الهيثم زعفان - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1508
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
خلال الفترة الماضية برز على الساحة اصطلاح (زواج البارت تايم Part- Time ) صوحب ذلك بحالة من الجدل والبلبلة، وقد حاولت الإحاطة بالموضوع من كافة أبعاده الاصطلاحية والاجتماعية والشرعية؛ ووجدت أن الإشكال الأكبر في الموضوع هو إشكال اصطلاحي يعقبه تراتيب شرعية من أجل التصدي لأزمات مجتمعية. فلدينا في علم المصطلحات ما يعرف بـ (تفكيك المصطلح) وإذا أردنا أن نفكك اصطلاح (زواج البارت تايم) سنجد أنه اصطلاح أجنبي يستوعب في طياته أصناف متعددة من صور الزواج الصالحة أو الطالحة أوالمتحفظ عليها وذلك وفق المقاييس الشرعية المنظمة لعملية الزواج، وما يتفرع عن صور الزواج تلك من أوضاع اجتماعية تعف المرأة والرجل وتحصنهما في حالات، وتنشر الفوضى والانحلال في حالات أخرى. سريعاً فإن هذا المصطلح يعني لغوياً (جزء من الوقت أو بعض الوقت)، واصطلاحياً يدور الأمر أيضاً حول (التوقيت)، لكن هناك توقيت في أصل الزواج، وتوقيت في إدارة الحياة الزوجية، حيث يحتمل الأمر في طبيعته لثلاث صور من الزواج:
(الصورة الأولى: الزواج المؤقت وهو اشتراط توقيت الزواج ككل بمدة معينة ساعة/ يوم/شهر/ سنة يكون بعدها الفراق، وهو المعروف بزواج المتعة ولا يقوم به الآن إلا الشيعة وإجماع أهل السنة والجماعة على تحريمه، ويترتب عليه مفاسد جمة تلحق بالمرأة والمجتمع وثمرة الزواج من أبناء وما يصاحبها من إهدار للحقوق المالية والشرعية).
(الصورة الثانية: الزواج مكتمل الأركان ولكن بنية الطلاق؛ وهو ما يعرف بزواج المسافر أو الدارس المغترب، وهو أن تكون النية بين الرجل وربه سبحانه وتعالى أن يتزوج من امرأة ما بنية طلاقها بعد مدة غير محددة قد تكون بعد انتهاء العلة من السفر سواء العمل أو التجارة أو الدراسة، ولكن دون شرط بين الأطراف على الفراق، وقد يحدث أن يمسك الرجل بامرأته بعد الزواج فيعدل من نيته ولا يفارقها، وللعلماء أقوال في هذا الصنف من الزواج وهو محل خلاف ليس هذا موضع التفصيل فيه، وننصح بالرجوع إلى أهل العلم وأقوالهم واختلافهم حوله).
(الصورة الثالثة: زواج شرعي مكتمل الأركان ولكن تتنازل فيه المرأة عن بعض الحقوق وعلى رأسها القسمة والسكنى والنفقة في سبيل أن يذهب إليها الرجل في بيتها أو غيره بعض الوقت، وهو المعروف خارج مصر بزواج المسيار أو زواج الإيثار، وهو زواج شرعي داخل في معظم حالاته تحت دائرة التعدد، وقد أحله العلماء مع التحفظ الشرعي على صحة شروط إسقاط بعض الحقوق، وأهمها حق الميراث، دون فساد أصل الزواج). فلدينا إذن توقيت في أصل الزواج مقترن بالفراق تعلو مرتبته في حالة زواج المتعة، وتقل نسبياً في حالة الزواج بنية الطلاق. ولدينا توقيت في إدارة الزواج والحياة الزوجية غير مقترن بالافتراق، وهو متعلق بقسمة الوقت بين الزوجات في حالة تعدد الزوجات أو تخصيص جزء من الوقت إذا كانت المرأة هي الزوجة الوحيدة للرجل. ما لاحظته أيضاً أثناء البحث وقبله أن زواج المسيار أو الإيثار بدأ في الانتشار داخل المجتمع المصري في الآونة الأخيرة بصورة ملفتة؛ وهذا الأمر إذا نظرنا إليه النظرة الإيجابية، فسنجد أن هناك قطاعات في المجتمع المصري فيها خير وخشية من الله بتحري الحلال والاجتهاد في البعد عن الحرام، فهي قطاعات تلتمس العفة بمرضاة الله سبحانه وتعالى في وسط دوامة من الانحلال وطغيان المادة، مع تحفظي الشخصي على مسألة إسقاط الحق في الميراث كونه حق لله سبحانه وتعالى، وما قد يلزمه من إجراءات توثيقية أو ضمانات مجتمعية لكافة الأطراف حال وفاة أحد الزوجين. لكن ما أود التأكيد عليه هو رفض العلماء لاستخدام اصطلاحات أجنبية تحتمل في ظاهرها وباطنها واستعمالاتها مدلولات صالحة وفاسدة، في ظل وجود اصطلاحات شرعية صالحة المظهر وصالحة المخبر؛ تستوعب المسألة برمتها، وتحفظ للزواج هيبته وللمرأة كرامتها وحقوقها، وللزوجين صيانتهما وعفتهما، وللثمرة سلامتها، وللمجتمعات استقامتها. من هنا نريد أن نعيد الأمور لنصابها الصحيح، إذا أردت الزواج وأنت متزوج فهذا اسمه (تعدد زوجات) وهو الأصل شرعاً ويحل الكثير من الأزمات المجتمعية المعلومة، والتوقيت فيه توقيت قسمة يخضع للضوابط الشرعية؛ وإذا أرادت المرأة زواج المسيار أو الإيثار بضوابطه الشرعية فلا نحجر واسعاً عليها ولا نعسر الحلال في ظل تيسير الحرام وتزيينه للناس؛ وهذا نوع من الزواج التوقيت فيه داخل عملية الزواج ولا علاقة له بالافتراق ويخضع أيضاً للضوابط الشرعية، مع الاحتراز مما ذكرناه من تحفظات.
في الأخير أقول للمسلمين والمسلمات لقد أنعم الله عليكم بنعمة الإسلام، وكفى بها نعمة، وهي نعمة تستوجب عظيم الشكر لله سبحانه وتعالى، فتمسكوا باصطلاحات الزواج الشرعية، وتزوجوا، وعددوا الزوجات، وتكاثروا، وتحصنوا، وأعينوا الناس على العفة، ويسروا الحلال، يرحمكم الله.
------------
الهيثم زعفان.
رئيس مركز الاستقامة للدراسات الاستراتيجية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: