د - صالح المازقي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6695
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عُرِفَ عن الطّرق الصوفية وعلى امتداد تاريخها في العالم الإسلامي، تمسكّها بمبدأ لم تحيد عنه أبدا ولن يحصل ذلك. يقول المبدأ يجب على المريد (أي طالب) العلم أن يكون أمام شيخه (أي مؤدبه) كما يكون الميت بين يدي غاسله، يقلّبه يمنة ويقلّبه يسرة... الخ. في مثل وضعية الميت هذه يجب على المريد أن يسمع ويطبع ولا يبدي رأيا ولا ينبس ببنت شفة ولا حتى ببنت فكر. قد يكون هذا المبدأ على علّته مستساغا لدى أهل الطرق ولا دخل لمن لا ينتمي إليهم في شأن داخلي.
لكن الغريب بل المستهجن أن يتبنّى وزير ثقافة مصر الجديد نفس المبدأ وهو المعيّن إثر التّحوير الوزاري الذي حصل منذ أسابيع قليلة. السيد الوزير "علاء عبد العزيز" جامعي وحاصل على درجة الدكتوراه (لا يهمّ التّخصص هنا) منتمي لإخوان المسلمين الحاكمة بعد الثّورة، استهل عهده بالعمل على تطهير الثقافة المصرية، ممن؟ الجواب المنطقي الوحيد هو من كل المثقفين الذين لا يقبلون أن يكونوا موتى بين يدي (الحانوتي) !!!
هل علمت أو تعلّمت يا سيادة الوزير أنّ الثقافة مادة حيّة لا تصدر إلا عن أحياء يتميّزون بفكر حيّ وأرواحهم لم تفارق أجسادهم ولم تنتقل بعدُ إلى الرّفيق الأعلى. ليس لديّ يا سيادة الوزير في حسن نواياكم وغيرتكم على تاريخ مصر، أقول هذا لإحساس غمرني واسمحوا لي أن أعبّر عنه بصراحة، إحساسي هو أنكم من سليل كهنة فرعون المتخصّصين في التّحنيط "momification". تحنيط من يا معالي الوزير؟ تحنيط الموتى طبعا، أم أنا مخطئ؟ ! فكيف تسعون حثيثا إلى تحنيط الأحياء، لا بل تحنيط الحياة...
لست أدري كيف سوّلت لوزير الثقافة المصري أن يبادر منذ اليوم الأول لمباشرة مهامه بتحنيط أحد شرياني الحياة النّابضين بالحياة في مصر وفي الأمة العربية. أثيوبيا ستحنّط (لا سمح الله) النّيل، ووزير الثقافة سيحنّط الثقافة... أتفّهم كلّ جيّدا أنّ العالم الحديث بكل علومه المتطوّرة وتكنولوجيته المتقدّمة لا يزال مندهشا بـــ "علم التّحنيط" الفرعوني، هذا العلم الذي ساهم في تخلّيد اسم مصر... لكن ما لم يخطر ببال أعتا العبقريات المتآمرة على أمتنا أن يصيب مصر في مقتل بتحنيط ثقافتها، قوّتها النّاعمة التي غزت بها أرجاء الدنيا، شعرا ومسرحا وسينما ولحنا وأدبا و... مثلما سيصيبها أبناؤها، صدق الأجداد حين قالوا: " يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدّو بعدوّه". فإن أتى الجهل من جاهل " فالشيء من مأتاه لا يستغرب"، أما أن يأتي الجهل والضّرر من (متعلّم) ودكتور متخصص في أحد مجالات الثقافة دراسة وتدريسا وتأطيرا و"تسييرا" فهذه كارثة، لم أتفطّن لها حين كتبت مقالي في الذّكرى الخامسة والسبعون لنكبة 1948م تحت عنوان: إنّها النّكبة يا سادة" (منشور على موقع بوابتي الإلكتروني17-05-2013).
هنا لن أسأل عن مدى وطنية الشريحة الحاكمة في مصر كما في تونس بعد الثّورة، فالجواب بما لا يدعو للشّك ليس لهم ذرّة من وطنية، وكل همّهم ترسيخ الأممية الإسلامية في شكلها الصهيو-ماسوني الحالم بدولة الخلافة. عن أي خلافة يتكلم المتحذلقون، الحالمون، الزّاعمون أنّ الله معهم وما عليهم إلا رفع الأيادي إلى السماء حتى تحّل مشاكل المجتمع، وأن نصلّي ركعتين لله فيستجيب سبحانه وتعالى لكسالى، متواكلين غير متوكلين، مستهترين غير جادين، غافلين غير منتبهين، يقدّسون الجهل ويحقّرون العقل...
لن أطيل لأنّ كل أقلام الدنيا لن تكفي للكتابة عن فضائح تخلفنا وكل أنّ كل المعاجم لن تستنبط وصفا أو نعتا يشفي غليل أمة أضحكت الأمم عليها وضحكت معهم على نفسها.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: