البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

(48) أسطورة اسمها علم النفس
عقم فى النظرية، قصور فى المنهج، سطحية فى النتائج، وازدراء للدين

كاتب المقال د أحمد إبراهيم خضر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 12616


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


في كتابة ( أزمة علم النفس المعاصر ) أقر البروفيسور " جيمس ديز James Deese" أستاذ علم النفس بجامعة ( جونز هوبكنز ) بالولايات المتحدة بعدة حقائق، تحتاج إلى وقفة تعيد النظر فى تصورات الناس إلى علم النفس على أنه العصا السحرية التى ستعيد البسمة إلى شفاه الخائفين، والقلقلين، والمكتئبين، والباحثين عن السعادة ، ومن يعانون من أمراض لا يجدون لها سببا ولا سبيلا للشفاء منها، ثم يفاجئون بأنه قد أخفق في تحقيق وعده العظيم لهم بالشفاء أوالسعادة . (جيمس ديز، أزمة علم النفس المعاصر ترجمة سيد أحمد عثمان 1980).

أقر ( ديز ) بأن السحر والخداع شائعان جدا في علم النفس ، وأن مثل هذا التفكير منتشر في النظريات النفسية. وفي مقدمة الفصل الأول بكتابة المذكور يقول (ديز) بصراحة واضحة :

( إن علم النفس في أزمة، وقد كشفت حالة الأزمة هذه عن نفسها بشكل قوى في عدم الثقة المتزايدة في المنهج العلمي عامة وفي الطريقة التجريبية بصفة خاصة، وإنا لنجد فقدان الثقة هذا عند كل المعنيين بالمشكلات النفسية من طلاب وممارسين وباحثين. وعلي الرغم من أن كتب علم النفس ومتونه مستمرة في تقديم وجهات النظر القديمة فى علم النفس على أنها علمية، فما من أحد من بين مؤلفي الكتب المدرسية أنفسهم من يؤمن بصحة وجهات النظر القديمه هذه، بل ينظر إليها علي أنها دليل واضح على العجز وعدم الجدوى، وهذا الإحساس واسع الإنتشارليس بين طلاب علم النفس فقط، بل بين بعض المتخصصين فيه. أما عن علم النفس الحديث فإن بعض الناس يجدون فيه من الأمور الخاطئة ما يبرر زعمهم بأن : "علينا أن نتخلي كلية عن الجهد العلمي في علم النفس والإعتراف بأن علم النفس يجب أن ينضم إلي عالم الأسطورة والوهم ".

يقر (ديز) بأنه يمكن النظر إلي علم النفس علي أنه لا يخرج عن كونه حشدا متنافرا من اجتهادات فكرية شديدة التباين والإختلاف وأن الطلاب الذين يدرسون مقررات علم النفس التمهيدية يشكون بشدة من أن مقرر علم النفس ما هو إلا كومة من الأمشاج والأخلاط المتنافرة وغير المتماسكة.(ص123).أما عناوين كتب علم النفس المدرسية فإنها لا تعكس في نظر (ديز) نظاما ولا وضعا ضروريا ولازما.(ص152)

النظريات النفسية عند ( ديز ) نظريات يغلب عليها البدائية وليست ذات نفع، كما لا توجد في النظريات النفسية طريقة متفق عليها لتحديد وتقنين كافة الوصلات الرهيفة والدقيقة التي يزعم أصحابها أنها قائمة بين المتغيرات المختلفة للنظرية. (ص44). ويذكرنا (ديز) بأن فلاسفة العالم قد أجمعوا في أوائل القرن العشرين علي أنه ليست بين أيدينا طريقة نعرف بها ما إذا كانت نظرية من النظريات العلمية صحيحة إلي الآن، وأنه ليس بمقدورنا أن نحدد صحة نظرية علمية من خطئها باختبار حاسم واحد (ص62). يقول " ديز" أيضا:

" للنظريات النفسية فوائد متعددة ومتنوعة. إنها تسد حاجات مرتبطة بالأسطورة أو بالتغيرات الأسطورية، ولما كانت الأساطير غير موضوعة لتعطينا معرفة، فإن قيمتها المعرفية متدنية، ولكنها وضعت وصممت لإدخال الراحة والطمأنية إلي القلب ولتحقيق نوع من الإشباع الجمالي. وعلي الرغم من هذه النظرة الساخرة التي تذهب إلي أن نظريات علم النفس ليست سوى أساطير، فالواقع هو أن الحد الفاصل بين النظرية والأسطورة ليس حدا بينا وقاطعا.

إن بعض النظريات النفسية حتي تلك التي تتخذ طابعا شكليا وتتميز بالوضوح ، يجب أن ينظر إليها أساسا علي أنها أساطير كذلك... إن الكثير من الأفكار التى أدمجت فى علم النفس هى من قبيل الأسطورة. هناك جانب كبير من أفكار التحليل النفسي الكلاسيكي مصاغ في إطار أسطورى، لكن صياغتها توهم بأن فيها نوعا من القوى الإستكشافية. وليس من قبيل الصدفة أن نجد النظريات ذاتها مصاغة بلغة الأسطورة والدراما القديمة ".(ص 70 – 72).

لننتقل الأن إلي نقطة أخرى وهي بطلان الأساس الذى اعتمد عليه علم النفس ليكون (علما).

واقع الأمر أن علماء النفس كانوا قد شغلوا أنفسهم لسنوات طويله في صياغة علم النفس وفق نمط الفيزياء تحت مظلة وحدة العلوم، فنقلوا نقلا شاملا وأعمي هذه التصورات النظرية التي تمثل أدوات بحث في العلوم الطبيعية إلي علم النفس ، وصاغوا بعض النظريات النفسية في شكل رياضي تحليلى إعتمادا علي الاستدلال الإحصائي في ضوء سيادة فكره التجريب والإستعمال الشائع لمصطلحات مثل المتغير التابع والمتغير المستقل (ص20)، وكانت حصيلة هذا النقل الشامل الأعمي أن وجد النفسانيون أن محاولة إقحام الطريقة العلمية قد أدت إلي تفاوت بين مغزى علم النفس ومعناه، وبين تفاهة المشكلات التي يدرسها، الأمر الذى أفزع طلاب علم النفس وأساتذته علي السواء (ص55).
ويقر علماء النفس بأن الذى دفعهم ودفع العلماء الإجتماعين عامة إلي اعتبار الفيزياء ( النموذج الأصلي لهم ) هو الغموض واللايقين المرتبطين بمادة دراستهم، مما جعلهم يشعرون بضغط شديد دفعهم دفعا إلي محاولة الإرتفاع إلي مستوى هذا النموذج (ص58). أضف إلي ذلك أن هيبة علماء الفيزياء كانت تعتمد على قدرتهم علي الإستفاده من الرياضيات في اشتفاق فروض قابلة للإختبار، وهذا قد أدى إلى شعور علماء النفس الباحثين عن الهيبة المفقودة بالـ (الغيرة) منهم، مما دفعهم إلي استخدام الطرائق ذاتها التي استخدمها الفيزيائيون في صياغة فروض معينة، لكن النتيجة كانت مخيبة للآمال، فقد أتت بعض النظريات النفسية بحيث لا يمكن التمييز بينها وبين النظريات الفيزيائية من حيث الشكل واستخدمت الإجراءات الكمية وأدواتها لتغطية تصورات (هزيلة)، إلي درجة أن بعضا من النفسانيين أدانوا إدانة شاملة كل منهج الرياضيات وأدواته ( ص 31)، كما أدانوا كذلك النتائج التي ترتبت علي استخدام المنهج التجريبي ووصموها بالتفاهه والعشوائية ، وأقروا كذلك بأن ضياع كثير من البحوث الجارية الآن إنما يعود إلي أن المنهج التجريبي غير قابل للتطبيق علي كثير من مشكلات علم النفس، وأنه وإن كانت المشكلات التي يختارها النفسانيون اليوم للدراسة ليست مشكلات تافهه فإن المناهج التي تبحث بواسطتها هذه المشكلات كثيرا ما تهبط بها إلي هاوية التفاهه. (ص50-51).

أقر علماء النفس أيضا بأن التجارب النفسية تعتمد أصلا علي الهوى الذاتي من قبل المجرب، ومن ثم فإن تفسير نتائج تجربة معينة يعتمد علي التصور المكون سلفا عند صاحب التجربة، أكثر من اعتماده علي نتائج هذه التجربة. ( ص45). أى أن حرص علماء النفس على اعتناق المنهج التجريبى لم يقف حائلا دون وقوعهم فى خطأ خلط معتقداتهم الخاصة بالوقائع التى تحت الدراسة.(ص36)

ويمكن تفسير هذا المأزق لعلم النفس بأن علم النفس قد ظهر إلي الوجود ـ كما يعتقد علماؤه ـ كاملا تماما كما هو الحال بالنسبة إلي ظهور ما يسمي بآلهة أثينا. وأن علم النفس قد ولد في عصر أصبح الناس يدركون فيه أن هناك شيئا أسمه العلم وأن لهذا العلم مكانة خاصة في حياة الناس وفكرهم.(ص67)

ولكن ماذا كانت نتيجة ذلك ؟ اعترف النفسانيون بأن محاولة علم النفس محاكاه العلوم الطبيعية والأساليب العملية في الوزن والحساب جعلت هذا العلم يعالج كل شىء ما عدا الروح فقد حاول هذا العلم أن يفهم مظاهر الإنسان التي يمكن فحصها في المعمل ونظر إلى الشعور والقيم ومعرفة الخير والشر على أنها تصورات ميتافيزيقية تقع خارج مشكلات علم النفس ولهذا كان اهتمامه منصبا في أغلب الأحيان علي مشكلات تافهة تتمشي مع منهج علمي مزعوم ، بدلا من أن يضع مناهج جديدة لدراسة مشكلات الإنسان الهامة. وهكذا أصبح علم النفس علما يفتقر إلي موضوعه الرئيسي وهو الروح، وعني فقط بالميكايزمات وتكوينات ردود الفعل والغرائز دون أن يعني بالظواهر الإنسانية المميزة للإنسان أشد التمييز كالحب والعقل والشعور والقيم.

(إريك فروم، الدين والتحليل النفسي ( ترجمة فؤاد كامل ص 11).

أما عن ازدراء علم النفس للدين، فإنه علي الرغم مما أبداه العلماء الإجتماعيون المعاصرون من مصالحة بين العلوم الإجتماعية والدين وإقراراهم بأن للدين دوراً هاماً في التماسك الإجتماعي والتوازن النفسي فإنهم لا يزالون يصرون علي منطلقاتهم الخاصة في النظرة إلي الدين التي لخصوها في مقولاتهم : بأن ( الله قد مات ) وأن ( الدين من صنع الإنسان ) وأن ( ادعاءه بالحقيقة أدعاء باطل ) وبأنه ( خداع عظيم ) وأنه ( وإن كان يحتوى علي حقيقة فإن هذه الحقيقة تختفي في الأساطير والطقوس الوهمية للدين ) وأن ( رموز الدين التي يعتقد فيها الناس ليست صادقة ) إلي غير ذلك من هذه المقولات (أحمد إبراهيم خضر، علماء الإجتماع وموقفهم من الإسلام، المنتدى الأسلامي، لندن (ص 177 – 192).

ولم يخرج علم النفس عن سائر العلوم الإجتماعية التي أعلنت أنها جاءت لتحل محل الدين يقول ( ديز ) في عبارة صريحة لا مجال فيها لأى لبس : ( إن تعاليم علم النفس الحديث ووقائعه وتحيزاته قد حلت إلي حد بعيد محل الدين والمعتقدات)... إن هذا القرن هو قرن علم النفس فبعد أن كان الدين والقيم القديمة من قبل هي المصدر الرئيسي للقيم التي علي الإنسان أن يعيش وفقا لها، جاءت أهداف متنوعة من ضمنها نهوض علم النفس ذاته وتضافرت جميعها لإنتاج مجموعة جديدة من القيم تحكم الإهتمام الإجتماعي وتوجهه وهي قيم في مجملها نفعية وقيم متعة ولذة، تركز علي طبيعة عملية الحياه ذاتها، وعلي تحسين الذات والتقدم الشخصي أكثر من تركيزها علي أهداف الحياة البعيده.... وفي ضوء ذلك عمل الممارسون الإجتماعيون على تأسيس أهداف وأخلاقيات وجماليات جديدة للعالم الحديث. ( ديز 173 – 175).

ويعتقد النفسانيون أن نفوذ علم النفس وتأثيره سوف ينمو ويتزايد في المستقبل ليس هذا لأن علم النفس سيجد نفسه بالضرورة قادرا علي حل أكبر قدر من مشكلات المجتمع أو لأن اكتشافات جديدة مذهلة يرتقب صدورها من الأن، ولكن ببساطه لأن المجتمع كما يتصور العلماء الإجتماعيون لا يجد مكانا آخر يلتمس عنده الوجهه والتوجه بعد أن قضي علي الدين قضاء مبرما. وهذا هو ما عبر عنه ( لندبرج) في مقولته الشهيرة. " أننا إذا لم نؤمن بالعلوم الإجتماعية فبم نؤمن ؟ " ( خضر، ص 138).

لقد نمت العلوم الإجتماعية في المجتمع الأمريكي علي سبيل المثال في وضع كانت تحظي فيه باحترام هامشي إلي أن احتلت الأن مواضع ذات نفوذ وتأثير كبيرين في المجتمع، ويرجع هذا إلي سبب واحد وهو أنها ملأت الفراغ الذى خلفه أفول المؤسسات والأفكار الأقدم ( أى الدين ).

لقد شهدت السنوات الأولي من القرن العشرين نموا كبيرا في فلسفة علم النفس وبرزت هناك فكرتان تركتا يصماتهما علي هذا العلم. هاتان الفكرتان هما ( الوضعية المنطقية ) و ( الإجرائية ) وبدون الدخول في تفاصيل هاتين الفكرتين فإن الذى يهمنا منهما هو أنهما ترفضان تماما أيه تفسيرات ( دينية ) عن الحقيقة والمعرفة ، وتتركز محكات الحقيقة والمعرفة عندهما حول أمور الإنسان وقابلية التحقق التجريبي. ورغم رفض هذين الإتجاهين للتفسيرات الدينية فإنهما لم يحققا بهذا الرفض أى تقدم للعلم بل إن علماء النفس يقرون بأن الأزمة الحالية في علم النفس وما يشعر به علماؤه من جزع وإحساس بالعقم ليرجع في جانب كبير منه إلي الإصرار علي التمسك بالموقف الذى تمثله هاتين الفكرتين، بل أن الجو الفكرى الذى نتج عنهما أصبح جوا مثبطا معطلا للتقدم العلمي في جوانب عديدة من علم النفس. هذا وقد لوحظ أن عددا كبيرا من دراسى علم النفس قد رفضوا هذين الإتجاهين وحول الكثير منهم إلي اتجاه أخر جوهره هو أن ( علم النفس ليس بعلم أصلا وما من سبيل إلي أن يكون علما في يوم من الأيام، الأمر الذى أزعج الكثير من المشتغلين بعلم النفس.. ( ديز ص 22).

شق علم النفس منذ نشأته هجوما بالغ القسوة والضراوة علي الدين فرأى أنه نابع من عجز الإنسان عن مواجهة قوى الطبيعة في الخارج والقوى الغريزية داخل نفسه. وأنه نشأ في مرحلة مبكرة من التطور الإنساني عندما لم يكن يستطيع الإنسان أن يستخدم عقله بعد في التصدى لهذه القوى الخارجية والداخلية فلم يجد مفرا من كبتها أو التحايل عليها مستعينا بقوى عاطفية أخرى، وهكذا بدلا من أن يتعامل مع هذه القوى بالعقل تعامل معها بعواطف مضادة وبقوى وجدانية أخرى تكون وظيفتها هي الكبت أو التحكم فيما يعجز الإنسان عن التعامل معه عقلانيا. ينمي الإنسان في هذه العملية ما يطلق عليه علم النفس ( بالوهم ) الذى يأخذ مادته من تجربة الإنسان الفردية الخاصة حينما كان طفلا. إذ يتذكر الإنسان وهو يواجه قوى خطره لا سبيل له إلي السيطرة عليها أو فهمها أو يعود القهقرى تجربة مر بها وهو طفل حينما كان يشعر أن أباه يحميه، أباه الذى أوتي حكمة عاليه وقوة، وأنه يستطيع ان يكسب حب أبيه وحمايته بإطاعة أوامره وتجنب نواهيه.

الدين عند علم النفس إذن تكرار لتجربة الطفل حيث يتعامل الإنسان مع القوى المهددة له بنفس الطريقة التي تعلمها وهو طفل حينما كان يشعر بعدم الأمان فيعتمد على والده الذى يعجب به ويخافه.

الدين عند ( فرويد) عصاب جماعي ولا واقعية عنده للتصور الإلهي. ويذهب فرويد إلي أبعد من البرهنة علي أن الدين وهم فيقول أنه خطر لأنه يقوم علي تقديس مؤسسات إنسانية سيئة تحالف معها علي مر التاريخ بالإضافة إلي أن ما يقوم به الدين من تعليم الناس للعقيدة يحرم التفكير النقدى ويكون مسؤولا عما أصاب العقل من تدهور.

ويرفض علم النفس استنادا الأخلاق إلي الدين ويرى أن الدين يستغل الحس الاخلاقي المتأصل في نفوس الناس ليستعديهم ضد أعداء الدين. ويرى (فرويد) أن استناد الأخلاق إلي الدين يجعلها تقوم علي أساس مهزور أشد الإهتزاز وأنه إذا كانت صحة المعايير الأخلاقية تستند علي كونها أوامرالله فإن مستقبل الأخلاق ينهض أو يتداعي مع الإعتقاد في الله. وآمن (فرويد) بأن الإعتقاد الديني في سبيله إلي الإضمحلال والزوال. ( فروم ص 15-17).

هذا عن (فرويد)، أما ( يونج ) فقد جعل من الدين ظاهرة نفسية ورفع اللاشعور إلي ظاهرة دينية. وفهم ( فروم ). الدين علي أنه أى مذهب للفكر والعمل تشترك فيه جماعة ويعطي الفرد إطارا للتوجيه وموضوعا للعباده. وتشتد حملة علم النفس علي الدين في ضراوتها، حينما يرى أن الإعتماد علي الله لا يجعل الإنسان ذليلا فحسب بل يجعله شريراً أيضاً، فالإعتقاد في الله على أنه اعتقاد فطرى في تركيب الانسان هو مغالطة عند علماء النفس والإعتماد علي الله عندهم ( مغالطة كبرى ). أما المغالطة الأكبر في رأى علم النفس فهي الإعتقاد في وجود قوة أو كائن خارج الإنسان لأن الإنسان يميل إلي ربط نفسه بشىء يتجاوزه، ولهذا فإنه يخلق لنفسه أشكالا خارج نفسه ليرتبط بها، ومن هنا جاءت ما يسميه علم النفس ( بفكرة الله ) ( فروم ص 30، 52).

( جنة عدن ) في رأى علماء النفس ما هي إلا أسطورة عصيان الإنسان الأول لله، لكنها فى الوقت ذاته بداية الحرية ونمو العقل. والإنعتاق من طمأنينة الفردوس هو اساس النمو الإنساني الحق عند علم النفس.

أما الشعائر الدينية فهي طقوس لا معقوله يعرفها علم النفس بأنها ( فعل مشترك يعبر عن تطلعات مشتركة متأصله في قيم مشتركة ) لا تدفع أذى الدوافع المكبوتة وإنما تعبرعن تطلعات يعتقد الفرد أنها ذات قيمة. شعائر الوفاة مثلا هي ركب من عناصر لا معقولة تهدف إلي التعويض الزائد عن الحد للعداء المكبوت الذى يضمر لشخص ميت ورد فعل ضد الخوف الشديد من الموت والمحاولات السحرية التي يبذلها المرء لحماية نفسه من هذا الخطر.

ولنعرج قليلا علي موقف ( التحليل النفسى من الدين ). الدين في رأى التحليل النفسي أسطورة وأنه أى ( التحليل النفسي ) بوصفه ( رعاية للروح ) يؤدى وظيفة دينية محددة بهذا المعني.
ويعترف المحللون النفسيون صراحة وبلا مواربة بأن موقف التحليل النفسي هو الموقف الأكثر نقدا للعقيدة الإلهية. ( فروم ص 7) وهم يؤكدون في عملية التحليل النفسي أن أفكار الشخص إنما تنبع من مصدر عاطفي ومن ثم فإن الدين لا يخرج عن كونه ( أكلاشيه ) تقليدى لا ضرور له في بناء شخصيته، ولهذا لا وزن ولا قيمة له. وأن مهمة التحليل النفسي الأساسية هي مساعدة الإنسان على التمييز بين الحق والباطل في نفسه وهذا في رأيهم منهج علاجي يعد تطبيقا تجريبيا لهذه العبارة ( ستجعلك هذه الحقيقة حرا ).
ويعترف رواد علم النفس بأن التحليل النفسي يؤدى إلي إنكار الله والمثل الأخلاقي، ويرون أن المحلل النفسي أصبح الآن في وضع يسمح له بدراسة الإنسان عبر الدين وعبر نسق الرمز اللاديني. إنهم يرون أن المسألة ليست هي عودة الأنسان إلي الدين والإيمان بالله بل هي أن يحيا الإنسان في الحب ويفكر في الحقيقة، فإذا كان يفعل ذلك فلن تكون هناك إلا أهمية ثانوية للرموز الدينية التي يستخدمها وإن لم يفعل ذلك فلن تكون لها أهمية لها علي الإطلاق ( فروم 13، 14).

يقول "إ يريك فروم " بعبارة صريحة : ( لقد اصبح من المقبول الأن أن وظيفة أستاذ علم النفس ومهمته هى أن يعلم طلابه كيف ينظرون نظره متشككه إلي المعتقدات الدينية (البالية) التي عفا عليها الزمن. وقد أعترف علماء النفس اعترافا صريحا بأن بعض الكتب قد غالت في هذا الإتجاه حتي هبطت بعلم النفس إلي درجة سحيقة من التفاهه. ( ديز 35)

----------------

د. أحمد إبراهيم خضر


الأستاذ المشارك السابق بجامعات القاهرة، وأم درمان الإسلامية، والأزهر، والملك عبد العزيز.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

علم النفس، فرويد، شعوذة، خرافة، نظريات علم النفس، يونج، فروم، تغريب، غزو فكري،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 5-05-2009  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  (378) الشرط الأول من شروط اختيار المشكلة البحثية
  (377) مناقشة رسالة ماجستير بجامعة أسيوط عن الجمعيات الأهلية والمشاركة فى خطط التنمية
  (376) مناقشة رسالة دكتوراة بجامعة أسيوط عن "التحول الديموقراطى و التنمية الاقتصادية "
  (375) مناقشة رسالة عن ظاهرة الأخذ بالثأر بجامعة الأزهر
  (374) السبب وراء ضحالة وسطحية وزيف نتائج العلوم الاجتماعية
  (373) تعليق هيئة الإشراف على رسالة دكتوراة فى الخدمة الاجتماعية (2)
  (372) التفكير النقدى
  (371) متى تكتب (انظر) و (راجع) و (بتصرف) فى توثيق المادة العلمية
  (370) الفرق بين المتن والحاشية والهامش
  (369) طرق استخدام عبارة ( نقلا عن ) فى التوثيق
  (368) مالذى يجب أن تتأكد منه قبل صياغة تساؤلاتك البحثية
  (367) الفرق بين المشكلة البحثية والتساؤل البحثى
  (366) كيف تقيم سؤالك البحثى
  (365) - عشرة أسئلة يجب أن توجهها لنفسك لكى تضع تساؤلا بحثيا قويا
  (364) ملخص الخطوات العشر لعمل خطة بحثية
  (363) مواصفات المشكلة البحثية الجيدة
  (362) أهمية الإجابة على سؤال SO WHAT فى إقناع لجنة السمينار بالمشكلة البحثية
  (361) هل المنهج الوصفى هو المنهج التحليلى أم هما مختلفان ؟
  (360) "الدبليوز الخمس 5Ws" الضرورية فى عرض المشكلة البحثية
  (359) قاعدة GIGO فى وضع التساؤلات والفرضيات
  (358) الخطوط العامة لمهارات تعامل الباحثين مع الاستبانة من مرحلة تسلمها من المحكمين وحتى ادخال عباراتها فى محاورها
  (357) بعض أوجه القصور فى التعامل مع صدق وثبات الاستبانة
  (356) المهارات الست المتطلبة لمرحلة ما قبل تحليل بيانات الاستبانة
  (355) كيف يختار الباحث الأسلوب الإحصائى المناسب لبيانات البحث ؟
  (354) عرض نتائج تحليل البيانات الأولية للاستبانة تحت مظلة الإحصاء الوصفي
  (353) كيف يفرق الباحث بين المقاييس الإسمية والرتبية والفترية ومقاييس النسبة
  (352) شروط استخدام الإحصاء البارامترى واللابارامترى
  (351) الفرق بين الاحصاء البارامترى واللابارامترى وشروط استخدامهما
  (350) تعليق على خطة رسالة ماجستير يتصدر عنوانها عبارة" تصور مقترح"
  (349) تعليق هيئة الإشراف على رسالة دكتوراة فى الخدمة الاجتماعية

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
تونسي، د - محمد بن موسى الشريف ، د - الضاوي خوالدية، فهمي شراب، جاسم الرصيف، محمود سلطان، محمد الياسين، ضحى عبد الرحمن، حاتم الصولي، خالد الجاف ، مراد قميزة، محمد عمر غرس الله، د. أحمد محمد سليمان، عراق المطيري، د.محمد فتحي عبد العال، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، خبَّاب بن مروان الحمد، سليمان أحمد أبو ستة، رافد العزاوي، عواطف منصور، د - المنجي الكعبي، حسني إبراهيم عبد العظيم، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، حميدة الطيلوش، د - صالح المازقي، وائل بنجدو، صفاء العراقي، أحمد بوادي، د. عبد الآله المالكي، عبد الله زيدان، أبو سمية، أحمد النعيمي، مصطفي زهران، طلال قسومي، د- محمد رحال، د- محمود علي عريقات، سلام الشماع، سعود السبعاني، عمار غيلوفي، محمود فاروق سيد شعبان، الهيثم زعفان، كريم فارق، حسن عثمان، سامح لطف الله، فتحـي قاره بيبـان، محمد شمام ، رافع القارصي، محمد العيادي، يحيي البوليني، الناصر الرقيق، كريم السليتي، حسن الطرابلسي، عزيز العرباوي، صلاح المختار، إيمى الأشقر، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صالح النعامي ، محمد أحمد عزوز، ماهر عدنان قنديل، سلوى المغربي، العادل السمعلي، نادية سعد، إياد محمود حسين ، محمد اسعد بيوض التميمي، سامر أبو رمان ، عمر غازي، صباح الموسوي ، أ.د. مصطفى رجب، أشرف إبراهيم حجاج، رمضان حينوني، فتحي الزغل، د. عادل محمد عايش الأسطل، الهادي المثلوثي، يزيد بن الحسين، محمد يحي، د- هاني ابوالفتوح، فوزي مسعود ، د - مصطفى فهمي، أنس الشابي، مجدى داود، د. طارق عبد الحليم، محرر "بوابتي"، صفاء العربي، علي عبد العال، منجي باكير، رضا الدبّابي، عبد الله الفقير، د - عادل رضا، المولدي الفرجاني، رشيد السيد أحمد، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، علي الكاش، سيد السباعي، محمود طرشوبي، د - شاكر الحوكي ، د. صلاح عودة الله ، عبد الغني مزوز، د. أحمد بشير، صلاح الحريري، عبد الرزاق قيراط ، أحمد الحباسي، د- جابر قميحة، مصطفى منيغ، إسراء أبو رمان، د. خالد الطراولي ، ياسين أحمد، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد الطرابلسي، فتحي العابد، د - محمد بنيعيش، أحمد ملحم، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سفيان عبد الكافي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة