الناصر الرقيق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8911
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ما من بشر أو حجر أو دابة في هذه الأرض إلا و تسبح بحمد الله و هذا بصريح النص القرآني، إلا ان هناك من بني البشر من يعتقد أنه خارج هذه الدائرة الكونية لذلك فهو ليس مطالب بفعل ما طلب منه مخالفا بذلك الفطرة الإنسانية، و ربما قد لا يكتفي بذلك الإنكار بل يتعداه لمحاولة الصد عن ذاك السبيل ظنا منه أنه معجز المولى سبحانه و تعالى، و نسي أن الله لا يعجزه شيء و أن أمره بين الكاف و النون إذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون لكن الله غني عن أفعال عباده.
يوما بعد يوم بدأت تسقط الأقنعة عن تلك الوجوه القبيحة، التي ما فتئت تحاول منذ سقوك النظام السابق جس نبض الشعب من خلال الإساءة لمقدساته، و الشواهد في هذا كثيرة، لكن في كل مرة يرد الشعب من خلال مزيد التمسك بدينه و الإقبال عليه و على مقدساته و هو ما يجعل هؤلاء الغربان تحبط لفترة ثم تعاود الكرة أملا منها في النجاح و لو بنسبة قليلة لكن هيهات فقد فاتهم أن الإسلام كلما ضيق عليه و أسيء إليه إلا و أنتشر و هذا من حكمة الله سبحانه و تعالى و لهم في سياسة أباهم الحنون خير شاهد.
و من بين الأقنعة التي سقطت مؤخرا و كشفت عورات جديدة لدعاة الحرية المزيفة ما عرض في فضاء العبدلية من رسوم و لوحات قيل أنها من إبداع فنان عبقري أراد التعبير فلم يجد غير الإساءة للذات الإلهية و الدين الإسلامي و الرسول الأكرم حتى يحصل على لقب مبدع و هنا نتساءل هل أن مبدعينا تميزوا في جميع المجالات و لم يبق لهم إلا هذا حتى يتحفونا بما وقر في قلوبهم من عفن فني هو أقرب إلى تلك الصور من المزابل كثيرة النتونة المنتشرة في جميع أحياءنا تعلوها القطط المشردة و الكلاب السائبة.
أن تكون مبدعا لا يعني بالضرورة أن تكون محاربا لدينك و أصلك و هويتك فكم من مبدع غاص بين ثنايا دينه فألهمه الله إبداعا قل ما عرفه غيره لأن الدين لا يحارب الإبداع و يكفي أن يعلم من يشك في ذلك أنه من أسماء الله الحسنى البديع فكيف إذن لبديع أبدع في خلق الكون و خلق الإنسان و خلق كل شيء أن يضع قوانين كونية لهذا الإنسان تحد من إبداعه فالمسلمون القدامى أبدعوا في جميع العلوم فأثروا بذلك في جميع الأمم و الحضارات و أثارهم تدل على ذلك في جميع أصقاع الكون و يكفي أن نقوم بمقارنة بسيطة بين أجدادنا و من يعتبرهم أشباه مبدعينا ألهة الإبداع عندهم.
فأجدادنا كلما حلوا بمكان إلا و أبدعوا في زخرفته و في عمرانه كما فعلوا في الأندلس و أسيا الوسطى و تركيا أما أرباب نعمة أشباه فنانينا فإنهم كلما حلوا بمكان إلا و أفسدوا فيه و دمروا حضارته و لنكتفي بما حصل إبان الإستعمار الفرنسي لتونس لنعرف مدى همجية هؤلاء الذين يريد البعض من بني جلدتنا إقناعنا بأنهم هم رواد الحضارة و الحرية و الفن و الإبداع في حين أنه ليسوا إلا همج يريدون إفساد ما بقي لنا من ماضي جميل نحن إليه خصوصا في هذا الوقت بالذات.
أكثر ما لفت إنتباهي في هذه اللوحات التي يمكن أن تكون أي شيء إلا إبداعا هي لوحة خسبية قام صاحبها بصلب مجموعة من الصراصير و الحشرات و تثبيتها بالمسامير مكونا بذلك عبارة "سبحان الله" و في أسفلها مجسم صغير لكائن بشري مشنوق بهذه العبارة, فهذه الصراصير و الحشرات ربما قد تكون ماتت و هي شاهدة عن مدى جهل الإنسان بحقيقة الإبداع و هي في نفس الوقت تتبرأ منه لأنه حاول إستعمالها في غير ما خلقت له فهي التي ظلت في عبادة الواحد الأحد منذ وجدت إلا أن هذا الذي أراد القول بأنه مبدع أنهى حياتها بطريقة سادية ظنا منه أنها أحقر المخلوقات لذلك فإن إستعمالها سيحقر حتما بمن ستوجه له الرسالة لكن الصراصير و الحشرات ماتت و هي ترسم إحدى كلمتين خفيفتين في اللسان ثقيلتين في الميزان "سبحان الله" كما قال الحبيب صلى الله عليه و سلم وبذلك رزقت خير الخاتمة و بقي هذا الشقي الذي نزل بهذا الفعل إلى ما دون مرتبة تلك المخلوقات رغم التفضيل الذي منح له.
و لتكتمل فصول الحكاية لابد كعادة كل مرة من حضور أعداء الحرية و الإبداع " السلفيون" ليقوموا بتجسيد دورهم المعتاد من تكسير و تهشيم ثم يبدأ التنديد و الشجب و الخوف على مستقبل تونس و تصدر البيانات عن هذه الجمعية و تلك و عن هذا الحزب وذاك لإدانة ما حصل من إعتداء على الإبداع ثم مع النشرة الرئيسية للأنباء يأتي هذا الخبر في مقدمة الأخبار و أهمها فتبدأ تلك المذيعة التي مللنا وجهها منذ زمن و التي تغنت بحياة السيد الرئيس سنين عددا بطرح أسئلة بائسة و تعيسة لتحصل في النهاية عن إجابة تريدها هي فقط مفادها أن ما عرض لا يمس المقدسات و لذا يجب على كل مشكك في ذلك أن يغلق فمه و يصمت بل تذهب أكثر من ذلك إلى حد التلويح بالمطالبة بتعويض مادي عن الإساءة التي لحقت سيادة المبدع الذي رسم إلهنا سبحانه و تعالى و أساء لنبينا صلى الله عليه و سلم و حقر من ديننا الحنيف.
لست خائفا عن ديني فحتى لو لم يبق موحد واحد في هذا البلد فإن للإسلام رب يحميه لكن حزني و ألمي على هؤلاء الذين جعلوا من إزدراء الدين و التهكم على المقدسات شغلا لهم يقتاتون منه فلو كان لذلك نفع لنفع غيرهم الذين لعبوا نفس الدور لكن ما إن أتموا المهمة تخلى عنهم من ظنوا أنهم رعاتهم فخسروا الدنيا و الدين لذلك أقول لهم كما قال الإمام الشافعي رحمه الله:
أعرض عن الجاهل السفيه***فكل ما قال فهو فيه
ما ضر بحر الفرات يوما***إن خاض بعض الكلاب فيه
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: