لمــاذا لا يريد بعض الإخوة الخير لبعضهم ؟
أو حتى لا يفشل الإعلام المعارض!
د. خالد الطراولي
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9446 ktraouli@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هذه كلمات على عجل، بقيت محبوسة في غيابات الذاكرة وكنت سجانها، واجتمع العقل والعاطفة على سجنها ثم اتفقا على إطلاق سراحها، هي بضعة ولمم من كثير، لعله يلحق بها تباعا في انتظار لحظة التاريخ التي لا تترك مجالا للمزيد من الترقب...
هي ولا شك حادثة شخصية بما تمثله من صورة حية لما أعانيه في هذا الباب ولكن ليس هذا مجاله الآن وسوف يأتي يومه المشهود، ولكنها تمثل "محل شاهد" معبّر وعينة صادقة لما تخفيه الحادثة من ظواهر وحالات تستوجب حسب ظني الوقوف عليها من حين لآخر، لأني أراها تمثل تفسيرات لما هو أعظم وأخطر...خاصة إذا كنا نزعم أننا دعاة بناء وإعمار! ولن يكون هذا الزعم سليما إذا تخللته مناطق ظل أو تشويه أو أمراض أو سقوط...
كنت كلما أرسلت مقالا إلى أحد المواقع التونسية المعارضة وذيّلته بذكر صدور كتاب لي إلا وأفاجأ بمحو هذه الدعوة وسقوطها من المقال، ظننت في أول الأمر أن الحدث تقني وتوسمت خيرا، ولكن بإعادة الإرسال للمقال أو لمقال جديد، تجدد معه الفعل وحُذفت الإشارة إلى صدور الكتاب، فراسلت الأخ المعني للاستيضاح فكان رده مذهلا... كان جوابه أن هذا يدخل في باب الإشهار ويجب عليّ أن أرسل بمقدمة تعريفية للكتاب وعن محتواه [ولعله عن صاحبه!] حتى تنظر فيها أسرة التحرير وتنال رضاها وتوافق على نشرها!!!
على فكرة لا تنسوا نقاطا ثلاثة : الأولى أن الموقع تونسي معارض ولنقل ذو توجهات إسلامية. الثانية أن الكتاب كان يحمل عنوان "حدث مواطن قال..." وهو لا يستدعي كثير فهم أو بحث، والثالثة أن صاحب الكتاب حسب فهمي المتواضع ينتمي ولا يزال إلى هذه الجماعة المعارضة التي تسعى جاهدة من أجل كل الخير للوطن وللأمة والناس أجمعين.
ومنذ أيام تتجدد هذه المعاملة وأنا أسعى قريبا لإصدار كتاب جديد بعنوان "رؤى في الاقتصاد الإسلامي"، فتحذف الإشارة من جديد، مما يعني أن هناك منهجية صلبة في الإعلام المعارض غير اعتباطية وإنما تستسقي سندها من فهم معين ومحدد سلفا ووجب التوقف عندها وتوضيح بعض ثناياها...
وقفتي في الحقيقة تنبع من هذا "المحل شاهد" الذي عاينته بنفسي والذي أريد من خلاله توسعة الفكرة لأنها تمثل إحدى منابع تهافت قضايانا وبنائنا، وستكون محبّرة في رؤوس أقلام حتى لا نطيل على القارئ ونوصل الفكرة ومبتغاها :
1 / هناك عدم وعي أو نقص في الوعي بإدارة الإعلام المعارض، حيث تطرح أسئلة كثيرة ومن بينها: من نحن؟ ماذا نريد؟ وعلى أي أرض نقف؟ وماهو فهمنا للإعلام المعارض؟ وما هو موقعنا فيه، ومن المعارضة ككل؟. [بعث إلي أحد القائمين على أحد المواقع غاضبا : لسنا نحن آخر من تنشر عندهم!!! رغم أني أرسل للجميع في نفس الوقت تقريبا، وإن لم يصله المقال فالمشكل تقني بحت من جانبه أو من جانبي]
2 / هناك عدم فقه للمرحلة وغياب فهم دقيق لمستجداتها وتتبع خطواتها خاصة في المستوى الوطني. فكثيرا من الحوارات الهامشية والكتابات الفضفاضة تعتم، بدون وعي، عن الأهم وتقترب من خدمة الاستبداد وإفشال الإعلام المعارض والكلمة الفاعلة والرصينة.
3 / هناك خلط عند البعض بين الانتماء السياسي الحزبي للفرد والانتماء الإعلامي للموقع، فالإعلام المعارض يمكن أن يكون حزبيا وهي طبيعة الأشياء، ولكن يمكن أيضا أن يكون مستقلا لا يحمل انتماء ولا تحزبا، وهو ما نراه في استقلالية بعض المواقع المعارضة في عناوينها والذي يجب أن يكرَّس في مستوى أعمالها. فالاستقلالية في هذا المجال مجلب خير للجميع ونحن نخوض تجربة معارضة سياسية وحضارية من أصعب وأضرس المعارك المدنية التي تعيشها أوطاننا. وإذا كنا ولا نزال دعاة الاستقلالية والحرية فإن مصداقيتنا تصبح على المحك إذ تخلل أعمالنا الإعلامية بعض الدخن في هذا المجال.
4 / هناك عدم فهم لطبيعة التدافع السياسي والتنافس الحزبي أو بالمصطلح الماركسي عدم كنه لطبيعة الصراع، حيث يقع إغفال أو تجاهل أو جهل العناوين الكبرى الجامعة والضاغطة والخطيرة، والتخبط بدل ذلك في السياسوية الضيقة والحسابات الصغيرة من أجل بقعة باهتة تحت شمس تميل إلى الغروب.
لن أذيّل هذا المقال بذكر صدور كتاب جديد لي حتى لا أزعج ولا أحرج، غايتي من هذه الكلمات التوقف عند أمراض تنخر كياننا وهي كثير، وما شطحات بعض الإعلام المعارض إلا صورة لكثير منها، وهي تنبع أساسا من خلل في التكوين الفردي وأخطاء مهولة في التنظير والتنزيل، بدأنا نتلمس شظاياها ولو متأخرين وقد علا المشيب بعض الرؤوس والأذقان، وإن كنت تعرضت لبعضها في كتاباتي منذ أكثر من 10 سنوات، والتي تتمثل أساسا في قلة وعي وتأويلات عرجاء واجتهادت على حساب الأخوة أحيانا وماض عتيد ومنظومة أخلاق، وارتماءات مزعجة في أحضان الاستبداد، وفرار من الوقوف والمقاومة، ورمي للمنديل ومغادرة الإطار ولو بانحناءة ظهر مرفقة بابتسامات صفراء مكرهة على متن باخرة "الحبيب".
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: