هل تعلم - 2 - أن التوبة من الشرك شرط في تحقيق الإسلام
د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5998
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك وعظم وشرف وكرم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
أمــا بعد :
قال الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل : { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } ( التوبة : 11 ) ، والآية جاءت في سياق الحديث عن المشركين ، إذ يقول الله تعالى قبلها : { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}( التوبة : 7 ) ، والمعنى – والله أعلم - فإن أقلع هؤلاء المشركون عن عبادة غير الله تعالى , ونطقوا بكلمة التوحيد , والتزموا شرائع الإسلام من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة , فإنهم إخوانكم في الإسلام ، ونبين الآيات , ونوضحها لقوم ينتفعون بها ، وهكذا اشترط الله لثبوت الأُخُوَّة في الدِّين في هذه الآية ثلاثةَ شروط : الأولُ : التوبة من الشِّرك ، والثَّاني : إقامة الصَّلاة ، والثالث : إيتاء الزَّكاة ،
وقال تعالى في موضع آخر : {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }( التوبة : 5 ) ، أي فإن رجعوا عن كفرهم ودخلوا الإسلام والتزموا شرائعه من إقام الصلاة وإخراج الزكاة, فاتركوهم, فقد أصبحوا إخوانكم في الإسلام, إن الله غفور لمن تاب وأناب, رحيم بهم ، قال الامام الطبري رحمه الله في قوله تعالي ( فان تابوا ...... ) يقول : فإن رجعوا عما نهاهم عنه من الشرك بالله ، وجحود نبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد ، والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فاتركوهم ، وقال انس رضي الله عنه في قوله تعالي { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}، قال : توبتهم ، خلع الأوثان ، وعبادة ربهم ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ،
وفي الحديث: " الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً" ( متّفق عليه ) ، ولذلك قالوا أن معرفة الشرك وأنواعه أمر واجب على المسلمين ، فإن من لا يعرف ذلك وقع فيه ، كما هو مشاهد من كثير من المسلمين الذين يتقربون إلى الله بما هو شرك ، كالنذر للأولياء والصالحين ، والحلف بهم ، والطواف بقبورهم ، وبناء المساجد عليها .....وغير ذلك مما هو معلوم شركه عند أهل العلم ، ولذلك فلا يكفي في الإيمان التوحيد دون معرفة ما يناقضه من الشركيات وإلى هذه الحقيقة أشار رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوله : " من قال : لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله " ( رواه مسلم ) ، فلم يكتف عليه السلام بالتوحيد بل ضم إليه الكفر بما سواه ، وذلك يستلزم معرفة الكفر وإلا وقع فيه وهو لا يشعر ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وقال صلى الله عليه وسلم: " بُني الإسلام على خمسٍ على أن يُعبد الله ويكفر بما دونه .....الحديث ". ( متّفق عليه ) ،
قال الإمام ابن القيم : " والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ، والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به ، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم ، وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين ، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفاراً ، فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله إما عناداً أو جهلاً وتقليداً لأهل العناد ، فهذا وإن كان غايته أنه غير معاند فهو متبع لأهل العناد ، بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر ، وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول ، هذا في الجملة ، والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه ، هذا في أحكام الثواب والعقاب ، وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم " اهـ (1)
قال الإمام الصنعاني (1059ه - 1182ه) في ( تطهير الاعتقاد ) (2) : "ثم إنّ رأس العبادة وأساسها التوحيد لله الذي تفيده كلمته التي إليها دعت جميع الرسل وهو قول لا إله إلاّ الله والمراد اعتقاد معناها لا مجرّد قولها باللسان ومعناها إفراد الله بالعبادة والألوهية والنفي والبراءة من كل معبود دونه" ، ثم قال : فإن قلتَ : أفيصير هؤلاء الذين يعتقدون في القبور والأولياء والفسقة والخلعاء مشركين كالذين يعتقدون في الأصنام ؟ قلتَ : نعم قد حصل منهم ما حصل من أولئك وساووهم في ذلك ، بل زادوا في الاعتقاد والانقياد والاستعباد فلا فرق بينهم (3) ،
وفي ذات المعنى قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده ، فمن استسلم له ولغيره كان مشركاً ، ومن لم يستسلم له كان مستكبراً عن عبادته ، والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر ، والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده ، فهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله عز وجل غيره ، وذلك إنما يكون بان يطاع في كل وقت بفعل ما أمر به في ذلك الوقت ، فمن بلغته رسالة محمد صلي الله عليه وسلم فلم يقر بما جاء به لم يكن مسلما ولا مؤمنا بل يكون كافرا ، وان زعم انه مسلم ، أو مؤمن " (4)
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب : " وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه) (5) ، وقال ايضا رحمه الله : " ومن المعلوم أن كفار مكة قد علموا مراد النبي صلى الله عليه وسلم من كلمة لا إله إلا الله فأبوا واستكبروا ولم يك ينفعهم إيمانهم بأن الله واحد رازق محي مميت. ولما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قولوا: لا إله إلا الله قالوا: {أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب} ( ص : 5 ) ، فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك ، فالعجب ممن يدعي الإسلام ، وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب بشيء من المعاني ، والحاذق من يظن أن معناها : لا يخلق ولا يرزق ولا يحيي ولا يميت ولا يدبر الأمر كله إلا الله ".. ا هـ (6)
الهوامش والإحالات :
============
(1) – الإمام ابن القيم : " طريق الهجرتين وباب السعادتين " ، مكتبة عباد الرحمن ، القاهرة ، ط1 ، 2009م ، ص : 610 ،
(2) - محمد بن الأمير الصنعاني : " تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد " ، ص : 9 ، مصدر الكتاب : موقع الإسلام
http://www.al-islam.com
(3) – " نفس المرجع السابق " ، ص : 22
(4) - انظر : شيخ الإسلام أحمد بن تيمية : " مجموع الفتاوى " ، جمع وترتيب : الشيخ عبد الرحمن بن قاسم وابنه الشيخ محمد ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف ، المدينةالنبوية ،بدون ، 1412 هـ ، ج 3 ص : 91-93 ،
(5) - الإمام محمد بن عبد الوهاب : " القول السديد شرح كتاب التوحيد " ، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية ، الرياض ، 1421هـ ، ط2 ، ص : 39
(6) – " نفس المرجع السابق " ، ص : 74 ،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: