الصحبة الصادقة هل مازال بإمكاننا الحديث عن وجودها؟
الناصر الرقيق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7104
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
شهدت المنطقة التي أسكنها هذه الأيام حادثة قد تبدو في ظاهرها عادية للعديد و هي من قبل الأحداث اليومية التي تحدت في أي زمان و مكان إلا أن المتأمل فيها يقف كثيرا أمامها للتفكير فيها بكل جدية لأنها ربما تنطوي على عدة تساؤلات مهمة قد تؤدي بنا إلى الكثير من الإستنتاجات.
لنعد إلى أصل الحكاية التي حدثت خلال الأيام القليلة الماضية و المتمثلة في أن إثنين من الأصدقاء الذين أعرفهما جيدا و هما صديقان حميمان منذ أمد بعبد و كلاهما يتردد على بيت الأخر و بينهما " ماء و ملح " كما يقال و العلاقة الأخوية التي تربطهما قوية جدا إلا أن أحدهما خان هذه الصداقة و الأخوة و قام بسرقة بيت صديقه و الغريب في الأمر أن السارق ينتمي إلى عائلة ميسورة جدا في حين أن الضحية يعتبر من العائلات التونسية المتوسطة إن لم نقل الفقيرة و هو بتعبيرنا اليومي " زوالي" أي أنه ليس في ترف من العيش و هو محتاج لكل مليم لديه.
حادثة السرقة هذه قد يراها البعض عادية لأن مجتعنا للأسف الشديد يعاني كثيرا من هذه الظاهرة و غيرها من الظواهر الأخرى السلبية غير أن ما يجعلنا نقف عندها أنها حدثت بين صديقين وهو ما يدعونا للتساؤل ألهذا الحد نخر الفساد الأخلاقي مجتمعنا حتى وصل إلى درجة ان يسرق الصديق بيت صديقه؟ و هل علاقاتنا الإجتماعية أصبحت مهددة جراء هذه الظواهر؟
ربما هذه الحادثة و غيرها ينطبق عليها قول الفيلسوف توماس هوبز " الإنسان ذئب لأخيه الإنسان" الذي يجعله دائما يبحث تدميره و الإضرار به و قد يؤكد هذه النظرية أيضا قصة قابيل و هابيل و لدي أدم حيث أن العلاقات الإجتماعية المتوترة بين البشر قديمة في الزمن أي منذ وجود الإنسان و هذا يدخل في باب التدافع السلبي في الحياة إذ أن الإنسان فيه جانب خير و جانب شر قد يكون حاضرا بإستمرار في جل أفعاله و معاملاته مع الأخرين خصوصا إذا لم يعمل على الحد من شر نفسه الأمارة بالسوء التي تبحث دائما عن سعادتها الذايتة و لو على حساب تعاسة الأخرين.
لكن في المقابل تبقى للصحبة و الصداقة معاني جميلة رغم كل هذه الشوائب التي نعتبرها مهما عظم شأنها إلا إستثناء و ليست أصلا في الإنسان فهي تدخل في باب الشاذ يحفظ و لا يقاس عليه فأول من إتصف بوصف الصحبة هم صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم الذين ذكروا في القرأن الكريم حيث يقول الله عز وجل في سورة التوبة " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني إثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه و أيده بجنود لم تروها و جعل كلمة الذين كفروا السفلى و كلمة الله هي العليا و الله عزيز حكيم " فالله سبحانه و تعالى سمى أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم بالصحابة و لم يسمهم بأي من الأسماء الأخرى و في ذلك مغزى و معنى وجب علينا تدبره كما أنه لنا في قصصهم عبرة فحبهم و تقديرهم لعضهم و حرصهم على علاقات قوية فيما بينهم كيفما رباهم على ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي يقول في حديث شريف " مثل المؤمنيين في توادهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد إن تداعى منه عضو تداعى له باقي الجسد بالسهر و الحمى" و الأمثلة عديدة في هذا المجال و يكفي أن أستحضر هذه المقولة لسيدنا عمر إبن الخطاب رضي الله عنه حيث يقول " تمنيت أن أكون شعرة في صدر أبي بكر " و هذه في إعتقادي من أروع ما قيل و هي دليل على مدى الرابطة الروحية التي كانت تربط ذلك الجيل الذهبي من المسلمين لذا لم تنجح جميع محاولات أعداء الإسلام في شق صفهم و كم نحن في أمس الحاجة خصوصا في هاته الأيام عقب الثورة التي أطاحت بعرش الطاغية و غيرت الواقع إلى مثل هذه المفاهيم التي يجب أن تعاد و تفصل من جديد في حياتنا بعد أن فقدناها و لا نيأس من ذلك فحبيبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول " الخير فيا و في أمتي إلى يوم الدين " صدقت يا حبيبي يا رسول الله
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: