د. أحمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5517
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ومن علماء النفس الحديث من يقسم النسيان إلى نوعين هما :
ـ النسيان العادي... وهو نسيان سوي، يحدث كثيراً في حياتنا اليومية العادية، كأن ينسى الطالب قصيدة من الشعر حفظها منذ فترة، أو ينسى بعض الدروس التي ذاكرها من قبل، لأنه لم يركز عليها بطريقة كافية، وقد ينسى الشخص العادي موعده مع صديق له سبق أن وعده بزيارته...الــــخ.
ـ النسيان المرضي... وهو معروف في علم النفس باسم الأمنزيا، فهو يحدث عندما يفقد الشخص ذاكرته بسبب وقوع حادث له..كأن يفقد الشخص فجأة كل ثروته.. أو يفقد ـ في حادث ـ جميع أسرته، كما يحدث أيضاً نتيجة لتلف مراكز الأعصاب في المخ بسبب تناول المشروبات الروحية أو بسبب ضربة قوية تصيب المـخ.
كما أن الشخص يصاب بما يسمى بـ ( نسيان الشيخوخة) عندما يطول به العمر ويصل لمرحلة متقدمة من الشيخوخة (1)
خامسا : أسباب الغفلة والنسيان كما بينها القرآن :
للغفلة والنسيان عند الإنسان – وما يترتب عليها من إعراض عن منهج الله عز وجل، وبعدا عنه، وربما يصل الأمر إلى محاربة الله عز وجل ورسوله وشرعه - أسباب وعوامل متعددة على الإنسان أن يكون على معرفة ووعي تام بها، حتى يمكنه إما تفادي الوقوع فيها واجتنابها والتحصن ضدها، أو معالجتها ما أمكنه إذا وقع فيها، وتفاديها ما وسعه ذلك، ولقد بين القرآن الكريم والسنة التبوية المشرفة بجلاء أسباب وقوع الإنسان فريسة للنسيان والغفلة التي منينا بها اليوم، والتي أصبحت آثارها واضحة للعيان، وظاهرة فيما نراه اليوم من سيطرت الدنيا على سويداء القلوب، والإنشغال بسفاسف الأمور وترك معاليها، والإعراض عن ذكر الله تعالى، وعن منهجه الحكيم وكتابه المبين، وسنة نبيه المشرفة المكرمة، وهي أسباب متعددة، ولعلنا نذكر من بين تلك الأسباب أهمها والمتمثل فيما يلي :
- أولها ضعف الإيمان :
علمنا الإسلام أن القلب هو عمدة الجوارح، تأتمر بأمره، وتتجاوب مع ما فيه من صلاح أو فساد، رحمة ورقة أو جمود وقسوة، إيمان أو كفر، توحيد أو شرك، إستقامة وثبات على الحق، أو انحراف وزيغ وضلال، كما في الحديث عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب )، " قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 3193 في صحيح الجامع " ، هذا والقلب هو محل الإيمان والتقوى والصلة بالله عز وجل، وكما أن قوة الإيمان وتمكنه من قلب المؤمن يكاد يجعل المستحيل ممكنا، والملح الأجاج عذبا فراتا سلسبيلا، فلا شك أن الضعف الذي يعتري إيمان العبد ( سواء كان ذلك بالنسبة لركن أو أكثر من أركان الإيمان الستة، أوحتى بالنسبة لجميع الأركان ) (2) من شأنه أن يضعف صلة العبد لله عز وجل، ومراقبته له في ما يأتي وما يدع، وكذلك يضعف محبة العبد لله، وتوكله عليه، ومخافته منه، ورغبته في مرضاته...... إلى غير ذلك من نتائج وتداعيات ضعف الإيمان،
فمثلا إذا ضعف الإيمان في قلب العبد، أحب الدنيا ونعيمها وأحب لها وأبغض لها، وآخى لأجلها وعادى لأجلها، وكان ولاؤه عليها وبراؤه عليها أيضا، وهذا هو الغالب على كثير من الناس إلا من رحم الله عز وجل،
فإن كان في إيمان العبد ضعف، فإن ذلك يضعف حب الله تعالى فيه، ويقوى حب الدنيا في قلبه، ويستولي عليه بحيث لا يبقى فيه موضع لحب الله تعالى، إلا من حيث حديث النفس بحيث لا يظهر له أثره في مخالفة النفس، ولا يؤثر في الكف عن المعاصي، ولا في الحث على الطاعات، فينهمك في الشهوات، وارتكاب السيئات، فتتراكم ظلمات الذنوب على القلب، فلا تزال تطفيء ما فيه من نورالإيمان مع ضعفه،
ولذلك روي أن " سليمان بن عبد الملك " لما دخل المدينة حاجاً سأل من حوله قائلا : هل بها رجل أدرك عدة من الصحابة ؟ قالوا : نعم، أبو حازم، فأرسل إليه، فلما أتاه قال : يا أبا حازم ما لنا نكره الموت ؟ قال : إنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة، فتكرهون الخروج من العمران إلى الخراب، قال : صدقت، ثم قال : ليت شعري ما لنا عند الله تعالى ؟ قال : أعرض عملك على كتاب الله، قال فأين أجده ؟ قال في قوله تعالى : ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ - وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) ( الإنفطار : 13-14 )، قال : فأين رحمة الله ؟ قال : رحمة الله قريب من المحسنين، قال : يا ليت شعري كيف العرض على الله تعالى غداً ؟ قال : أما المحسن فكالغائب الذي يقدم على أهله، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه، فبكى سليمان حتى علا صوته واشتد بكاؤه ثم قال : أوصني، قال إياك أن يراك الله تعالى حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك ".
وكلما ضعف الإيمان ضعفت صلة العبد بكتاب الله وتدبر معانيه، مما يؤدي إلى أن يزداد الإنسان بعدا عن محبة الله ومحبة رسوله ومحبة المؤمنين الصالحين، ويصير قلب الإنسان مهيئا لمحبة الكفار والمشركين، وأفعال الكفر وصفات الكافرين، كذلك قد يصير ضعف الإيمان سبباً لأن يقوى ضده وهو الكفر أو الذنب أو المعصية، فإنه كلما قوي الإيمان ضعفت دوافع الكفر والفسوق والمعاصي، وكلما ضعف الإيمان قويت أضداده، فيحرص المسلم على أن يجدد هذا الإيمان، وأن يكون مجداً مجتهداً في الحرص على تقوية إيمانه، وعلى البعد عن الأسباب التي تضعفه.
- ثانيها : الشيطان اللعين وحيله واستحواذه على القلوب :
ومن هذه الأسباب الشيطان اللعين العدو اللدود لبني آدم من لدن آدم عليه السلام، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إنه ذئب الإنسان الذي يتحين الفرص لاقتناصه والقضاء عليه، وهو الذي يترصد للإنسان في كل لحظة من لحظات حياته، هكذا أقسم اللعين بعزة الله عز وجل ليفعلن وهو ما حكاه القرآن الكريم ، قال تعالى : {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }( ص: 82 - 83 )، ولعل من أوائل أسلحة الشيطان لتحقيق غايته والتمكن من إغواء الإنسان أن ينسيه ذكر الله تبارك وتعالى، حتى ينسلخ من حزب الرحمن ليكتسب العضوية العاملة في حزب الشيطان، لقد قال تعالى في شأن أولئك الذين استولى عليهم الشيطان فأصبحوا له كالعبيد يحركهم كيف يشاء، ويأمرهم بما يشاء : {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ }( المجادلة : 19 )،
ومعنى " الحوذ " في اللغة : أن يتبع السائق حوذ البعير، أي: أدبار فخذيه فيعنف في سوقه، يُقال: حاذ الإبل يحوذها أي: ساقها سوقاً عنيفاً، وقال الأصمعي: " الأحوذي " : هو المشمِّر في الأمور، القاهر لها الذي لا يشذ عنه منها شيء، ولذلك روي أن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت عن عمر بن الخطاب: " كان أحوذياً نسيج وحده "، ومعنى الآية أن الشيطان غلب على قلوبهم بوسوسته وتزيينه حتى اتبعوه فكان مستولياً عليهم، فلم يمكنهم من ذكره ـ عزَّ وجلَّ ـ بما زيّن لهم من الشهوات، فهم لا يذكرونه أصلاً لا بقلوبهم ولا بألسنتهم (3)، نعوذ بالله من السلب بعد العطاء، ونعوذ به من الخذلان،
نعم إنه الشيطان وما أدراك ما الشيطان، عدو للإنسان لدود، لا تنتهي عداوته، ولا يهدأ له بال حتى يضل الإنسان ويغويه، إنه الشيطان من ذرية إبليس وجنوده، وكما أغوى إبليس أبينا آدم، فإنه تحدى ذريته إلى يوم القيامة، إنه الشيطان الذي حذرنا الله تعالى من فتنته وحيله وألاعيبه في الكثير من آيات القرآن الكريم، قال تعالى : {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }( الأعراف : 27 )، إنه تحذير شديد، وتهديد ووعيد، من أن تقع في حبائل الشيطان، إياكم أن يضلكم الشيطان بإغوائه ووسوسته، أو يخدعكم بكيده وحيله ومكره وألاعيبه، إياكم أن يزين لكم الشيطان المعصية كما زينها لأبويكم آدم وحواء فأخرجهما بسببها من الجنة، ينزع عنهما لباسهما الذي سترهما الله به، لتتكشف لهما عوراتهما، إن الشيطان يرانا – كما أخبرنا القرآن - هو وقبيله وذريته وجنده وجماعته وشيعته ونحن بقدراتنا المحدودة لا نراهم، وهذا يستوجب الحذر الشديد واليقظة الكاملة، والحيطة والإستعداد للنجاة من كيده، إنه ابتلاء من الله تعالى لعباده واختبار لهم، والله تعالى يخبرنا أنه سبحانه جعل الشياطين أولياء للكفار الذين لا يوحدون الله، ولا يصدقون رسله ولا يعملون بهديه، ولا يلتمون بمنهجه الحكيم،
إنه الشيطان الذي حذرنا الله تعالى من أن نتبع خطواته فقال عز من قائل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }( النور: 21 )، وفي موضع آخر قال تعالى : وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }( الأنعام : 142 )، وقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }( البقرة : 208 )، وقال أيضا : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }( البقرة : 168 )، في كل هذه الآيات البينات يحذرنا الله من اتباع خطوات الشيطان، ونلاحظ أن القرآن لم يقل ولا تتبعوا الشيطان، وإنما قال ولا تتبعوا خطوات الشيطان، فعبر بالخطوات لأن الشيطان لا يغوي الإنسان دفعة واحدة، لماذا لأن عنده من الذكاء والعبقرية ما يستطيع به أن يزين السوء لابن آدم فيراه حسنا، قال تعالى : {...... وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ }( النمل : 24 )، فالشيطان ذئبنا، والشيطان هو عدونا اللدود هو الذي يقف لنا بالمرصاد أمام أبواب الخير والصلاح والفلاح فيغلقها دوننا،
نعم ولنعلم يقينا أن الشيطان هو :
- من رفض السجود لآدم حين أمره الله بذلك مع الملائكة، وتمرد على الله ورد أمره وعصاه، قال تعالى : {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً }( الكهف : 50 )،
- وهو الذي لم يزل بآدم وحواء حتى ذاقا الشجرة التي نهاهما الله عنها فوسوس لهما وأقسم لهما أنه لهما لمن الناصحين، قال تعالى : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ{20} وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ{21} فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ{22} قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{23}( الأعراف : 20-23 )،
- وهو الذي زين لابن آدم قتل أخيه ولم يكن القتل معروفا قبل ذلك في بني آدم، وكانت أول جريمة قتل ترتكب على وجه الأرض،
- وأخيرا هو الذي يسعى وسيسعى كل يوم بل وكل لحظة – دون أن يكل أو يمل - في بني آدم بالشر والفساد ليشيع الفحشاء والبغضاء والمعاصي والخطايا، فيضل أقواما كثيرين، ولا عجب فهو يجري من ابن آدم مجرى الدم كما أخبر الصادق الأمين محمد، وكما جاء في صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلا قالت : فغرت عليه فجاء فرأى ما أصنع فقال : " ما لك يا عائشة أغرت ؟ " فقلت : وما لي ؟ لا يغار مثلي على مثلك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد جاءك شيطانك " قالت : يا رسول الله أمعي شيطان ؟ قال : " نعم " قلت : ومعك يا رسول الله ؟ قال : " نعم ولكن أعانني عليه حتى أسلم "، ( رواه مسلم ) (4)،
إنه الشيطان عدونا اللدود الذي بلغ به الكفر والعناد والإصرار والتمرد والتحدي والغرور والصلف إلى الدرجة التي يقسم فيها بعزة الله عز وجل على إغوائنا والكيد لنا والمكر بنا، قال تعالى : {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ{82} إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{83} قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ{84} لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ{85}، وفي موضع آخر يقول الحق جل جلاله : { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ{16} ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ{17} قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ{18}( الأعراف 16-18)
وجاء في الأثر " يا موسى خمس كلمات ختمت لك بهن التوراة، إن عملت بهن نفعك العلم كله: الأولى: كن واثقاً من رزق مضمون لك ما دامت خزائني مملوءة، وخزائني مملوءة لا تنفد أبداً، الثانية: لا تخف ذا سلطان ما دام سلطاني باقياً، وسلطاني دائم لا يزول أبداً،الثالثة: لا ترى عيب غيرك ما دام فيك عيب، والمرء لا يخلو من عيب أبداً، الرابعة: لا تدع محاربة الشيطان ما دامت روحك في بدنك، فإنه لا يدع محاربتك أبداً، الخامسة: لا تأمن من مكري حتى ترى نفسك في الجنة، وفي الجنة أصاب آدم ما أصاب فلا تأمن مكري أبداً (5)،
ولنعلم أن من الناس أناسا إستولى عليهم الشيطان، واستحوذ على قلوبهم وعقولهم وأفئدتهم، حتى أصبحوا له خداما وأعوانا، وجنودا يحققون له بالوكالة أهدافه، ويسعون في الأرض فسادا بالأقوال والأفعال، يشيعون الفوضى والفحشاء والمنكر في أرجاء الأرض وجوانب الحياة،
وتجدر الإشارة إلى أن الناس كثيرا ما يقعون في دائرة خبيثة، فالشياطين تستحوذ على القلوب والعقول فيصبح الإنسان أسيرا للغفلة والنسيان والإعراض فتزداد المعاصي والموبقات والشرور والآثام، وهذا بدوره يؤدي إلى بيئة مواتية تكثر فيها الشياطين لتمارس مهمتها في غواية الإنسان وتوقعه في مزيد من الغفلة والنسيان والشرود.....وهكذا، ولابد من كسر هذه الدائرة لينجو الإنسان من حبائل الشيطان، فمن المعلوم أن الشياطين تكثر وتتزايد إذا كثر الخبث، والمعاصي بمختلف أنواعها كباثرها وصغائرها من الزنا، والربا، والخنا، والغناء، والإنحراف الأخلاقي، والفساد، واللهو والباطل، ضعف الإيمان، وانشغل الناس بالملذات والشهوات، وقل أهل الإيمان والإخلاص والتقوى، وضعف المتمسكون والملتزمون عن أن يقاموا هذه المفاسد، عندها تستولي الشياطين وتستحوذ على أولئك، ويقل نزول الملائكة الذين يحفظون ويسددون المؤمنين، والذين يوفقونهم، والذين تنفر منهم الشياطين، فإن الملائكة كلما عمرت مكاناً هربت منه الشياطين، فإذا كثرت الشياطين لم يكن هناك ملائكة، فنعوذ بالله من ذلك كله " رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون "،
يتبـــــــع
الهوامش :
=====
(1) - أركان الإيمان الستة - كما هو معلوم - هي : الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، ودليله في القرآن الكريم قوله تعالى :
ولقد ذكر " زينو " أن أركان الإيمان الستة هي :
1 - أن تؤمن بالله : ( بوحدانيته في العبادة والصفات والتشريع )،
2 - وملائكته : ( مخلوقات من النور لتنفيذ أوامر الله )،
3 - وكتبه : ( التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وهو أفضلها )،
4 - ورسله : ( أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم )،
5 - واليوم الآخر : ( يوم القيامة لمحاسبة الناس على أعمالهم )،
6 - وتؤمن بالقدر خيره وشره ( مع الأخذ بالأسباب ) : ( الرضا بالقدر خيره وشره، لأنه بتقدير الله وحكمته ) ( من حديث شريف رواه مسلم )،
أنظر : محمد بن جميل زينو : " توجيهات إسلامية للإصلاح الفرد والمجتمع "، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، المملكة العربية السعودية، الرياض، ط1، 1418هـ، ص : 7
(3) - محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري أبو العلا : " تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي "، دار الكتب العلمية – بيروت، ج6، ص : 332
(4) - محمد ناصر الدين الألباني : " السلسلة الصحيحة "، المجلدات الكاملة 1-9، ج3، ص : 24
(5) - يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه : " بين يدي عشر ذي الحجة خطبة الجمعة "، موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر، أعدها للمكتبة الشاملة : أحمد عبدالله السني
http://www.alminbar.net
---------- أحمد يوسف بشير
جامعة حلوان - مصر
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: