نظرة عابرة على بعض الاتجاهات الحديثة في الرعاية الاجتماعية
Social Welfare New Trends
أ. د/ احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8130
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
" الرعاية الاجتماعية في مفهومها الحديث والعام هي عبارة عن : " تلك النشاطات التي تقوم بها الدولة او منظمات غير حكوميةNon – Governmental Agencies لتأدية خدمات لمواطنين يحتاجون اليها ، وتتميز الرعاية الاجتماعية الحكومية Governmental Social Work بالذات بانها قد تؤدي في ظل سياسة قومية National Policyوخطة عامة بغرض توفير خدمات أساسية للمواطنين كافة كالتزام من جانب الدولة إزاء مواطنيها " ( رضا عبد العال )
****************
كلمة موجزة عن نشأة فكرة الرعاية الاجتماعية ونطورها :
- من المعلوم أن الرعاية الاجتماعية بمفهومها العام التقليدي - المتمثل في العون المتبادل بين بني البشر من منطلق الاخوة الإنسانية - قديمة قدم الإنسان ذاته ، وهي واكبت الحياة الإنسانية منذ بداية نشأتها ، باعتبارها كانت تعني : " ميل الإنسان ورغبته في معاونة ومساعدة أخيه الإنسان في ظروف الحياة المختلفة ما دام قادرا على ذلك " ، هذا وغالبا ما يكون الإنسان في تلك الرغبة مدفوعا بأمرين :
* الدافع الاجتماعي : Social motive أي النزعة الاجتماعية التي فطر عليها الإنسان ، باعتباره كائن مدني بطبعه ، لا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين ،
* الدافع الديني : Religious motive المتمثل في النزعة إلى الإحسان وفعل الخير ، وهي أيضا نزعة فطرية في الإنسان ، دعمتها تعاليم الأديان ،
المفهوم التقليدي : Traditional Concept Social Welfare
ولذلك يمكن ببساطة تحديد المفهوم التقليدي القديم للرعاية الاجتماعية والذي واكب الانسانية منذ بدايات نشأتها الأولى في أنها " رغبة الإنسان في مساعدة أخيه الإنسان ذي الحاجة " ، وبعبارة متكافئة : " هي تلك النشاطات والجهود التي كان يقوم بها المجتمع البسيط قديما ( الجيرة ، أو القبيلة أو العشيرة ) للاهتمام بأفراده ورعايتهم ، وتوفير الإحساس بالأمن والطمأنينة لهم وخاصة أولئك الذين هم في حاجة لتلك الرعاية ، وذلك عن طريق : رعاية المسنين ، والأرامل ، واليتامى ، والتعاون في أوقات الشدة والأزمات والكوارث ، ورعاية المحتاجين والمرضى والعجزة والمقعدين ، والعناية بالأطفال الصغار " ، أي أنها – بعبارة أكثر وضوحا وتحديدا - رعاية :
- القادر للعاجز وغير القادر ،
- الغني للفقير ،
- الكبير للصغير ،
- القوي للضعيف ،
- الصحيح للمريض ،
- المتعلم للجاهل ، ...........وهكذا ،
ولا شك أن هذا المفهوم التقليدي للرعاية الاجتماعية يقودنا إلى القول بأن ذلك النمط من الرعاية الاجتماعية موغل في القدم ، بل هو قديم قدم الإنسان ذاته ، أي أنه واكب التطور البشري منذ أقدم العصور ، (1)
المفهوم الحديث للرعاية الاجتماعية : Modern social welfare concept
- ومع التطور الذي لحق بالحياة الإنسانية وتعقدها ، كان لابد أن تتطور الرعاية الاجتماعية لتواكب تلك التغيرات والمشكلات الناجمة عن تطور الحياة ، فأصبحت الرعاية الاجتماعي – في مفهومها الحديث – تعني : " تلك النشاطات التي تقوم بها الدولة ( الحكومة ) State - Government ، أو منظمات غير حكومية Non – Governmental Organization لتأدية خدمات للمواطنين يحتاجون إليها ، وتتميز الرعاية الاجتماعية الحكومية بالذات بأنها قد تؤدي في ظل سياسة قومية National Policy ، وخطة عامة General Plan ، بغرض توفير خدمات أساسية Basic Services للمواطنين كافة كالتزام من جانب الدولة إزاء مواطنيها (2)
ولعل المتابع لمسيرة الرعاية الاجتماعية منذ بداياتها الأولى يلمح في هذا المفهوم الحديث ثلاثة توجهات لم تكن معهودة في الرعاية الاجتماعية التقليدية ، وتتمثل تلك التوجهات – التي تعتبر انعكاسا للتغيرات والتطورات التي طرأت على الحياة الإنسانية – في :
- مسؤولية الدولة عن رعاية مواطنيها ، باعتبار الرعاية حق للمواطن وليست منحة أو إحسان ،
- أن هذه المسؤولية تتجسد في التدخل الحكومي إلى جانب الجهود الاهلية في تقديم برامج الرعاية ،
- ارتباط الرعاية الاجتماعية الحكومية بسياسة قومية أو خطة عامة ،
هذا وعرفت دائرة معارف الخدمة الاجتماعية (1971م) الرعاية الاجتماعية بأنها : " اصطلاح يشير بصفة عامة إلى جميع الأنشطة المنظمة للمؤسسات الأهلية والحكومية ، التي تستهدف الوقاية من المشكلات الاجتماعية المعروفة ، أو التخفيف من وطأتها ، أو الإسهام في حلها أو التي تستهدف تحسين أحوال الأفراد والجماعات المحلية " ،
ويعتبر هذا التعريف من أشمل التعريفات المطروحة للرعاية الاجتماعية، ذلك أنه لم يتوقف عند الجوانب العلاجية للرعاية الاجتماعية ، بل ضم إليها الجهود الوقائية ، وأيضا الجهود التنموية أو الانشائية ، كما أنه يأخذ في الاعتبار الجهود الأهلية ، ولا يتوقف عند حدود الخدمات والبرامج الحكومية وحدها (3) ،
وهي بذلك تهدف في المقام الأول إلى تلبية احتياجات المواطنين The Needs of Citizens ، ومساعدتهم على مواجهة مشكلاتهم أو التخفيف منها ، والعمل على تحقيق مستويات من الرفاهية الاجتماعية تكفل لهم الحقوق الإنسانية ، وتساعدهم على النمو والتطور ، وتحسين نوعية حياتهم ،
ونتيجة للتطورات التي لحقت بنسق الرعاية الاجتماعية في العصر الحديث ، أصبحت :
- ينظر إليها من قبل البعض باعتبار أنها نظام اجتماعي (4) ضمن البناء الاجتماعي العام ويعمل في إطار قيم محددة ،
- فهي بذلك تسعى إلى تحقيق قدر أكبر من الفاعلية الاجتماعية Social Efficiency والتي تقاس بالمدى الذي يتم التعامل فيه مع المواطنين على قدم المساواة ، بحيث لا يتم استبعاد مواطن يستحق الحصول على خدمة معينة ، ويحرم من الحصول عليها ،
- وفي نفس الوقت فهي تقوم على مبدأ حرية الاختيار : Freedom Of Choice وهو يعني أن يتم توفير خدمات الرعاية الاجتماعية على نحو يسمح للمواطنين بحرية الاختيار لما يلائمهم من خدمات دون فرضها عليهم (5) ،
ولمزيد من تجلية الأمر نقول أن هناك صلة وثيقة بين سرعة التغير الاجتماعي Social Change ، وبين انتشار وتزايد معدلات المشكلات الاجتماعية Social Problems والانحرافات الفردية Individual Deviation ، والتفكك الاجتماعي Social Disorganization الذي يعني عجز النظم الاجتماعية القائمة عن القيام بوظائفها على الوجه المطلوب ، إذ أنه كلما ازدادت سرعة التغير ( على الصورة التي تعانيها المجتمعات في العصر الحديث وخصوصا منذ بدء الثورة الصناعية ) كلما ازدادت المشكلات الاجتماعية تفاقما ، والسبب في ذلك أن جهود الإصلاح ، أو ما يسمى بعملية إعادة التنظيم الاجتماعي Social Organization - تقصر عادة عن ملاحقة السرعة التي يحدث بها التفكك الاجتماعي ، ومن ثم فإن عجز النظم الاجتماعية عن أداء وظائفها إنما يعني وجود حاجات اجتماعية غير مشبعة عند قطاعات عريضة من السكان ، ولمواجهة ذلك الموقف فقد تمخضت جهود الإصلاح في المجتمع الحديث عن ظهور نظام اجتماعي جديد هو نظام الرعاية الاجتماعية The Social Welfare Institution وهو نظام مهمته الأساسية هي المساعدة على مواجهة قصور النظم الاجتماعية الأخرى ، ومعالجة آثار ذلك القصور ، ثم العمل في الوقت ذاته على توفير الظروف الايجابية والمناخ الملائم الذي يعمل على منع حدوث المشكلات الاجتماعية في المستقبل بقدر الإمكان ،
بين الرعاية الاجتماعية والخدمة الاجتماعية :
- تمثل الرعاية الاجتماعية الإطار العام لممارسة الخدمة الاجتماعية منذ نشأتها وإلى اليوم ، حيث تتم الممارسة المهنية في إطار نماذج الرعاية الاجتماعية وفلسفاتها ونظرياتها وقيمها ومبادئها ومعاييرها وظروفها التاريخية في مختلف البلدان ، ولا يمكن أن تمارس الخدمة الاجتماعية إلا في ضوء سياسات الرعاية الاجتماعية وتشريعاتها وبرامجها ومجالاتها ، فالخدمة الاجتماعية هي واحدة من أهم الأدوات التي تساعد الرعاية الاجتماعية على أداء وظائفها سواء في البلدان الصناعية المتقدمة ، أو النامية ،
- الرعاية الاجتماعية ضرورة عرفتها الإنسانية منذ الأزل ، أي أنها قديمة جدا قدم الإنسان ذاته ووجوده على كوكب الأرض ، بينما الخدمة الاجتماعية مهنة مستحدثة كما أسلفنا ،
- كثيرا ما يقع الخلط لدى البعض من أكاديميي الخدمة الاجتماعية ودارسيها في عالمنا العربي على وجه الخصوص بين مفهومي الرعاية الاجتماعية والخدمة الاجتماعية كما لو كانا مترادفين ،
- أن أيديولوجية الرعاية الاجتماعية وتوجهاتها ونظرياتها في بلد ما من البلدان تؤثر بالضرورة في نظريات الخدمة الاجتماعية وطرق وأساليب ونماذج ممارستها ومختلف مداخلها ،
- يشير عجوبة إلى أن العلاقة بين الرعاية الاجتماعية والخدمة الاجتماعية هي علاقة ضرورة وليست علاقة حتمية في كل الاحوال ، فقد توجد رعاية اجتماعية بلا خدمة اجتماعية ، ولكن من البديهي أن لا توجد خدمة اجتماعية بلا رعاية اجتماعية ، وفي هذه الحالة يمكن تشبيه العلاقة بين الرعاية الاجتماعية والخدمة الاجتماعية بالعلاقة بين السيارة والوقود ، فالخدمة الاجتماعية هي الوقود المحرك للرعاية الاجتماعية (6)
أهم الاتجاهات الحديثة في الرعاية الاجتماعية :
التحول من المفهوم الضيق إلى المفهوم الشامل :
فالأول : يرى أنها ينبغي أن تركز على مجموعة من القرارات والبرامج الحكومية المتصلة برعاية الفئات الاجتماعية التي تعاني من آثار قصور النظم الاجتماعية في المجتمع ،
بينما يرى الثاني : أن الرعاية الاجتماعية تشمل كل الجهود والاجراءات والخطوات الموجهة نحو التأثير في العلاقات بين مختلف فئات المجتمع ، والتحكم فيها حتى تكون أكثر توازنا ، ثم التأثير في نظم توزيع الموارد في المجتمع حتى تكون أكثر عدلا ، وعلى وجه يضمن في النهاية إشباع حاجات كل فئات السكان بصورة يمكن النظر إليها على أنها مقبولة اجتماعيا ، مما يمكن أن تؤدي إلى تقليل فرص الانحراف والاغتراب والظلم الاجتماعي والاستبعاد الاجتماعي إلى أقل حد ممكن ،
التحول من المعنى التقليدي ( الثانوي الطارئ ) إلى الرعاية الأساسية المستمرة ،
الرعاية الاستثنائية أو المؤقته ( الطارئة ) Residual Social Welfare System
حيث تعتبر الرعاية الاجتماعية وظيفة أو مهمة استثنائية مؤقتة طارئة ، ويتوقع من الأجهزة التي تقدم تلك الرعاية لإشباع احتياجات المواطنين أن تنسحب وتتوقف عن أداء مهمتها عندما تستطيع البنية ( والنظم ) الاجتماعية العادية وهي : الأسرة ، والنظام الاقتصادي ، استعادة وظائفهما بصورة مناسبة ،
ووفقا لمفهوم الرعاية الاجتماعية الاستثنائية والمؤقتة فإن الرعاية الاجتماعية يجب ألآ تصبح جزءا روتينيا من البرامج الحكومية ، ويجب أن ينظر إليها على أساس أنها عملية بر وإحسان وصدقة ، تحمل في مضمونها " وصمة " للمستفيدين منها حتى لا يستمرؤونها ، ( الرعاية الاجتماعية في أمريكا نموذجا لهذا الاتجاه ) ،
الرعاية الاجتماعية المؤسسية الدائمة : Institutional Social Welfare System
وهي تلك البرامج التي يعتبرها المجتمع مستمرة ودائمة كجزء من البناء الاجتماعي العام ، وأن الدولة هي خير مقدم للرعاية الاجتماعية التي تشمل التعليم والصحة والعمل والإسكان ، وتأمين الدخل ، ........... وغير ذلك من الخدمات والبرامج ، فالاطار الشامل للرعاية الاجتماعية يقتضي تقديمها على أساس أنها حق للمواطن ، ولا تتضمن أي نوع من الوصمة ، ولا تعنى بالحالات الطارئة فحسب ، وليست تفضلا ولا صدقة ، كما أنها لا تعني بالحالات غير السوية فحسب ، أي أنها ينظر إليها على أنها وظيفة أساسية من وظائف المجتمع الصناعي الحديث لمساعدة أفراده في تحقيق ذاتيتهم ، ( الرعاية في بريطانيا نموذجا لذلك الاتجاه ) ،
العولمة وتداعياتها : Globalization
فللعولمة تأثيراتها البالغة على إنسان ومجتمع العصر، وعلى نظم الحياة وطرقها وأساليبها في المجتمعات المختلفة ،
فالعولمة التي فرضت نفسها على عالم اليوم ، وما صاحبها من تكريس لسياسات السوق المتحررة من الضوابط والقوانين الاجتماعية ، كان لها تأثيراتها السلوكية والثقافية والاجتماعية الواضحة ، والتي تمتد إلى أعماق الوعي الباطني للإنسان ، بفعل التدفق الحر للمعلومات ، وانعكاسات ذلك كله على وعي الفرد وثقافة المجتمع – وما ينطوي عليه ذلك من تحويل للسياقات المحلية بل والشخصية للخبرة الإنسانية – وما أدت إليه من تغيير في أساليب الناس في الحياة ، وفي العمل ، وفي العلاقات الاجتماعية ، وضعف الهوية الاجتماعية ، وتدني الشعور بالنحن (7) ،
- كما أن سياسات السوق فرضت إجراءات ملزمة للدول لتحرير الأسواق المالية مما أدى إلى تنافس الدول في تخفيض الضرائب ، وتقليص دور الإنفاق الحكومي على برامج الرعاية الاجتماعية ، وخصخصة مشروعات الحكومة ، والتضحية بالعدالة الاجتماعية ، النمو المضطرد للبطالة واتساع دائرة المحرومين ، كل ذلك كانت له انعكاساته العميقة على نسق الرعاية الاجتماعية في العصر الحديث ،
إن كل هذه التحولات والتغييرات الجذرية التي أضحت اليوم أمرا عاديا يتعايش معه الإنسان ، كان لهذا كله تأثيره الملحوظ على كافة التخصصات والمهن الإنسانية بشكل عام ومن بينها الخدمة الاجتماعية من خلال التأثير على نسق الرعاية الاجتماعية باعتباره الميدان الرئيس الذي تعمل مهنة الخدمة الاجتماعية من خلاله ، وما استتبعه ذلك من تطبيق معايير الفعالية – التكلفة الخاصة بالمعاملات التجارية Cost Effective Businesses على منظمات تقديم الخدمات الاجتماعية الشخصية Personal Social Services والذي اقتضى من ممارسي الخدمة الاجتماعية التركيز على :
- استخدام أفضل للموارد في إطار نسق الرعاية الاجتماعي ،
- ان هدف الإمداد يصمم على أساس الاستحقاق للناس الأكثر فقرا ،
- تحديد ضوابط للمحاسبة على استخدامات الممارسين للموارد في ضوء الوقت والخبرة ،
- التمرين على المسئولية المالية ،
- التفاوض مع مجموعات كبرى من مقدمي الخدمات ،
- ربط العملاء بشكل كامل بعملية اتخاذ القرارات حول حياتهم (8) ،
هذا ومن الممكن أن نبرز – وبإيجاز شديد - بعض الاتجاهات الحديثة التي فرضت نفسها على نسق الرعاية الاجتماعية في العقود الأخيرة وذلك على النحو التالي :
أولا : المنظور الإسلامي للرعاية الاجتماعية :
المفاهيم المحورية للتصور الاسلامي للرعاية الاجتماعية :
مفهوم التكافل الاجتماعي ، Social Solidarity Concept ،
مفهوم الاخوة في الاسلام Brotherhood Concept ،
مفهوم مقاصد الشريعة Sharia Destination ،
مقاصد الشريعة باعتباره مفهوما محوريا للرعاية الاجتماعية في المنظور الإسلامي :
عرف ( الشاطبي ) مقاصد الشريعة بأنها : " تحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل معا " (9)
ولقد قام ( الشاطبي ) بتقسيم تلك المقاصد إلى ثلاثة أقسام :
1- الضروريات : وهي الأمور التي لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا ، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة ، بل على فساد وتهارج وفوت حياة ، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين
2- الحاجيات : وهي الأمور التي يفتقر اليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب الى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب .... ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد ..... المتوقع في المصالح العامة ،
3- التحسينات : ويقصد بها الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات "
ثم أوضح أن مجموعة الضروريات خمسة ( تجري أيضا في الحاجيات والتحسينات ) وهي :
- حفظ الدين ،
- حفظ النفس ،
- حفظ النسل ،
- حفظ المال ،
- حفظ العقل ،
ثانيا : دولة الرعاية : Welfare State
لما كان المفهوم العام للرعاية الاجتماعية الحديثة إنما يتمثل في التحمل الجماعي للإخطار التي تمس الفرد ، فإن مفهوم دولة الرعاية ناتج أساسا من العلاقة بين الدولة والسوق، فنقائص هذا الأخير أدت بالدولة إلى التدخل لضمان تقديم خدمات يعجز السوق عن توفيرها، فصحة الأفراد وحماية الأطفال والأشخاص المسنين مثلا ضرورية لأي دولة بغض النظر عن النظام الاقتصادي المتبع أو درجة التقدم ، وللرعاية الاجتماعية تكلفة يتحملها الأفراد وأرباب العمل كما تتحملها الدولة في حالة عدم كفاية اشتراكات الأفراد ، وتؤثر وظيفة الرعاية على الاستثمار وكذلك على الإنفاق العام لهذا عادة ما تخضع للإصلاحات كلما تطلب الأمر ذلك ، ولتخفيف العبء عادة ما تقوم الدول بفتح المجال للسوق ليساهم في توفير جزء من هذه الخدمات وبأقل تكلفة ،
وبما أن جميع الأفراد لا يستطيعون إشباع حاجاتهم الأساسية مثل المسنين والمعاقين...الخ، لهذا تقوم الدولة بذلك وتسمى في هذه الحالة دولة الرعاية أو الرفاه ،
حيث يعرفها " ف.طولون" على أنها : هي الدولة التي تأخذ على عاتقها مهمة الحماية الاجتماعية ، وإعادة توزيع الدخول وبالتالي تصبح الدولة هي الكفيل لمجتمع تكون فيه الأخطار التي تمس الأفراد متحملة جماعيا "
وتقوم فلسفة ´دولة الرعاية ´على الايمان بمسؤلية الدولة في ضمان مستويات محددة من الدخل والتغذية والصحة والتعليم والاسكان لكل مواطن ، منظورا لهذه المطالب والحاجات باعتبارها حقوقا سياسية للمواطن ، فان الفكرة تعتبر واحدة من الخصائص البنائية الواضحة للمجتمع المعاصر ،
ويبدو أن الأفكار الأساسية لدولة الرعاية كان رد الفعل المباشر على فشل اساليب الرعاية المستندة للنموذج العلاجي المؤقت وقيمه المتمثلة في الحرية والليبرالية ، وهي بذلك تعتبر التطبيق الواقعي للنموذج الآخر الجديد وهو النموذج المؤسسي في الرعاية ،
وتجدر الإشارة إلى أمر نحسب أنه من الأهمية بمكان فيما يتعلق بنشأة فكرة " دولة الرعاية الاجتماعية " حيث يغفل معظم الدارسين والكتاب أن أول ظهور لفكرة دولة الرعاية كان في التجربة الإسلامية ، حيث تثبت المصادر التاريخية أن تاريخ المسلمين قد عرف مستوى متقدما من الرعاية الاجتماعية ، ومسؤلية الدولة تجاه رعاية مواطنيها من المسلمين ، بل وامتد ذلك إلى غير المسلمين وخاصة في صدر الإسلام ، يقول ( رجب ) : أما بالنسبة لتدخل الدولة في برامج الرعاية الاجتماعية فإنه لا يقوم - في التصور الإسلامي – على مجرد الاستجابة للضغوط السياسية الضيقة ، أو الاستجابة لتوازنات القوى المتقلبة ، وإنما يقوم على شعور الحاكم " بالمسئولية أمام الله سبحانه وتعالى " ، في ضوء ما شرع من حقوق العباد ، على الوجه الذي يرى فيه أمير المؤمنين ( رئيس الدولة ) عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثلا أنه لو عثرت بغلة في العراق ( وهو بالمدينة ) لكان متحملا للمسئولية أمام الله عما أصابها ، وهي صورة تتناقض بشكل صارخ مع ما تشير به المكيافيلية ( الغاية تبرر الوسيلة ) او البراغماتية ( النفعية ) القصيرة النظر التي تستشري في نظم الحكم الحديثة في المجتمعات المعاصرة (10) ،
ثالثا : الرعاية الاجتماعية الدولية International Social Work
في ضوء التحولات الجذرية التي تعرض لها عالمنا المعاصر – والتي سبق أن ألمحنا إلى بعضها وما ترتب عليها من نتائج وانعكاسات – كان من الطبيعي أن تشهد الرعاية الاجتماعية تحولا واضحا من المحلية إلى العالمية ، تمشيا مع الاتجاه الذي يؤكد على وحدة الجنس البشري ، وأن المشاكل المحلية المرتبطة بالرعاية الاجتماعية لا سبيل إلى مواجهتها أوالتخفيف من حدتها بمعزل عن الأسرة البشرية في جملتها ، خاصة وأن العديد من تلك المشكلات والظواهر أصبحت تأخذ بعدا عالميا ولم تعد قاصرة على المستويات المحلية ، ومن هنا بدأ مفهوم الرعاية الاجتماعية الدولية في النمو ،
واذا كانت الرعاية الاجتماعية – والى وقت قريب – على المستوى المحلي قد عنيت بتكافؤ الفرص ، وتقريب الفوارق بين أبناء المجتمع الواحد ، فإن من أكبر التحديات التي تواجه الرعاية الاجتماعية الدولية اليوم هو تقريب الفوارق بين الدول الغنية والدول الفقيرة ، دول الشمال ، ودول الجنوب ،
- الأمم المتحدة والرعاية الاجتماعية ،
- المجلس الاقتصادي والاجتماعي ،
- منظمة العمل الدولية ،
- اليونيسيف : صندوق الأمم المتحدة الدولي لإغاثة الطفولة ،
- منظمة الصحة العالمية ،
- اليونسكو : منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ،
وثمة مجموعة من المفاهيم الهامة وثيقة الصلة بالرعاية الاجتماعية الدولية على الدارس أن يكون ملما بها ومن تلك المفاهيم :
- مفهوم العولمة وتداعياتها ،
- مفهوم النظام الدولي ومكوناته ( مفهوم النظام الدولي – نشأ ة وتطور النظام الدولي ، سمات النظام الدولي - مكونات النظام الدولي – الدول كأطراف رئيسية في النظام الدولي - المنظمات الدولية كأطراف ثانوية في النظام الدولي – القوى غير الوطنية كأطراف عرضية في النظام الدولي ).
- المنظمات غير الحكومية ، ( منظمات المجتمع المدني ) ،
- الشركات متعددة الجنسيات ،
- ثقل الرأي العام الدولي ،
- مفهوم الجماعة الدولية ومكوناتها
- مفهوم ومنظمات حقوق الانسان ،
- السياسة الدولية ،
- الازمة البيئية العالمية ،
رابعا : المدخل السياسي للرعاية الاجتماعية في ظل الخصخصة ،
خامسا : الجودة الشاملة للرعاية الاجتماعية ،
سادسا : مجالات حديثة للرعاية الاجتماعية ،
سابعا : نظم المعلومات والرعاية الاجتماعية ،
********************
الهوامش والاحالات :
===========
(1) – راجع : محمد عبد الحليم رضا عبد العال : " الخدمة الاجتماعية المعاصرة " ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1988م ، ص ص : 9 - 10
(2) – راجع : نفس المرجع السابق : ، ص : 164،
(3) – إبراهيم عبد الرحمن رجب : " الإسلام والخدمة الاجتماعية " ، الثقافة المصرية للطباعة والنشر والتوزيع ، القاهرة ، 2000م ، ص ص : 133 – 134
(4) – من تعريفات النظام الاجتماعي أنه : " مجموعة من القيم موجهة لوظيفة اجتماعية ، يقوم بها جهاز معين مكون من مجموعة من المراكز والأدوار الاجتماعية " ، أنظر :
- Ronald C.Federico, " The Social Welfare Institution :An Introducion ", Lexington : D.C.Heath And Company , 1973, p:3
(5)- Neil Gilbert & Harry Specht , " Dimension Of Social Welfare Policy ",N.J: Prentic – Hall , 1974, p: 1078.
(6) - مختار عجوبة : " الرعاية الاجتماعية وأثرها على مداخل الخدمة الاجتماعية المعاصرة " ، دار العلوم للطباعة والنشر ، الرياض ، 1990م ، ص ص : 87- 88 ،
(7) - أنظر : انطوني جيدنز : بعيدا عن اليسار واليمين – مستقبل السياسات الراديكالية ، ترجمة : شوقي جلال ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ، العدد 286 ، اكتوبر : 2002م ،
- (8)- Lena Dominelli : " Anti-Oppressive Social Work, Theory And Practice ,UK, London ,Palgrave Macmillan,2002,pp:141 - 142
(9) – أبو اسحاق إبراهيم بن موسى ( ت 790هـ ) : " الموافقات في اصول الأحكام " ، دار الفكر للطباعة والنشر ، ج2 ، ص : 1 ،
(10) – أنظر :
- مختار عجوبة : " الرعاية الاجتماعية وأثرها على مداخل الخدمة الاجتماعية المعاصرة " ، دار العلوم للطباعة والنشر ، الرياض ، 1990م ، ص :1
- ابراهيم عبد الرحمن رجب : " الإسلام والخدمة الاجتماعية " ، الثقافة المصرية للطباعة والنشر والتوزيع ، القاهرة ، 2000م ، ص : 154 ،
**********
أ.د / أحمد بشير
كلية الخدمة الاجتماعية – جامعة حلوان – القاهرة
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: