|
من قواعد النصر في القرآن الكريم – 25 – ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض
أ. د/ احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
المشاهدات: 5917
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
" ..سيعلم الظالمون حقَّ من انتقصوا، إنَّ الظالم لينتظر العقاب، والمظلوم ينتظر النصر والثواب .. " ( شريح القاضي )
" يروى أن الحجاج ابن يوسف الثقفي حبس رجلاً في حبسه ظلماً، فكتب إليه رقعة جاء فيها : قد مضى من بؤسنا أيام، ومن نعيمك أيام، والموعد القيامة، والسجن جهنم، والحاكم لا يحتاج إلى بينة "
*******
القاعدة رقم "25"
المحتويات :
* في رحاب الآيات الأولى من صدر سورة القصص :
* ثمة مجموعة من الحقائق الهامة نوردها بين يدي القاعدة :
- الحقيقة الأولى : وتدور حول قضية التوحيد :
- الحقيقة الثانية : أن العلو والاستعلاء في الأرض والاستكبار آفة خطيرة وعواقبها وخيمة على الانسان والمجتمع :
- الحقيقة الثالثة : أن من توابع العلو والاستكبار والطغيان من قبل الحكام قهر الرعية وإذلالهم واستعبادهم :
- الحقيقة الرابعة : أن من أبشع صور الاستضعاف والظلم والقهر التي كان يمارسها فرعون قتل الذكران من بني إسرائيل واستبقاء النساء :
* بين أنوار الوعد ونيران الوعيد :
- أنوار الوعد الإلهي تبعث الأمل في نفوس كل المستضعفين والمضطهدين :
- نيران الوعيد الإلهي بهزيمة الطغاة والجبابرة :
* نماذج من ثمرات هذه القاعدة القرآنية :
1- أنه لايقع في كون الله أمر إلا ما أراده الله :
2- أن الشر عندما يستفحل فإنه يحمل في طياته عوامل وبذور هلاكه :
3- تحقق الوعد الإلهي على أرض الواقع بشهادة القرآن والتاريخ :
4- من معالم ومظاهر الفساد الفرعوني :
0 المفسدة الأولى : التكبر والتجبر
0 المفسدة الثانية : أنه جعل أهل المملكة شيعاً وفرّقهم أقساماً
0 المفسدة الثالثة : أنه يستضعف طائفة من أهل مملكته فيجعلها محقرة مهضومة الجانب لا مساواة بينها وبين فرق أخرى
0 المفسدة الرابعة : أنه { يذبح أبناءهم }
0 المفسدة الخامسة : أنه يستحيي النساء
5 - إن الله لا يصلح عمل المفسدين - قاعدة قرانية وقانون رباني
6- واقع الامة الاسلامية اليوم :
7 - درس هام : الايمان واليقين هو القادر على الوقوف في وجه الطغاة والمستبدين :
8- إن تذكير الأمة بالمبشرات مطلب ملحّ في كل وقت وبالأخص عند اشتداد الأزمات وتوالي المآسي والنكبات
9 – التعرف على سمات المنهج الفرعوني :
10 - عوامل الهلاك وسنن السقوط والدمار:
******************
الحمد لله رب العالمين، حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما، ونهاهم عنه، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد الذي علمنا أن الظلم ظلمات يوم القيامة، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبعهم باحسان إلى يوم الدين،
وبعـــد :
تمهيــد :
علمنا الاسلام أن البغي والظلم عاقبته وخيمة على الظلمة والبغاة في الدنيا والآخرة، والظلم لا شك مؤذن – كما قال ابن خلدون – بخراب العمران، وأما المظلوم فيكفيه أن الله وعده بالنصر، والانتقام ممن ظلمه، مهما طال الزمن، كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف : " اتقوا دعوة المظلوم ؛ فإنها تحمل على الغمام يقول الله جل جلاله : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين " ( قال الألباني : حسن، أنظر : السلسلة الصحيحة )
فالله تعالى رحيم لعباده، ولا يرضى بالظلم والقهر الذي يمارسه بعض بني الانسان على غيرهم من الناس، ولذلك فمن رحمته أنه سبحانه ينصر المستضعفين المظلومين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، وينتقم من الظالمين شر انتقام، فيا أيها الظالم عد إلى صوابك وإياك أن تغتر بقوتك وقدرتك، وتذكر قدرة الله عليك، وأعلم أن ربك لبالمرصاد للظلمة والجبابرة والطغاة، ويا أيها المظلوم ثق بوعد ربك، وإياك أن يتسرب اليأس إلى نفسك وقلبك، وأعلم أن الله تعالى ينصر المظلوم ولو بعد حين،
وفي سياق هذا المعنى، ثمة قاعدة أخرى من قواعد النصر والتمكين نستنبطها ونستجليها من القرآن الكريم، ومؤداها أن الإمامة والوراثة والتمكين للمستضعفين والمقهورين والمطلومين في الأرض إنما هو بإرادة الله تعالى وحده، ومحض فضل من الله تعالى ، ولا يكون ذلك إلا للمؤمنين الصالحين، وهو ما نفهمه من قول الله تعالى في صدر سورة القصص : {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ } ( القصص : 5 - 6 )،
- في رحاب الآيات الأولى من صدر سورة القصص :
ولقد جاءت هاتان الآيتان في سياق الحديث عن قصة موسى عليه السلام وبني إسرائيل مع فرعون الطاغية، حيث قال تعالى قبلهما : {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{3} إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ{4}( القصص )، فهذا هو فرعون النموذج الصارخ للحاكم المستبد الطاغية الظالم الغشوم، علا وتكبر وطغى في الأرض , وجعل أهلها طوائف متفرقة ( فكان رائد سياسة فرق تسد ) , يستضعف طائفة منهم، وهم شعب بني إسرائيل، الذين هم من سلالة نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله، وكانوا إذ ذاك خيار أهل الأرض، وقد سلط عليهم هذا الملك الظالم الغاشم الكافر الفاجر يستعبدهم ويستخدمهم في أخس الصنائع والحرف وأرداها وأدناها ومع هذا {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ}، أي يذبِّح أبناءهم , ويستعبد نساءهم , فكان بذلك نموذجا للفساد والإفساد في الأرض،
قال بعض المفسرين : " وكان الحامل له على هذا الصنيع القبيح أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم ما يأثرونه عن إبراهيم عليه السلام، من أنه سيخرج من ذريته غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه وذلك - والله أعلم - حين كان جرى على سارة امرأة الخليل من ملك مصر من إرادته إياها على السوء، وعصمة الله لها، وكانت هذه البشارة مشهورة في بني إسرائيل، فتحدث بها القبط فيما بينهم ووصلت إلى فرعون، فذكرها له بعض أمرائه وأساورته وهم يسمرون عنده فأمر عند ذلك بقتل أبناء بني إسرائيل حذراً من وجود هذا الغلام ولن يغني حذر من قدر، وقيل أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً قد أقبلت من نحو بيت المقدس فأحرقت دور مصر وجميعَ القبط ولم تضر بني إسرائيل، فلما استيقظ هاله ذلك فجمع الكهنة والحزقة والسحرة وسألهم عن ذلك؟ فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك النسوان.
وهكذا يضعنا القرآن الكريم وجها لوجه أمام مشهد من مشاهد التاريخ السحيق الذي مرت به مصر الكنانة، حتى لكأننا نعيشه ونراه، من فرط بلاغة الرصد، وإعجاز البيان، وجزالة النظم القرآني، لنأخذ منه العبرة، ونتلمس من خلاله سبيل الخلاص مما نحن فيه اليوم،
ثم ماذا ؟ في تلك الأجواء التي كان يعيشها شعب مصر، والتي يخيم عليها الظلم والجبروت والاستبداد والقهر، وبث الفتن والفرقة، وسفك الدماء، واستئصال الذكور، واستعباد النساء، في تلك الأجواء التي قصها علينا القرآن الكريم وجسد لنا هذا الواقع الكئيب، تطالعنا عقب ذلك مباشرة آيات الوعد - التي نحن بصدد الوقوف معها - لتشع علينا أنوار الوعد الإلهي لأولئك المقهورين المستضعفين الذين يرزحون تحت نير القسوة والظلم والاستبداد والاستعباد، والذين يعيشون أشد ألوان المعاناة، ولا يجدون سبيلا للنجاه حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، هنا يأتينا وعد الله، لهؤلاء المستضعفين لندرك مجموعة من الحقائق الدامغة التي قد يغفل عنها كثير من الناس، والتي يحتاج مسلم اليوم إلى الوقوف أمامها، وإعمال الفكر فيها، تلك الحقائق التي نرى أن من المناسب ذكرها بين يدي القاعدة القرآنية الذهبية من قواعد النصر والتمكين التي نعالجها في هذه الحلقة من السلسلة التي نحن بصدد الحديث عنها،
ثمة مجموعة من الحقائق الهامة نوردها بين يدي القاعدة :
- الحقيقة الأولى : وتدور حول قضية التوحيد :
ولعل على رأس تلك الحقائق وأهمها على الإطلاق : أن هذه السورة ( سورة القصص ) إجمالا تعالج القضية المحورية التي يدور حولها الدين كله، إنها تعالج مسألة القمة في الإسلام، وهي مسألة الإيمان والتوحيد، وترد على أحد النماذج الصارخة للطغيان وادعاء الألوهية، فالله تعالى بدأ السورة ( وهي سورة مكية ) بقوله تعالى : {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }( القصص : 3 )، والمعنى : " نقصُّ عليك من خبر موسى وفرعون بالصدق لقوم يؤمنون بهذا القرآن , ويصدِّقون بأنه من عند الله , ويعملون بهديه " ( التفسير الميسر )، قال " الشعراوي " : " والنبأ : الخبر الهام الذي يجب الالتفات إليه، وهل هناك أهم من إرسال موسى ـ عليه السلام ـ إلى مَن ادعى الألوهية؟ لذلك أفرد لهما هذه السورة، فلم يَرِدْ فيها ذِكْر آخر إلا لقارون ؛ لأنها تعالج مسألة القمة، مسألة التوحيد، وتردّ علىَ مَنِ ادّعى الألوهية، ونازع الله تعالى في صفاته، وقوله تعالى :{ بِالْحَقِّ } لأن تلاوته وقصصه حق، كما في قوله تعالى :{ إِنَّ هَـاذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ } ( آل عمران : 62) ." (1)
- الحقيقة الثانية : أن العلو والاستعلاء في الأرض والاستكبار آفة خطيرة وعواقبها وخيمة على الانسان والمجتمع :
حيث يخبرنا القرآن الكريم أن فرعون الطاغية علا واستعلى في الأرض، وبلغ الغاية في التكبر والتجبر والطغيان والظلم، وتلك من أهم السمات " الفرعونية " في كل عصر ومصر، و{علا في الأرض } أي : أي تجبّر وعتى عتوا كبيرا، وطغى وبغى وآثر الحياة الدنيا، وأعرض عن طاعة الرّب الأعلى، قال " الشعراوي " : ...ومعنى { عَلاَ } من العلو أي : استعلى، والمستعلَى عليه هم رعيته، بل علا على وزرائه والخاصة من رعيته، بل وأخبرنا القرآن في مواضع أخرى أنه تجاوز كل الحدود والخطوط الحمراء في علوه وتكبره، حتى بلغ به الأمر أنه علا على الله عز وجل العلي الأعلى فادَّعى الألوهية، حتى نادى في شعبه ذلك النداء البشع الذي ما عرفناه إلا من فرعون : { أنا ربكم الأعلى }، وبكل غطرسة وتكبر يهتف بهم أيضا في نداء آخر لا يقل بشاعة قائلا : { ما علمت لكم من إله غيري }، وهذا منتهى الاستعلاء، ومنتهى الطغيان والتكبُّر " (2)،
وهذا هو العلو المذموم الذي حرمه الله تعالى، وتجدر الإشارة هنا إلى أن العلو والاستعلاء في الرؤية الاسلامية منه ما هو مذموم ومنه ما هو محمود : قال " ابن عاشور " في تفسيره (3) : " ....وصورت عظمة فرعون في الدنيا بقوله : {علا في الأرض } لتكون العبرة بهلاكه بعد ذلك العلو أكبر العبر، ومعنى العلوّ هنا الكِبْر، وهو المذموم من العلو المعنوي، كالذي في قوله تعالى : { نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض } ( القصص : 83 )، ومعناه : أن يستشعر نفسه عالياً على موضع غيره ليس يساويه أحد، فالعلو مستعار لمعنى التفوّق على غيره، غير محقوق لحق من دين أو شريعة أو رعي حقوق المخلوقات معه، فإذا استشعر ذلك لم يعبأ في تصرفاته برعي صلاح، وتجنب فساد وضر، وإنما يتبع ما تحدوه إليه شهوته وإرضاء هواه، وحسبك أن فرعون كان يجعل نفسه إلهاً وأنه ابن الشمس،
فليس من العلو المذموم رجحان أحد في أمر من الأمور لأنه جدير بالرجحان فيه جرياً على سبب رجحان عقلي، كرجحان العالم على الجاهل، والصالح على الطالح والذكي على الغبي، أو سبب رجحان عادي ويشمل القانوني وهو كل رجحان لا يستقيم نظام الجماعات إلا بمراعاته، كرجحان أمير الجيش على جنوده، ورجحان القاضي على المتخاصمين، وأعدل الرجحان ما كان من قبل الدين والشريعة كرجحان المؤمن على الكافر، والتقي على الفاسق، قال تعالى : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى } ( الحديد : 10 ) ويترجح في كل عمل أهل الخبرة به والإجادة فيه، وفيما وراء ذلك فالأصل المساواة .
- الحقيقة الثالثة : أن من توابع العلو والاستكبار والطغيان من قبل الحكام قهر الرعية وإذلالهم واستعبادهم :
فمادام الحاكم مستعليا في الأرض، فمن الطبيعي أن ينزع دائما إلى التكبر والطغيان، وهو بشر، وله هوىً، فلا بُدَّ أنْ يستخدم تلك الصفات في إذلال وإهانة رعيته وشعبه، ولذلك قال الله تعالى عن فرعون بعد أن وصفه بالعلو في الأرض : { وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً }، أي قسم رعيته إلى أقسام وفَرِقٍ وأنواع، وشيعا : جمع شيعة، وهي الطائفة التي لها استقلالها الخاص، قال " ابن عاشور " : " ....أي جعل أهل بلاد القبط فرقاً ذات نزعات تتشيع كل فرقة إليه وتعادي الفرقة الأخرى ليتم لهم ضرب بعضهم ببعض، وقد أغرى بينهم العداوة ليأمن تألبهم عليه كما يقال ( فرّق تحكم ) وهي سياسة لا تليق إلا بالمكر بالضد والعدو ولا تليق بسياسة ولي أمر الأمة الواحدة (4)
قال " الشعراوي " رحمه الله : والمفروض في المُمَلَّك ( الحاكم ) أنْ يُسوِّي بين رعيته، فلا تأخذ طبقة أو جماعة حظوه عن الأخرى، أما فرعون فقد جعل الناس طوائف، ثم يسلِّط بعضها على بعض، ويُسخِّر بعضها لبعض، ولا شكَّ أن جَعْل الأمة الواحدة عدة طوائف له مَلْحظ عند الفاعل، فمن مصلحته أن يزرع الخلاف بين هذه الطوائف ويشغل بعضها ببعض، فلا تستقر بينهم الأمور، ولا يتفرغون للتفكير فيما يقلقه ويهزّ عرشه من تحته، فيظل هو مطلوباً من الجميع، ومعنى { َيسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ }أي : تستبد طائفة الأقباط، وهم سكان مصر الأصليون بطائفة بني إسرائيل" (5)، والعجيب أن قوم فرعون أطاعوه وساروا خلفه كالقطيع، ففقدوا شخصيتهم وأصبحوا أذنابا لفرعون، ولقد أنكر الله عليهم ذلك بشدة ووصفهم بالفسق فقال : {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ } ( الزخرف :54 )، ولقد علمنا الإسلام أن الناس سواسية عند الله تعالى، لا فرق بين ملك ومملوك إلا بالتقوى : { إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أتْقَاكُم } ( الحجرات : 13 )، هذه سنة الله في خلقه، ولكن فرعون أراد أن يغير هذه السنة، فجعل أهل مصر شيعاً وطبقات متفاوتة، فمن أطاعه بما يريد حظي بالعيش الرغيد، والمكانة المرموقة، ومن يخالفه ـ كما حصل لبني إسرائيل ممن بقي على التوحيد ـ جعلهم خدماً للأقباط يذيقونهم ألوان العذاب،
- الحقيقة الرابعة : أن من أبشع صور الاستضعاف والظلم والقهر التي كان يمارسها فرعون قتل الذكران من بني إسرائيل واستبقاء النساء :
حيث كان فرعون الطاغية كما حكى القرآن الكريم {... يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ..}، أي يذبح أبناء بني إسرائيل، حتى لا يأتي منهم من يستولي على مُلْكه , ويبقي الإناث على قيد الحياة ذليلات مقهورات مستعبدات في الخدمة والامتهان , ولقد ورد ذكر هذا الصنيع البشع من فرعون وملئه في ثلاث مواضع من القرآن الكريم، هذا الموضع في سورة القصص، والموضع الآخر في سورة البقرة في قوله تعالى ممتنا على بني إسرائيل : {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } ( البقرة : 49 )، والموضع الثالث في سورة إبراهيم حيث قال الله تعالى : {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }( إبراهيم : 6 )، " ومن المعلوم أن حياة الناس لا تقوم إلا باستبقاء النوع، فقتل الذّكْران يمنع استبقاء النوع، واختار قَتْل الذكْران : لأنهم مصدر الشر ( والتهديد ) بالنسبة له، أمّا النساء فلا شوكة لهُنَّ، ولا خوفَ منهن ؛ لذلك اتسبقاهُنَّ للخدمة وللاستذلال والاستعباد " (6)،
قال " ابن عاشور " (7) : " وقصده من ذلك أن لا تكون لبني إسرائيل قوة من رجال قبيلتهم حتى يكون النفوذ في الأرض لقومه خاصة، ومعنى يستحيي النساء، أي يستبقي حياة الإناث من الأطفال، فأطلق عليهم اسم النساء باعتبار المآل إيماء إلى أنه يستحييهن ليصرن نساء فتصلحن لما تصلح له النساء وهو أن يصرن بغايا إذ ليس لهن أزواج، وإذ كان احتقارهن بصد قومه عن التزوج بهن فلم يبق لهن حظ من رجال القوم إلا قضاء الشهوة، وباعتبار هذا المقصد انقلب الاستحياء مفسدة بمنزلة تذبيح الأبناء إذ كل ذلك اعتداء على الحق،
وصفوة القول أن المتدبر لهذه الآيات يجد نفسه أمام هذا التصوير القرآني المعجز في بلاغته، البليغ في إعجازه لحال فرعون مع شعبه ورعيته :
- علو واستكبار في الأرض،
- اتباع سياسة فرق تسد، فجعل شعبه شيعا وأحزابا، يسلط بعضهم على بعض،
- استضعاف طائفة من الشعب يسومهم سوء العذاب فيذبح أبناءهم الذكور، ويستبقي النساء لاستعبادهن،
ويتحدث " صاحب الظلال " فيبين لنا كيف أن القرآن الكريم بهذا إنما يرسم لنا مسرح الاحداث الذي ستجري عليه قصة موسى مع الطاغية فرعون فيقول : " ...فلما كان ذلك الفرعون الطاغية { علا في الأرض } وتكبر وتجبر، وجعل أهل مصر شيعاً، كل طائفة في شأن من شئونه، ووقع أشد الاضطهاد والبغي على بني إسرائيل، لأن لهم عقيدة غير عقيدته هو وقومه؛ فهم يدينون بدين جدهم إبراهيم وأبيهم يعقوب ؛ ومهما يكن قد وقع في عقيدتهم من فساد وانحراف، فقد بقي لها أصل الاعتقاد بإله واحد؛ وإنكار ألوهية فرعون والوثنية الفرعونية جميعاً، وكذلك أحس الطاغية أن هناك خطراً على عرشه وملكه من وجود هذه الطائفة في مصر؛ ولم يكن يستطيع أن يطردهم منها وهم جماعة كبيرة أصبحت تعد مئات الألوف، فقد يصبحون إلباً عليه مع جيرانه الذين كانت تقوم بينهم وبين الفراعنة الحروب، فابتكر عندئذ طريقة جهنمية خبيثة للقضاء على الخطر الذي يتوقعه من هذه الطائفة التي لا تعبده ولا تعتقد بألوهيته، تلك هي تسخيرهم في الشاق الخطر من الأعمال، واستذلالهم وتعذيبهم بشتى أنواع العذاب، وبعد ذلك كله تذبيح الذكور من أطفالهم عند ولادتهم، واستبقاء الإناث كي لا يتكاثر عدد الرجال فيهم، وبذلك يضعف قوتهم بنقص عدد الذكور وزيادة عدد الإناث، فوق ما يصبه عليهم من نكال وعذاب، وروي أنه وكل بالحوامل من نسائهم قوابل مولدات يخبرنه بمواليد بني إسرائيل، ليبادر بذبح الذكور، فور ولادتهم حسب خطته الجهنمية الخبيثة، التي لا تستشعر رحمة بأطفال أبرياء لا ذنب لهم ولا خطيئة (8)،
وتأسيسا على كل ما سبق فإننا نقرر أننا إذا أدركنا واقع الحال الذي رسمت ملامحه تلك الآيات الأولى من سورة القصص، ثم يممنا وجوهنا نحو واقعنا المعاصر اليوم لوجدنا قدرا كبيرا من التشابه بين الواقعين،
- فالعلو والاستكبار والتجبر والطغيان الذي كان السمة المميزة لممارسات فرعون مع شعبه، تمارسه اليوم قوى متمكنة ومتقدمة اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا وعسكريا على شعوب المجتمعات المتخلفة والمستضعفة والمقهورة والتي من بينها للأسف أغلب المجتمعات الاسلامية،
- وعن بث الفرقة والعداوة والبغضاء بين المحومين، وممارسة سياسة فرق تسد فإننا نرى ونلمس نفس الممارسات من قوى الاستكبار العالمي مع المجتمعات والدول الاسلامية، وما زلنا للأسف في عصر المساواة – كشعار – نرى التفرقة العنصرية والتمييز بين القوميات والعرقيات والطوائف وتأليب بعضها على بعض،
- وعن الاستضعاف لبعض الشيع والطوائف والعرقيات والقوميات نجد سياسات التطهير العرقي تتجلى في العديد من المجتمعات بتزكية وتحريض من القوى المتسلطة،
فنحن اذا امام واقع كئيب لا يختلف كثيرا عما جاء في وصف حال فرعون وبني اسرائيل،
* بين أنوار الوعد ونيران الوعيد :
وبعد أن أحطنا بالملامح الأساسية لواقع الحياة التي كان يعيشها بنو إسرائيل تحت حكم فرعون، تنقلنا الآيات الكريمات إلى الإخبار عما سيؤول إليه الأمر طبقا لإرادة الله، فتنقلنا إلى الإخبار عن أنوار الوعد الإلهي لأولئك المستضعفين، ونيران الوعيد لفرعون الطاغية الجبار ومن معه، لتتجلى لنا رحمة الله وإرادته الماضية، فنقرأ قول الله تعالى : {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ } ( القصص : 5 - 6 )، فالظلم مهما بلغ، فهو حتما لن يدوم وان دام دمر، فإن للكون ربا عالما حكيما قادرا يدبر أمره ويدير شؤونه، حرم الظلم على نفسه، وجعله بين خلقه محرما، ونهى عن الظلم والاستبداد، ولذلك " لن يدوم لفرعون هذا الظلم ؛ لأن الله تعالى كتب ألاّ يفلح ظَلُوم، وألاَّ يموت ظلوم، حتى ينتقم للمظلوم منه، ويُريه فيه عاقبة ظلمه، حتى إن المظلوم ربما رحم الظالم، وحَسْبك من حادث بامرىء ترى حاسديه بالأمس، راحمين له اليوم، وهنا تُطالعنا غضبة الحق " (9) متمثلة في هذا الوعد الإلهي الذي تحقق على أرض الواقع فيما بعد،
- إن مؤدى هذا الوعد الإلهي الكريم : هو أن هؤلاء المستضعفين الذين يتصرف الطاغية في شأنهم كما يريد له هواه البشع النكير، فيذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، ويسومهم سوء العذاب والنكال، وهو مع ذلك يحذرهم ويخافهم على نفسه وملكه ؛ فيبث عليهم العيون والأرصاد، ويتعقب نسلهم من الذكور فيسلمهم إلى الشفار كالجزار! هؤلاء المستضعفون يريد الله أن يمن عليهم بهباته من غير تحديد ؛ وأن يجعلهم أئمة وقادة لا عبيداً ولا تابعين ؛ وأن يورثهم الأرض المباركة ( التي أعطاهم إياها عندما استحقوها بعد ذلك بالإيمان والصلاح )، وأن يمكن لهم فيها فيجعلهم أقوياء راسخي الأقدام مطمئنين، وأن يحقق ما يحذره فرعون وهامان وجنودهما، وما يتخذون الحيطة دونه، وهم لا يشعرون! هكذا يعلن السياق القرآني واقع الحال، وما هو مقدر في المآل، ليوقف القوتين وجهاً لوجه : قوة فرعون المنتفشة المنتفخة التي تبدو للناس قادرة على الكثير، وقوة الله الحقيقية الهائلة التي تتهاوى دونها القوى الظاهرية الهزيلة التي ترهب الناس!(10)، ليرى القارئ والمستمع أي القوتين ستكون لها الغلبة في نهاية المطاف، وما من شك في أن قوة الله تعالى هي الغالبة، وهي الحاسمة، وهي الفيصل، وهي صاحبة الكلمة العليا، {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون }،
- أنوار الوعد الإلهي تبعث الأمل في نفوس كل المستضعفين والمضطهدين :
ولذلك علمنا القرآن كيف جاء موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل وهم في هذه الحال، جاءهم وهم يواجهون تلك السلطة الطاغوتية فيقودهم ليخرجهم عليها ويفكهم من أسرها،
فنجد في الآيات بعد ذلك وعدا إلهيا عظيما، ونرى حالا تجيء واقعا وفقا لذلك الوعد وتحقيقا له، إنها حال يريدها الله تعالى لهم، فهي واقعة لا محالة، وهي تضاد تلك الحال الأولى تماما، يقول تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ )، هؤلاء المستضعفون لن يكونوا مجرد حاصلين على الحرية، بل سيكونون هم الأئمة الوارثين، وبعد كونهم مهزومين سيصبحون المنصورين والممكن لهم في الأرض، وفي مضمون هذا الوعد الالهي نلاحظ :
- أن الآيات تخبرنا أن الله تعالى يريد أن يمن على عباده المستضعفين ( أي من بني إسرائيل ) بأن يخلصهم من فرعون الطاغية، ويورثهم ملكهم، قال أهل التفسير : { ونريد أن نمن }، من المنة : وهي النعمة الثقيلة، قال " البقاعي " (11) : " فكانت إرادة الله فوق إرادة فرعون وملأه وتبقى إرادة الله فوق إرادة الظلمة والمتجبرين، { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } ( آل عمران : 54 )، {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً، وَأَكِيدُ كَيْداً، فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً }( الطارق : 15 – 17 )، ولما كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن هذا الوعد يمتد ليشمل كل مؤمن مستضف في الأرض مهضوم الحقوق، مسلوب الحرية، يرزح تحت نير الاستعباد والاذلال من قبل قوى البغي والعدوان التي لا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة،
- أن قوله تعالى : {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً، وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ}، يعني أن أنهم سيصبحون هم الملوك وهم الإئمة وهم الذين سيؤول إليهم ملك مصر وبلادها، بدلا من أولئك الذين يسومونهم سوء العذاب، وسبحان من : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }( الرحمن : 29 )، شؤون يبديها ولا يبتديها يرفع أقواما ويخفض آخرين،
- أن قوله تعالى : {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ }، أي سنجعل الضعيف قوياً، والمقهور قادراً، والذليل عزيزاً، قال بعضهم : " نوطد لهم أرض مصر والشام ونجعلها لهم سكناً "، وذلك هو الوعد القديم لهم قبل تبديلهم دينهم الذي أنزله الله تعالى .(12)،
قال بعض أهل العلم :" فالإمامة للدنيا في بعض معانيها، والوراثة للآخرة، كما ذهب إلى ذلك من ذهب كالامام مالك رحمه الله، وكذلك التمكين في الأرض يكون بنصيب من الحياة الدنيا مقابل ( الجنة ) التي هي نصيب الآخرة (13)،
- نيران الوعيد الإلهي بهزيمة الطغاة والجبابرة :
- وقوله تعالى : { وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}، أي : ونجعل فرعون وهامان وجنودهما يرون من هذه الطائفة المستضعفة ما كانوا يخافونه مِن هلاكهم وذهاب ملكهم, وإخراجهم من ديارهم على يد مولود من بني إسرائيل.( التفسير الميسر )، قال " المراغي " (14) : " أي ونري أولئك الأقوياء والأعداء والأدلاء على أيدي بني إسرائيل من المذلة والهون، وما كانوا يتوقعونه من زوال الملك والسلطان على يد مولود منهم، ولكن لا ينجي حذر من قدر، فنفذ حكم الله الذي جرى به العلم عن القدم على يد هذا الغلام "، والمقصود أن فرعون احترز كل الاحتراز أن لا يوجد موسى، حتى جعل رجالاً وقوابل يدورون على الحبالى، ويعلمون ميقات وضعهن، فلا تلد امرأة ذكراً إلا ذبحه أولئك الذباحون من ساعته، والإشارة هنا إلى أن فرعون سوف يرى ما كان يحذر منه وهو إبادته على يد إحدى الشخصيات إذا اعتبرنا هذه البداية أو التمهيد يجسد نهاية للحوادث، لأن الحوادث التي تنتهي بها قصة موسى مع فرعون تتمثل في إبادة فرعون وتمكين موسى وقومه في الأرض،
إننا متى آمنا بالوعد الإلهي بنصر المؤمنين، وهو ما أكدناه في كل الحلقات الماضية من هذه السلسلة، فإنه يلزمه تحقق وعد الله للكافرين , وقد أكد القرآن الكريم في مواضع كثيرة ملاحقة العدل الإلهي للطغاة المستكبرين على مدى التاريخ الإنساني، فحث القرآن المؤمنين على مدافعة هؤلاء الطغاة بلا هوادة ولا تردد أو خوف، فهم طبول جوفاء فارغة لا يثبتون أمام الحق وأهله , وهم مخدوعون بغرور شيطاني لا يعرف نبل الهدف، ولا شرف الغاية، ولذا فهم ضعفاء مهما تظاهروا بالقوة.. قال تعالى { الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا } ( النساء : 76 )، هذا هو الفرق بين المؤمنين والكافرين، فالمؤمنون الذين صدَقُوا في إيمانهم اعتقادًا وعملا يجاهدون في سبيل نصرة الحق وأهله , والذين كفروا يقاتلون في سبيل البغي والفساد في الأرض , فقاتلوا أيها المؤمنون أهل الكفر والشرك الذين يتولَّون الشيطان , ويطيعون أمره , إن تدبير الشيطان لأوليائه كان ضعيفًا، ويبين القرآن أن همة المؤمنين تعلو كل شيء، وتسمو على كل إغراء فهي تسعى لأحد هدفين، وإحدى حسنيين كلاهما الفوز المبين :
1- إما نصر يعز به الحق وأهله في دنيا الناس،
2- وإما شهادة تلحق صاحبها بالفردوس الأعلى،
وهذه الهمة العالية والشجاعة الباسلة تضرب ضربتها التي تحطم كبرياء الباطل أو تنتظر ضربة قدرية إلهية تحيق بالعدو من حيث لا يحتسب وتخرج عن دائرة لتعبير البشرى.
* نماذج من ثمرات هذه القاعدة القرآنية :
ويمكن لمن توقف أمام هذه القاعدة الجليلة متدبرا ومتفكرا أن يقف على مجموعة من الفوائد والثمرات التي من شأنها أن تصحح المفاهيم، ووتنير الطريق، وتسدد المسيرة، وتفتح أبواب الأمل والرجاء أمام المسلمين في واقعنا المعاصر، نذكر بعضها فيما يلي :
1- أنه لايقع في كون الله أمر إلا ما أراده الله :
من الحقائق العقدي التي تجليها هذه القاعدة أنه لا يقع في كون الله إلاّ ما قدّره الله تعالى، فما شاء الله كان، و ما لم يشأ لم يكن، والله تعالى يريد، والجبابرة يريدون ولا يكون إلا ما أراده الله تعالى، وفي هذا الاطار يقول صاحب الظلال وهو يتناول هذه الآيات ويتحدث عن الوعد الإلهي لبني إسرائيل : " .....ولكن الله يريد غير ما يريد فرعون ؛ ويقدر غير ما يقدر الطاغية، والطغاة البغاة تخدعهم قوتهم وسطوتهم وحيلتهم، فينسون إرادة الله وتقديره ؛ ويحسبون أنهم يختارون لأنفسهم ما يحبون، ويختارون لأعدائهم ما يشاءون، ويظنون أنهم على هذا وذاك قادرون، والله يعلن هنا أرادته هو، ويكشف عن تقديره هو ؛ ويتحدى فرعون وهامان وجنودهما، بأن احتياطهم وحذرهم لن يجديهم فتيلاً : { ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة، ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض، ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون } (15)، فمهما كانت قوة الأقوياء، وظلم الظالمين، وجبروت المتجبرين فلن يستطيعوا أن يفرضوا على كون الله أمرا لا يريده الله، ولا يشاؤه، ولا يأذن به، فالكون كونه، والملك ملكه، وكل المخلوقات طوع أمره سبحانه،
2- أن الشر عندما يستفحل فإنه يحمل في طياته عوامل وبذور هلاكه :
أن الشر يحمل بذور فنائه وهزيمته واندحاره وهلاكه وذهابه واقتلاعه، لأن الشر باطل، و : إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }( الإسراء : 81 )، فالباطل لا بقاء له ولا ثبات، والحق هو الثابت الباقي الذي لا يزول، نعم هذا ما تعلمناه من القرآن الكريم، وهذا ما تعلمناه من وقائع التاريخ، فالشر زائل لا محالة وهو يدمر نفسه بنفسه، لأن الشر عمل ضد البقاء وضد الوجود، وضد السنن الكونية، والبقاء للأصلح، والأصلح هو الخير، يقول " صاحب الظلال " : " .......ولقد كانت قصة موسى عليه السلام تبدأ غالباً في السور الأخرى من حلقة الرسالة لا من حلقة الميلاد، حيث يقف الإيمان القوي في وجه الطغيان الباغي ؛ ثم ينتصر الإيمان وينخذل الطغيان في النهاية، فأما هنا ( أي في سورة القصص ) فليس هذا المعنى هو المقصود ؛ إنما المقصود أن الشرّ حين يمتحض يحمل سبب هلاكه في ذاته ؛ والبغي حين يتمرد لا يحتاج إلى من يدفعه من البشر ؛ بل تتدخل يد القدرة وتأخذ بيد المستضعفين المعتدى عليهم، فتنقذهم وتستنقذ عناصر الخير فيهم، وتربيهم، وتجعلهم أئمة، وتجعلهم الوارثين " (16)، وعلى المؤمن أن يكون على يقين من أن يد الله تعمل في الخفاء، وليست في حاجة إلى من يقترح عليها أو يستبطئ صنيعها، فإذا بلغ الشر مداه، ووصل الظلم إلى منتهاه، هنا تتدخل إرادة الله،
3- تحقق الوعد الإلهي على أرض الواقع بشهادة القرآن والتاريخ :
- أن هذا الوعد الإلهي لبني إسرائيل تحقق بالفعل فيما بعد على أرض الواقع كما جاء في النص القرآني، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم ذاته في قول الله تعالى في موضع آخر عن بني إسرائيل : {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } ( الأعراف : 137 )، أي : وأررثنا بني إسرائيل الذين كانوا يُستَذَلُّون للخدمة, مشارق الأرض ومغاربها ( وهي بلاد "الشام ) التي باركنا فيها , بإخراج الزروع والثمار والأنهار , وتمت كلمة ربك - أيها الرسول - الحسنى على بني إسرائيل بالتمكين لهم في الأرض ; بسبب صبرهم على أذى فرعون وقومه , ودمَّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه من العمارات والمزارع , وما كانوا يبنون من الأبنية والقصور وغير ذلك.( التفسير الميسر )، وهذا يعني تحقق وظهور وعد الله لهم بقوله : { ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض } ( القصص : 5 ) ....الآية
- نحن أمام أحد النماذج الشاهدة على أن وعد الله متحقق لا محالة، فلقد وعد الله بني إسرائيل المستضعفين المقهورين، فتم وعده على ما وعد، من غير تخلف ولا نقصان، فنَصْرِ الله تعالى رسوله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ومن معه من بني إسرائيل، عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ؛ ومكنهم في الأرض،
ولقد حكى لنا القرآن الكريم كيف تحقق الوعد الإلهي لبني إسرائيل :
فلقد صرح الحق تعالى أن القوم الذين أورثهم الأرض هم بنو إسرائيل، وذلك في قوله تعالى في سورة الأعراف : {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } ( الأعراف : 137 )، والمعنى : وأررثنا بني إسرائيل الذين كانوا يُستَذَلُّون للخدمة, مشارق الأرض ومغاربها (وهي بلاد "الشام") التي باركنا فيها, بإخراج الزروع والثمار والأنهار, وتمت كلمة ربك -أيها الرسول- الحسنى على بني إسرائيل بالتمكين لهم في الأرض; بسبب صبرهم على أذى فرعون وقومه, ودمَّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه من العمارات والمزارع, وما كانوا يبنون من الأبنية والقصور وغير ذلك.( التفسير الميسر )، وفي تفسير ابن كثير : " {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ} ( الأعراف : 137 )، قال مجاهد وابن جرير: وهي قوله تعالى : {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً}[(5) سورة ( القصص : 5 )، وكذلك في قوله عز وجل : {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} ( الشعراء : 59 )، ومعنى : { وتمت كلمة ربك } أي : مضت على التمام، وقوله تعالى : {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ} ( الأعراف : 137 ) أي : وخربنا ما كان فرعون وقومه يصنعون من العمارات والمزارع، وقوله : {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ}، قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- ومجاهد : يعرشون: يبنون، قال بعض أهل العلم : إن معنى قوله تبارك وتعالى : {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ}، أي : من الجنات (17)،
وفي موضع آخر قال تعالى : {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إسرائِيلَ} ( الشعراء : 57 – 59 ) ، أي : فأخرج الله فرعون وقومه من أرض "مصر" ذات البساتين وعيون الماء، وخزائن المال والمنازل الحسان. وكما أخرجناهم، جعلنا هذه الديار من بعدهم لبني إسرائيل، وها هو نبي الله تعالى موسى عليه السلام يذكر بني إسرائيل بهذا العطاء الإلهي، فقال تعالى : {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ } ( المائدة : 20 )، أي : واذكر - أيها الرسول - إذ قال موسى عليه السلام لقومه : يا بني إسرائيل اذكروا نعمة الله عليكم, إذ جعل فيكم أنبياء, وجعلكم ملوكًا تملكون أمركم بعد أن كنتم مملوكين لفرعون وقومه , وقد منحكم من نعمه صنوفًا لم يمنحها أحدًا من عالَمي زمانكم.( التفسير الميسر )، وذلك مثل إنزال المن والسلوى والغمام وما شابه ذلك مما ذكره سبحانه، وقوله تعالى على لسان موسى عليه السلام : { وجعلكم ملوكا }، أي وجعلكم ملوكا للأرض بعدما كنتم مستضعفين مستخدمين عند فرعون وقومه، قال تعالى :{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } ( البقرة : 49 )، فأصبحتم بعد تلك الخدمة ملوكا، أي وجعلكم ملوكا للأرض بعدما كنتم مستضعفين مستخدمين عند فرعون وقومه، قال تعالى :{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } ( البقرة : 49 )، فأصبحتم بعد تلك الخدمة ملوكا،
4- من معالم ومظاهر الفساد الفرعوني :
- أن قوله تعالى عن فرعون : { إنه كان من المفسدين }، فيه من الفوائد والاشارات لأهل الايمان ما الله به عليم، فهي تقرر أن فرعون كان من المفسدين،
ويدل هذا كما قال " ابن عاشور " (18) على شدة تمكن الإفساد من خلقه ولفعل الكون إفادة تمكن خبر الفعل من اسمه، فحصل تأكيد لمعنى تمكن الإفساد من فرعون، ذلك أن فعله هذا اشتمل على مفاسد عظيمة هي :
0 المفسدة الأولى : التكبر والتجبر فإنه مفسدة نفسية عظيمة تتولد منها مفاسد جمة من احتقار الناس، والاستخفاف بحقوقهم وسوء معاشرتهم وبث عداوته فيهم، وسوء ظنه بهم وأن لا يرقب فيهم موجبات فضل سوى ما يرضي شهوته وغضبه، فإذا انضم إلى ذلك أنه ولي أمرهم وراعيهم كانت صفة الكبر مقتضية سوء رعايته لهم والاجتراء على دحض حقوقهم، وأن يرمقهم بعين الاحتقار فلا يعبأ بجلب الصالح لهم ودفع الضر عنهم، وأن يبتز منافعهم لنفسه ويسخر من استطاع منهم لخدمة أغراضه وأن لا يلين لهم في سياسة فيعاملهم بالغلظة وفي ذلك بث الرعب في نفوسهم من بطشه وجبروته، فهذه الصفة هي أمّ المفاسد وجماعها ولذلك قدمت على ما يذكر بعدها ثم أعقبت بأنه { كان من المفسدين }.
0 المفسدة الثانية : أنه جعل أهل المملكة شيعاً وفرّقهم أقساماً وجعل منهم شيعاً مقربين منه ويفهم منه أنه جعل بعضهم بضد ذلك وذلك فساد في الأمة لأنه يثير بينها التحاسد والتباغض، ويجعل بعضها يتربص الدوائر ببعض، فتكون الفرق المحظوظة عنده متطاولة على الفرق الأخرى، وتكدح الفرق الأخرى لتزحزح المحظوظين عن حظوتهم بإلقاء النميمة والوشايات الكاذبة فيحلوا محل الآخرين . وهكذا يذهب الزمان في مكائد بعضهم لبعض فيكون بعضهم لبعض فتنة، وشأن الملك الصالح أن يجعل الرعية منه كلها بمنزلة واحدة بمنزلة الأبناء من الأب يحب لهم الخير ويقومهم بالعدل واللين، لا ميزة لفرقة على فرقة، ويكون اقتراب أفراد الأمة منه بمقدار المزايا النفسية والعقلية .
0 المفسدة الثالثة : أنه يستضعف طائفة من أهل مملكته فيجعلها محقرة مهضومة الجانب لا مساواة بينها وبين فرق أخرى ولا عدل في معاملتها بما يعامل به الفرق الأخرى، في حين أن لها من الحق في الأرض ما لغيرها لأن الأرض لأهلها وسكانها الذين استوطنوها ونشأوا فيها ، والمراد بالطائفة : بنو إسرائيل وقد كانوا قطنوا في أرض مصر برضى ملكها في زمن يوسف وأعطوا أرض ( جاسان ) وعمروها وتكاثروا فيها ومضى عليهم فيها أربعمائة سنة، فكان لهم من الحق في أرض المملكة ما لسائر سكانها فلم يكن من العدل جعلهم بمنزلة دون منازل غيرهم، وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى ) طائفة منهم ( إذ جعلها من أهل الأرض الذين جعلهم فرعون شيعاً، وأشار بقوله ) طائفة ( إلى أنه استضعف فريقاً كاملاً، فأفاد ذلك أن الاستضعاف ليس جارياً على أشخاص معيّنين لأسباب تقتضي استضعافهم ككونهم ساعين بالفساد أو ليسوا أهلاً للاعتداد بهم لانحطاط في أخلاقهم وأعمالهم بل جرى استضعافه على اعتبار العنصرية والقبلية وذلك فساد لأنه يقرن الفاضل بالمفضول ، من أجل ذلك الاستضعاف المنوط بالعنصرية أجرى شدته على أفراد تلك الطائفة دون تمييز بين مستحق وغيره ولم يراع غير النوعية من ذكورة وأنوثة وهي :
0 المفسدة الرابعة : أنه { يذبح أبناءهم } أي يأمر بذبحهم، فإسناد الذبح إليه مجاز عقلي . والمراد بالأبناء : الذكور من الأطفال . وقد تقدم ذكر ذلك في سورة البقرة . وقصده من ذلك أن لا تكون لبني إسرائيل قوة من رجال قبيلتهم حتى يكون النفوذ في الأرض لقومه خاصة .
0 المفسدة الخامسة : أنه يستحيي النساء، أي يستبقي حياة الإناث من الأطفال، فأطلق عليهم اسم النساء باعتبار المآل إيماء إلى أنه يستحييهن ليصرن نساء فتصلحن لما تصلح له النساء وهو أن يصرن بغايا إذ ليس لهن أزواج . وإذ كان احتقارهن بصد قومه عن التزوج بهن فلم يبق لهن حظ من رجال القوم إلا قضاء الشهوة، وباعتبار هذا المقصد انقلب الاستحياء مفسدة بمنزلة تذبيح الأبناء إذ كل ذلك اعتداء على الحق،
5 - إن الله لا يصلح عمل المفسدين - قاعدة قرانية وقانون رباني
وإذا كان القرآن الكريم قد قرر أن فرعون كان من المفسدين، لارتكابه تلك الجرائم والموبقات، فإن الله تعالى في كتابه الكريم يطمئن قلوب المؤمنين من عباده الصالحين حتى لا يقتحم اليأس عليهم أسوار نفوسهم المنيعة، ولا يتسرب الإحباط إلى قلوبهم فيقعدهم عن مقاومة المنكر، وتتبع أسباب الفساد، وعتاة المفسدين في الأرض، مذكرا إياهم بإحدى السنن الإلهية الماضية الحاسمة الجازمة التي لا تتغير ولا تتخلف ولا تتبدل في قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } ( يونس : 81 )، إن اليأس والاحباط والقنوط أمام قوى الفساد والبغي في الدنيا أمر نهى عنه الإسلام، وأخبرنا أن اليأس لا مجال له عند أهل الإيمان واليقين، ولكن القرآن الكريم منحنا يقينا نواجه به تلك القوى من الفسدة والمنافقين، في قاعدة رسخها القرآن الكريم وينبغي ألا نغفل عنها، القاعدة تقول : { إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } ( يونس : 81 )، أي : إن الله لا يصلح عمل مَن سعى في أرض الله بما يكرهه, وأفسد فيها بمعصيته.( التفسير الميسر )، إنها قاعدة ثابتة قاطعة جازمة،
والنفي هنا { لا يصلح } ثابت مطّرد، ويصبح صيغة مضارع مستمرة، والإفساد واحد في كل مذهب وملة ونحلة، ينقلب السحر على الساحر، ويرد السلاح إلى نحر راميه، لابد أن يكون لدينا يقينً بذلك، ومن بعده عمل وجد واجتهاد قائم على العلم والتخطيط، والله جل وعلا يقول : {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } ( الشعراء : : 227 )، أي : وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي، وظلموا غيرهم بغمط حقوقهم , أو الاعتداء عليهم , أو بالتُّهم الباطلة , أي مرجع من مراجع الشر والهلاك يرجعون إليه؟ إنَّه منقلب سوء , نسأل الله السلامة والعافية.( التفسير الميسر )،
هذا ولقد قالها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم – وهو يصدر عن يقين لا يعتريه شك - قبل واقعة بدر عندما خرج غير معدٍّ ولا مستعد، ثم واجه جيشاً عدده ثلاثة أضعاف عدده وعدته، أي شيء قاله رسول الله ؟! قال : " والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم، هذا مصرع أبي جهل، هذا مصرع أمية، هذا مصرع عقبة بن أبي معيط .. "، فلم يخطئ واحد منهم المكان الذي عينه صلى الله عليه وسلم، إنه اليقين بنصر الله تعالى لعباده المؤمنين، قالها أبو بكر الصديق يوم رأى محمداً يرفع يديه ويلح في الدعاء، حتى يسقط رداءه عن منكبيه، ثم يقول : "حسبك يا رسول الله، إن الله منجز لك ما وعد " أفليس هذا اليقين الذي نفتقده؟ أوليس هذا الإيمان الذي إذا غاب عن قلوبنا لم يكن لنا بعد ذلك قيمة ولا أثر ولا وزن ولا كلمة ولا هيبة ولا عزة ؟ نعم ينبغي لنا أن ندرك حقائق الأمور.. وصدق الله : { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ } ( القصص : 5 - 6 )
6- واقع الامة الاسلامية اليوم :
- إننا نعيش اليوم واقعا أليما لا يرى فيه لأهل الإيمان شوكة قوية، ولا راية مرتفعة ؟ إنها أحوال عصيبة وظروف رهيبة تحيط بأمتنا في هذه الأيام، ونحن نقف هذه الوقفة مع الأمة في مواجهة الغمة ؛ ولعلنا نرى صوراً محزنة، إذ نجد أن الأمة في مجموعها كأنها لا تملك من الأمر شيئاً ! وكأن الحال كما قال القائل :
ويقضى الأمر حين تغيب تيم *** ولا يستأذنون وهم شهود
ونرى أن الآراء مازالت متباعدة، وأن الأفكار مازالت متباينة، وأن الوحدة مازالت بعيدة ..ومن جهة أخرى نرى في هذا الواقع المزري صوراً من زيغ الفكر، وضعف اليقين، وانحراف السلوك، بل نرى حقيقة النفاق والممالأة والمصانعة التي تزيد الأمة ضعفاً ووهناً، والتي تزيد أعداءها تسلطاً وتمكناً (19)، هنا تأتي القاعدة التي نحن بصددها لتنقل المؤمنين من حال إلى حال، من حال الهزيمة النفسية أمام قوى البغي والعدوان، إلى حال الثقة في وعد الله تعالى، من حال الخمول والقعود إلى حال الجد والعمل والاجتهاد والجهاد،
7 - درس هام : الايمان واليقين هو القادر على الوقوف في وجه الطغاة والمستبدين :
إنه لدرس عظيم يستفيده المسلمون من قصة موسى عليه السلام مع فرعون الطاغية الجيار، فلو نظرنا إلى الوقائع والأحداث منذ بدايتها لتساءل الواحد منا : أي شيء كان بنو إسرئيل في البداية وهم مستضعفون يرزجون تحت ظلم فرعون واستبداده ؟ وأي قوة كانت مع نبي الله موسى عليه السلام وهو يواجه هذا الطاغية مرسل من عند الله تعالى ؟ ألم يكن فرعون هذا هو فرعون القائل : { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } ؟ ألم يكن فرعون هو صاحب القوة والبطش والجبروت؟ لكن لما قال أصحاب موسى: { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } ( الشعراء : 61 )، هنالك نطق لسان الإيمان واليقين فقال موسى عليه السلام : { قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } ( الشعراء :62 )، فماذا حدث ؟ انفلق البحر، ونجى موسى، وغرق فرعون، وذهبت قوته، وكان من الهالكين، بجند من جنود الله عز وجل،
إنه الايمان الحق واليقين الثابت، والثقة في الله تعالى، أولم يقل أبو بكر رضي الله عنه يوم الغار: " لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا "، فقال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله معنا )، متى كان يقينه عظيما عليه الصلاة والسلام ؟ يوم كانت حباله بالله موصولة .. يوم كان قلبه بالله متعلقاً .. يوم كان توكله على الله صادقاً .. يوم كانت تقواه لله خالصة .. يوم كانت إنابته إليه دائمة ..عندما يكون ذلك كذلك تتحقق الأمور : { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا } ( التوبة : 51 )، أفليس لنا يقين بذلك ؟ أفنظن أنه سيصيبنا أمر إذا أرادت أمريكا أو روسيا أو غيرها ؟ كلا ! والله لا يبلغ أولئك القوم شيئاً إلا بإرادة الله وقدره الذي يشاؤه لحكمة يعلمها جل وعلا،
8- إن تذكير الأمة بالمبشرات مطلب ملحّ في كل وقت وبالأخص عند اشتداد الأزمات وتوالي المآسي والنكبات،
إننا نلمح في هذه القاعدة التي نحن بصددها منهجا فريدا في التعامل مع الأزمات والنكبات التي يتعرض لها عباد الله المؤمنون من قوى البغي والعدوان والاستكبار، إنه منهج تعليق الأمة بخالقها وبارئها ومعبودها جل جلاله، منهج المعرفة التامة واليقينية بأن هذا الدين هو دين الله وهو منصور وظاهر بنا أو بغيرنا، ولكن الشأن في قوله تعالى : { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم }( محمد : 38 ) ، أي : وإن تتولوا عن الإيمان بالله وامتثال أمره يهلكُّم, ويأت بقوم آخرين, ثم لا يكونوا أمثالكم في التولي عن أمر الله, بل يطيعونه ويطيعون رسوله, ويجاهدون في سبيله بأموالهم وأنفسهم.( التفسير الميسر )،
وفي قوله تعالى : {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ( التوبة : 39 )، أي : إن لا تنفروا أيها المؤمنون إلى قتال عدوكم ينزلِ الله عقوبته بكم, ويأت بقوم آخرين ينفرون إذ ا استُنْفروا, ويطيعون الله ورسوله, ولن تضروا الله شيئًا بتولِّيكم عن الجهاد, فهو الغني عنكم وأنتم الفقراء إليه. وما يريده الله يكون لا محالة. والله على كل شيء قدير من نصر دينه ونبيه دونكم.( التفسير الميسر )،
ولا شك أن القارئ الكريم يعلم الحالة التي كانت تعيشها أمة موسى عليها السلام تحت طاغوتية فرعون، وكيف نصرهم الله تعالى أخيرا عليه وأهلكه وجنوده، لكن هذا النصر لم يأت بلا عمل جاد ولا بذل صادق، ومن الحقائق المقررة أن التحرير الحقيقي يبدأ بتحرير النفوس، تحريرها بالعقيدة الصافية والتوحيد الخالص، أو التحرير الذي يبدأ من تحرير النفوس بالعبودية الخالصة لله وحده المتضمنة لكمال الحب والذل والتوكل والاستعانة، ولذلك فإن موسى عليه السلام نجح في ربط أمته بالغاية العظيمة التي بعث بها داعيا إليها ومربيا عليها، إنها العبودية التامة لله تعالى، المتضمنة للحب والاستعانة والتوكل،
إن هذه القاعدة من شأنها أن تشفي صدور قوم مؤمنين أن الله تعالى لا يدع ظالما مستبدا، {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ }( إبراهيم : 42 )، ولكن يمهله حتى إذا أخذه لم يفلته، وإنما يأخذه أخذ عزيز مقتدر، والقرآن يعلمنا، والتاريخ يؤكد لنا أنه ما بقى واحد ممن عذّب المسلمين إلا كانت عاقبته سوء في الدنيا مرضا وضنكا وقتلا، ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون، أما الذين عُذِّبوا فقد صاروا علماء الأمة، وقادة الجيوش، وسادة الناس، وتحركوا في الأمصار يدعون إلى الله وينشرون الخير، وأفاض الله عليهم بالمال والجاه والذكر الحسن عبر تاريخ الأمة كلها، وفي هذا من الدروس والعبر ما لا نستطيع إحصاءه، لفريقين من الناس :-
- فريق الكارهين للإسلام المحاربين للدعاة، المطاردين للصالحين والصالحات، أن لله تعالى فيهم قانونا نافذا، وحكما قاطعا يبدو جليا في قوله تعالى : { ...وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً }( الفرقان : 19 )،
- فريق الدعاة الصادقين أن يصبروا صبرا جميلا، ولا ينتقموا لأنفسهم، وأن يَدَعُوا الأمر لله تعالى وسوف يمكّن لهم وفق وعده تعالى كما قال سبحانه : { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ { ( القصص : 5 – 6 )،
9 – التعرف على سمات المنهج الفرعوني :
ومن ثمرات هذه القاعدة الذهبية أن على المظلومون والمستضعفين أن يثبتوا على الحق، وأن يتمسكوا بحقوقهم، مهما تجبّر الظالمون وزوروا الحقائق، لأن الفراعنة في كل العصور لهم منطق واحد، ومنهجهم واحد في جوهره، وإن اختلفت الصور العملية، ومن سمات هذا المنهج الفرعوني :
- ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ ( غافر : 26 )،
- ﴿ ... قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ ( غافر : 29 )،
وفي القاعدة بشريات تترى لأولئك المظلومين الصابرين بأن صولة الباطل إلى زوال، مهما طال الزمن وانتفش المبطلون، وإن الإيمان والصبر والمصابرة والمرابطة هي الطريق إلى تحقيق النصر الذي وعدنا الله به على الرغم من انتفاش الباطل،
10 - عوامل الهلاك وسنن السقوط والدمار:
دلت هذه القاعدة والآيات التي استندت إليها على أسباب هلاك دولة فرعون وسقوط حضارته فبعد أن ذكر الله جل وعلا أسباباً خمسة للهلاك اقترفها فرعون ومن معه وهي :
- إن فرعون علا في الأرض ، العلو والاستكبار والاستبداد والطغيان
- أنه جعل أهلها شيعاً، يطبق مبدأ .فرق تسد،ليشيع الفرقة والاحتلاف،
- يذّبح أبناءهم .
- ويستحي نساءهم .
- إنه كان من المفسدين .
قابلها بخمسة لأولئك المظلومين :
- وَنُرِيدُ انْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ،
- وَنَجْعَلهُمْ أئِمَّةً ،
- وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ،
- وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ .
- وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ .
فهذه الخمسة مقابل تلك الخمسة، يثبت صدق الوعد الإلهي ويثبت عاقبة الطغاة والجبابرة والمستبدين (20)،
وأخيرا فإن مما تجدر الإشارة إليه والتأكيد عليه أن سلفنا الصالح رضوان الله عليهم كانوا يقفون أمام عبر القصص القرآني ودروسه وعظاته، ومما يرتبط بما نحن بصدده في هذه القاعدة الذهبية التي سلطنا عليها الأضواء في هذه الحلقة، ذكر " ابن عاشور " ما يروى عن مصعب ابن الزبير أنه لما أدرك ما في قصة موسى ( سورة القصص ) من العبر والدروس اكتفى بطالعها عن الخطبة التي حقه أن يخطب بها في الناس حين حلوله بالعراق من قِبَل أخيه عبد الله بن الزبير، مكتفياً بالإشارة مع التلاوة فقال تاليا صدر السورة : { طسم، تلك ءايات الكتاب المبين، نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون، إن فرعون علا في الأرض ( وأشار إلى جهة الشام يريد عبد الملك بن مروان )، {وجعل أهلها شِيَعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ( وأشار بيده نحو الحجاز، يعني أخاه عبد الله بن الزبير وأنصاره )، { ونجعلهم أيمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما ( وأشار إلى العراق يعني الحجاج )، {منهم ما كانوا يحذرون } ( القصص : 1 6 ) (21)،
الهوامش والإحالات :
============
(1) - محمد متولي الشعراوي : " تفسير الشعراوي "، مطابع أخبار اليوم، القاهرة، ج 1، تفسير سورة القصص،
(2) – أنظر : " نفس المرجع السابق "،
(3) - الشيخ محمد الطاهر بن عاشور : " التحرير والتنوير "، الطبعة التونسية، دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس، 1997 م، ج30 – ص 66 – 67،
(4) – أنظر :" نفس المرجع السابق "، ج 20 – ص 67،
(5) – أنظر : محمد متولي الشعراوي : " نفس المرجع السابق "،
(6) – أنظر : " نفس المرجع السابق "،
(7) - الشيخ محمد الطاهر بن عاشور : " مرجع سبق ذكره "، ج20، ص : 68 – 70،
(8) - سيد قطب : " في ظلال القران "، دار الشروق، القاهرة، ط 38، 2005م، ج5، ص : 407،
(9) – أنظر : محمد متولي الشعراوي : " نفس المرجع السابق "،
(10) – سيد قطب : " مرجع سبق ذكره "، ج5، ص : 410،
(11) - برهان الدين أبي الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي : " نظم الدرر في تناسب الآيات والسور "، تحقيق : عبد الرزاق غالب المهدي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1415هـ - 1995 م، ج5، ص : 464،
(12) – أنظر :
- أبو الحَسَن عَلِيّ بن حَبِيْب البصري، ( ت 450 هـ ) : " النُكَت والعُيُوْن ( المُسَمَّى : تَفْسِير المَاوَرْدِي )، علق عليه : السيد بن عَبْد المقصود بن عَبْد الرحيم، . مؤسسة الكتب الثقافية . بيروت . دار الكتب العلمية . بيروت، لبنان، ط2، 1992 م . ج 3 ، ص : 216،
- الإِمَام الحَافِظ عَبْد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن إِدْرِيْس الرَّازِي ابن أَبِي حَاتِم ت ( 327 هـ) : " تفسير القُرْآن العَظِيْم مُسْنَدا عَنْ رَسُوْل الله صلى الله عليه و سلم والصَّحَابَة والتَّابِعِيْن " .. تحقيق أسعد مُحَمَّد الطيب، مَكْتَبَة نزار مصطفى الباز . مكة المكرمة، المملكة السعودية، ط1، 1997 م، ج 9، ص : 2941 .
(13) - عبد الرحمن بن سعيد الحازمي : " التربية في الَقُرْآن الكَرِيم – توجيهات تربوية لبعض آيات القرآن الكريم "، موقع الألوكة، 2015م، : ص 187
(14) – أحمد مصطفى المراغي : " تفسير المراغي "، مصطفى الحلبي البابلي بمصر، القاهرة، 1964م، ج20، ص : 34،
(15) – سيد قطب : " مرجع سبق ذكره "، ج5، ص : 409،
(16) - سيد قطب : " في ظلال القران "، دار الشروق، القاهرة، ط 38، 2005م، ج5، ص : 407،
(17) - أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ( 700 -774 هـ ) : " تفسير القرآن العظيم "، تحقيق : سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2، 1420هـ / 2000م، تفسير الآيات،
(18) - الشيخ محمد الطاهر بن عاشور : " التحرير والتنوير "، الطبعة التونسية، دار سحنون للنشر والتوزيع - تونس - 1997 م، ج20، ص : 68 – 70،
(19) - علي بن عمر بادحدح : " الأمة في مواجهة الغمة "، 20 يوليه, 2009م، المصدر :
www.islameiat.com/Pages/Subjects/Default.aspx?id=165&cat_id=5
(20) - محمد مطني : " سورة القصص دراسة تحليلية "، المصدر،
www.qassimy.com/book/view-165.html
(21) - الشيخ محمد الطاهر بن عاشور : " التحرير والتنوير "، الطبعة التونسية، دار سحنون للنشر والتوزيع - تونس - 1997 م، ج20، ص ص : 85 – 87
****************
أ.د/ أحمد بشير، جامعة حلوان، القاهرة
17-03-2016
|
|
|
|
|
|
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي |
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته |
|
|
أحدث الردود |
|
|
|
|
|