الناصر الرقيق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10049
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في إطار نشاطي بإحدى الجمعيات الخيرية كنت قد ذهبت رفقة أحد الأعضاء الأخرين في زيارة لبيت شخص قال لنا بأنه يستحق الإعانة و المساعدة قصد التحقق من صدق كلامه و هذا مبدأنا حتى لا تذهب المساعدات لغير مستحقيها، غير أنه و في طريقنا لبيت الرجل توقفنا قليلا بجانب عطرية و سألنا صاحبها عن البيت المقصود حتى تكون الزيارة مفاجئة وهو ما يجعلنا نكتشف الواقع كما هو لأن العديد من محترفي طلب المساعدات يعمدون دائما للتمثيل و حتى الخداع للحصول على مبتغاهم، فأرشدنا صاحب العطرية مشكورا إلى مبتغانا إلا أنه أخبرنا أيضا أنه توجد عائلة أخرى وضعيتها مزرية إلى أبعد الحدود و هي تتطلب زيارة وتدخل عاجلين فقررنا أنا و مرافقي أن نزور هذه العائلة بعد قضاء ما عزمنا على فعله.
و بالفعل توجهنا نحو البيت المقصود تقدمت بنفسي و طرقت الباب إنتظرنا قليلا ليأتينا صوت من الداخل يقول "شكون" إنه صوت ذكوري ثم فتح الباب و بسرعة بادرنا بتقديم أنفسنا لمخاطبنا حتى نقطع أي شك يمكن ان يتسرب إليه بخصوص هويتنا، فرح مخاطبنا و قال لنا تفضلوا إلى الداخل، دخلنا البيت الذي لاحظنا منذ الوهلة الأولى أنه يفتقر إلى أبسط الضروريات حيث وجدنا أم عجوز تعاني من عدة أمراض مزمنة تعيش مع إبنتيها اللتين لم يسعفهما الحظ لتتزوجا بالإضافة لأخيهما المريض بالأعصاب، و هو أخوهما الوحيد كما أخبرانا و لهذا الأخ قصة محزنة حيث أنه كان من المتفوقين في الدراسة فقد كان يدرس بشعبة الطب سنة 1992 إلا أنه و بعد إمتحانات السنة الثانية أحس بظلم شديد لأنه كما قالوا لنا تم حرمانه من النجاح بصفة ظالمة و هو ما حز في نفسه جدا و مرض بعد ذلك حيث تم إدخاله لعدة مستشفيات من ضمنها منوبة التي أقام فيها لعدة سنوات لكن بقي منذ ذلك الوقت و هو يحلم بالعودة للدراسة لتحقيق احلامه أمه و أخواته.
و قد دخلنا في حوار مع أفراد هذه العائلة الذين فرحوا جدا بهذه الزيارة حيث أكدوا لنا أنه لم يزرهم أحد و هم يعيشون أوضاع مزرية للغاية فالمنزل الذي يقطنونه ليس ملكا لهم بل هو على وجه الكراء و فاتورتي الماء و الكهرباء لم يتمكنوا من خلاصهما، و لذا فهم مهددون بقطع الماء و الكهرباء أضف إلى ذلك أنهم لا يملكون دفترا للعلاج رغم وضعيتهم هذه و تصوروا أنه ليس لديهم تلفاز و لا يستمعون للأخبار إلا من خلال راديو قديم جدا كان قد عثر عليه إبنهم ملقى في القمامة فقام بإصلاحه، و عندما سألناهم كيف و من أين يعيشون أجابونا و الدموع تقطر من أعين الجميع من النقود التي يقوم إبنهم بتحصيلها من " أولاد الحلال " و عندما سألتهم عن الحكومة و المعارضة هل يعلمون عنهم شيء أجابوني ببساطة الناس الطيبين" أحنا مع تونس " صدقوني حين أقول لكم أن دموعي إنهمرت عند سماع تلك الكلمة دون أن أشعر.
فيا أيتها الحكومة و يا أيتها المعارضة ألا يستحق هؤلاء الناس و غيرهم أن تتوحدوا من أجلهم، فالوضع الإقتصادي صعب للغاية و المواطن " القليل و الزوالي " كان يعاني قبل الثورة و أزدادت معاناته بعدها فأرجوكم أجلوا خلافاتكم و لو لمدة قصيرة حتى يمكن لنا أن نتجاوز هذا الظرف الصعب فالحكومة مطالبة بالتواضع و الإستماع لرأي المعارضة و هذه الأخيرة مطالبة بدورها أن تكون أكثر إيجابية و تتفاعل مع مقترحات الحكومة ولا تحاول أن تعطل عملها و لا يذهبن في ظن المعارضة أنه في تعطيل العمل الحكومي و إرباك الوضع الإقتصادي ستزداد شعبيتها مقابل إنخفاض شعبية الحكومة بالعكس فهذا الشعب المنتظر لتغيير الأوضاع خصوصا المعيشية سيرى في هذه الحال أن المعارضة هي السبب الرئيسي فيما يحصل و نحن لا نريد ذلك طبعا لأن تونس لن تصبح دولة قوية إلا بحاكم قوي بمن إنتخبه ليحكم و بمعارض قوي بمن إنتخبه ليكون رقيبا على الحاكم
فشركاء الوطن قدرهم أن يتفاهموا مهما كانت درجة إختلافهم و لنتذكر دائما أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا لذا يكمن أن يجد كل منا العذر للطرف الأخر و إن لزم الأمر أن يغض الطرف عن بعض أخطائه لتتمكن سفينة الإصلاح و التغيير من الإبحار و ليتأكد الجميع يمينا و يسارا حكومة و معارضة أنه لن يتمكن أي طرف من إقصاء الأخر و القضاء عليه فهذا لا يمكن له أن يحدث مهما كانت لأحد هذه الأطراف من أسباب القوة و ليجعل كل منا هذه الفئات الضعيفة و المهمشة من هذا الشعب إحدى القواسم المشتركة التي تجمعنا فهي ليست لها من أحلام إلا القليل من المال لتتمكن من حصول على ضروريات العيش و هذه أحلام بسيطة يا أصحاب الأوهام الكبيرة.
فتونس هي هؤلاء الناس البسطاء الذين لا يجدون الكفاف ليعيشوا في بلادهم و تونس هي كل فقير و محتاج و كل جائع و عطشان و كل ذي حاجة لا يجد سبيلا لقضاء حاجته و تونس هي هذا الشعب الكادح صباحا مساء و تونس هي العامل و الفلاح و المعلم و الأستاذ و تونس هي السياسي و الإعلامي و الرياضي و الفنان و تونس هي الرجال و النساء و الصغار و الكبار و بإختصار تونس هي الكل الذي يجب أن يتحد من أجله الجميع.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: