د. خــالد الطـراولي
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8348 ktraouli@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
قد علمت بسفره للحج، ثم غاب عني...رن جرس الهاتف فكان هو على الخط...
صاحبي وصديق العمر، كان صوته ناعما تشوبه العبرات أو هكذا خُيّلَ لي، اعتراني بعض الخوف الذي لم أفهم مصدره، لكن جانبا من الطمأنينة سرعان ما غلب وهيمن...قال دون سلام أو تحية : لقد رأيت رسول الله يا صاحبي، لقد رأيت رسول الله البارحة في المنام!!!
كنت مضطجعا، فاستويت على الأريكة وقد انتابتني رجفة وهيبة وتعظيم لصاحب المقام، ثم قلت : هنيئا لك يا صاحبي، فمن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رآه حقا فالشيطان لا يتمثل به، يافرحتي ويا سعادتك، اقصص عليّ رؤياك إن سمحت...
قال: كنت مغادرا المدينة اليوم، وفي الليل وعند اقتراب ساعات الفجر رأيته... ثم أجهش صاحبي بالبكاء...
قلت : هون عليك فلا أراك إلا صادقا مؤمنا ولا نزكي على الله أحدا...
قال وقد استرجع أنفاسه وسكينته بعض الشيء : لقد رأيته وجاء يودّعني، سلّمت عليه واحتضنته...ثم أفقت!
قلت وقد غلبتني العبرات : هنيئا لك، أطعمنا الله مما أطعمك، وبشرنا مثلما بشرك وملأ أعيننا برؤية الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا قبل الآخرة... فوالله إنا لنحب محمدا ونحب صحبته واتباعه ولقاءه...ثم أجهشت بالبكاء..
بقيت السماعة معلقة وعلى الطرفين نحيب لم يقاطعه سوى كلمات أطلقتها دون أن أعرف مصدرها...قلت : هلا حدثته عن حالنا، عن أحوال أمته بين الأمم!
قال مقاطعا وقد انتابه استغراب أحسسته في تتابع أنفاسه : أقول لك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تحدثني عن حالي وحال الدنيا التي نعيشها!! أحدثك عن لقاء أشتريه بكل الدنيا حتى وإن كان في المنام... كان لحظة غابت فيها الدنيا وغاب كل شيء وغبت أنا...إنه رسول الله إنه رسول الله!!!
قلت عذرا يا صاحبي وهنيئا لك مرة أخرى، ولكني إنسان ضعيف غلبتني شقوتي وهمومي..، ثم استرسلت وقد نسيت صاحبي على الهاتف : آه لو رأيتك يا حبيبي يا رسول الله لقلت لك كم نحن بحاجة إليك، كم نحن بحاجة إلى هديك في هذه الظلمات التي تحفنا من كل جانب وفي كل حين، لقد أصبحنا يا سيدي غثاء كغثاء السيل تتدافع علينا الأمم استخفافا واستغفالا...
ثم استرجعت حتى لا أنسى صاحبي على الخط : نعم يا صاحبي رؤيته راحة للقلب واطمئنان وسكينة ولك كل الحق في ذلك ولكن طبعي غلب على تطبعي، عذرا يا صاحبي، عذرا يا رسول الله لقد أحببناك دون أن نراك واتبعناك وصدقناك، عذرا يا رسول الله إن كانت اليد قصيرة وقد آذاك الغافلون وهم لا يعرفون قدرك ومنزلتك... كيف أعطيك بعضا من حقك بعضا من جميلك بعضا من حبك بعضا من رحمتك، وأنت القائل بين يدي الله ليلة المعراج حيث اللاكيف : اللهم إني لا أسألك عن فاطمة ولا عن الحسن ولا عن الحسين ولكن أسألك عن أمتي...أسألك عن أمتي...
هذا أنت يا حبيبي يا رسول الله، ما نسيتنا وأنت في هذه المنزلة الرفيعة والدرجة العالية حيث ينسى الحبيب حبيبه والأم رضيعها، ذكرتنا وما ذكرناك.. ذكرت المسكين منا والمستضعف، المنفي منا جورا والمسجون ظلما، الصغير منا والكبير، والغني والفقير.. والحاكم والمحكوم، ذكرت كل أمتك... ونسيك بعضنا وتناسوك...
نسيت محدثي في الهاتف، كان صوت أنينه يصلني فيزيدني اندفاعا... ثم سكنت وسكنت جوارحي وأطلقت العنان لنفسي باكيا حتى أجد بعض راحتي... وبقي الهاتف معلقا... وصلى الله على محمد.
----------------
ملاحظــة :
الرؤيا صحيحة ولكن في إطار أوجبه الأدب القصصي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: