د. ضرغام الدباغ - ألمانيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2491
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كان التخطيط لبناء سجن حديث في العراق، وضعت أفكاره الأولى منذ العهد الملكي (خمسينات القرن المنصرم)، على مساحة 2 كم مربع، مصمم لأستيعاب 4000 نزيل، ويبعد عن بغداد (عن مركز المدينة) نحو 32 كم. ويضم مستشفى ومكتبة ومركز تعليمي وآخر ترفيهي، وقسم مخصص للحرف اليدوية، وبضع معامل للتدريب. ووضعت الخطط والخرائط وفق قياسات دولية، وهذا يعتبر طاقة استيعابية جيدة، ويضم شروطاً ثقافية مناسبة.
ولكن السجن لم يشيد وينتهي فعلاً إلا في أواسط الستينات، وعلى الأرجح لم يستخدم فعلياً إلا في أواخر الستينات. حتى أستقر على موقف، هو في الواقع مجمع سجون، يضم :
1. سجن للأحكام الطويلة(الجنايات) أي للأحكام أكثر من 5 سنوات وإلى قسم الإعدام.
2. وقسم لأحكام القصيرة (الجنح)، أكثر من سنة ولحد 5 سنوات.
3. وقسم خاص بأحكام (المخالفات، لا يعتبرها القانون جرائم) التي يتراوح الحكم فيها لمدة أقصاها سنة واحدة 12 شهراً.
4. ثم هناك سجن للأجانب.
5. والسجن الخامس هو سجن الاحكام الخاصة، وهي وفق أحكام القانون العراقي القديم، الأحكام غير الجنائية، ولكن القانون لا يعتبرها القانون جرائم سياسية.
والسجن بدا غير قادر على استيعاب ظاهرتان مترافقتان: الأولى الزيادة السكانية التي بلغت في الثمانينات نحو 25 مليون نسمة في العراق، والظاهرة الثانية هو ما شهده المجتمع مع تغيرات وتطورات، مرافقة لتفاقم الوضع السياسي من جهة، والتطور الاجتماعي الاقتصادي من جهة أخرى، فأصبحت ظاهرة الأكتضاض من الظواهر التي مثلت مشكلة متواصلة، ورافق ذلك تهالك الخدمات في السجن من ماء وكهرباء والصرف الصحي. أجريت عام 2000 صيانة غير متكاملة لم تكن لتنقذ السجن من تراجع في قدراته.
وحتى نيسان / 2003 ن لم يكن يحول إلى السجن غير ممن تصدر بحقهم أحكام من المحاكم العراقية، وفق الفئات الخمسة أعلاه، أما بعد عام 2003 (الاحتلال الأمريكي) فقد خضع للإدارة العسكرية، وأستخدم لمختلف الأغراض، وأشتهر كمعتقل (اعتقال دون صدور حكم قضائي)، ونصبت الخيم المسيجة بالأسلاك الشائكة في المساحات الغير مشغولة، كما مورست فيه عمليات تعذيب، بدرجة فظيعة، وأشتهرت عالمياً أساليب التعذيب التي تتجاوز الحصول على اعترافات، إلى تحطيم المعتقلين تحطيماً جسدياً لدرجة إلحاق عاهات دائمية قد تكون بدرجة الإعاقة، عن الحركة والعمل، والتحطيم النفسي عبر أساليب غير معروفة، في مقدمتها الاعتداء الجنسي والاغتصاب للرجال والنساء.
وحملت الفضائح التي اتخذت طابعاً أممياً، في وسائل الإعلام والجمعيات الإنسانية، ومئات الصور التي نشرت، والتي تعني فيما تعنيه، أن القائمين بالتعذيب بذاتهم من المرضى النفسيين، وفي ملاحظة بعض الصور يتأكد المراقب من ذلك، والأمير المثير للأستغراب، أن المكلفين بالتعذيب هم موظفون بدرجات متفاوتة، ومن المؤكد أنهم قد تقلوا تعليماً بدرجات متفاوتة، والغريب أن تلك الأفعال تدل على وحشية وهمجية شديدة، ثم أن القائمين بالتعذيب لم يحاسبوا من دوائرهم في الولايات المتحدة، بل أن أشهر سيدة أمريكية ممن أشتركوا بالتعذيب، كوفئت بمنصب رفيع في العمل الاستخباري.
وفي عام 2003 أصبح السجن تحت إدارة العسكريين بالكامل، وبعد ظهور فضيحة أبو غريب كما أسلفنا، أغلق السجنفي أيلول / سبتمبر / 2006، وحتى شباط ــ فبراير / 2009، حيث افتتح مجدداً، ثم أعيد غلقه بتاريخ 15 / نيسان ــ أبريل /2014، لأسباب أمنية.
وقد عرضت مئات الصور، ولكن حرى حجب أكثر منها، والصور كانت تشير بوضوح إلى طرق تعذيب العراقيين وإذلالهم وتكديسهم عراة، وصور اغتصاب الرجال والنساء. وهذا كان يدور بعلم وتحت أبصار القيادات المسؤولة العسكرية والاستخبارية مما يعني :
1. أن القائمين بالتعذيب كانوا في الواقع ينفذون أوامر صادرة لهم بحجم وأبعاد وأهداف التعذيب.
2. أنهم قد تلقوا تدريباً خاصاً على هذه المهمات.
3. توفير الحماية والغطاء القانوني، عن أعمال التعذيب وما ينجم عنها من جرائم (الإصابة بجروح وعاهات، وأمراض مزمنة، وتشوهات خلقية ونفسية، وصولاً إلى الموت).
وثمة نتيجة أخرى يتوصل لها الباحث والقارئ عن طبيعة المجتمع الذي يفرز نماذج تجد المتعة والسعادة في تعريض البشر لعذاب مميت، والتشفي التباهي بتعذيبهم وقتلهم والتقاط الصور امام أشلاء الضحايا وخلال تعذيبهم والاعتداء عليهم، بل وفي تبادل الغرام بين القائمين والقائمات على التعذيب، وممارسة أفعال جنسية صريحة (أغتصاب ولواط) على الملأ، فأي نظام تعليمي وأسري واجتماعي أفرز هذه النماذج، وأي خدمة (عسكرية واستخبارية) قبلت توظيفهم، وتدريبهم ومن ثم إصدار الأوامر لهم بأرتكاب هذه الجرائم.
في أوائل عام 2004، جرى تداول مثير للأسئلة، عن انتشار مئات الصور، نشر بعضها قد يسبب صدمة للقارئ، بما في ذلك تعذيب وانتهاكات جسدية ونفسية مخيفة، بما في ذلك الاغتصاب للرجال والنساء، وصولاً إلى القتل جرت بشكل متواصل في سجن أبو غريب تعرض لها مئات من السجينات والسجناء، قام بها رجال ممن ينتسبون للشرطة العسكرية لجيش الولايات المتحدة الأمريكية، وتشترك معهم وكالات سرية أخرى، تضمنت انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان ارتكبت في سجن أبو غريب (يسمى الآن سجن بغداد المركزي).
وقد رفضت المحاكم الأمريكية قبول النظر في دعاوي تقدم بها بعض الضحايا (4 من الضحايا) بمساعدة منظمة حقوق الإنسان (CACI) التي أجرت تحقيقاً في السجن، ورفضت الدعوى، لأن القضايا حدثت خارج أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك لا يحق النظر فيها داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت حكومة الولايات المتحدة قد رفضت الانظمام لمحكمة الدولية، كما أصرت قانوناً يرفض تسليم مواطنيها للعدالة خارج أراضيه، وبذلك مضت هذه الجرائم دون عقاب.
محاكمة المتورطين
حسب جريدة النيويورك تايم قامت الحكومة الأمريكية بإجراء تحقيق شامل بعد انتشار الصور المشينة أخلاقيا عن سجن أبو غريب، وقد تم إتهام بعض أفراد الشرطة العسكرية من الرتب الصغيرة أمثال الرقيب مايكل سميث في قضية المشرف على الكلب في التحقيق الذي حوكم بالسجن 8 سنوات ثم خففت لاحقا إلى 8 شهور فقط. حتى 2008 أعلى رتبة عسكرية تعرضت للمحاسبة هي النقيب شوان مارتن والذي حوكم ب 45 يوم سجن وغرامة 12000 دولار أمريكي فقط.
جينا شيري هاسبل المشاركة بالتعذيب والقتل عينت بمنصب حكومي كبير في الولايات المتحدة بعد محاكمة صورية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: