(72) الإسلاميون ومستقبل الأقباط فى مصر بعد سقوط نظام مبارك
د - أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7560
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يفترض بعض المحللين - دون جزم بصحة افتراضهم - أن بابا الأقباط فى مصر، المعروف بذكائه الشديد كان قد أوصى شعب كنيسته بعدم الاشتراك فى تظاهرات 25 يناير، ولما تأكد له أن التوجه العام لشباب هذه التظاهرات ليس إسلاميا، وإنما هو توجه "علمانى ليبرالى" فإنه - إن لم يكن قد حث الأقباط سرا - على الاشتراك فى هذه التظاهرات، فإنه أغمض الطرف على الأقل عن اشتراكهم، ورفعهم للصليب فيها، ولم يُصدر مجرد بيان يُعرب فيه عن عدم ارتياحه لهذا الوجود القبطى فى هذه التظاهرات. ويرى المحللون – على سبيل الافتراض أيضا - أن البابا يكون بذلك قد أمسك العصا من الوسط، فإذا بقى النظام يكون البابا قد أخذ موقفا إيجابيا فى مساندة النظام يُحسب له، ويحصل به على المزيد من المكتسبات لصالح الكنيسة القبطية، وإن سقط النظام، فإنه باشتراك الأقباط فى هذه التظاهرات يكون قد أوجد له موقع قدم عند الشباب، وعند النظام الجديد، قد يُغفر له تصريحاته القديمة بعد اشتراك شعبه فى التظاهرات.
تأكد للبابا، وللكنيسة، ولمفكرى الأقباط أن الاتجاه العام للتظاهرات هو اتجاه "علمانى ليبرالى"، رغم ظهور الشيوخ من ذوى العمائم الحمراء، وقيامهم بإمامة شعائر صلاة الجمعة، وقيام المتظاهرين من المسلمين بأداء الصلوات فى وقتها فى ميدان التحرير. من هنا يقول بعض المحللين من الأقباط ما نصه :" أن ما يحدث الآن فى مصر يتجاوز حدودها. الشباب المتظاهر لا يطلب أمنا اجتماعيا فقط، إنما يطلب إسلاما مختلفا. انهم يطلبون فصلا واضحا بين الدين والسياسة. إنهم كما يرفضون دكتاتورية العسكر، يرفضون كذلك قيام دولة إسلامية. إنهم يريدون الحرية، ويطلبون دولة مدنية. وإذا نجحت مصر فى ذلك فلا شك أن المنطقة العربية كلها سوف تتبعها...... ولقد كان واضحا فى هذه التظاهرات تهميش الشباب الثائر للإسلاميين، وقلة نفوذ الإسلاميين فيها بأكثر مما كنا نتصور. وبات واضحا أن شبح الإسلاميين والدولة الإسلامية الذى كان يهدد به النظام الولايات المتحدة للحصول على المزيد من الامتيازات الاقتصادية لم يكن إلا شَركا وقع فيه الأمريكيون، وليس أمرا حقيقيا ".
وقد حاول محللون أقباط آخرون وضع النقاط فوق الحروف عند تشريحهم لانتفاضة الشباب فى 25 يناير.
يقول هؤلاء المحللون :" من المحتمل أن تأخذ هذه الانتفاضة الشبابية اتجاهين أساسيين : إما سيادة قيم الحرية والليبرالية، وإما اختطاف الإسلاميين لهذه الانتفاضة وتأسيس دولة ثيوقراطية (1). إن مستقبل الشرق الأوسط يتوقف على سيادة أحد هذين الاتجاهيين.
يرى هؤلاء المحللون أن ثورة الشباب قد وجهت عدة ضربات للإسلاميين برزت على النحو التالى :
1- الوحدة غير المسبوقة بين المسلمين والنصارى، وقيام النصارى بأداء قداس الأحد تحت حماية المتظاهرين.
2- رفض المتظاهرين رفع أى شعار إسلامى ومنعهم رفع أى راية من رايات الإسلاميين، رغم رفع النصارى للصليب أثناء هذه التظاهرات.
3- أن قيم الحرية هى التى ألهمت الشباب للقيام بهذه الثورة، ولهذا فإنه من غير المحتمل قبولهم لقيام دولة إسلامية تحد من حرياتهم.
4- أن المنطق الذى استخدمه الإسلاميون لتشويه صورة الولايات المتحدة وإسرائيل بالقول بأنهما وراء كل مشاكل مصر، وأنهما قد مَوَّلتا هذه المظاهرات قد فقد مصداقيته.
5- أن تأخر الإسلاميين فى المشاركة فى هذه التظاهرات منذ بدايتها قد أفقدهم مصداقيتهم فى الشارع المصرى أيضا.
هذه هى الجوانب التى تصور المحللون الأقباط أنها جوانب إيجابية تمثل ضربة شديدة للإسلاميين. وعلى الرغم من ذلك فإن هؤلاء المحللين يخشون اختطاف الإسلاميين لهذه الثورة الشبابية. ويبنون خشيتهم هذه على الاحتمالات الآتية :
1- قيام أزمة اقتصادية فى مصر نتيجة لانهيار قطاع السياحة.
2- المقولات المتناقضة التى أطلقها الأمريكيون أثناء الثورة. فهم كانوا يقترحون بقاء الرئيس تارة، وتارة أخرى كانوا يطالبون بانتقال هادئ للسلطة. إن من شأن هذا الموقف غير الواضح أن يتسبب فى إيجاد فجوة بين المصريين والولايات المتحدة قد يستغرق سدها وقتا طويلا.
3- أن تأخر موقف الجيش المصرى فى إعلان تأييده الشباب، قد يجعل هذا الشباب يعتقد أن الجيش يؤيدا شخصا واحدا على حساب عموم الأمة، ومن ثم يجعل المصريين غير واثقين من التعامل مع الجيش فى المستقبل.
4- أن طلب الولايات المتحدة الإنهاء الفورى لحالة الطوارئ فى مصر سوف يتيح الفرصة للجهاديين من الاستفادة من هذا الوضع المضطرب مما يزيد من حدة الأزمة فى مصر.
وضع المحللون الأقباط تصورا خاصا يمنع فى نظرهم اتجاه البلاد إلى المزيد من الأسلمة، وذلك على النحو التالى :
1- سرعة دعم مصر اقتصاديا لمنع تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانخراط الشباب بالتالى فى الحركة الإسلامية.
2- الدعم القوى لجهود مصر فى استرداد أموال مصر التى قيل أن الرئيس وعائلته قد استولوا عليها، على افتراض صحة هذه الادعاءات.
3- أن تعلن الولايات المتحدة وقوفها إلى جانب الشعب المصرى حتى تكسب قلوب المصريين.
4- العمل على تعديل وليس إيقاف قانون الطوارئ حتى يقتصر تطبيقه على (الإرهابيين) فقط، دون الأبرياء والمعارضة السياسية.
5- القيام بحملة إعلام منظمة جيدة تستفيد من مجريات الأحداث فى المظاهرات، يكون محورها إبراز التعاضد بين المسلمين والأقباط فى العمل على إسقاط النظام، وكذلك التركيز على عدم اشتراك الإسلاميين فى التظاهرات منذ بدايتها، وأخيرا التركيز على فشل نظرية المؤامرة التى يستند إليها الإسلاميون، والتى من شأنها أن تضع مقدرات الأمور فى أيديهم مرة أخرى.
درس الأقباط جيدا تصورات خبراء السياسة والدبلوماسية والاستراتيجية من الأمريكيين عمن يملأ الفراغ بعد سقوط نظام مبارك. لخص الأقباط هذه التصورات على النحو التالى :
أولا : تصور جيمس فيليبس أحد كبار الباحثين فى شئون الشرق الأوسط فى مؤسسة " هيريتاج".
يقول " فيليبس " :" أن الأمر سيؤول إلى الإسلاميين بعد سقوط مبارك. وقد يعقب سقوطه فترة من الفوضى فى البلاد، تدخل فيها الأحزاب السياسية فى صراع على السلطة، يسيطر بعدها الإسلاميون على البلاد بحكم أنهم الجماعات الأكثر تنظيما..... إن الحركة الإسلامية قد تقوى أكثر فأكثر، ويستقر الأمر للإسلاميين بعد أن يخرج الليبراليون والعلمانيون والاشتراكيون والمعتدلون الديموقراطيون من حلبة الصراع.
ثانيا : تصور " سكوت كاربنتر" أحد باحثى مؤسسة واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
يقول " كاربنتر" : " هناك خشية فعلية من أن يملأ الإسلاميون الفراغ بعد سقوط نظام مبارك، لكنه من غير المحتمل أن يحدث ذلك على المدى القصير، فإن القوات المسلحة لن تسمح مطلقا بتسلم الإسلاميين للسلطة. قد يقوم الجيش بتعيين رئيس مؤقت للبلاد لفترة محدودة ثم يعد لإجراء انتخابات فى أسرع وقت. لكن السؤال الذى يتبقى هو : هل يمكن أن تحد هذه الإجراءات من التظاهرات فى الشارع المصرى ؟
ثالثا : تصور " بروس ريدلى" ضابط الاستخبارات الأمريكية السابق وأحد كبار المتخصصين فى السياسة الخارجية بمؤسسة بروكلينج.
يقول "ريدلى" :" لن يكون الأمر سيئا للغاية بتولى الإخوان السلطة. والخشية ليست من تنظيم الإخوان، إنما هناك من هم أسوأ من الإخوان...... إن العديد من الباحثين فى الإسلام السياسى يرون أن الإخوان هم أكثر التنظيمات معقولية فى العالم العربى خاصة بعد تخليهم عن العنف، وهم أكثر التنظيمات الإسلامية اعتدالا. ولو تولى الأمر غيرهم فسيكون الأمر أكثر سوءا.
بقى أخيرا أن نعرض لتصورات الأقباط عن مستقبل أوضاعهم بعد سقوط نظام مبارك.
اختلفت فى الواقع تصورات الأقباط التى يمكن وضعها على متصل تمثل قطبه الأول " مارى عبد المسيح " من هيئة أخبار AINA تقول "مارى" :" لا أعتقد أن هناك خوفا على الأقباط فى هذه اللحظة، الكل مشغول بقضية الإطاحة بالنظام المستبد. والمسلمون والأقباط متفقون على ضرورة إسقاطه " . أما " دينا جرجس" الباحثة القبطية الأصل والتى تعمل كمراقبة للسياسة المصرية فى معهد واشنطن فإنها تحذر من القفز بالاستنتاجات عما يمكن أن يحدث للأقباط بعد سقوط مبارك. ترى " دينا" أن الإسلاميين قد يلعبون دورا هاما فى حكومة ما بعد مبارك، لكنهم لن يكونوا فى مركز القيادة. من المحتمل أن تتشكل حكومة وحدة وطنية تتكون من قوى سياسية متنوعة، لكن الكل بما فيهم الإسلاميين سيعملون وفق قواعد اللعبة الديموقراطية.
وإذا تقدمنا خطوة حتى نصل إلى منتصف هذا المتصل سنجد من الأقباط من يخشى وصول الإسلاميين للسلطة وتطبيقهم للشريعة الإسلامية تطبيقا حرفيا. وإذا وصلنا إلى نهاية المتصل سنجد أن الأقباط على هذا الخط الأخير متأثرون بشدة بآراء"جون بولتون " السفير السابق الذى يرى أن الخطر محدق فعلا بالأقباط بعد سقوط مبارك. وينبه إلى أن شباب التظاهرات هذه تَعلّم فى الجامعات نفس ما ينادى به الإسلاميون، ولهذا فإن القلق من تطرفهم قائم جدا جدا ". وامتدادا لرأى " بولتون" انفعل الأقباط بشدة مع آراء الباحث الأمريكى من أصل لبنانى " وليد فارس" من العاملين فى مؤسسة الدفاع عن الديموقراطية بالولايات المتحدة والذى يردد أصلا أراء "مردخاى نيسان" الأستاذ فى الجامعة العبرية الذى ينادى فيها بالآتى :
أولا : تقسيم مصر إلى دولتين : قبطية فى جنوبها ومسلمة فى شمالها، وأن تقوم الولايات المتحدة وإسرائيل بحماية أمن هذه الدولة الوليدة.
ثانيا : أن تضطلع إسرائيل بدور هام فى حماية النصارى فى المنطقة العربية وخاصة مصر والسودان ولبنان والعراق.
خلاصة ما انتهت إليه تحليلات الباحثين الأقباط والخبراء الأمريكيين عن مستقبل الأقباط بعد حقبة مبارك الآتى:
أولا : التأكيد أن ثورة شباب 25 مايو هى ثورة علمانية تحررية، خَفَتَ فيها الصوت الإسلامى بوضوح، وأنها ثورة ترفع شعارات الحرية، والديموقراطية، والدولة المدنية والتى لا وجود فيها للشريعة الإسلامية.
ثانيا : أنه على الرغم من عدم احتمال قيادة الإسلاميين للسياسة بعد حقبة مبارك، وتأكد الأقباط بأن العسكر لن يسمحوا بقيام دولة إسلامية، فإن الأمر لازال مقلقا للأقباط.
ثالثا: أن انفصال الجنوب المسيحى عن الشمال المسلم فى السودان قد أمد الأقباط بدفعة قوية للسعى نحو المطالبة بتأسيس دولة قبطية فى جنوب مصر تحت حماية الولايات المتحدة وإسرائيل.
رابعا : أن اسرائيل يمكن أن تضطلع بدور هام ليس فى حماية أقباط مصر فقط، بل بحماية الأقباط فى مختلف الدول العربية الأخرى المحيطة بمصر.
-----------
(1) يصف مصطلح الثيوقراطية حالة تحالف الملك والكنيسة والإقطاع في التاريخ الأوروبي، لذلك لابد أن يستخدم هذا المصطلح في سياقه التاريخي ليصف تلك الحالة بشكل محدد ودون تزييف أو تلفيق، والدولة الإسلامية ليست دولة ثيوقراطية، ولم يظهر مثل هذا التحالف في التاريخ الإسلامي، ولم يكن هناك أحد يحتكر المعرفة، وليست هناك أسرار أو غموض في تعاليم الإسلام.
ونظام الحكم الثيوقراطى هو نظام الحكم الذي يعتبر أن الله هو السلطة السياسية العليا، وأن القوانين الإلهية هي القوانين المدنية الواجبة التطبيق، وأن رجال الدين بوصفهم الخبراء بتلك القوانين الإلهية، فإنه تتمثل فيهم سلطة الله، والتي يكون لزاماً عليهم تجسيدها من خلال فرض وتطبيق قوانينه السماوية.
والدولة الإسلامية التى يخشاها الغرب ليست بهذا المفهوم، وعلماء الدين في الإسلام ليسوا وسطاء بين العبد وربه، فضلاً عن أن الدين الإسلامي نفسه ليس به رجال كهنوت، كما أن العلماء أو الحكومة في الإسلام ليسوا أوصياء من الله على خلقه، فمن يدعي أن الحكم الإسلامي ثيوقراطي يكون قد ظلم الحقيقة، لأن الحاكم المسلم ينتخب من الشعب، وهو يخطئ ويصيب، ويحاسب ويعزل وليس معصوماً، وليس هناك في الإسلام طبقة الكهنوت المشار إليها، وإنما يحكم في الأمة أفضلها بشروط معينة تقدمه الأمة، وتختاره على أساسها لإدارة مصالحها في الدنيا .
www.alimam.ws/ref/691/doc
-----------
المصدر
: نقلا عن مجلة المجتمع الكويتية (www.magmj.com )
المصادر :
1- Husani Massri, Are the Copts at Risk in a Post-Mubarak Egypt?
www.asianews.it... /In-Egupt-young-people-are-changing-Islam-separating-religion-religion-and-politics.20757.htm/
2- Jerry Gordon, Are the Copts at risk in a Post-Mubarak Egypt?
www.redocounty.com/ …/ are-copts-risk-post-mibarak-egypt