د. خالد الطراولي
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8541 ktraouli@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كوابيس ظلام، ظلمات من فوقها ظلمات، أشلاء مرمية تحملها أرصفة خالية، أنين يتصاعد من هنا وهناك، أطفال يتسابقون لمعرفة هل ستطأ قدماه بعد حين إطار اليتم والضياع..، هل أبوه من المفقودين؟ هل أمه تحت الركام؟ هل هذه الأشلاء لحبيب كم ظمها إلى صدره؟.. هل هذه الأيدي المقطوعة لعزيز طالما مسح بها على رؤوس صغيرة؟.. نساء مولولات صائحات يتسائلن هل قرب الترمل؟ هل قرب اليتم والعذاب؟ وفي لحظة غفلة وصراخ، تظهر وجوه صغيرة مخطبة بالدماء، منها الصامت الذي لا يقوم، صعدت روحه الطيبة إلى السماء تشكو ظلم العباد، ومنها من يئن أنين الكبار وكأنه يريد أن يكبر ويشبهه حتى في الآلام والأوجاع.
في هذا الإطار الداكن تطل علينا جماعات أربع... قال الأول هي دفاع عن النفس، وقال الثاني هو رد طبيعي على الاستفزاز، وتلعثم ثالث بكلام غير مفهوم قائلا هو تخليص من أوجاع الرأس وخلاص لمكاسبنا، وصاح الرابع بكل ما أوتي من قوة: يا عباد الله، يا عالم... استحوا... مجزرة ورب الكعبة مجزرة...
* دفاع عن النفس : قال الأول: لأننا نملك طائرات نفاثة ودبابات حديثة ولا نملك سهاما ولا سيوفا، فنحن ضعاف لا حول لنا ولا قوة، نحن شعب بدون أرض جئنا لأرض بدون شعب، فأحببناها وعشقناها، ورفعنا بنيانها وزرعنا أشجارها، حتى إذا أخذت الأرض زخرفها واستوت سنابلها وفاض ماءها، خرج علينا ياجوج وماجوج من وراء الكثبان والصحاري، وقالوا الأرض أرضنا والهواء هواءنا والسماء لحافنا، وقد نسوا أننا السابقون إليها! فقد عرفناها قبل أن نعرفهم، وسكناها قبل أن نرى عناوينهم...فدافعنا عن أنفسنا ومزقناهم شر ممزق، وجعلناهم أشلاء مرمية وأكواخهم خالية تعوي فيها القطط المشردة والكلاب السائبة، وقد رحمنا الحيوانات حتى لا يقال أننا قاسو القلب والوجدان..، وكان كل ذلك دفاعا عن النفس والمال والولد!
* رد على استفزاز: قال الثاني لقد قلنا لهؤلاء قبل أن يصبحوا أشلاء نحن العم سام لسنا من عمومتكم ولا من أخوالكم، ولكننا أعمام الآخرين، لا لوبي يحميكم عندنا ولا رفيق يرحمكم من بيننا، نصحناكم بأن لا تستفزوهم ولا تثيروهم بالحقيقة المرة أن الأرض أرضكم! قلنا لكم مرارا وتكرارا لا تنبشوا في التاريخ ولا تعيشوا الحاضر بأكثر مما تصدق به عليكم، وكونوا قانعين فالقناعة كنز لا يفنى وإن فنيتم عن آخركم...فاستهزأتم بنا وبنصائحنا فقتلوكم شر قتلة، وكنتم السبب فيما حدث وما سيحدث، فأنتم من بحثتم عن حتفكم بظلفكم، فإن كنتم معاتبين فعاتبوا أنفسكم، أنتم الضحية وأنتم الجلاد! أتمنى لكم من كل قلبي أن يكون ما حصل درسا لكم ولأحفادكم، حتى لا تضعوا مجددا أيديكم في خلية النحل، فقد أعذر من قد أنذر، ليلتكم سعيدة وصباحكم طيب حتى وإن قضيتموه في المشافي بين الصياح والعويل أو في المقابر بين الأموات!
* أوجاع رأس وتشويش على موائدنا : قال الثالث نحن النظام الرسمي العربي نعلن من داخل سرايانا في بيت نومنا وبين حاشيتنا أننا لا نريد التخلي عن مكاسبنا ومكاسب أسرنا، لقد ناضلنا من أجلها الكثير ودفعنا من أجلها النفس والنفيس، لم نأت في سيارة ناعمة ولكن محملين على ظهر دبابة وكم تعلمون صعوبة السفر على ظهرها، لم نأت من صندوق انتخاب بلوري فقد خفنا عليه أشعة الشمس فحبسناه في الدهاليز المظلمة وحميناه من الأرقام الهزيلة التي لا تسمن ولا تغني من جوع وجعلناه يفوح طيبا بالرقم المائة بالمائة قبولا واستسلاما حبا في ذاتنا وتقديرا لشعوبنا حتى لا يقال أنها أمية لا تعرف العد إلى المائة، حتى إذا استتب لنا الأمر واستوت على الجودي أو هكذا يخيل إلينا والناس في بيوتها آمنة راضية مرضية أو في السجون معلقة، طلع علينا فتية جيرا لنا من بين الركام وأرادوا تغيير واقعهم وواقعنا، عزموا إلى ايقاظ الأسد النائم والمخدر في كل فرد من شعوبنا، أرادوا حرماننا من نعم أمدنا الله بها وجعل منا ملوكا ورؤساء، أرادوا إحداث البلبلة في خيمتنا، فأشعلوا شمعة وأدخلوا النور إلى دهاليزنا وكهوفنا وقد عوّدنا الجميع على العيش كالخفافيش في الظلام... أوجاع رأس وتخليص من اعتداء مقنع على مكاسبنا ومواقعنا وموائدنا!
* مجزرة ورب الكعبة مجزرة : قال الرابع : كنا آمنين في قريتنا، كنا حالمين في حقولنا، زرع أجدادنا فأكلنا ونزرع فأحفادنا يأكلون...حتى أطل علينا ذات يوم عابس أناس من غير قريتنا تظهر عليهم أثار السفر الطويل والمحن، منهم الأسمر والأبيض والأسود، يحملون في يد سلاحا وفي اليد الأخرى كتابا! قالوا لقد حفظتم الوديعة وقد حان استلامها وأتى موعد الرحيل... ظنناها نكتة العصر أو القرن..، فكانت فضيحة البشر ومظلمة التاريخ الأولى... وضعوا كتابهم على رؤوسهم وقالوا لرشاشاتهم هيت لكم فمزقونا إربا إربا، ومن بقي حيا حمل إزاره وغادر القرية لا يلوي على شيء غير النجاة، فعاش وأحفاده في الشتات بين الخيام، ومن بقي وهم قليل عاش مضروبا على يده يمنع من النظر إلى السماء ولا يلتحف غيرها... ومرت الأيام... واستيقضنا بعد سبات وقلنا لهم العين في العين إن كان كتابكم قد قال بأرضكم فقد قال كتابنا بأرضنا وسمائنا...إن كانت هذه الأرض بدون شعب فهي لا تريد شعبا بدون أرض...قلنا لهم نريد أرضنا، نريد هواءنا، نريد زهورنا وأشجارنا، نريد حقولنا وأنهارنا...فرمونا بالطائرات ونحن نمشي على الجمال، ورشقونا بالصواريخ ونحن نحمل قوسا وسهاما...فكانت المجزرة، مات منا النساء والرجال، والكبار والصغار، والأجداد والأحفاد، تسارع الجمبع لفتح صدورهم من أجل الوطن، من أجل غزة، من أجل القدس، من أجل فلسطين، من أجل الأرض وإرضاءا للسماء فكانت مجزرة وكانت شهادة...
شهادة على لقاء الذئب بالغنم القاصية، شهادة على لقاء الطوفان بالأنهار الهادئة، شهادة على لقاء الظلام بالأنوار، شهادة على أن اللون الأحمر كان لون الدماء، كان لون المجزرة!!!
ملاحظة: هناك طرف تجنبته عمدا لأني جزء منه ولا أريد الحديث عن نفسي... تلكم هي الشعوب... وإني أضع قلمي احتراما وحياء...وأترك للقارئ مواصلة ما حبرت لعله يكون اكثر جرأة وجسارة مني، فأنا عاجز عن إلقاء أي حرف عن الشعوب دون أن تتبعه سلسلة من الحروف دون توقف... بعضها مرفوع وبعضها منصوب وبعضها مكسور...وإن كنت أجد إحساسا غريبا يغمر وجداني منذ ردهة من الزمن... أني متفائل رغم اللون الأحمر... متفائل رغم اللون الأسود... متفائل رغم رمادية المكان والزمان... متفائل متفائل متفائل!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: