سلسلة الأوائل : الأدباء العرب - 1 - أول من كتب من فلان إلى فلان
د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5601
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
أمــا بعد :
نحن على موعد مع واحد من الأوائل في ميدان الأدب العربي ، وهو أول من كتب في رسائله ومكاتباته : " من فلان إلى فلان " وهو " قس (1) بن ساعدة بن حذاقة بن زهير بن إياد بن نزار الإيادي " , كان من حكماء العرب قبل الإسلام ، وأعقل من سمع به منهم , كان من الحنيفية أي على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وكان أول من أقر بالبعث من غير علم ، وأول من قال : أما بعد ، (التي يستعملها العرب في أساليبهم البلاغية وفي الخطب والكتابة حتى يومنا هذا ) وأول من قال : البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ، وأول من خطب على شرف ( مكان عال ) ، وأول من اتكأ عند خطبته على سيف أو عصا (1) ، الأغاني "14/ 40 وما بعدها"، الخزانة "2/ 90"، "عبد السلام محمد هارون".وقد عمر مائة وثمانين سنة , وكان بليغا بينا فصيحا ، وقد ضرب العرب بحكمته وعقله الأمثال ، (2)
ويعده الشهرستاني في كتاب ( الملل و النحل ) بين من يعتقد التوحيد ويؤمن بيوم الحساب ، كما روى الطبري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عنه : "رحم الله قسا! إنه كان على دين أبي إسماعيل بن إبراهيم " ( قال الألباني : ضعيف ) ، رآه النبي قبيل البعثة يخطب في الناس في سوق عكاظ ، ولقد كان خطيباً مصقعاً وحكيماً واعظا متألها متعبداً (3)
هذا ولقد ذكر كل من ابن كثير في البداية والنهاية (4) ، والمسعودي في مروج الذهب (5) : " أن رسول الله سأل عنه وفد إياد يوم فتح مكة فأخبروه أنه مات ، ثم إنه روى لهم كيف رآه في عكاظ قبل البعثة ثم سرد لهم خطبته يومذاك ، وترحّم عليه " ، قال المسعودي : " وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم وَفد من إياد ، فسألهم عنه ، فقالوا : هلك ، فقال : رحمه اللّه كأننىِ أنظر إليه بسوق عُكَاظ على جمل له أحمر، وهو يقول : أيها الناس ، اجتمعوا واسمعوا وَعُوا ، مَنْ عاش مات ، ومَن مات فات ، وكل ما هو آت آت ، أما بعد فإن في السماء لخبراً ، وإن في الأرض لعبراً ، نجوم تمور ، وبحار تغور ، وسَقْف مرفع ، ومهاد موضوع ، أقسم قس باللّه قسماً لا حانثاً فيه ولا آثماً ، إن اللّه لدينا هو أرضى من دين أنتم عليه ، مالي أراهم يذهبون ولا يرجعون ، أرَضُوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا ، سبيل مؤتلف ، وعمل مختلف ، وقال أبياتاً لا أحفظها ، فقام أبو بكر رضي اللهّ عنه فقال: أنا أحفظها يا رسول الله ، فقال :هاتها ، فقال:
في الذَّاهِبِينَ الأوَّلين ***مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ
لما رَأيْتُ مَوَارِداً *** لْلمَوْتِ لَيْسَ لَها مَصَادرْ
ورَأيْتُ قَوْمي نَحْوَها *** تمْضِي الأوَائِلُ وَالأوَاخِرْ
لَا يَرْجِعُ الماضي، ولَا *** يَبْقَى مِنَ الْبَاقِينَ غَابِرْ
أيْقَنْتُ أني لَا محالة *** حَيْثُ صَار الْقَوْمُ صائِرْ
فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : رحم اللّه قسا ، إني لأرجو أن يبعثه الله أمة وحْده "
- ومما قيل عنه أنه كان نصرانيا ، وأنه كان أسقف كعبة نجران ،
- وذكر ( جواد علي ) قسا بن ساعدة مرارا في كتابه: ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ) (6) قال : ولدى الرواة أبيات ينسبونها إلى بعض الشعراء الجاهليين ، هم الأعشى ، والحطيئة ، ولبيد ، ذكر فيها اسم قس ، وقد أشيد فيها بفصاحته وبلاغته وحكمته ، حتى جعل لبيد لقمان دون قس في الحكم ، وقد ضرب المثل بشخصيات جاهلية تركت أثرا في أيامها ، فضرب بها المثل ، مثل " أبلغ من قس " ويراد به قس بن ساعدة الخطيب الشهير البين البليغ ، فلقد ذاعت بلاغته في العرب من خلال خطبه التي كان يطيل فيها متدفقاً مرتجلاً إياها من دون توقف. ،
قال لَبيد الشاعر :
وأخـلـف قـسـا لـيـتـنـي ولـعـلـنـي وأعـيا على لـقـمان حـكـم التـدبـر
وأشار بذالك إلى قول قس بن ساعدة:
وما قد تولى فـهـو قـد فـات ذاهـبا فـهـل يـنـفـعـني لـيـتـني ولعـلني
قال عبد الملك بن مروان يوما : هل تعرفون حيا فيهم أخطب الناس وأجود الناس وأشعر الناس ؟ هم إياد ، لان قس ابن ساعدة منهم ، وكعب بن مامة منهم ، وأبا دؤاد الايادي منهم (7) ،
وأخيرا نختم بشيء من روائع ما كتب قس ابن ساعدة إلى بعض من هو على نحلته
أما بعد ، فإنك لا تفوت ربك بنفسك فكن عند رضاه ، واحذر سخطه يكفك المهم ، ويدرأ عنك غائبة الملم ، وانظر ماذا تجرح فإنك مجزي بما تكدح ، وكن لله يكن لك ، وعليك بالصبر فإنه من أوكد أسباب النصر، وإياك والإضاعة فإنه لا يبقي عليها الكثير ولا يتبين معها القليل ، ولا تصحبن أحمقا ولا فاجراً ولا بخيلاً ، فالأحمق يوثقك ، والفاجر يوبقك ، والبخيل يسلمك ، واعلم أنه إذا أهملت نفسك لم تجد من يرعاها فتول من إصلاحها ما لا يقدر عليه غيرك ، والسلام (8)
والحمد لله رب العالمين ،
****************
الهوامش والإحالات :
============
(1) – " قس " بضم القاف ، وتشديد السين ،
(2) - أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري : " مجمع الأمثال " ، تحقيق : محمد محيى الدين عبد الحميد ، دار المعرفة ، بيروت ، ج1 ، ص : 111
(3) - أنظر :
- خير الدين الزركلي : " الأعلام " ، دار العلم للملايين ، بيروت ، لبنان ، 2002م ، ج5 ، ص : 236 ،
- الإمام الحافظ زين الدين عبد الرؤوف المناوي : " التيسير بشرح الجامع الصغير " ، مكتبة الإمام الشافعي ، الرياض ، 1408هـ - 1988م ، ط3 ، ج2 ، ص : 58 ،
(4) - الإمام الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ( 701 ، 774 هـــ ) : " البداية والنهاية " ، تحقيق : عبد الله بن عبد المحسن التركي ، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر ،
(5) - أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي : " مروج الذهب ومعادن الجوهر " ، دار الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع،الرياض ، ط1 ، 2010م ،
(6) - جواد علي : " المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام " ، دار الساقي ، ط4 ، 1422هـ /2001م ، ج15 ، ص : 368 ، مصدر الكتاب : موقع مكتبة المدينة الرقمية
http://www.raqamiya.org
(7) - خير الدين الزركلي : " الأعلام " ، دار العلم للملايين ، بيروت ، لبنان ، 2002م ، ج2 ، ص : 32 ،
(8) - أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (ت : 395هـ) : الأوائل " دار البشير، طنطا ، ط1، 1408 هـ ، ص : 16 ،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: