المقومات المهنية للخدمة الاجتماعية – الحلقة الثامنة
د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5742
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
5 – الإعتراف ( التصديق ) المجتمعي Sanction
لقد أشرنا فيما سبق إلى أن "الاعتراف المجتمعي " يعد شرطاً أساسياً من شروط أي عمل مهني، طالما أن "المهن" – كما أسلفنا – ما هي إلا اختراع مجتمعي تنشأ وتتطور وتعمل وتمارس دورها استجابة لاحتياجات ومطالب مجتمعية ملحة تتطلب الإشباع، ولأهداف محددة تسعى لتحقيقها للناس وللمجتمع .
ونعنى " بالتصديق " Sanction تلك السلطة المنوط بها الإشراف على ممارسة الاجتماعية حتى تتحقق من المستويات التعليمية ( الإعداد المهني بشقيه النظري و الميداني ) التي لا بد من توافرها في الأخصائي الاجتماعي ومدى التزامه – أثناء الدراسة – بالقيم و الأخلاقيات المهنية في عمله المهني .(1)،
ولما كانت المجتمعات الإنسانية اليوم – في أغلبها – سواء كانت متقدمة أم نامية - تستشعر وجود احتياجات إنسانية، ومشكلات فردية واجتماعية، تتطلب وجود مهنة متخصصة لإشباع تلك الاحتياجات، ومواجهة تلك المشكلات أوعلى الأقل التخفيف من حدتها وآثارها السلبية، وذلك بالأسلوب والطريقة العلمية، فقد صدقت على نشأة مهنة الخدمة الاجتماعية ( سواء في بلد المنشأ أوفى المجتمعات والبلاد التي انتقلت إليها المهنة بحكم الحاجة إليها )، وتم الاعتراف بها كإحدى المهن الإنسانية العاملة في تلك المجتمعات جنبا إلى جنب مع المهن الإنسانية الأخرى، ومن ثم فقد منحت شرعية وجودها وممارستها ..
هذا وتجدر الإشارة أن عملية التصديق المجتمعي لمهنة الخدمة الاجتماعية تشترك فيها عدة جهات تتمثل في :
أ - المعاهد والكليات الجامعية التي تتولى عملية الإعداد المهني للأخصائيين الاجتماعيين ( نظرياً وعملياً )، والتي تتولى منح الخريجين رخصة الممارسة ( الشهادة الجامعية ) التي تسمح لهم بالالتحاق بالمؤسسات الاجتماعية المتنوعة للعمل بها، وفى مصر يوجد اليوم العديد من تلك المعاهد والكليات الجامعية المتخصصة في تخريج الأخصائيين الاجتماعيين سواء كانت حكومية أم أهلية ( الخاصة )، ويتم التصديق هنا خلال فترة الدراسة وبعد انتهائها مباشرة ومن الجدير بالذكر أن المؤسسات التعليمية للخدمة الاجتماعية لا تقتصر على تخريج الأخصائيين على مستوى المرحلة الجامعية ( مرحلة البكالوريوس ) فحسب، وإنما يمتد الأمر إلى تخريج المؤهلين على مستوى الدبلوم والماجستير والدكتوراه، في مجالات الممارسة المختلفة، سواء كان ذلك بالنسبة للمشتغلين بالتدريس في الجامعات والمعاهد، أو بالنسبة للممارسين الميدانيين في المؤسسات الاجتماعية في مختلف مجالات وميادين الممارسة المهنية .
ب - الهيئات والمنظمات الحكومية Governmental bodies التي تستخدم الأخصائيين الاجتماعيين للعمل بها في إطار فلسفتها وأهدافها وفى مقدمتها الهيئات التابعة لوزارات التضامن الاجتماعي، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والجامعات، والإسكان، والداخلية ( السجون، وأقسام الشرطة مثلاً ) وغيرها من الوزارات والمصالح الحكومية .
- الهيئات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني Non- Governmental Organizations (NGOs) على اختلاف أنواعها مثل : الاتحادات الإقليمية Regional Associations والنوعية للمؤسسات الاجتماعية، والمؤسسات والجمعيات العاملة في مختلف مجالات وميادين الرعاية الاجتماعية والتنمية الاجتماعية .
- المهنة ذاتها ممثلة في التنظيم الذي يضم الأخصائيين العاملين في المؤسسات الحكومية والأهلية في مختلف مجالات الممارسة، ومن أمثلة تلك التنظيمات : " نقابة المهن الاجتماعية " ، و" الجمعية المصرية للدراسات الاجتماعية "، وغيرها .
وختاما فإن المكانة المجتمعية التي تحظى بها مهنة الخدمة الاجتماعية في أي مجتمع تمارس فيه إنما ترتبط بالعديد من العوامل ولعل من أهمها درجة ونوعية الاعتراف المجتمعي الذي تحظى به المهنة، وتؤكد أدبيات الخدمة الاجتماعية أن المهنة تتبوأ مكانة عالية بين منظومة مهن المساعدة الإنسانية إذا تحقق لها الإعتراف المجتمعي المطلوب وبالدرجة الكافية تعبيرا عن قيمة وأهمية المهنة للمجتمع، كما أن تلك المكانة ترجع إلى مجموعة من العوامل التي يمكن لنا أن نوجزها فيما يلي :
- مستوى الإعداد المهني للممارسين النظري والميداني ( المعارف النظرية والمهارات المكتسبة، والقيم المتمثلة )،
- المناصب العليا في المجتمع التي يعتليها المتخصصين في المهنة،
- شدة حاجة المجتمع لخدمات وأنشطة الخدمة الاجتماعية،
- الصورة الذهنية الإيجابية للخدمة الاجتماعية عند التخصصات الأخرى، وخاصة تلك التي تعمل ضمن فريق العمل في الممارسة المهنية،
- ثقة الأخصائي الاجتماعي في نفسه، وثقة الآخرين في قدراته ومؤهلاته،
- قوة مؤسسات تعليم الخدمة الاجتماعية، وتزايد الإقبال على الالتحاق بها،
- الاستعداد المجتمعي لاعطاء الخدمة الاجتماعية الوزن الاجتماعي اللائق،
- ارتفاع معدلات أجور الممارسين للخدمة الاجتماعية مما يدل على حاجة المجتمع لهم وتقديره لما يقومون به من جهد،
- استيعاب السوق الاجتماعي للقوى العاملة للخدمة الاجتماعية،
وبعـــد : فقد استعرضنا في الصفحات السابقة أهم المقومات المهنية للخدمة الاجتماعية كمهنة حديثة نسبيا في العالم بوجه عام، وفي مجتمعاتنا العربية والاسلامية بوجه خاص، وتبين لنا أن المهنة آخذة في التطور لاستكمال تلك المقومات بالدرجة الكافية والمطلوبة، ويبقى الأمر مرتهن برغبة وقدرة القائمين على المهنة في مؤسسات التعليم، أو مؤسسات الممارسة، أو منظمات الحماية والمطالبة ( كالنقابة، والروابط المهنية ) على تطوير المهنة وتنمية الممارسة المهنية، وإعطاء صورة إيجابية عنها للتخصصات الأخرى، وللجماهير المستفيدة، والأمل معقود على تلك الجهات بعد الله تعالى في أن تتمكن المهنة من استكمال مقوماتها لتصبح مهنة كاملة شأنها شأن غيرها من المهن العريقة، كما تجدر الإشارة أن ما نأمله للمهنة من تقدم وفعالية لن يتم على النحو المرجو ما لم يتخلى القائمون عليها عن استيراد المعارف والنماذج والأفكار والنظريات الغريبة عن ثقافتنا وإطارنا الحضاري، ويبذلوا الجهد الكافي لتأصيل الخدمة الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية والاسلامية لتصبح نابعة من هويتنا العربية والاسلامية، ولا شك أن حركة التأصيل الاسلامي للعلوم الاجتماعية ومهن المساعدة الانسانية والتي بدأت منذ عقدين من الزمان ستؤتي ثمارها في هذا الصدد في المستقبل القريب، والله المستعان وعليه التكلان،
والحمد لله رب العالمين
==========
الهوامش :
======
(1) Charles Zastrow , the practice of social work ,( home wood , illions ; the Dorsy press , 1985 , PP ; 22-23 .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: