بعد أن أفلتنا من الموت برصاص بن علي هل قدرنا أن نموت عطشا؟
الناصر الرقيق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5682
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ما إن إنطلقت الثورة حتى هب الجميع للمشاركة فيها كل على قدر إستطاعته و ذلك إيمانا منا بحتمية التغيير بعد أن مللنا نظام المخلوع و فاشيته المطلقة و قد كانت السعادة غامرة حين سقط هذا النظام الديكتاتوري و أستبشرنا بغد أفضل خاصة و أن التاريخ علمنا أن الثورات عادة ما تأتي بالفعل الحسن و تنصف كل مظلوم.
ثم زادت سعادتنا أكثر خصوصا مع إجراء أول إنتخابات ديمقراطية, حرة و نزيهة التي زادت بدورها من إحترام العالم الأخر لنا و رفعت أسهمنا لدى الأمم المتقدمة و المتحضرة و في لحظة حلم عابر ظننا أن أيام البؤس و الشقاء قد غادرتنا دون رجعة و أن النعيم قادم لا محالة خصوصا و أننا كنا فاعلين بقوة سواء فى الثورة أو في أول إمتحان بعدها و هو إنتخابات المجلس الوطني التأسيسي.
لكن شيئا فشيئا بدأت جملة من الأحاسيس السيئة تدب في قلوبنا و نحن نرى أحلامنا تكاد تكون شبه مستحيلة بل أن أوضاعنا ساءت أكثر مما كانت عليه قبل الثورة و رغم ذلك بقينا صامدين و متعلقين بالثورة لا نسمح لأي كان بأي يتحدث عنها بسوء أو يدعو إلى إحياء النظام البائد و ذلك من خلال النفخ في بعض الجثث السياسية الميتة و التي أفلست منذ سنين خلت.
لقد رضينا بالبطالة القصرية في بلادنا و لم نعمل في يوم من الأيام على الإعتصام أو إغلاق الطرق بل على العكس تماما كنا دائما مبادرين لحل أي مشكلة من شأنها تعطيل الدورة الإقتصادية أو الإضرار بمصالح الناس و كنا ننتقد بشدة كل من يفعل ذلك إيمانا منا بأنه يجب أن نصبر على وطننا خصوصا في هذا الظرف بالذات رغم أنه من حقنا الحصول على فرصة عمل بإعتبار أننا من الذين تخرجوا منذ سنين خلت من الجامعات التونسية و طالت بطالتهم و كنت دائما أقول في نفسي ماذا قدمت لوطني ؟ حتى أطلب منه.
نحن صبرنا و سنصبر على وطننا إلى أخر حد و هذا ليس منّا بل هو واجب و هذا ما نعتقد لكن أن تصل الأمور إلى حد أن يقع قطع الماء الصالح للشراب عن عشرات العائلات و لمدة تفوق الثلاث أسابيع و في هذا الطقس الحار فالأمر يصبح خطيرا للغاية لأن المعاناة كبيرة جدا و الغريب في الأمر أن جميع المسؤولين عن هذه المشكلة لم يبادروا إلى حلها فالشركة الوطنية لإستغلال و توزيع المياه بالمهدية فرع السواسي نأت بنفسها و قالت أن المسؤولية تقع على مجمع التنمية الذي يقوم بتزويد هذه المناطق بالماء الصالح للشراب في حين أن المسؤول عن المجمع المائي يلقي باللائمة على الشركة الوطنية لإستغلال و توزيع المياه التي قامت بتخفيض سرعة تدفق الماء الصالح للشراب مما جعل هذه المناطق تحرم من التزود بالماء في هذه الحرارة المرتفعة جدا و قد بادرت شخصيا بالإتصال بالمسؤول على هذه المجامع المائية صلب المندوبية الجهوية للفلاحة بالمهدية لكن كعادة المسؤولين في بلدي " توة نشوفوا , توة نحاولوا , الله غالب الأمور خارجة على نطاقنا..." إنه فعلا واقع مزري يجعل الواحد منا يكاد يموت غيضا و كمدا خصوصا عندما أستمع للمواطنين الغلابى الذي ضاقوا ذرعا بهذا الوضع يلعنون الثورة و الذين قاموا بها و يتساءلون لماذا قمنا بالثورة أصلا إن كانت أوضاعنا ستصبح على هذه الشاكلة إنه كلام صعب على النفوس الثائرة و نفسي واحدة منهم لكن هي الحقيقة.
لقد ترددت كثيرا قبل كتابة هذا المقال و كنت في كل يوم أمنّي النفس بعودة الماء الصالح للشراب بالتدفق لكن مرت أيام طويلة و الأمور لم تتغير و بعد أن فقدت الأمل في أن يستمع لنا أي من المسؤولين المحليين أو الجهويين قررت أن أرفع الصوت عاليا إلى المسؤولين الوطنيين بدءا بالسيد رئيس الجمهورية و السيد رئيس الحكومة و السيد رئيس المجلس الوطني التأسيسي و السيد وزير الفلاحة و كامل المسؤولين و من تهمه حياتنا أرجوكم أعيدوا لنا الماء الصالح للشراب...أرجوكم أنقذونا من الموت عطشا...أرجوكم أن تلتفتوا لنا فنحن مواطنون مثلنا مثل باقي مواطني هذا البلد و لسنا من الموزمبيق أو الزمبابوي و ما ذنبنا إن كنا من سكان الريف التونسي فتخيلوا لو أن الماء الصالح للشراب إنقطع على أحد الأحياء في تونس العاصمة أو سوسة أو صفاقس أو غيرها من المدن فهل سيكون تعامل المسؤولين مع هذه المشكلة بكل هذا التجاهل لا أعتقد ذلك لكن نحن في الأرياف التونسية زيادة على كوننا لا نحظى مثل غيرنا بفرص للعمل فإننا نحرم حتى حق الحياة فبالله عليكم إلتفتوا لنا ولو قليلا فهناك في الريف التونسي ما يستحق الحياة أيضا.
لقد تعبنا من هذا الوضع المزري الذي لم نعرفه قبل الثورة و هذه من المفارقات العجيبة و المعاناة تكبر خصوصا بالنسبة للأطفال الصغار و كبار السن فرجاء لمن يهتم لأمرنا أن يدركنا لأن أوضاعنا سيئة للغاية خصوصا و شهر رمضان على الأبواب و في حال إستمرت الأمور على حالها سيكون الوضع فعلا فوق مستوى الكارثة في هذا الفصل الحار جدا.
أخيرا أوجه نداء ملحا للسيد رئيس الجمهورية و السيد رئيس الحكومة و السيد رئيس المجلس الوطني التأسيسي أن يبادروا بالتدخل بصفة شخصية لحل هذه المشكلة فنحن لم نطلب شيئا تعجيزيا فنحن لا نريد إلا شربة ماء تنقذنا فأرجوكم لا تتركونا نموت عطشا بعد أن أفلتنا من الموت برصاص بن علي.
- ملاحظة :
المنطقة المقصودة و التي تعاني من إنقطاع الماء الصالح للشراب منذ اكثر من ثلاث أسابيع هي منطقة سيدي الناصر الجنوبية من معتمدية السواسي من ولاية المهدية
المجمع المائي الذي يزود هذه المنطقة بالماء الصالح للشراب هو مجمع التنمية "الزيتونة " و للإشارة فرئيسه الحالي الذي لم تطح به الثورة إلى حد الآن كان رئيس إحدى شعب التجمع المنحل و أحد أبرز رجاله المخلصين في المنطقة
الشركة الوطنية لإستغلال و توزيع المياه فرع السواسي هي شريك في العملية بإعتبار أنها من تقوم بتزويد المجمع المائي بالماء الصالح للشراب
المندوبية الجهوية للفلاحة بالمهدية هي بدورها لم تتدخل لحل المشكلة رغم أنها المشرف الرئيسي على المجامع المائية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: