من الأخطاء الشائعة في بحوث الدارسين في العلوم الاجتماعية (1)
د. أحمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5952
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أولا : الأخطاء المتعلقة بتحديد المفاهيم والمصطلحات
- ماهية المفهوم وخصائصه :
منذ أن خلق الله آدم عليه السلام (أبا البشر ) وهبه علم الأسماء كلها كما قال تعالى : {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }( البقرة : 31 )، أي علَّمه الله أسماء الأشياء والموجودات التي سيتعامل معها كلها, ( وهو العلم الوهبي )، ومنحه القدرة والإمكانيات التي يسنطيع من خلالها أن يكتسب العلم والمعرفة ( العلم الكسبي )،
ومنذ أن وجدَ الإنسان على هذه الأرض وهو يحاول فهم هذا العالم والوسط الذي يعيش فيه، من خلال تعامله مع الأشياء والحوادث والظواهر والمدركات الحسية العديدة، ومروره بالخبرات والمواقف المختلفة، وفي محاولته هذه كان يلجأ دائما إلى إعمال فكره وعقدِ المقارنات بين الأشياء التي يتعامل معها، والخبرات والمواقف التي يمرُ بها، وذلك لاكتشاف أوجه الإختلاف وأوجه الشبه بينها، ثم يقوم بتصنيفها إلى فئات أو أصنافٍ بناءً على خصائصِها المشتركة، لكي تكون أكثرَ فهماً بالنسبةِ له من ناحية، وأكثرَ قابلية للتطبيقِ في المواقفِ الأُخرى الجديدةِ من ناحية أخرى،
ومن خلال عملية " التصنيف " Classification هذه تمكن الإنسان من اختصار العديد من الجزئيات والأشياء، وأصبح بمقدوره أن يستجيبَ لمجموعةٍ من الأشياءِ والظواهر المتشابهةِ وغيرِ المتطابقةِ باستجابة واحدة هي مفهومه عنها، ومع النمو والتطور المطرد للإنسان ومروره بمزيدِ من المعارفِ والخبراتِ وتراكمها، وازدياد قدرته على التفكيرِ المجردِ، فقد نمتْ مفاهيمه وتوسعتْ، ولم يعد بمقدوره أن يتعامل مع الأشياء أو المدركات الحسية فحسب، وإنما انتقل إلى التعامل مع المجردات والتعميمات المعقدة، وهكذا نشأتْ المفاهيمُ لدى الإنسان ثم تطورتْ واتسعتْ، (1)
وعلى ذلك يمكن القول أن المفهوم Concept هو عبارة عن " تصور ذهني أوعقلي عام - مادي أو مجرد – لشيء ما أو ظاهرة، أو موقف أو حادثة ما "، وهذا يعني أن المفهوم إما أن يكون ماديا ( أي معبرا عن أشياء لها وجود مادي محسوس وملموس بحيث يمكن إدراكها عن طريق الحواس )، كما يمكن أن يكون مجردا ( أي معبرا عن أشياء لها وجود غير مادي، و هو عبارة عن فكرة، أو مجموعة أفكار مجردة يكتسبها الفرد على شكل رموز، أو تعميمات Generalizations لتجريدات معينة )، ومن أمثلة المفاهيم الماديةConcrete Concepts : الماء، القطار، الجسد، الدار …. وكافة الأشياء والموجودات المادية التي تدرك بالحواس، ومن أمثلة المفاهيم المجردة Abstract Concepts : الحب، الخير، الجمال، الثقافة، الحضارة، المكانة الاجتماعية، حقوق الإنسان،
أما " المصطلح أوالإصطلاح " Term في عرف العلماء فهو " اللفظ " الذى يضعه أهل فن أو علم أو اختصاص معين ليدل على معنى معين يتبادر إلى الذهن عند إطلاق ذلك اللفظ، وهذا التعريف الذى يتفق عليه العلماء أو أهل الفن يكون جامعا مانعا، بحيث يكون جامعا لكل معارفهم عن هذا اللفظ، مانعا لدخول جزء من هذا التعريف فى أى فن آخر يستخدم نفس اللفظ،
وعلى ذلك قالمصطلح يعبر عن قضية Issue من القضايا التى تخصص فيها أهل هذا الفن من وجهة نظرهم، وطريقة استخدامهم بغض النظر عن استخدام نفس اللفظ فى فن أو تخصص آخر، مع العلم أن جميع المصطلحات لا تخرج فى مضمونها عن مجمل التعريف اللغوى لنفس المصطلح، بل إن التعريف اللغوى يكون له القاسم المشترك الأكبر فى صنع التعريف الإصطلاحي Conventional Deffinition ، وتأسيسا على هذا الفهم للمصطلح يمكن القول أن المصطلح – في علاقته بالمفهوم – ماهو إلا رمز أو وعاء يحمل معنى المفهوم ودلالاته ومضامينه وإيحاءاته، ويدل عليه، باعتبار أن المفهوم كما سبق هو تصور ذهني ،
ويرتبط بكل من " المفهوم " و " المصطلح "، لفظ " التعريف " Definition وهو تحديد أو شرْح مُتصَوَّر كلمة مّا، ويعرفه البعض بأنه " بلاغ يصف مجموع السمات الدلالية التي تنتمي إلى المفهوم الذي يدل عليه مصطلح مَّا، ويخْبر عن طبيعة هذا المفهوم نفسِه، وهذا البلاغُ الذي ينبغي ألاّ يظهر فيه المصطلح المحدَّد، يجب أن يكون شكله دقيقاً " وهو إما أن يكون نظريا أو إجرائيا ( أي يمكن قياسه )،
- العلم وأهمية تحديد المفاهيم :
ونود التأكيد على أمر هو معلوم من البحث العلمي بالضرورة، ومفاده أن من المهم قبل الشروع في أي بحث أو عمل علمي – أي ينتمي إلى الإشتغال بالعلم والبحث العلمي - ضرورة تحديد وتحرير وضبط وتعريف المصطلحات والمفاهيم الرئيسية التي يعالجها الباحث في هذا العمل العلمي، لما لذلك من أثر هام في تمكين الباحث والقاريء معا من استيعاب المعنى الحقيقي والمنضبط لهذه المفاهيم وإبرازه، وكذلك في حماية الباحث من الوقوع في التسطيح والعمومية، أو أن تختلط عليه معاني ودلالات تلك المفاهيم والمصطلحات، خاصة إذا علمنا أن التعدد في التعريفات والرؤى، والإختلاف في وجهات النظر حول المفاهيم يعد من أهم السمات والخصائص البارزة في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، ومهن المساعدة الإنسانية بوجه عام، ومن هنا فإن قضية تحديد المفاهيم والمصطلحات وتعريفها بدقة كانت وما زالت تشكل إشكالية واضحة وهامة بالنسبة للمشتغلين بالعلم والتأليف والبحث العلمي في تلك العلوم والمهن ، وربما يرجع ذلك أغلب المصطلحات والمفاهيم الشائعة الإستخدام في تلك العلوم غالبا ما توصف بأنها ذات درجة عالية من التجريد (2) Abstraction ، وكثيرا ما تتباين حولها الآراء، وتتعدد وجهات النظر بفعل العديد من العوامل والمتغيرات، ليس هنا مجال استعراضها وطرحها تفصيلا، ولا شك أن تعدد وتداخل التعريفات للمفهوم الواحد، يخلق قدراً من الإضطراب واللبس وقدرا من الضبابية والخلط عند استعمال مثل هذه المفاهيم ( 3 )،
وثمة مجموعة من الأخطاء الشائعة والمتعلقة بتحديد المفاهيم والمصطلحات في رسائل الماجستير والدكتوراه في مجال العلوم الإجتماعية والإنسانية وذلك من واقع التجربة العملية من خلال الإشراف على و/أو مناقشة العديد من تلك الرسائل العلمية، نورد أهمها فيما يلي :
1- كثير من الدارسين يقتصرون في التعريف بالمصطلحات وتحديد المفاهيم على المصطلحات والمفاهيم الواردة في عنوان البحث فقط، والصواب أن هناك العديد من المفاهيم والمصطلحات التي يتناولها الباحث في بحثه سواء تلك التي وردت في العنوان أو تلك التي ترد في الإطار التصوري النظري الذي ينطلق منه البحث وقد تحتاج إلى تعريف وتحديد وهو أمر لابد من أخذه في الاعتبار، ومن ثم فعلى الباحث أن تكون لديه القدرة والمهارة على انتقاء المفاهيم والمصطلحات التي يستشعر أنها تحتاج إلى تعريف وألا يقتصر في ذلك على ما ورد في عنوان البحث فقط،
2- أحيانا يغفل بعض الدارسين تحديد المعنى اللغوي للمصطلح فلا يتعرضون له، وعلى الجانب الآخر نجد البعض يتوسعون في إيراد المعنى اللغوي والخلافات الواردة حول في المعاجم اللغوية دون حاجة إلى ذلك، ومن هنا فتحديد المعنى اللغوي للمصطلح مهم ولكن دون إغراق في التوسع فيه بما لايتاجه البحث،
3- نقل التعريف من كتب غير متخصصة في مجال الدراسة، فمثلا لا يعقل أن يلجأ الباحث عند تعريفه للخدمة الاجتماعية، أو طرقها ومبادئها إلى كتب علم الإجتماع، أو علم النفس، وإنما عليه اللجوء إلى المصادر المتخصصة في الخدمة الاجتماعية،
4- بعض الباحثين يكتفي بنقل واقتباس التعريفات الواردة في رسائل الماجستير والدكتوراة، والبحوث والدراسات السابقة، وهو أمر لايجوز إلا في حالة واحدة فقط وهي أن يكون التعريف المقتبس هو من إبداع صاحب الرسالة أو الدراسة السابقة وذلك في أضيق الحدود، وفيما عدا ذلك فعلى الباحث إن يلجأ عند تحديده للمفاهيم إلى المصادر والمراجع الأصلية،
5- الخلط بين المفهوم والمصطلح والتعريف، واستخدام هذه الألفاظ دون تمييز واضح بينها، مما ينم عن عدم وعي الدارس بالفروق بين تلك الألفاظ،
6- الحرص على حشد عدد كبير من تعريفات المفهوم دون هدف محدد، أو فلسفة معينة، وبغض النظر عن صلتها بموضوع البحث، ودون تحليل أو مناقشة لتلك التعريفات أو ربط بينها، وعدم الاهتمام بالتوصل إلى التعريف الذي يتبناه الباحث في دراسته، سواء كان هذا التعريف من إبداع الباحث بعد استعراضه لعدد من التعريفات، أو كان من إبداع غيره من العلماء شريطة أن يقدم الباحث تبريرات علمية لاختياره، وصلته بموضوع البحث،
7- عدم الوعي بماهية التعريف الإجرائي للمفهوم والفرق بينه وبين التعريف النظري، فنجد الباحث في أحيان كثيرة بعد عرضه لمجموعة من التعريفات النظرية للمفهوم، يقوم بجمع عدد من العبارات يستقيها من التعريفات التي عرضها، ثم يوردها تحت عنوان التعريف الإجرائي، وهذا من الأمور الشائعة، وكان على الباحث أن يعلم أن فكرة " التعريف الإجرائي " في جوهرها إنما تقوم على تحويل المفهوم النظري المجرد إلى مؤشرات واقعية يمكن ملاحظتها وجمع بيانات عنها، وقياسها، واختبارها في الواقع الإمبيريقي،
----------
(2) - " مصطلح التجريد يشير إلى عملية عقلية من خلالها يتم استبدال مجموعة من الأشياء بمفهوم عام، يوصف الأشياء وفقا لخصائصها المشتركة، على سبيل المثال : يمكنك الحصول على مفهوم عام للسيارات على أساس الخصائص المشتركة لجميع السيارات (لها أربع عجلات، وعجلة قيادة ...و..و..و.. إلخ " .
- أنظر :
http://saidbakr.blogspot.com/2009/12/blog-post.html
بعبارة أخرى فإن التجريد abstraction، هو عبارة عن عملية الفصل بين ما هو رئيس، وما هو ثانوي عارض ومتغير، ويعد التجريد عملية حاسمة، تساعد على الإنتقال من المستوى الحسّي التراكمي، ومن التعامل مع خليط الخبرة، وتداخل عناصرها ومكوناتها (حسّية، حركية، إدراكية، مشخّصة، مجرّدة، وغير ذلك) إلى المستوى المعرفي النظري، القائم على إدراك ما هو مشترك بين أنواع هذه الخبرة، أي المستوى الذي يشتمل من حيث التكوين والبناء على مفهومات ومبادئ وقواعد وقوانين ونظريات،
أنظر : الموسوعة العربية
http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=3866&m=1
(3) – أنظر
د. علي وتوت/ كلية الآداب- جامعة القادسية : " الجندر وإنتهاك حقوق الإنسان "، www.women.jo/documents/
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: