الناصر الرقيق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6851
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
قرأت في بعض المواقع الإلكترونية خبرا مفاده إقدام محهولين بمنطقة ماجل بلعباس من ولاية القصرين على إحراق شجرة تسمى البطوم يعود تاريخها إلى 1800 سنة خلت قد يبدو هذا الخبر عاديا بالنسبة للكثير من الذين لا هم لهم في هذه البلاد سوى الوقوف على أرصفة السياسة الجوفاء لتصيد أخطاء الحكومة و تشرذم المعارضة دون إبداء أي إهتمام لهذا الوطن العزيز على قلوبنا .
عملية الحرق هذه حسب رأيي المتواضع تعتبر من بين أفظع الحوادث التي شهدتها تونس عقب الثورة خصوصا بالنسبة للذين يكنون حبا دفينا لها و لتاريخها الضارب في القدم فكيف سولت أنفس خبيثة لبعض الجهلة حتى يقوموا بمثل هذه الفعلة النكراء و ماذا إستفادوا من ذلك و لعلي أتساءل أيضا كيف سيواجهون أنفسهم و هم قاموا بإغتيال أهم ما بقي لنا من تاريخنا القديم فهذه الشجرة و إن كانت مثلها مثل باقي الشجر إلا أن لها رمزية تجعل منها كتابا مزروعا في هذه الأرض يختزل تونس حتى قبل ان تسمى بهذا الإسم و هي شاهدة على عديد الحضارات التي تعاقبت على هذه البلاد فبحق الذي لا إلاه إلا هو أتوجه لكم بهذا السؤال لماذا أحرقتم البطوم؟
صدقوني حين أقول لكم أعزائي القراء أنه حين قرأت هذا الخبر خالجتني مشاعر حزن ممزوجة بالأسى على هذه الحالة المرضية التي وصل إليها البعض منا فهذه الشجرة التي مرت عليها حضارات متعاقبة و كانت البعض منها عنيفة أو قامت بعمليات تخريب و حرق إلا أن هذه الشجرة بقيت صامدة في وجه التاريخ الأسود لبعض من حاول تركيع تونس و للجغرافيا القاسية التي شهدتها بعض السنين الخوالي .
فالرومان قاموا برش الملح على الأراضي التونسية ثم أحرقوها حين أرادوا تركيعها و قائدها حنبعل و الكاهنة فعلت نفس الشيء في حربها مع الفاتحين كذلك أبى جرجير الملك ان يسلم هذه الأرض إلا محروقة لأصحابها الجدد ووعد من يقتل قائدهم عبد الله بأن يزوجه إبنته و يشاطره ملكه كما أن الفاطميين بعد خروجهم من تونس سلطوا عليها قبائل بنو هلال و بنو سليم فأحرقوا الأخضر و اليابس و عاثوا في الأرض فسادا إضافة إلى كل ذلك ما أرتكبه الإستعمار الفرنسي في حق هذه الأرض الطاهرة حيث قام بالعديد من الإنتهاكات لأكثر من سبعين سنة و لا ننسى طبعا حقبة الديكتاتورية في فصليها البورقيبي و النوفمبري و ما فعلته بهذه البلاد .
لكن رغم كل هذه المحن و غيرها التي مرت لم يجرأ أي من هؤلاء على الإقتراب من البطوم أو إيذائها فقد ظلت شامخة غير عابئة بكل هؤلاء الجبابرة الطغاة فجميعهم مر من هنا و ذهب و أنقضى و بقيت البطوم كما هي واقفة شاهدة على كل تلك الأحداث التي شهدتها تونس منذ ما قبل الميلاد إلى الأن إلى أن جاءت الثورة التي من المؤكد أنها أفرحت البطوم التي سرها ان ترى تونس حرة طليقة لكن لم يذهب في ظنها ان نهايتها للأسف الشديد ستكون على يد بعض الجهلة الذين عايشوا الثورة و لم يستوعبوها و لم تحرك فيهم شيئا من الإحساس بالرجولة و النخوة و الإنتماء لهذا الوطن فالأكيد أن شجرة البطوم قد نظرت بشموخ إلى هؤلاء الجهلة و هي تحترق و تقول في نفسها لم يجرأ الملوك و الأسياد على حرقي و تجرأتم أنتم أيها الـ... فوداعا تونس فقد إطمئننت عليك في نهاية هذه الرحلة الطويلة من العمر ونحن نقول لها وداعا أيتها البطوم و عذرا إن كنا قد عجزنا عن حمايتك فليتك تخبرينا عن قاتلك .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: