فتحي الزّغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7788
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هذه العبارة – التي أظنّكم تعرفونها - أوردتُها من حديث أو أحاديث للنّبي ، ذكر فيها صلّى الله عليه و سلّم، أنّ أحداثا أو مظاهر يُنكِرها المنطقُ و العقل ستقع في العصور التي سَتَلي عصره صلّى الله عليه و سلّم. و قد كنتُ في صغري أتمنّى أن يكتبَ الله لي عمرَ نوحٍ مرّتين أو ثلاث مرّات، كلّما فهمت شيئا من تلك الأحاديث الّتي كانت تقع تحت عينيَّ بالصّدفة، بحكم أنّني أنتمي إلى الجيل الّذي وقع تصحير فكره من المفاهيم الإسلاميّة الحقيقيّة من ولادته إلى مراحل تعليمه الجامعي.
إلاّ أنّني و مع تقدّمي في السّن، و تقدّم عقلي في الفهم، صرتُ شبه مقتنعٍ بأنّ ما حفظته عن الحبيب صلّى الله علّيه و سلّم، هو وصفٌ دقيق للعصر الذي أعيش فيه بوعي تامّ لتلك المظاهر و الأحداث التي ينكرها المنطق و العقل. و لعلّ الله بذلك، قد حباني بما طلبتُ من مشاهدةٍ لتلك التّنبّؤات دون أن يكتب لي أعمارا متتالية لا أستحقّها. فما كان لرُؤية تحقّق النّبوءات تلك في المجتمع الذي أعيش بين ظهرانيه إلاّ أن زادتني إيمانا به تعالى، و يقينا برسالته. و أن ألقمتني غصّة و ألما و قرحا على وطني الّذي تحقّقت فيه مظاهر و أحداث أُنكرها و ينكرها المنطق و العقل.
و من تلك الأحاديث التي أحدّثكم عنها، ذاك الذي يُخبرنا على أنّ زمان سيأتي على أمّة نبيّنا صلى الله عليه و سلّمَ، تؤول فيها عديد الأمور الهامّة إلى الرّويبضات. و الرّويبضات هم جمعٌ للرّويبضة، و الرّويبضة هو الأخرق الذي لا يُميّز الخبيث من الطيّب في الفكر، و في أمور النّاس. يصير متكلّما خطيبا في أمر الأمّة و صلاحها و مسيرتها، و هو في الحقيقة أبعد ما يكون عن موقعه ذاك، لقصور في عقلٍه و فكرِه و في ما يدعو له.
و ها أنّي أتجرّع كلّ يوم متابعة أحد هؤلاء الرّويبضة في فضائيّاتنا النّوفمبرية، و على أمواج إذاعاتنا، و على أعمدة صحفنا التي ابتلعت أكسير الثّورة بقدرة قادر لحظة هروب وليّ نعمتها في مساء صارت تسميتها له مساء ثورة الشعب، بعد أن كانوا يطلقون على صباحه "صباح أحداث شغبٍ ما انفكّ سيادة الرّئيس صانع التّحوّل المبارك و باني تونس الحديـــــــــــثة و حامي الحمى و الدّين - و بمعية زوجته التّقية العفيفة الشّريفة و الحكيمة - يتعامل معها بكلّ حكمة و تبصّرٍ و رُوِيّةٍ و رعاية و رصانة و صبر و استشراف..."
و ها أنّي أتألّم لشعبٍ يفرض أولائك الإعلاميّون عليه هؤلاء الرّويبضات بمعدّل مائة كلّ يومٍ، درجة أنّ المتتبّع للشأن التونسي من الدّاخل و الخارج يخالُ أن الوطن خالٍ من غيرهم و معدوما من أولي الرأي و البصيرة و الفكر. يَخرجون علينا في كلّ دقيقة، يتكلّمون في كلّ أمرٍ، و في كلّ شأن من شؤون الوطن، بما فيها تلك التي يستحي غير المتخصص أن يلِجَ فيها. إلاّ أنّهم بلا حياء و لا استحياء يُدعون إلى مثل تلك المواضيع الكبرى من قبل أمثالهم المتنفّذين في وسائل الإعلام الذين يُنصّبوهم خبراء و محلّلين و نشطاء و رؤساء منظّمات إلى غير ذلك من الألقاب و النياشين التي يُطلقونها عليهم، قبل أن يدفعوهم إلى الولغ في أمور الدّنيا و الدين. فيأخذون يُقطّعون أوصال الأخلاق و أطراف المنطق و هالات الحياء، بلا رادعٍ و لا مُواجهٍ...
فهل نحن مُتّجهون لما بعد نبوءته صلى الله عليه و سلّم ؟ و سيملكُ هؤلاء مقاليد الأمر في وطننا؟ و يصير الأمرُ لهم بطرقهم الخاصّة؟ فيصير عندئذ أولو الفضل في وطني غرباء؟ أم أنّ حميّة الوطن و الدّين و الشهامة ستثور من جديد عليهم، فيقع تصحيح المسار الخاطئ للأيّام التي أعقبت الخطأ بالسّماح لهم بالمُروق بين مخاضات الثورة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: