1 -الولاء والبراء، خ2 - تحذير من بعض فتاوى الفضائيات "، في : 28/4/2000م، المصدر :
www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=2780&id=44&sid...
(5) - سيد قطب : " في ظلال القرآن "، تفسير سورة آل عمران ( بتصرف )،
************
أ.د/أحمد بشير، جامعة حلوان، القاهرة،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: