د.خــالد الطـراولي
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9517 ktraouli@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
رفعت السماعة، كان على الخط صديق طيب عرفته أيام الجامعة، سلام مقتضب وأنفاس تتسارع في أذني: أنجدني ياصديقي فقد هلكت...
قلـت والقلق قد انتابني : هون عليك وقل لي ماذا جرى، هل سقطت القدس؟
قـال : لا أمزح! والله هلكت، لقد وضعت كل أموالي في البورصة، وإني خائف أن أبيت وأهلي على الطوى ولا أجد ما أطعمهم في قابل الأيام...
قلـت : هون عليك فالأزمة لم تنته!
قـال غاضبا : لا تسخر مني فإني جئتك مستغيثا...لقد راهنت على الربح العاجل والوافر، لقد كانت أحلام يقظة حتى داهمتني هذه المصيبة...
قاطعته مسرعا حتى لا يفهم مقصودي خطأ : ليس لي إلا أن أقول لك "دفع الله ما كان أعظم" جدد حياتك يا صديقي" واعتبر من أزمتك، فالبحر وراءك والعدو أمامك وليس لك من خيار..والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين!
قـال مستغربا: أهنا يترك الحبيب حبيبه؟
قلـت : لا ولكن... أأوبخك فأقول جعلتم البورصة كازينو ونسيتم أنها موطن لتمويل الاقتصاد؟ أم أوبخك فأقول حبستم المال بين جدران المضاربة والمخاطرة ونسيتم أنه لا يجب أن يكون دولة بينكم فأنت للمال اذا امسكته، فاذا انفقته فالمال لك؟ أأوبخك فأقول ظننتم الأشجار تصعد إلى السماء دون نهاية ونسيتم أن القناعة كنز لا يفنى...؟ أأوبخك فأقول ظننتم أن المال مالكم تفعلون به ما تشاءون كيف تشاءون أين تشاءون، ونسيتم أن المال مال الله، فرض مبادئ وثوابت وأحكام وأوامر ونواهي، وهو مالكه الحقيقي وهو أعلم بمورده ومصاريفه، فتغاضيتم عن ذلك ورميتموه وراء ظهوركم...؟
قــال : كفى توبيخا، قد استوعبنا الدرس ولكن خوفي أنه جاء متأخرا جدا...
قلـت مقاطعا : لا عليك إن أردت البناء فاستوعب لماذا تم السقوط، إن هناك بديهيات ومسلمات نسمها نحن فطريات لأنها لا تتعارض مع فطرة الإنسان، وكلما سعى هذا الأخير إلى ملامسة فطرته فإنه ناج لا محالة :
* لا تبع ما لا تملكه ولا تبع ما ليس عندك،، حقيقة زاغ عنها البعض، وهذا قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم...
* راهن على نجاح الاقتصاد بالمشاركة بين رأس المال والعمل وتقاسم المخاطرة بينهما، فتراهن على نجاح المؤسسة لأنك طرف فيها، ولا أن تراهن على خرابها لأنه لا يعنيك إلا ربحك، ولو على حساب مآسي العشرات من عمالها...
* لا ترابي استهلاكا ولا إنتاجا، ولا تتبع أسهل الطرق وتتكئ على الضرورة والحاجة فتشتري الديار دينا وتمتلك المصانع قرضا فتصبح مدينا حتى النخاع، فإن قرآننا الكريم يقول وهو يتحدث عن المرابي "وأمره إلى الله" هذا لمن تاب فكيف لمن لم يتب..
أما ما تريده من البناء العملي فهذه نصيحتي إليك :
* لا تستثمر إلا في حلال، فالبركة باب لا يفتحه الله على باغي شر أو حرام...
* نوّع استثمارك ولا تجعل أموالك في سلة واحدة فإن المخاطرة لا تعني التهور...
* اجعل للآخر الفقير والمعدم نصيبا في مالك واستثمارك...
* لا تستثمر عن جهل ولا تكن من قوم تبع، فإن العلم بالشيء مطلوب في كل حال وحين، خاصة إذا كان الإطار ضاغطا وتلفه عديد الأبعاد المخفية والمعلنة والعوامل المتشابكة، مثل البورصة...
* اجعل استثمارك نافعا لمجتمعك الذي تعيش فيه، مهجرا كان أو وطنا، ولا تنس نصيب أهلك، فمصلحة الجماعة قبل مصلحتك وإن إلتقتا فذالك عين الصواب!
قـال : ونبرة من التفائل بدأت تخط أطرافها في حروفه، أحسستها عبر السماعة تلمس نطقه... "نتوكل على الله.. والحمد لله أن لم يجعل مصيبتنا في ديننا..."
قلـت مبتسما : الحمد لله على نعمة الإسلام...