الهيثم زعفان - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3909
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
· مشروع تحرير المرأة -النشأة والمنطلق
--------------------
لعبت الثورة الفرنسية دورها الأبرز في وضع بذور الأفكار التحررية للمرأة الغربية، والتي ركزت في نشأتها على مساواة المرأة بالرجل في كافة القطاعات واستقلالها عنه في تصرفاتها وبخاصة فيما يتعلق بالاستقلال المالي.
وقد ساهم في تعزيز فكرة الاستقلال المالي؛ الثورة الصناعية وما أعقبها من حروب دولية خلفت ضحايا بملايين الرجال مما فرض على المرأة الغربية الخروج لميدان العمل لتدبير احتياجاتها الاقتصادية والأسرية.
وفي ظل العداء التاريخي مع الكنيسة واتخاذ العلمانية منهجاً للحياة في الغرب، وغياب القيم التربوية الدينية، فقد صاحب خروج المرأة الغربية للعمل كثير من التداعيات غير الأخلاقية، فمناخ الاختلاط بين الجنسين وفقدان الزوج في الحروب جعل مفهوم الحرية لدى المرأة يأخذ منحى انحرافياً تطورت أدواته بمرور الزمن، واتسعت رقعته لتشمل منظومة الأسرة الغربية المستقرة في ذلك الوقت؛ وكما تقول "فاليري ساندرز": "فقد تولد لديهم إحساس بالاستياء المعاصر من حياة البيت التقليدية في ظل الزواج والأمومة، الأمر الذي ظهرت معه فكرة "المرأة الجديدة" والمنحدرة من فكرة "فتاة العصر المتمردة" التي ابتدعتها «ليزا لين لينتون» في عام 1868".
وقد أخذت تلك الأفكار في البلورة العالمية، واستقطبت أجيالاً من النساء في الغرب اعتنقنها وبشرن بها، ونُقلت للشرق الإسلامي عن طريق المبتعثين، المستشرقين، والمستعمرين بحُلتها التحررية كاملة، وكانت البداية من مصر ثم انتشرت في أرجاء البلاد العربية والإسلامية.
· المرأة المسلمة بين واقع أليم وتغريب مهين:
--------------------
لا شك أن واقع المرأة المسلمة في هذا التوقيت كان فيه بعض الظلم المجتمعي المرتبط بالأوضاع السياسية والاجتماعية للبلدان الإسلامية في هذه الأثناء، من ضعف لتعليم المرأة وما أعقب ذلك من جهل بكثير من العلوم وبخاصة تعاليم الشريعة الإسلامية وما يتعلق بها من تكاليف شرعية، وضوابط عقدية خاصة فيما يرتبط بالسحر والاستغاثة بالأضرحة والتعامل الجاهل مع المرض، أيضاً ظلمها أحياناً في قضايا المواريث.
لكن ذلك لم يكن أبداً ليواجه بسلخ المرأة كلية عن دينها وحياؤها بذريعة الحفاظ على حقوقها؛ لأنه على الرغم من هذا الواقع الأليم فإن المرأة في هذا التوقيت كانت شديدة التمسك بما يصل إلى علمها من صحيح الدين وما ورثته عن آبائها ومجتمعها من الحفاظ على عفتها وحيائها في الملبس والسلوك، والتزامها بضوابط الخروج من المنزل والاختلاط بالرجال.
ومن ثم كان يمكن لدعوات معالجة القضايا المهدر فيها حق المرأة المسلمة أن تكون وفق الضوابط الشرعية المنظمة لحياة المرأة المسلمة، دون الإخلال بالمنظومة القيمية للمجتمعات الإسلامية آنذاك.
· بدايات التغريب وطرح الأفكار التحررية
-------------------
هذا وقد شهد العالم العربي والإسلامي نشاطاً بارزاً في مقام تغريب المرأة المسلمة فكان للبعثات الأجنبية الدور الأول في وضع لبنات التغريب في العالم العربي والإسلامي، وغير خفي انبهار الطهطاوي وغيره من المبتعثين بانحلال وتحرر المرأة الفرنسية من أية قيود تضبط مسارها، وأمنيته أن يرى بنات قومه مثلهن.
ثم جاءت الصالونات الثقافية المدعومة من الاحتلال البريطاني ليتجمع فيها دعاة التغريب من المبتعثين وغيرهم من المنبهرين بالحضارة الغربية، لينظروا كيف يمكن لهم نقل كافة مكونات هذه الحضارة الغربية إلى الشرق المسلم. قافزين فوق أية اعتبارات عقدية أو شرعية تضبط مسار هذه المكونات الغربية أو تصطدم معها في أحيان كثيرة؛ فكان لصالون الأميرة نازلي فاضل- تلك المرأة المتغربة التي شكلت حلقة وصل ثلاثية ما بين الاحتلال البريطاني، والأسرة الحاكمة في دولة الخلافة، ودعاة التغريب في مصر والعالم العربي - الدور الأبرز في فتح الثغرات لهذه الأفكار التحررية الغربية داخل المجتمع المصري، وعقول متعلميه ومثقفيه. لتنتشر بعد ذلك الكتابات النسوية الصادمة لقيم المجتمعات العربية والإسلامية وبخاصة كتاب مرقص فهمي(المرأة في الشرق)، وكتابا قاسم أمين (تحرير المرأة، والمرأة الجديدة). والتي دارت في معظمها حول مطالبات بقضايا صادمة لقيم المجتمعات الإسلامية تمثلت أبرزها في: ( السفور وخلع الحجاب- الاختلاط بين الجنسين في كل القطاعات- تحرر المرأة من ملابسها في المصايف- منع تعدد الزوجات- رفع سن الزواج- إباحة زواج المسلمة من النصراني- سفر المرأة داخلياً وخارجياً بدون محرم- ارتياد المرأة لقطاعات التمثيل والغناء بالسينما والمسرح- والسعي لتقليد المرأة الغربية في تحررها من القيود المجتمعية حتى ولو كانت شرعية). وغيرها من القضايا الصادمة التي أخذت في البلورة العملية بصورة شديدة السرعة.
---------------------
الهيثم زعفان
رئيس مركز الاستقامة للدراسات الاستراتيجية
---------------------
* من دراسة: " ظهور الحركات النسوية في العالم العربي- مشروع تحرير المرأة في مائة عام"؛ للباحث: الهيثم زعفان- التقرير الاستراتيجي السنوي الحادي عشر - مجلة البيان- 1435 هـ.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: