د. أحمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4966
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
فالنسيان إذا طبيعة إنسانية، وصفة تكوينية، والغفلة من طبع البشر، فالإنسان نساء غافل، وقد يكون هذا أو ذاك أصلا في استبقاء الحياة وهو الجانب الإيجابي في النسيان، فنسيان الإنسان لموت عزيز لديه فهو نعمة من الله عليه، وإلا لكانت الحياة جحيما لا يطاق، وكذلك نسيان الإساءة من الآخرين فهي مطلوبة للإنسان وإلا لتوقفت حركة الحياة بالكلية، وأيضا نسيان ما يمر به الإنسان ويقع له من مصائب ونكبات وآفات وأحزان، إذ لو استصحب الإنسان حزنه على ما فقد إلى الأبد ( أيا ما كان المفقود ) ما صلحت الدنيا، ولا استقامت الحياة، ولكن هذا الذهول والنسيان – على الجانب الآخر - قد يكون جرثومة الكنود ونكران الجميل والمعروف، قال تعالى : { إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ{6} وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ{7}( العاديات )، وأيضا نسيان الرب تعالى وما أولى وأنعم وأكرم وتفضل به على الإنسان، قال تعالى : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }( الإسراء70 )
قال ( الغزالي ) في كتابه " علل وأدوية " إن آدم لما ضعفت إرادته ونسي، أضحى دون مستوى الجنة فأخرج منها، ولن يعود إليها أبناؤه وهم يحملون أوزار النسيان والضعف، إذ لابد لهم من إيمان واضح، وعمل صالح، تلك هي عدة ومسوغات دخول الجنة، وفي طول القرآن وعرضه توكيد لهذه الحقيقة التي يحاول الكثيرون الزوغان منها، ذلكم هو طريق الخلاص والنجاة، وبغير ذلك يكون الخسران المبين ( إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) (1)،
ولقد شكا بعض الصحابة الكرام لرسول الله صلى الله عليه وسلم من آفة النسيان والذهول والإنشغال بالدنيا، فهذا ( حنظلة بن ربيع الأسدي ) كما في صحيح مسلم : أنه " شكا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو و أبو بكر فقالوا: يا رسول الله، إنَّا نجلس معك فتذكرنا باليوم الآخر حتى كأنا نرى القيامة رأي العين, ثم نخرج من عندك فنعافس الأولاد والضيعات والنساء وننسى كثيراً، فيقول عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده، لو تكونون كما تكونون عندي وفي حلق الذكر لصافحتكم الملائكة، ولكن ساعة وساعة 0000 قالها ثلاث مرات }(2)
إن الواقع ليشهد أن كثيرا من الناس، تمضي بهم الأيام والليالي، وتمر عليهم السنون والأعوام، وهم منهمكون في ملذاتهم وشهواتهم ومطامعهم، وآلامهم وآمالهم إلا من رحم الله تعالى، وكثيرا ما يغفل الإنسان وينسى وهو في غمرة انهماكه وتكالبه على المتع والشهوات أن يقف أمام نفسه مسائلا إياها، متأملا أحوالها، متعرفا على مواطن القوة والحركة والجلد والنبوغ فيها فيستعملها وينميها ويدعمها ويزيدها قوة، ومواطن الضعف والخوروالسكون فيها فيقويها ويحذر من أثرها، وهذا لا يكون إلا بمحاسبة نفسه وامتحانها، قال تعالى آمرا عباده المؤمنين بمحاسبة أنفسهم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }( الحشر18 )، فأمر بأن تتدبر كل نفس ما قدمت من الأعمال ليوم القيامة، ولذلك فإن تعاسة إنسان اليوم وقد أحكم سيطرته على الطبيعة والكون - بفضل ما من الله عليه به من علم ومعرفة وإبداع – تكمن في غفلته ونسيانه لنفسه، وحينما ينسى الإنسان نفسه يهلك تحت أنقاض جهوده لأنه شغل نفسه عن نفسه،
إن الإنسان حين يعيش حياته في لون من الرتابة دون أن يتفكر في نفسه وماهيته وطبيعته، وفي خالقه وأسمائه وصفاته جل جلاله، وفي سر الحياة وحكمتها وغايتها، وفي المصير المحتوم لكل حي، فإن حياته تصبح بلا قيمة ولا معنى، ولا غاية ولا هدف، ولذلك فإن الله تعالى تعبدنا بالتفكر والتأمل والتدبر والنظر، تماما كما تعبدنا بأنواع الشعائر والعبادات والطاعات الأخرى، قال تعالى : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ {190} الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{191} ( آل عمران190 )، إنها آيات تجعل من التفكر والتفكير فريضة شرعية، فضلا عن كونه ضرورة إنسانية حياتية، وهي آيات قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث : " لقد نزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها و لم يتفكر فيها : ( إن في خلق السماوات والأرض ............ الآية ) (3)،
" يتبـــــــع "
=====================
الهوامش :
======
(1)- محمد الغزالي : " علل وأدوية "، دار القلم، دمشق، ط2، 1988م، ص : 25
(2) - محمد ناصر الدين الألباني : " السلسلة الصحيحة "، مكتبة المعارف – الرياض، ج4، ص : 592
(3) - محمد ناصر الدين الألباني : " السلسلة الصحيحة، المجلدات الكاملة "، مكتبة المعارف – الرياض، (د.ت )، ، مجلد 1، ص : 106،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: