د - صالح المازقي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6301
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إلى متى تفترش تونس الدّم وتلتحف السواد؟ إلى متى يسقط شرفاء الوطن ونعلن الحداد وننكّس الأعلام؟ إلى متى ترمل نساؤنا وييّتم أبناؤنا؟ إلى متى تبكى الثكالى أبناءها؟ إلى متى سنبقى نترحم على شبابنا ونحن نشيع جثامينهم الطاهرة في جنازات رسمية؟ إلى متى يبقى المثقف والأكاديمي يكتب ويحلّل والجهلة يتهكمون ويتوعدّن؟ إلى متى يا شعب تونس تسكت على ثورتك المسروقة؟ إلى متى ستبقى متفرّجا سلبيا وقد كنت بالأمس القريب فاعلا مؤثرا في التّاريخ الكوني؟ متى ستستيقظ يا من فجّرت الثّورات العربية من غفلتك ومن غفوتك وتتيّقن أنّ ( الماء يلعب تحت ساقيك)؟...
تلك ليست أسئلة تنتظر إجابات، بمقدر ما هي خطوط حمراء يجب على الجميع مهما بلغت خلافاتهم واختلافاتهم واشتدّت صراعاتهم ألاّ يتخطوها. إذا حصل وتمّ تجاوزها وقد حدث من طرف إرهابيين عجزت السلطة على ضبطهم وتقديمهم للعدالة، فإنّ المسؤولية تقع بشكل تام غير منقوص على الحكومة أولا ورئيس الدّولة ثانيا وكومبارسات المجلس التأسيسي ثالثا. كلّهم مسؤولون أمام الشعب الذي إئتمنهم على الثّورة. وإنّي لأعجب من التّوانسة (الطيّارات)، (المهفّات) الذين (يفهموها وهي طايرة) كيف انطلت عليهم (على رأي عيسى بن هشام) حيلة تطبيق الديمقراطية على يد من لا ولم ولن يؤمنوا بها ولو لحظة في حياتهم؟
لقد برهنّا نحن التّوانسة أنّنا على سماحتنا ودلّلنا على أنّ منسوب الثّقة مرتفع جدّا بداخلنا، فأطحنا ببطّاشين لنأتي بمن هم أشدّ منهم بطشا، ولازلنا نتعامل مع من يهدّدنا بالقتل على رؤوس الأشهاد دون خوف ولا خجل ولا حياء في مناسبات متكّررة. كلّما هدّد وتوعّد أدعياء الإسلام هذا الشعب الطّيب علنا إلا بعثوا برسالة مشفّرة لجناحهم الحركي أو ( يدهم السّوداء) لتنفيذ خطّة متّفق على تفاصيلها وقد دبّرت بينهم بليل. ليس هذا رجما بالغّيب بل هو استقراء مسلسل فشل المسار السياسية والدّستوري والتأسيسي والاقتصادي والاجتماعي والثّقافي في تونس.
لم يكن اغتيال الشهيد محمد البراهمي وليد الصّدفة بل هو هزّة ارتدادية لمَ تتعرّض له المنظمة الدّولية الإخوانية في العالم عموما والعالم العربي خصوصا. يشكّل مقتل هذا الرجل الوطني إحدى تداعيات ثورة 30/6/2013 التي فجّرها شباب تمرّد في مصر، وفي تقديري لم يكن الأستاذ البراهمي هو المقصود في شخصه، لكن هو من أمضى على أمر اغتياله يوم 23/07/2013 حين ألقى كلمة في أحرار صفاقس، وصارح الشعب من أنصاره وغيرهم بالحقيقة المرّة والواقع المتردّي الذي بلغته البلاد بفضل سياسة التّطاحن على السلطة والتّقاتل على الجاه.
يوم قدّم الأستاذ الدكتور محمد الخصخوصي استقالته المدّية من أعلا منبر المجلس التأسيسي في السادس عشر من شهر جويلية الجاري، شعرت بأنّ الرجل قد أصاب في مقتل السلطات الثلاثة في الدّولة التونسية، وانتابني خوف شديد عليه وكنت على يقين أنّه قد عرّض نفسه لمخاطر جسيمة ولا يزال، والحمد لله الذي حفظ أستاذنا من أيّ مكروه. وأحسب أنّ سنّه قد شفعت له في المقام الأول ولعله تحت حراسة حزبية لحماية شخصه من الإعتداء.
لقد كرّر المرحوم محمد البرهومي ما قاله زميله محمد الخصخوصي في اجتماع صفاقس معنى وكلمات، الشيء الذي أغضب المتمسّكين بالسلطة فقرّروا تصفيته جسديا والقضاء على مستقبله السياسي وهو الوجه المعارض والصوت الجسور الذي أفصح عن نيّته في التّصدي للانحراف السياسي العام والمماطلة التأسيسية في إعداد دستور للبلاد وتحديد موعد للانتخابات البرلمانية التي قلت في مقالي "حوار في عربة قطار" بتاريخ 09/01/2012 أنّها قد لن تأتي أبدا.
أمّا وقد تحرك الشعب المصري وأسقط نظام الإخوان ويستعدّ لقطع دابره نهائيا، فإنّ الإسلامويين حيث ما كانوا سيتحركون دفاعا عن وجودهم وحفاظا على مصالح أتتهم من حيث لا يشعرون على طبق من فضّة، في المقابل لم يردّوا الفضل لأهله واستأثروا بما وجودوه من بقايا ثروات دول مفلسة أصلا، تعويضا على سنوات الحرمان والمطاردة البغيضة التي لا يرضاها أحد لأحد. جاء القوم بصدور امتلأت جنباتها حقدا وغلاّ، وبعقول توقّفت على التّفكير غلا التّفكير في الانتقام من شعوب وثقت فيهم وفضّلتهم على من سواهم من القوى السياسية الأخرى؛ فما كان من هؤلاء إلا افتعال الأزمات المختلفة التي أرهقت الناس ونغصّت عليهم معيشتهم ولا تزال عيونهم على مستقبل اصطبغ بالعتمة والضبابية.
ما سمعناه وشاهدناه وقرأناه من تهديد بالويل والثّبور الذي ما انفك فصيل الإخوان في مصر يتوعد به الملايين الرّافضين لحكمهم، كان ينقل بالنّص على لسان بعض قيادات النّهضة في تونس. إرهاب ممنهج راهنت عليه الولايات المتحدة الأمريكية ورعته سياسيا وأنفقت عليه مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب. ويبقى السؤال مطروحا لماذا تحوّلت السياسة الأمريكية مائة وثمانين درجة في مقاومة الإرهاب الدّولي منذ 11/09/2011؟ لقد حاولت الإجابة عن هذا السؤال في كتابي "نظرية التّبعية بين القرآن الكريم وعلم الاجتماع" عن الدار المتوسطية للنّشر 2012 في عشر نقاط هي التالية:
» 1/ كشف القيادات الإسلامية العاملة في السرّ وفي العلن ووضع جرد نهائي بأسمائها ومهمّاتها.
2/ تدجينهم كحكام جدد وإدخالهم بيت الطاعة الصهيوني الأمريكي.
3/ وضعهم تحت المراقبة الأمريكية والدولية المباشرة للمحافظة على الأمن القومي والإستراتيجي الإسرائيلي.
4/ التّحكم فيهم من بعيد وبأقل جهد ممكن، تطبيقا لمنهج الإدارة عن بعد، لانعدام خبرتهم السياسية الداخلية والخارجية.
5/ منعهم من التّفكير في التخلص من التّبعية التي ورثوها عمّن سبقوهم.
6/ استقطاب الفكر الثوري العربي في ثنائية إيديولوجية متضادة: كينونة دولة ما بعد الثورة، مدنية أو دينية.
7/ جعلهم الأداة التّنفيذية لنظرية الفوضى الخلاّقة (الهدّامة).
8/ خلق فتن داخلية لزعزعة الوحدة الوطنية، بإثارة قضايا محسومة أصلا كالهوية وطبيعة الدولة وحرية المرأة والسياحة…
9/ تسليط سيف ديموقليس "L’épée de Damoclès " الجديد مشدودا إلى شعرة المزيّة الأمريكية على رأس كل من تحدّثه نفسه من حكّام بلدان الرّبيع العربي بالخروج عن الطاعة.
10/ تهيئة الرأي العام لتقسيم المنطقة وفق مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد. «(الصفحة 121).
لقد حصل ما توقعته وانطلق المشروع الأمريكي ليقطع الطريق على إرادة الثورات العربية في التّحرر والانعتاق من ناحية والعودة إلى الحضارة الإنسانية فاعلين لا تابعين، منتجين لا مستهلكين، أحرارا لا عبيدا... لم يكن أمام الأمريكان من سبيل سوى إعادة إنتاج نظام حكم أرعن تاحلف معهم من أجل سلطان فاني بطبعه، فاختاروا الوجه الخفي لنفس المنظومة الفاسدة، المرتشية، الطّامعة، المستبدّة والمتسلّكة، فأغروه بالمال الخبيث وساندوه بالفكر المتخلف في مقابل ان يخربوا بيوتهم بأنفسم؛ تلك هي المعادلة الدّولية الجديدة وهي الخطّة البديلة وضعها الأمريكان للمحافظة على أهدافهم في المنطقة العربية والتي تعهّد الإخوان بتنفيذها مقابل حفنة من البترو-الدولار العربي يتبعها ربا لا يربوا في أموال النّاس.
في زمن قياسي حوّل الإسلامويون ثورات الكرامة العربية إلى مهانة شكلا ومضمونا... تجاهلوا خلالها القواعد الجماهرية فأسقطتهم، واتخذوا الأعداء أحلافا فخذلوهم وهو منهي عنه " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين..." (النساء الآية 144) ومن اليهود والنصارى أولياء فأسلموهم " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليّهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إن الله لا يهدي القوم الظّالمين" (المائدة الآية 51).
خلال حكم الإسلامويون سقط الشرفاء والمعارضون في تونس وفي مصر بيد الغدر من غير ذنب اقترفوه إلا أن أحبوا أوطانهم ورفعوا إرادة الشعب فوق كل إرادة واتخذوا سبيل الحق سبيلا، فهل أمِنَ الإخوان مكر الله؟ نعم لقد أمنوا مكر الله فكانوا هم الخاسرون، ليس هذا كلامي، إنّه كلام الحق سبحانه وسؤاله الانكاري: "أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون" (الأعراف الآية 99). خطّة جهنمية لم تنطلي على شرفاء الأمة فتصدّى لها المصريون أولا وأحبطها الفريق أول عبد الفتاح السيسي نائب رئيس الوزارء ووزير الدّفاع المصري ثانيا، وسيقضي عليها التونسيون ثالثا، هذا دورنا التّاريخي يا توانسة، لا تفوذتوا على أنفسكم شرف القضاء المبرم على الخطّة المترنّحة التي وضعها أعداؤنا في الخارج بتواطئ مع المرجفين في المدينة والمنافقين في الدّاخل مهما كلّفنا ذلك من تضحيات.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: