المقومات المهنية للخدمة الاجتماعية – الحلقة السابعة
د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7557
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
4 - الأساس المهارى والفنى للخدمة الاجتماعية :
Technical and skill Bass
أشرنا فيما مضى إلى أن الممارس المهني ( في أي عمل مهني ) إنما يقوم بعمل ذو طبيعة فنية، يعتمد بالأساس على مجموعة من المهارات والنماذج والأساليب الفنية، وهو ما يمكن أن نطلق عليه فى الخدمة الاجتماعية " تكنولوجية الخدمة الاجتماعية " Social work technology ، والتي يقصد بها : نماذج التدخل المهني التي تعتمد بالضرورة على المهارة وحسن الأداء، والتي طورتها الخدمة الاجتماعية من قاعدتها العلمية وخبراتها الميدانية المتنوعة والمستمرة، حيث تستخدم تلك النماذج وتطبق لتحقيق أهداف الخدمة الاجتماعية طبقاً للموقف الذي تتعامل معه . (1)
وكما آن تكوين المعرفة العلمية للخدمة الاجتماعية يتم عن طريق تراكم نتائج البحوث العلمية التي تتم في محيط الخدمة الاجتماعية هو ما يمكن آن نطلق عليه : " علم الخدمة الاجتماعية " Social work science
فإن استخدام تلك المعرفة، وجعلها طيعة للاستخدام المباشر في الواقع الميداني هو ما يمكن آن نطلق عليه " فن الخدمة الاجتماعية " Social work art بالمعنى العلمي للفن لا " المعنى الجمالى "، أي بمعنى المهارة والقدرة على استخدام وتطبيق القاعدة العلمية، وهو يعتبر " فناً علمياً " لأنه يوجه لخدمة أغراض المجتمع، وليس للتعبير عن انفعالات شخصية، كما أن القيم تعتبر هي المصفاة التي تنقي المعارف وتحولها إلى مهارات للممارسة، وبالتالي فإن نشاط القيم هو المحرك للمهارات وباعث الحياة فيها وذلك بسبب تغذيتها باستمرار بالمعارف اللازمة لها، ومن هنا فمن الأفضل التعرف على المهارة من خلال قدرتها على تطبيع المعارف واستخدامها والاختيار من بينها (3)،
تعريف المهارة :
ينظر إلى " المهارة " بمعناها العام على أنها الكفاءة والجودة في أداء أى نشاط معقد، يتطلب فترة مناسبة من التدريب المخطط له، والممارسة المنظمة المنضبطة بحيث يؤدى بطريقة ملائمة لتحقيق هدف أو أهداف محددة، وهى تدل على السلوك المتعلم أو المكتسب الذي يتوافر له شرطان جوهريان : أحدهما : أن يكون موجها نحو إحراز هدف أو غرض معين، والآخر : أن يكون منظما بحيث يؤدى إلى إحراز الهدف في أقصر وقت ممكن، وبأعلى درجة من الكفاءة والإتقان، وبأقل جهد ممكن، وبسهولة ويسر دون تكلف .
ويعرف قاموس " وبستر " المهارة Skill بأنها : " معرفة وخبرة ومقدرة على التنفيذ والأداء " (2)،
وبعبارة أخرى فإن المهارة في الخدمة الاجتماعية هي القدرة على استخدام المعرفة العلمية بقدر أكبر من الفاعلية والجودة، وتتجلى أهمية الجانب المهاري في الخدمة الاجتماعية في أن الأخصائي الاجتماعي الذي يمتلك المعارف الضرورية، دون أن يكون لديه المهارات اللازمة لاستخدام هذه المعارف وتطبيقها لصالح عملائه، لن تحقق ممارسته التأثير والفعالية المطلوبة في الواقع، فالمعارف في ذاتها تصبح عديمة الجدوى ما لم يجيد استخدامها لصالح الأنساق المختلفة التي يعمل معها، كما أن حكم المجتمع على أدائه لأدواره المهنية إنما يتم من خلال ما يقوم به فعلا، أى ما يمارسه وما ينجزه من مهام، وليس من خلال ما يعرفه أو يخطط لعمله مهما كان ثراء معرفته وجودة تخطيطه، فكما سبق أن اشرنا فإن المعارف رغم أهميتها الكبرى لا تكفى بمفردها لتحقيق التغيير والتأثير والفاعلية المطلوبة للممارسة ما لم تترجم إلى أعمال فعلية تؤدى في الواقع بمهارة وإتقان .(4)،
هذا ويرى البعض أن المهارات المهنية للخدمة الاجتماعية يمكن ان تنقسم الى خمس فئات رئيسية من المهارات وذلك على النحو التالي : (5)
- مهارات المقابلة Interview، الملاحظة Observation ، التسجيل Recording .
- مهارات أنشطة التدخل المهني : Professional intervention activities skills
مثل المهارة في تقديم المساعدة Skill in providing assistance، النصيحة Advice ، الإعلام The Information، التوضيح Clarification، الدعم الإنفعالي Emotional Support، التفاوض Negotiating، المساومة Bargaining، المطالبة (كالدفاع)، وضع المحددات للسلوك ...إلخ .
- مهارات الإرتباط :
مثل : تكوين بناء المقابلة، المهارة في التركيز على بؤرة الاهتمام، المهارة في إقامة الجسور للفجوات، المهارة في التوقيت، المهارة فى إصدار الأحكام، النشاط، نغمة الصوت، حركة العين، وإيماءات الوجه .
- مهارات التقدير : Assessment Skills
مثل جمع المعلومات، تحليل وتفسير المعلومات، اتخاذ القرارات من المعلومات، التعاقد المهني، إعداد بيان بتقدير الموقف .
- مهارات الإتصال Communication Skills
كيف تكتسب المهارات ؟
لا شك أن الإعداد المهني للأخصائيين الاجتماعيين الممارسين يختلف عن إعداد المتخصصين في العلوم والتخصصات الأكاديمية النظرية، فالإعداد المهني إنما هو تحضير وتأهيل وإعداد للممارسة الميدانية في الواقع الإمبيريقي، بمعنى أنه إعداد للعمل المباشر في " تقديم الخدمات وإحداث التغيير " للناس في واقع حياتهم، ومن ثم فالإعداد المهني للأخصائي الاجتماعي إنما يتطلب بالضرورة مشاركة متكافئة، وتلاحماً وتزاوجا وثيقاً بين المحاضرات النظرية في فصول الدراسة، وبين التدريب الميداني فى مؤسسات الممارسة تحت إشراف أكاديمي متخصص من جهة وإشراف مؤسسي – أي من ذوى الخبرة الميدانية من قدامى الأخصائيين الاجتماعيين العاملين في تلك المؤسسات من جهة أخرى، وبالمناسبة كان هذا هو النظام نفسه المتعارف عليه في الإعداد والتأهيل لممارسة المهن الأخرى كالطب والمحاماة، والإرشاد النفسي، والعلاج النفسي، والتربية ... إلخ .
ولذلك يعتبر التدريب الميداني مكوناً رئيسياً من مكونات الإعداد المهني لطلاب الخدمة الاجتماعية ليصبحوا قادرين عند التخرج على ممارسة العمل المهني اليومي في مختلف المؤسسات الاجتماعية بكفاءة وفاعلية .
مفهوم التدريب الميداني:
تتعدد وجهات النظر حول مفهوم " التدريب " بوجه عام، وذلك بتعدد مجالات استخدام هذا المصطلح، فهناك التدريب الإداري، والتدريب الفني، والتدريب المهني، والتدريب العملي، وتدريب القادة ... إلى غير ذلك من المجالات والميادين التي يستخدم فيها مصطلح التدريب،
هذا ويعرف التدريب بأنه : تنظيم لمجموعة من الإجراءات المحددة والمخططة والتي تؤدي إلى إحداث تغييرات في السلوك شبه الدائم، لتحقيق مجموعة من الأهداف المعروفة والمحددة، ويتضمن ذلك العمل على إكساب الشخص المستهدف من برامج التدريب مجموعة من المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم والخبرات المرتبطة بمجال التخصص،
وعلى ذلك يعرف التدريب الميداني Field Training بأنه : تدريب فني، في موقع العمل لإكساب المتدرب مهارات عملية تمكنه من تأدية العمل المنوط به على أكمل وجه، وبالفعالية والجودة المطلوبة،
وفي إطار الخدمة الاجتماعية يعرف التدريب الميداني بأنه مجموعة من الخبرات التي تقدم في إطار إحدى المؤسسات، أو واحد من مجالات الممارسة بشكل واع ومقصود، والتي تصمم لنقل الطلاب من المستوى (المحدود) الذي هم عليه من حيث الفهم والمهارة والاتجاهات إلى مستويات اعلي تمكنهم في المستقبل من ممارسة الخدمة الاجتماعية بشكل مستقل .(6)
هذا ويهدف التدريب الميداني في الخدمة الاجتماعية إلى إكساب الطلاب المعارف التطبيقية والمهارات والخبرات والقيم المهنية التي تمكنهم من أداء أدوارهم المهنية بكفاءة وفعالية، لتحقيق الأهداف التي تسعى المهنة إلى تحقيقها .
ويعد إكساب الطلاب المهارات والأساليب الفنية التي تستخدم في الممارسة المهنية في إطار مختلف طرق الخدمة الاجتماعية ومجالاتها، وتنمية تلك المهارات واحدا من الأهداف الهامة للتدريب الميداني كمكون رئيس من مكونات الإعداد المهني للأخصائيين الاجتماعيين .
ويلخص (رجب) أهم المهارات المطلوب إكسابها لطلاب الخدمة الاجتماعية في التدريب الميداني فى عدة مهارات لعل أهمها : (7)
أ - أول المهارات العامة التي ينبغي آن يكتسبها الطلاب هي المهارة في الإنتقاء والإختيار الواعي من بين الكم الهائل من المعارف والمعلومات المتاحة لديهم واستخدام تلك المعارف ( الملائمة للموقف ) للقيام بعملية حل المشكلات بطريقة مقصودة وواعية .
ب - المهارة في استخدام الذات بطريقة واعية لمساعدة العملاء في حل مشكلاتهم، واستثمار إمكاناتهم وقدراتهم، وهذا يتضمن المهارة في ملاحظة الذات، والمهارة في تحليل الممارسة التي يقوم بها الطالب، المهارة في ضبط النفس، القدرة على الكشف عن النفس بصدق وصراحة أمام الآخرين دون حساسية مفرطة .
ج - المهارة في تكوين "علاقات مهنية" Professional Relations ايجابية مع العملاء ومع الزملاء، والمهارة في المحافظة على تلك العلاقات قوية لخدمة أهداف الممارسة .
د - وأخيرا فان هناك مجموعة من المهارات والأساليب المحددة التى تستخدم في إطار تلك المهارات العامة في المواقف المختلفة مثل :
- المهارة في إجراء المقابلات مع العملاء .
- المهارة في التسجيل .
- المهارة في تنظيم الجماعات .
- المهارة في تخطيط وتنفيذ البرامج .
وغير ذلك من المهارات التي تستخدم في إطار طرق الخدمة الاجتماعية المختلفة .
ولا شك آن تلك المهارات تعد أحجار البناء في ممارسة الخدمة الاجتماعية، ومن هنا فان اكتسابها وإتقانها من أهم أهداف التدريب الميداني .
يتبــــــع
==========
الهوامش :
=====
(1) - عبد الحليم رضا عبد العال : مرجع سبق ذكره،ص : 133.
(2) - Armando Morals & Bradford, W. : " Social Work , A Proffession Of Many Faces " , Boston : Allyn And Bacon , Inc, 1980 , p: 138.
(3) - مدحت فؤاد حسين : مرحع سبق ذكره، ص : 176
(4) - تجدر الإشارة والتأكيد على حقيقة ينبغي آلا تغيب عن الأذهان وهي أن من الضروري آن يكون هناك نوعا من التكامل بين كلا من ( المعارف والمهارات ) وأن كلاهما يصبح عديم الجدوى إذا افتقد الآخر .
(5) - Charles Zastrow , the practice of social work , home wood , illions ; the Dorsy press , 1985 , PP ; 22-23 .
(6) - ابراهيم عبد الرحمن رجب : " اساسيات التدريب الميدانى فى محيط الرعاية الاجتماعية والفنية الاجتماعية، مكتبة وهبة، 1988، القاهرة، ص : 14.
(7) - المرجع السابق، ص : 27-28 .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: