في ذكرى اليوم العالمي للمرأة... أين تعدّد الزوجات من حقوق المرأة؟
فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6080
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي نعيش وقعَه هذه الأيّام، لا يسعُني في هذه اللحظة و الذكرى إلّا أن أتقدّم بكلّ عبارات التقديــر و الاعتراف بجميل كلّ النساء اللاتي أحطن نشأة كلَّ العالم منذ ولادتهم العسيرة و هنّ أمّهاتهم، إلى فراقهم عند القبور و هنّ بناتهم وزوجاتهم. و بين كلا المنزلتين رعايةٌ و حــنانٌ و مودّة و عشرة وتضحية و رقابـــةٌ و اهتمام و متابعة، مع تعب و سهر و أرق و نكران للذّات.
و أستحضرُ التّحية الخالصة الخاصّة هنا، لأمّي - سبب وجودي المباشر- و جدّتي التي سبقتها في تسبّبها في وجودي، و ما عانته من أجلي حتى اشتدّ عُودي و صَلُب مِرْفقي، ولزوجتي التي باعت الدنـــــيا بغاليها و رخيصها من أجل إسعادي، ورعايتها لكلّ الأسرة دون كللٍ أو مللٍ أو أنانية، و لابنتي التي تُلهمني الحياة بحبّها ووجودها، و من بعدهنّ التّحيّة لكلّ امرأة أثّرت في حياتي من قريب أو من بعيد، علّمتني درسا من دروس الحياة، أو نوّرت عقلي بتجربة من تجارب الدنيا، أو خفق قلبي لحبّها يوما، أدركتُ به و بفضلها، أنها بذلك الإحساس إنّما علّمتني قيمةً إنسانيّةً سمّاها الله عزّ و جلّ في القرآن الكريم بالمودّة و الرحمة، عرفتُ بعد ذلك أنّه مفهومٌ ينطلق من الخاصّ ليشمل كلّ نساء الأرض، تطبيقا لسنّته في خلقه و هي لباس المرأة للرجل و لباس الرّجل للمرأة كما ورد في الكتاب العزيز أيضا.
إلّا أنّي و في هذه الذكرى، أستحضر كذلك واقع المرأة في أيّامنا هذه أو لأقل مواقع المرأة في مختلف المجتمعات التي يمكن ترصّدها حسب ثقافة تلك المجتمعات ومرجعيتها المنظوميّة الفكرية، سواء تلك الغربيّة التي تتخبّط في أبشع مظاهر اللّيبيرالية المفرطة، أو تلك العربيّة المسلمة التي تتخبّط بدورها إلى الآن، في أبشع مظاهر التخلّف و الانحطاط، و ازدراء نصف البشرية، و تسعة و تسعين في المائة من الإنسانية. كما أستحضرُ مدى تفرّد التشريع الإسلامي بالحلول لتلك الأوضاع المزرية و المتطرّفة المتراوحة بين أقصى الفرديّة إلى أدنى التبعيّة. لأنّي مقتنعٌ بأنّ في التشريع الإسلاميّ كلّ ما يحفظ البشرية و مصالح الناس. و أنّ كلّ ما توافقت عليه ثقافات البشر و بحوثهم و تجاربهم على أنّه يجلب مصلحةً للناس أو يدرأُ عنهم مفسدةً، له حتما ما يوافِقُه و يدعمه في أحكام الإسلام نصّا و قياسا.
و عليه، و بحكم أن المنطق يُحتّم على الدّارس و المُتأمِّل، أن يشمل فحصُه لظاهرة ما، زوايا عديـــــــــدة و مختلفة، ليكون رأيُه متّجها أكثر ما يُمكن إلى الإِنصاف و المنطق، واستنتاج القوانين الموضوعية التي لا تنكسر عند تطبيقها في مكان غير مكان الظاهرة و الاستنتاج، و بحكم أن الظاهرة موضوع الرأي و الدّرس موجودةٌ بقوّةٍ و بحضور لافتٍ في مجتمعنا المحلّي، بما أنّه جزءٌ متفاعل مع بقيّة المجتمعات العربيّـــــــــة و الإسلاميّة، فإن الكلام في واقع المرأةِ في بلدي تونس هو من صميم الدّرس و الرأي، لأنّه يكشف مواطن خلل كبيرة بدأنا نجني ثمارها منذ سنوات لعلّ أوّلها الانفصام اللافت للانتباه، لمفهوم الأسرة و تفشّي ظاهرة الطلاق و ظهور مصطلحات و مظاهر لم نكن نسمع بها أصلاً كالأُمّهات العازبات و الأبناء دون قيد.
فهل للمرأة في مجتمعنا حقوق كما يتشدّق بها بعض النخبة؟ و هل تطلُبُ شريحةٌ هامّةٌ من النساء في بلدي تطبيق تلك الحقوق أم أنّها لا تُلفت لها أيّ انتباه لعدم تلبيتِها لأصل المطلوب؟ و هل حقّقت مجلة الأحوال الشخصية التي أصدرها الرئيس بورقيبة في بدايات الاستقلال - و التي لم يتقيّد هو نفسه بها في حياته الخاصّة- الحقوق المرجوّة للمرأة؟ و هل حطّمت قوانين ذه المجلّة الأسرة؟ و أين موضوع تعدّد الزوجات من المقاربة القانونية التي يعيشها المجتمع التونسي و من المقاربة الاجتماعية و الفرديّة لواقع المرأة التونسيّة الذي تعيشه عديد الشابات و النساء اليوم؟
و للتّطرق إلى هذا الموضوع أذكِّرُ بأنّ الديوان الوطني للأسرة و العمران البشري قد دقّ ناقوس خطرٍ في إحصائيّته المنشورة مؤخّرا، و التي أعتبرها مدعاةً للحزن و الألم الشديدين، حيث ورد في هذه الإحصائية أنّ ظاهرة العُنوسة قد تفاقمت بشكل رهيب في مجتمعنا، لدرجة أنّ النــــّساء اللاّتي لم يتزوّجن، و اللواتي أعمارهن بين سن 25 و 34 سنة، قد وصل عددهنّ إلى مليون و 300 ألف امرأة أو آنسة من أصل أربعة ملايين و 900 ألف أنثى بكامل البلاد. و أنّنا نجد في نفس الشريحة العمرية أي من 25 سنة إلى 34 سنة نصف العدد من غير المتزوّجات.
و بعيدا عن المهاترات و النقاشات التي تصطبغ عند تناول هذا الموضوع بصبغة سياسية، فإنّي و أمام واقع كهذا من تفشي ظواهر اجتماعية مقلقة تنتهي عند حلولها بالمجتمعات إلى الانحلال و الفرديّة المُغرضة و الاتّكال التّامّ - و فقط - على النفس أوّلا و على الدولة ثانيا، و هو ما أعتبره بحدّ ذاته منزلقا نحو هاوية اقتصادية و اجتماعية و صحّيّة، فإنّي أرجِعُ لا محالةَ إلى ما شرّعه الله في دينه الذي ارتضاه للعباد لأجد الحلَّ، و من ثمَّ أحاول قياسه على هذا الواقع الذي أراه أليما.
فكثيرٌ من بناتنا قد ملأهنّ الإحباطُ من حياتهن بفعل عنوستهن، لما لتكوين الأسرة من تطوّر طبيعي للرّجــل و المرأة في حياتهما، مع ما يُمثّل ذلك من ضغطٍ خارجيٍّ على البنت في بيئتها الضّيّقة و الواسعة، وضغط داخلي يختلط فيه العاطفيُّ مع الجنسي مع النفسي. الجانبُ الذي لا يمكن إنكارُه بل بالعكس يكون من الواجب تقديمــــــه على كلّ جوانــب المسألة، لأنّ الإنــــسان إنّما يختلـف عن الحيوان بالعقل و بالنفس و بالعاطــــــــفة، و عدم طرح هكذا موضوع بكل صراحة و جرأةٍ، هو من صميم الإتيان بالمسألة في غير حقيقتها. فإن كانت المرأة الغربيّةُ لا تشكّلُ لها العُنوسةُ أو غياب الزوج أي مشكلةٍ من هذا الجانب، لأن ثقافتها الليبيرالية المفرطة تسمح لها بالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، فإنّ المرأة من مجتمعنا لها دينٌ ينهاها عن ذلك ومجتمع ذكوريٌّ يريدها في فراش زنا إذا أرادها وطرًا، و ينكرُ عليها ذلك إذا ما فكّر بالزواج بها.
وأتذكّر جيّدا برنامجا تلفريونيّا بُثَّ مُؤخَّرا تناولَ موضوع التعدّد، صدمت أغلب المتدخلات بالهاتف فيه المتتبعين و المشاهدين، حيث أنّهن أكّدن أنّهن يرين أنفسهُن متزوّجات على سنّة الله و رسولِه من رجلٍ مع امرأة أخرى، أفضلُ لهنَّ من حياتهن التعسَة الملأى بالفراغ و بالحرمان العاطفي و الإنــــجابي و الجنسي. و كم من حالة عائليّة اجتماعية حكم عليها القانون - الذي أصدره الرئيس الرّاحل "بورقيبة" حسب رغبــــته و ليس حسب رغبة المرأة التونسية في ذلك العصر - بالموت و القهر و الـــــطّــــمس الاجتماعي و النفسي و العاطفي و الفردي. فنحن نعرف العديد من الأسرِ التي نعيشُ معها ستتغيّرُ حتما حالتها من الكآبـــة و الحزن إلى الانشراح، إذا طبّقنا شرع الله في تعدّد الزّوجات، كالتي يبتليها الله مثلا بمرض مُقعِدٍ لا تستطيع به القيام بواجباتها الزّوجيّة أو الأسريّة، أو التي لا تُنجِب و تحبّ زوجها و زوجها يحبّها و لا يرضيان لنفسيهما الفراق مثلا، فيجعل القانون هذه الأسرة دون ولد قهرا، لأن الطريقة الوحيدة للخروج من تلك الوضعيّة هي الانفصالُ و الطلاق، للعقد على ثانية، قد لا تُنجِبُ هي الأخرى، فيكون طلاق آخـــــــــر و هكذا... أمّا في ظلّ شرع الله فإنّ هذه الحالة غير مطروحةٍ، حيث يبقى الرجل و زوجته أسرةً،و يتزوّج أخــــــــــرى و يخلّف الولد. و لا يترك الزوجة التي اختارها و أحبّها في براثن مجتمع يتربّص بها و بكلّ مطلّقة مثلها تخرج فيه في كل دقيقة و ساعة.
فالمجتمعات الغربيّة و كما قال أحد الباحثين الاجتماعيين تعيش التعدّد منذ تحوّلها الصّناعي تحت مسمّيات عديدة كالتحرّر الجنسي و الحرّية الفرديّة و حرّية الجسد، إلا أن منع الدين الإسلامي لمثل هاته الممارسات إنّما وُجِدت لتكون موازيةً للرُّخصة الإلاهية التي سنّها الله لعديد الحالات الخاصّة جدًّا، و التي أصبحنا نُدركُها و نراها رِأي العين كلّ يوم في عائلاتنا و محيطنا الأسري. رخصةٌ أقرَّها الإسلام تحت شرط العدل، هذا الشرط الذي يتناوله الجاهلون في غير محلّه حيث يعتقدون أن العدلَ الوارد في آية "و إن خفتم ألاّ تعدِلُوا فواحدة" هو العدل في العواطف بخلاف الحقيقة و المقصود، حيث أن العدل المرادِ تطبيقُه هو العدل في الإنفاق و الحضورِ و الحمايةِ و المُعاشرةِ بالمعروفِ، لأنّ العواطف يملكُها من يقلِّبُها لا صاحبُها. و هذا موضوع فقهي شاسع، يجب على كل من يريد الجدال فيه أن يطّلع على الآثار القديمة و الحديثة في هذا الباب أوّلا، حتى يكون جدله فكريًّا علميا لا اعتباطيا انفعاليا.
فأحكام الشريعة الواضحة في الكتاب و السّنة لا تخطئ أبدا، لأنّها صدرت من لدن خبيرٍ عليمٍ خالق الإنسان و العارف بما يصلح له و ما يفسدُه. و ثقتي بهذه الفكرة لا حدود لها، بل زادت عند تعرّضي لهذا الموضوع الذي أراه مُلِحّ الطرح للحفاظ على شبابنا و بناتنا من العُنوسة و الحرمان و أُسَرِنا من الطـــلاق و الاندثار و المشاكل.
لذا فإنّي من الدّاعين إلى تخفيف القيود القانونيّة على موضوع التعدّد، و الاتجاه نحو تقنينه ضمن ما يُحقِّقُ مصلحة شــــــــــبابنا المادية و الفرديّة و الشّرعيَّة، و فتح هكذا موضوع للنقاش بين عائلاتنا بكلّ صراحة و جرأة، لنُدرِك أننا كنّا و لازلنا إلى الآن، نمارس الخنق على مجتمعاتنا بتحريم ما أحلّ الله و تحليل ما حرّم.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: