د.خــالد الطـراولي
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8267
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
رأيته يدخل مكتبي واضعا فوق رأسه شيئا لم أتبينه من النظرة الأولى، ليس بالقبعة ولا بالطربوش...حدّقت أكثر...لم أصدق ما أرى، قلت جنّ الرجل ولا شك...حذاء فوق رأسه...فزعت، تألمت استغربت...
قلـت تلطفا : ما لك يا صاحبي...؟ ثم أردفت مازحا خوفا عليه وتهوينا مما أرى... يبدو أنك أخطأت مكان الحذاء...
قـال مستغربا : ألم تشاهد ما فعله الصحفي في تلك الندوة التي جمعت أكابر القوم، لقد رمى حذاءه في وجه من عمل على استبلاه قومه والفتك بهم...
قلـت مقاطعا: خسر الرجل عمله ولعله سيصيبه أذى كثيرا وستعيش أسرته الفقر والحاجة ، فهو لم يرع حاجة اهله وذويه إليه، ولم يفكر إلا في ذاته وخسر كل شيء...حتى حذاءه! ولعله عاد بخفي حنين!
قـال غاضبا: إن خسر حذائه فقد كسب كرامته وكرامة أهله وقومه وأمته...إن خسر حذائه فقد كسب عطف الناس شرقا وغربا... إن سقط حذائه فقد ارتفع شأنه ورفع رأسه ورأس قومه بين الأمم ...إن خسر حذائه فإنه لم يعد بخفي حنين، وإنما أعاد عزا مفقودا وكرامة مهزوزة وشرفا ومجدا...
قلـت مازحا : لقد جعل صاحبك للأحذية منذ اليوم مقاما رفيعا وشأنا عاليا، ولعل أصحاب الموضة لن يبخلوا علينا بأحذية نضعها على الرأس كرامة وشرفا!
قـال : ليس المقام مقام هزل فالحياة لحظات عابرة تبني بين ثناياها سقوطا أو شهودا، والحياة مواقف عزة أو انكسار... ودورك حي تبني أو محتضر!
قلـت: ولكنه حذاء ويبقى حذاء نمشي به في الطرقات وبين الغبار والأوساخ، ونقتل به الصراصير! فلا تحمّله أكثر من شأنه.
قـال : نعم الحذاء يبقى حذاء ولكن الأيدي تختلف... نعم كم لبسنا أحذية وكم مشينا بها حذو الحائط وفي المستنقعات وفي الظل بعيدا عن الشمس، وفي الدهاليز المظلمة بعيدا عن النور.. نعم كم مشينا بها في المستنقعات والمنخفضات، كانت أحذية لا يروق لها التسلق والارتفاع، لا تحبذ صعود الجبال، صاغتها أيد وضمنت لها المشي على اليابسة والزحف على بطنها أو المبيت في الحفر!
قلـت معاكسا : يبدو أن هناك حذاء وحذاء، حذاء تلبسه وهو وضعه الطبيعي، وحذاء ترميه وتقذفه ثم تضعه على رأسك تيمنا وشرفا وهذا وضعه الجديد! حذاء سندرلا بنى لها مجدا وعزة وحذاء كروتشاف أخاف منه العالم وحسبوا له ألف حساب، ولم أر في تاريخنا إلا حذاء الإسكافي وخفي حنين...فراغ في فراغ! وحذائك بعد وضعه على الرأس ماذا أنت فاعل به!
قـال مطمئنا : حذائي يا صاحبي دخل التاريخ وكتب عناوين جديدة له! حذاءي يا صاحبي حمل رسالة ذات عنوان واحد ومضمون واحد : العنوان أمة وكرامة، والمضمون أمة وكرامة.. لم أفكر يوما أن الحذاء يمكن أن يطير، وهو مجعول للمشي عند البعض وللزحف عند البعض الآخر..، لم أفكر لحظة أن الحذاء صناعة سوف تحلق في سماء الممانعة والمقاطعة والمقاومة... لم أع أن حذائي البسيط يمكن أن يعبر الفيافي والصحاري بدون أجنحة، أن يمر على محطات التاريخ فيخضها ولا يتوقف عندها، وأن يرج الجغرافيا مستنهضا هويتها... لأول مرة يا صاحبي أنظر إلى حذائي نظرة احترام وتقدير، لأول مرة وضعت الحذاء...على الرأس، حياء من وضعه في القدم!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: