من قواعد النصر في القران الكريم - 21 - ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله
أ. د/ احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3790
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
جاء في الحكم: " ثلاث من كن فيه كن عليه : البغي : لقول الله تعالى : {يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم}، والمكر: لقول الله تعالى : {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}، والنكث : لقوله عز وجل: {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه}.
**************
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعــد :
ما زال حديثنا موصولا حول بعض قواعد النصر كما جاءت في القرآن الكريم، كتاب الله الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي يحمل كلمة الله تعالى للانسان في كل عصر ومصر، ويحمل للانسان المنهج الإلهي لضبط حركة الحياة الانسانية وفق ما أراده الله للانسان وللحياة،
والقاعدة التي نتناولها في هذه الحلقة جسدها قول الله تعالى : { ... وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ ..} ( الحج )، والمعنى : أن من اعتُدِي عليه، ووقع عليه ظُلم ما من قبل إنسان أو جهة ما، فقد أُذِن له أن يقابل الجاني بمثل فعلته، ولا حرج عليه في ذلك، فإذا حدث وعاد الجاني إلى إيذائه وبغى عليه، فإن الله ينصر المظلوم المعتدى عليه ; وهذا وعد إلهي بنصرة المظلوم
ولقد جاءت هذه القاعدة في السياق القرآني التالي :
قال تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ{57} وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{58} لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ{59} ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ{60} ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ{61} ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ{62} ( الحج )،
المعنى العام للآيات :
ونحن في هذا السياق أمام مجموعة من الآيات الخبرية التي تحدثنا عن مصير الكافرين، ومصير المؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله تعالى،
- فالذين كفروا وجحدوا وحدانية الله وكذبوا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنكروا آيات القرآن، فأولئك لهم عذاب يخزيهم ويهينهم في جهنم وبئس المصير،
- أما المؤمنون الذين خرجوا من ديارهم طلبًا لرضا الله تبارك وتعالى، ونصرة لدينه، سواء من قُتل منهم وهو يجاهد الكفار، ومن مات منهم مِن غير قتال، لَيرزقَنَّهم الله الجنة ونعيمها الذي لا ينقطع ولا يزول، وإن الله سبحانه وتعالى لهو خير الرازقين جل جلاله، ليُدخلنَّهم الله المُدْخل الذي يحبونه وهو الجنة. وإن الله لَعليم بمن يخرج في سبيله، ومن يخرج طلبًا للدنيا، حليم عمن عصاه، فلا يعاجلهم بالعقوبة.
- ثم ينتقل السياق إلى التأكيد على أن من اعتُدِي عليه، ووقع عليه ظُلم ما، فقد أُذِن له الله تعالى أن يقابل الجاني ( الظالم ) بمثل فعلته، ويعاقبه بمثل ما وقع عليه، ولا حرج عليه في ذلك، ثم ينبه على أنه إذا عاد الجاني إلى إيذائه وبغى عليه، فإن الله تعهد وتكفل ووعد بنصرة المظلوم المعتدى عليه ; إذ لا يجوز أن يُعْتَدى عليه بسبب انتصافه لنفسه،
- ثم تخبرنا الآيات أن ذلك الذي شرع لنا تلك الأحكام العادلة هو الحق جل جلاله، وهو القادر على ما يشاء , ومِن مظاهر قدرته أنه يدخل ما ينقص من ساعات الليل في ساعات النهار، ويدخل ما انتقص من ساعات النهار في ساعات الليل، وأن الله سميع لكل صوت، بصير بكل فعل، لا يخفى عليه شيء.
- ذلك بأن الله هو الإله الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له، وأن ما يعبده المشركون من دونه من الأصنام والأنداد هو الباطل الذي لا ينفع ولا يضرُّ، وأن الله هو العليُّ على خلقه ذاتًا وقدرًا وقهرًا، المتعالي عن الأشباه والأنداد، الكبير في ذاته وأسمائه فهو أكبر من كلِّ شيء،
* فوائد هامة مرتبطة بالقاعدة :
أعلى درجات التوكيد :
- ونعود إلى القاعدة التي نحن بصددها، والمتمثلة في قول الله تعالى : { .... وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ ...}، ومن عطاءات هذه الآية الكريمة التي تتعلق بقضية النصر ومفهومه هنا، كما يقول " سلطان " (1) : " لقد أتى النصر هنا ( لينصرنه الله ) في أعلى درجات التوكيد للفعل، حيث :
0 جاءت لام التوكيد قبل الفعل،
0 ونون التوكيد الثقيلة،
0 والنصر ألحق بالمفعول به وهو المقاتل الذي عاقب بمثل ما عوقب به، ثم بغي عليه،
0 على أن أعلى درجات التوكيد هنا هو الفاعل "الله"،
0 ثم تذيل الآية "إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ"، حتى يُطَمئن المؤمنين المقاتلين الذي ينتصرون من بعد ما ظلموا، ويريد أن يعاقب بمثل ما عوقب به، فإن تمادى قليلا في عقوبة هؤلاء الظالمين فإن الله عفو غفور، مما يسلب سخائم النفس التي قد تتردد في الانتصار من الباغين، ودقة القياس في قوله سبحانه وتعالى : "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ" ( النحل : 126 )،
* تعريف البغي :
البغي مصدر قولهم : بغى يبغي، وهو مأخوذ من مادّة (ب غ ي) الّتي تدلّ - فيما يقول " ابن فارس " - على معنيين :
الأوّل، طلب الشّيء، يقال : بغيت الشّيء : إذا طلبته، والبغية : الحاجة (الّتي يطلبها الإنسان)،
والثّاني : جنس من الفساد، ومنه قولهم : بغى الجرح إذا ترامى إلى فساد، ثمّ يشتقّ من هذا ما بعده، فالبغيّ الفاجرة، يقال : بغت تبغى بغاء فهي بغيّ، ومنه أن يبغي الإنسان على آخر فيظلمه، والبغي : الظّلم (2)،
وأرجع " الرّاغب " معاني المادّة ( بغي ) إلى معنى واحد ردّ إليه جميع مشتقّاتها فقال : " البغي : طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، حدث التّجاوز أو لم يحدث، يقال : بغيت الشّيء : إذا طلبته أكثر ممّا يجب، والابتغاء مثله، وبغت السّماء : تجاوزت في المطر الحدّ المحتاج إليه، وبغى الإنسان : تكبّر، لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له، وبغت المرأة فهي بغيّ لتجاوزها ما ليس لها أن تتجاوزه، وبغى الجرح إذا تجاوز الحدّ في فساده.(3)،
أما ﺍﻟﺒﻐﻲ ﻓﻲ ﺍﺻﻄﻼﺡ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎﺀ :
0 فقد ﻋﺮَّفه ﺍﻟﺤﻨﻔﻴﺔ ﺑﺄﻧﻪ : " ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻋﻦ ﻃﺎﻋﺔ ﺇﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﻐﻴﺮ ﺍﻟﺤﻖ "
ﻭﻋﺮّﻓﻮﺍ ﺍﻟﺒﻐﺎﺓ ﺑﺄﻧﻬم : " كل ﻓﺌﺔ ﻟﻬﻢ ﻣﻨﻌﺔ، ﻳﺘﻐﻠﺒﻮﻥ ﻭﻳﺠﺘﻤﻌﻮﻥ، ﻭﻳﻘﺎﺗﻠﻮﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﺑﺘﺄﻭﻳﻞ، ﻭﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻣﻌﻨﺎ ﻭﻳﺪﻋﻮﻥ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ” انظر الفقه الحنفي وأدلته "،
ﻭﻋﺮَّﻑ ﺍﺑﻦ ﻋﺮﻓﺔ ﺍﻟﻤﺎﻟﻜﻲ ﺍﻟﺒﻐﻲ ﺑﺄﻧﻪ : " ﻫﻮ ﺍﻻﻣﺘﻨﺎﻉ ﻣﻦ ﻃﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺛﺒﺘﺖ ﺇﻣﺎﻣﺘﻪ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺼﻴﺔ ﻭﻟﻮ ﺗﺄﻭﻻً "، ﻭﺍﻟﺒﻐﺎﺓ ﻫﻢ : " ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻞ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻄﻮﺍﺋﻒ ﺍﻟﻀﺎﻟﺔ ﻛﺎﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﺮﺟﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﻭ ﻳﻤﺘﻨﻌﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺘﻪ ﺃﻭ ﻳﻤﻨﻌﻮﻥ ﺣﻘﺎً ﻭﺟﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﺎﻟﺰﻛﺎﺓ ﻭﺷﺒﻬﻬﺎ "،
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ ﻓﻌﺮَّﻓﻮﺍ ﺍﻟﺒﻐﺎﺓ ﺑﺄﻧﻬﻢ : " ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﻮﻥ ﻟﻺﻣﺎﻡ ﺑﺨﺮﻭﺝ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺗﺮﻙ ﺍﻻﻧﻘﻴﺎﺩ ﻟﻪ، ﺃﻭ ﻣﻨﻊ ﺣﻖ ﺗﻮﺟﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﺑﺸﺮﻁ ﺷﻮﻛﺔ ﻟﻬﻢ ﻭﺗﺄﻭﻳﻞ ﻭﻣﻄﺎﻉ ﻓﻴﻬﻢ "
ﻭﻋﺮَّﻑ ﺍﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ﺍﻟﺒﻐﺎﺓ ﺑﺄﻧﻬﻢ : " ﻗﻮﻡ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﺎﻳﻨﻮﺍ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻭﺭﺍﻣﻮﺍ ﺧﻠﻌﻪ، ﺃﻭ ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻪ ﺑﺘﺄﻭﻳﻞ ﺳﺎﺋﻎ ﺑﺼﻮﺍﺏ ﺃﻭ ﺧﻄﺄ ﻭﻟﻬﻢ ﻣﻨﻌﺔ ﻭﺷﻮﻛﺔ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﻓﻲ ﻛﻔﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻊ ﺟﻴﺶ "،
فالبغي إذا هو تجاوز الحد في الظلم، والاعتداء والكِبر، والاستطالة والعدول عن الحق، والباغي هو الظالم المستعلي الخارج على القانون.. ووفق هذا التعريف يظهر جليا أن الباغي إنسان مريض القلب، مأزوم النفس، عليل الفؤاد، معدوم الضمير والخلق، يرى أن طينته تختلف عن طينة البشر، فهو وحده الذي يحق له أن يخترق كل الحدود والحواجز والقوانين، وهو وحده الجدير بالعلو على جميع الخلق، وهو وحده الذي لا يُسأل عما يفعل ولو خرج على الأمة يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها (4)،
وإذا ما حاولنا أن ننقب في مصادرنا الإسلامية الأساسية، وفي تراثنا المبارك، لوجدنا التشخيص الدقيق لنفسية الباغي، والسر الذي يكمن وراء بغيه وتطاوله.. إنه التكبر والفخر.. فلقد روى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله أوحى إلي أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد "، فالباغي بطبيعته متكبر، يرفع نفسه فوق منزلتها فلا ينقاد لأحد.. قال شيخ الاسلام " ابن تيمية " : " نهى الله على لسان نبيه عن نوعي الاستطالة على الخلق وهي الفخر والبغي ؛ لأن المستطيل إن استطال بحق فقد افتخر، أو بغير حق فقد بغى، فلا يحل هذا ولا هذا، وفي الجمع بينهما إشعار بأن الفخر والبغي نتيجتا الكبر.. ومن هذه صفته فهو عصي على العلاج والشفاء" (5)،
لا ذنب أسرع عقوبة من البغي :
ورد في البغي : " لا ذنب أسرع عقوبة من البغي "، واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب، والباغي مصروع، وقد وعد الله من بُغي عليه بالنصر في قوله: {ومن عاقب بمثل ما عوقب ثمّ بغى عليه لينصرنه الله}، فإذا كان الله قد ضمن له النصر مع أنه قد استوفى حقه أولا فكيف بمن لم يستوف شيئا من حقه بل بغى عليه وهو صابر وما من الذنوب ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم وقد سبقت سنة الله أنه لو بغى جبل على جبل جعل الباغي منهما دكا، قال مقاتل : نزلت في قوم من مشركي مكة لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فقالوا : إن أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم ؛ فناشدهم المسلمون ألا يقاتلوهم في الشهر الحرام ؛ فأبى المشركون إلا القتال، فحملوا عليهم فثبت المسلمون ونصرهم الله على المشركين ؛ وحصل في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام شيء ؛ فنزلت هذه الآية، وقيل : نزلت في قوم من المشركين، مثلوا بقوم من المسلمين قتلوهم يوم أحد فعاقبهم رسول الله بمثله، فمعنى {مَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ}أي من جازى الظالم بمثل ما ظلمه ؛ فسمى جزاء العقوبة عقوبة لاستواء الفعلين في الصورة ؛ فهو مثل {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى : 40]. ومثل {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} ( البقرة : 194 )، وقد تقدم،{ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ} أي بالكلام والإزعاج من وطنه ؛ وذلك أن المشركين كذبوا نبيهم وآذوا من آمن به وأخرجوه وأخرجوهم من مكة، وظاهروا على إخراجهم. {لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} أي لينصرن الله محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؛ فإن الكفار بغوا عليهم. {إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} أي عفا عن المؤمنين ذنوبهم وقتالهم في الشهر الحرام وستر.(6)،
وخلاصة القول في هذه القاعدة أن فيها :
- تسلية للمظلوم ( من وقع عليه الظلم والبغي ) أيا كان موقعه، وأيا كانت طبيعته ( فردا كان أو جماعة، أو دولة أو أمة "،
- تخويف للظالم والباغي، وكيف أن الله تعالى أذن للمظلوم أن يستوفي حقه من الظالم، وأن يعاقبه بمثل ما عوقب به، وفي هذا ما فيه من ردع للظالم، ومراعاة للجالة النفسية للمظلوم،
- أن الله تعالى يسوق نيران التهديد والوعيد على من أن يتمادى في ظلمه،
- الوعد الآكد للمظلوم إذا بغى عليه الظالم مرة أخرى أن الله ناصره لا محالة، وأن الله معه في تصديه للظالم،
وهكذا فإن هذه القاعدة تبث الأمل والرجاء في قلوب المؤمنين في عالمنا المعاصر والذين ظلموا كثيرا من قوى البغي والعدوان والظلم والجبروت العالمية، ولذلك نقول لكل مظلوم، ولكل من طاله البغي والعدوان من أهلنا في فلسطين الجريحة، وفي سوريا المنكوبة، وفي اليمن، وفي العراق، وفي ليبيا، وفي بورما، وفي دول أخرى من عالمنا الإسلامي أن الله ناصرهم لا محالة، ويسألونك متى هو، قل عسى أن يكون قريبا،
وإلى الحلقة القادمة بإذن الله،،،،،،،،،،،،،،،،،
*******************
الهوامش والاحالات :
===========
(1)- صلاح الدين سلطان : " سورة الحج.. منهجيات في الإصلاح والتغيير "، المصدر: موقع على بصيرة،
http://www.al-eman.com/
(2) - أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا : " معجم مقاييس اللغة "، دار الكتب العلمية، ط3، بيروت، 2012م، مادة ( بغي )،
(3) - الراغب الأصفهاني : " مفردات ألفاظ القرآن "، تحقيق : صفوان عدنان داوودي، دار القلم، الدار الشامية، 1430 – 2009م،
(4) - الشيخ عبدالعظيم عرنوس : " وانصرنا على من بغى علينا "، موقع : اسلام ويب، www.startimes.com/f.aspx?t=34610763
(5) - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس : " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم "، تحقيق : محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، ط2، 1369هـ، ج1، ص : 164
(6) - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، ( ت : 671 هـ) : " الجامع لأحكام القرآن "، تحقيق : هشام سمير البخاري، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1423 هـ/ 2003 م، ج12، ص : 90
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: