الهيثم زعفان - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2244
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
من أكثر المشكلات تعقيدًا أثناء عمليات الإغاثة وإدارة الكوارث في الحروب والنوازل والأزمات هي صعوبات الوصول لميدان الكارثة وإنزال المساعدات، وإجلاء الجرحى والمصابين، ورفع الجثث تمهيدًا لدفنها تجنبًا لانتشار الأوبئة؛ فالإنزال الحالي في أوقات الأزمات يعتمد على الطائرات التقليدية والمروحيات، وهي عملية مكلفة ومعقدة للغاية، خاصة وأن تلك الطائرات تواجه صعوبات شديدة في الوصول للمناطق الوعرة وفي الحرائق وأثناء الحروب.
تزداد الصعوبة في عدم جاهزية معظم أطقم الإغاثة للقفز المظلي في الأماكن المستقرة، فما بالنا بالقفز في وسط المخاطر المهلكة وتداعيات الأزمة الكارثية؟!؛ كما أن العشوائية في إنزال المعونات هي سمت مصاحب لتوزيع المعونات الغذائية والكسائية والمستلزمات الطبية عبر الطائرات التقليدية في أوساط الأزمات، فهو إنزال يصاحبه الكثير من التلفيات للمعونات، وضعف وصولها للمستهدفين من المنكوبين، مع عدم وصولها في أحيان كثيرة لأطقم الإغاثة والمتطوعين لإدارة توزيع تلك المعونات في ميدان الكارثة.
من هنا برزت أهمية تقنية الطائرات بدون طيار الجديدة وسريعة التطور والمتحكم فيها رقميًا عن بعد، وذلك في توظيفها في ميدان الإغاثة وإدارة الكوارث. البداية كانت من سنوات قليلة وبطريقة اختبارية؛ حيث وظفت في تحديد أماكن الضحايا في بعض الأعاصير التي ضربت مناطق جنوب شرق أسيا، تحديدًا خلال إعصار (هايان) في الفلبين في عام 2013، الذي تسبب في مقتل أكثر من عشرة آلاف شخص، وخسائر مادية بالمليارات، ونجحت التجارب المبدئية لاستخدام الطائرات بدون طيار في تحديد أماكن بعض الوفيات والمصابين، مما سهل على أطقم الإغاثة الأرضية أن تصل للأماكن بيسر بعد أن كانت تعتمد على المسح البشري عبر الكلاب المدربة، أو من خلال الطائرات الهليكوبتر والتي كانت تواجه صعوبات كثيرة ولا تأتي بالنتائج الكافية، فضلاً عن التكلفة العالية المصاحبة للطيران، والمخاطر التي تواجهها مثل فقدان الطائرات وفرقها أحيانًا.
ذات التوظيف للطائرات بدون طيار استخدم من أجل تحديد حجم الخسائر البشرية والمادية للكوارث عبر المسح الجوي الدقيق تكنولوجيًا، ومن ثم الوقوف على التقييم الأدق للأزمة.
بعد هذا النجاح الأولي تحمست بعض مراكز التطوير التكنولوجي في أوروبا وأمريكا لتطوير الطائرات بدون طيار لتوظيفها في العمل الإغاثي، وعبر الأعوام الثلاثة المنصرمة استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية عشرات الطائرات بدون طيار لتحديد مواقع المفقودين في الأعاصير التي ضربتها، كما ساعدتها الطائرات في تحديد خريطة انتشارية الكوارث، وتقدير حجم الخسائر المادية التي خلفتها تلك الأعاصير عبر المسح الجوي عالي التقنية، وبالفعل نجحت الطائرات بدون طيار في مهمتها بكفاءة عالية.
كما قامت المفوضية السامية للاجئين باستخدام الطائرات بدون طيار لمساعدة السكان النازحين في إفريقيا؛ حيث تم استخدام الطائرات بدون طيار بشكل كبير في (النيجر) و(بوركينا فاسو) و(أوغندا) للمساعدة في تحديد السكان النازحين بأعداد ضخمة، وتقييم احتياجاتهم، ومعرفة أفضل طريقة لحصولهم على المساعدة، مع تقييم الضرر البيئي الناجم عن النزوح.
وفي ذلك يقول "أندرو هاربر"، رئيس وحدة الابتكار التابعة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين: "الاستخدام المحتمل للطائرات بدون طيار (كبير) فهناك العديد من الاستخدامات السلمية لهذه التكنولوجيا، سواء في حقوق الإنسان أو تقديم الإغاثة أو تحديد المخيمات"([1]).
إن تطوير الطائرات بدون طيار بالعموم يتم بإيقاع سريع، واهتمام شديد من الدول المتقدمة تكنولوجيًا غربًا وشرقًا وهو تطور يتناسب طرديًا مع التطور التكنولوجي السريع، والتطوير من أجل التوظيف الإغاثي يسير تقنيًا أيضًا بنفس الوتيرة التطويرية؛ ففي سويسرا على سبيل المثال يوجد "المعهد التقني الفدرالي العالي" والذي أصبح حاضنًا لما يعرف بـ "وادي الطائرة بدون طيار"، ويضم حاليًا حوالي ثمانين شركة تطوير طائرات بدون طيار، وتهتم بصناعة طائرات بدون طائرات تعمل في مجال الإغاثة وإنقاذ الأرواح وإطفاء الحرائق([2]).
من الواضح إذن أن هناك التفاتة دولية لأهمية توظيف الطائرات بدون طيار في أعمال الإغاثة، وقد أدرجت بالفعل تلك التقنية ضمن السياسات الإغاثية لبعض المنظمات الدولية المعنية بالإغاثة، فالأمم المتحدة -على سبيل المثال وعبر مفوضية شئون اللاجئين- لديها وحدة تقنية متعلقة بالابتكار، تحاول من خلالها مواكبة التطورات التكنولوجية لتوظيفها في المجال الإنساني وبخاصة العمل الإغاثي، والطائرات بدون طيار هي أحد الاهتمامات التقنية المتابع تطورها وبحث آليات توظيفها إغاثيًا.
وهذا نموذج مفتقد لدى غالبية المنظمات الإغاثية والخيرية في عالمنا الإسلامي، سواء على مستوى وحدة الابتكار، أو على مستوى الالتفات لهذه التقنية الجديدة التي يتوقع لها تكنولوجيًا ولوجستيًا أن تحدث تغييرًا كبيرًا خلال السنوات العشر القادمة – بإذن الله- على مستوى إدارة الكوارث والأزمات وتقديم الخدمات الإغاثية.
وعليه فإن المؤسسات الإغاثية في العالم الإسلامي ستجد نفسها مدفوعة طبيعيًا لتوظيف تلك التقنية – تقنية الطائرات بدون طيار- في أعمالها الإغاثية مواكبة للتوظيف الإغاثي العالمي لها. وحتى من الآن فإن هناك بعض الاستخدامات العملية الفعلية التي دخلت الميدان الإغاثي كما أوضحنا، والتي يمكن للمؤسسات الإغاثية لدينا توظيفها بما يحقق أفضل النتائج على مستوى إدارة الأزمات ومواجهة تداعيات الكوارث.
وحتى تكون المؤسسات الإغاثية في العالم الإسلامي على نفس المسافة التي تقفها المؤسسات الإغاثية الدولية من تقنية الطائرات بدون طيار، فإن هناك بعض التحديات التي نرى أهمية تسليط الضوء عليها؛ والمتمثلة في الآتي:
1. لابد ابتداءً من المظلة التشريعية التي تنظم وتضبط توظيف الطائرات بدون طيار إغاثيًا، وتفصلها عن كافة المحاذير المرتبطة بعمل تلك الطائرات المسيرة داخل الدول الإسلامية؛ وهذه المظلة لن تتأتى إلا إذا تولد الإيمان التام لدى كافة الجهات المعنية بأهمية التوظيف الإغاثي للطائرات بدون طيار، ومن ثم وضعها ضمن السياسات العامة المرتبطة بالأعمال الإغاثية للدول الإسلامية، والمؤسسات الإغاثية المنتمية إليها.
2. أن يكون الإشراف على التوظيف الإغاثي للطائرات بدون طيار تنسيقيًا بين المؤسسات الإغاثية والجهات المعنية بتنظيم التحليق الجوي وضبط مساراته.
3. ضرورة استحداث وحدات للمتابعة التقنية والتطوير والتدريب التكنولوجي داخل المؤسسات الإغاثية في العالم الإسلامي، تكون مهمتها متابعة كافة المستجدات التكنولوجية المتعلقة بتوظيف الطائرات بدون طيار إغاثيًا، وتوفير كافة المستلزمات التقنية المطلوبة لإدارة المؤسسات الإغاثية لتلك الطائرات المسيرة، وتنظيم البرامج التدريبة اللازمة لإعداد الكوادر الفنية والوظيفية المصاحبة لعملية توظيف تلك التقنية الحديثة إغاثيًا.
4. أن تجري المؤسسات الإغاثية دراسة موسعة عن ميدان الطائرات بدون طيار والمصنعة خصيصًا للعمل الإغاثي؛ تشمل كافة الأبعاد التقنية والتشريعية والاقتصادية واللوجستية والفنية، مع الدراسة التقييمية لتجارب التوظيف الإغاثي الدولي لها، لتعقد بعدها مجموعة من ورش العمل التفاعلية بين الخبراء المعنيين لمناقشة النتائج وبلورة الدراسة، لتكون تلك الدراسة الموسوعية في النهاية بمثابة مرجعية علمية للمؤسسات الإغاثية في العالم الإسلامي تنير لها طريق التوظيف العملي لتقنية الطائرات بدون طيار في الأعمال الإغاثية.
5. بعد التكييف التشريعي وضبط كافة المسارات القانونية فإن هناك مسارين في امتلاك المؤسسات الإغاثية في العالم الإسلامي للطائرات بدون طيار وتكوين أسطولها الإغاثي الجوي منها:
· المسار الأول: شرائي؛ ومن خلاله تقوم المؤسسات الإغاثية بشراء الطائرات المسيرة الحديثة، وتكوّن أسطولها الجوي الإغاثي عبر الشركات المصنعة والمطورة للطائرات بدون طيار حول العالم.
· المسار الثاني: إنتاجي؛ وعبره تقوم الدول الإسلامية بالدخول تقنيًا واستثماريًا في قطاع صناعة وتطوير "مستلزمات الإغاثة الجوية" لتعمل على تطوير الطائرات بدون طيار محليًا بما يناسب الأعمال الإغاثية ومستلزماتها، وهو الأمر الذي سيحقق الكثير من الامتيازات التقنية والمالية والتقدمية؛ لكنه سيحتاج إلى مظلة علمية وبحثية وتصنيعية وتطويرية ترعى أصحاب الابتكارات والاختراعات والموهوبين، وتضم الخبراء في هذا الحقل التقني من المطورين والفنيين في البلدان الإسلامية.
إن ميدان الإغاثة الجوية عبر الطائرات بدون طيار "ميدان بكر" وجميع المؤسسات الإغاثية حول العالم على مسافة متقاربة من هذه التقنية، والتقدم الذي حققته بعض الدول والمؤسسات الإغاثية الدولية في توظيف تلك التقنية في بعض الكوارث يمكن تداركه بسهولة من قبل المؤسسات الإغاثية في العالم الإسلامي، ليبقى الجميع على المسافة ذاتها من تقنية الطائرات بدون طيار، ولتسير جميع مؤسسات الإغاثة حول العالم بنفس الخطى التقدمية نحو تطوير ميدان الإغاثة الجوية بما يحقق أفضل النتائج الإغاثية في أوقات الكوارث والأزمات.
[1]) المفوضية تستخدم طائرات بدون طيّار لمساعدة السكان النازحين في إفريقيا: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، تقرير موظفو المفوضية، 21 نوفمبر 2016، الموقع الإلكتروني للمفوضية https://www.unhcr.org/
[2]) طائرات بدون طيار مضادة للصدمات تسهم في إنقاذ الأرواح: أرماندو مومبلّي، الموقع الإلكتروني لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية، 13 فبراير 2019، https://www.swissinfo.ch/
-------------
الهيثم زعفان
رئيس مركز الاستقامة للدراسات الاستراتيجية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: