د - صالح المازقي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5843
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يبدو أن امتحان الأمة العربية الإسلامية قد طال أكثر من اللازم، لا بل اشتد تعقيدا وأصبح من المحال بأية حال كشف الغمّة على هذه الأمة التي لا تتخلف عن تقديم خدمات مجانية لأعدائها بل تسارع في ذلك تطوعا من قبل أن يطلبوها. وفي أحيان كثيرة لا يفكر الأعداء نوعية الخدمة المسداة لهم وننّبههم إليها بحمقنا "والحمق داء ما له دواء"(1). وتستفحل الأمور من سنة إلى سنة ومن عقد إلى عقد ومن قرن إلى قرن... ليغيب الرّشد ويضيع العقل وتنتفي الموضوعية ويحلّ محلّها جميعا الغباء والسّفه والذّاتية. والحمد لله الذي رفع عنّا خصائص العقلاء ووهبنا ميزات الجهلاء. ليس فيما أقوله شتم أو سباب أو ثلب، إنّما هو توصيف لواقع أنا واحد منه، ينتمي لمجموعة فشلت في الامتحان وسقطت في الاختبار... لأنّي وإياكم لا نقرأ، فعميت أبصارنا وأقفلت قلوبنا فقذف الله فيها الوهن(2) ونُزِعَ منها...
من منّا له علم بوثيقة المدينة؟
أكتب وكل خلايا جسمي تعتصر ألما وحسرة على أمة لو انتبهت إلى تاريخها لاكتشفت أنّها أول أمة وفقت في وضع دستور بصياغة بشرية، ثم لأمكنها وضع دساتير، تستجيب لخصوصيات كل ظرف تاريخي، تجنّبها الفخاخ التي نصبها لها حكماء اليهود ليقع فيها المثقف قبل السياسي. ليس معنى كلامي أن نعيش من غير وثيقة تنظّم علاقاتنا الاجتماعية وتترتب ما تبعثر من أغراض داخل بيتنا. قد يقول قائل، ما حاجة المسلمين لدستور وضعي وعندهم القرآن الكريم وسنّة النّبي عليه الصلاة والسلام؟ قليل من المسلمين من لديه علم بأنّ الرسول عليه الصلاة والسلام وهو الذي نزل عليه القرآن الكريم وحيا من السماء ولا ينطق عن الهواء، كان أول من وضع للمؤمنين دستورا (أكاد أقول موازيا للنّص القرآني) والكتاب المقدّس بين يديه. وقد سمى دستور الأمة (وثيقة المدينة) التي ارتضاها أصحابه وأتباعه ولم يعترضوا عليها أبدا.
لقد حاول الرسول الكريم أن يفصل بين السياسي والدّيني في معيش الأمة حتى لا تلتبس عليهم الأمور ويجنبهم التأويلات الضّارة بكلام الله، فيحمله المغرض على غير محمله ويشتري بآياته ثمنا قليلا، كما فعلت اليهود والنّصارى بكتبهم. حملت وثيقة المدينة رسالة بيّنة للعقلاء غير المتعصّبين، ليحكّموا الرأي فيما يتناسب وأمور حياتهم اليومية ومتطلبات عصرهم؛ مستنيرين ومتمسكين بالقرآن الكريم في شؤون دينهم. تلك هي الثنائية التي بنيت عليها الشخصية الفردية للمسلم وقامت عليها الشخصية القاعدية المحدّدة للثقافة العربية الإسلامية.
كان الرسول عليه الصلاة والسلام أول من فصل بين الدين والدولة وأول من وضع قاعدة التوازن بين المادة والروح، ليؤسس لوسطية قال فيها ربّ العزّة " كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا"(3). لم يكن رسول الله عليه الصلاة والسلام تلفيقي المنهج، بل كان شديد الواقعية، حريصا التّركيبة الثنائية لشخصية المسلم حتى يكون قابلا لاختلطت الأعراق، متقبِّلا لتثاقف أزلي، يؤهله أن تكون وأهله خير أمة أخرجت للناس، منفتحة على الثقافات، متفاعلة معها متأثرة بها قبل أن تكون مأثرة فيها. لقد بعث رسول الله عليه الصلاة والسلام للناس كافة، فكان يعلم علم اليقين أنّ المسلمين مقبلون على فتح بلدان بثقافاتها وحضاراتها المغايرة لثقافة البداوة العربية التي خرج منها هذا الدين الجديد الذي سيلقى مقاومة متفاوتة الدرجة من الرفض والقبول. فكانت الوسطية حاجزا يمنع البشر من الاقتتال ويسّهل اندماجهم وانصهارهم في دين الله ويؤمنوا بأنه الدين الذي لا يقبل سواه، لقوله تعالى: " وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"(4).
هكذا مهدّت وثيقة المدينة للتّعارف بين النّاس الذي سبق في علم الله سبحانه وتعالى" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"(5). كذلك كانت وثيقة المدينة أول للبنة في صرح الحريات الشخصية واحترام خصوصيات الأمم الأخرى، سواء دخلت في الدين الجديد أم رفضت لتبقى على دين آبائها وأجدادها حيث " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"(6). لقد سهلت وثيقة المدينة على كل من اعتنق الإسلام بعد فتح مكّة من عرب قريش القطع مع سلبيات المجتمع الجاهلي بجميع رواسبه، وحاولت إذابة العصبية القبلية والنّزعة الطائفية وثقافة الغزو والثأر والدّم التي كانت عليها كل المجتمعات البشرية في تلك الفترة التاريخية، فأقامت أرضية جديدة للولاء والانتماء على أساس الإيمان والتّقوى والمساواة بين الجميع بعد أن تحطمت كل الأصنام المادية مثل هبل واللاّت والعزّى وجلّ الطوطم المعنوية كالعبودية والتفاخر بين الناس لقوله صلى الله عليه وسلم " قد أذهب الله عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي والناس بنو آدم وآدم من تراب"(7).
ولو شئنا التّوسع في هذا الباب لوضعنا فيه مؤلفات عديدة ولن ينتهي فيه الكلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وأمر الآن إلى ما نجهله في العموم المطلق من تاريخ التآمر على أمة الغفلة، أمة المتأسلمين الذين فرقوا دينهم وانقسموا على ذواتهم، فراح يكفر بعضهم بعضا وفي ضميرهم ضمور وقصور وفي أنفسهم تعلاّت وعلّل، فبفضل جهلهم فعلوا بأنفسهم ما لم يفعله بهم عدّوهم، فحقّ عليهم قوله تعالى" إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ"(8). لقد أفنت أمتنا عصورا ودهورا في خلافات واختلافات وبين صراعات وصدامات دون أن تبحث في أصول كل ذلك وقد قدّمت الأعراض على الأسباب حينا وخلطت بينهما أحيانا أخرى؛ والنتيجة المنافقة التي خلصت إليها، (أنّ الاختلاف لا يفسد للودّ قضية)، فضاعت القضية برمّتها في غيابات التاريخ الذي رسم معالمه أناس ذوي دهاء ومكر لذوي الغفلة والغباء.
من منّا له علم ببروتوكولات حكماء صهيون؟
لن أسهب في التّعرض لهذه الوثيقة بالتحليل والشرح وسأقتصر على بعض ما جاء فيها حول مسألة الدستور تحديدا، والهدف منه كما خطط له مفكرو الصهيونية للإطاحة بالحكومات وبثّ الفوضى في المجتمعات التي ترغب في اللّحاق بغيرها من المجتمعات المتقدّمة بفضل ما حققته من توافق على طريقة عيشها وآليات تداولها على السلطة، بما يبعدها عن استبداد الحكّام واستضعاف المحكومين. ونحن في غفلة عمّا يحاك من حولنا من مؤامرات تتخفّى خلف خلافاتنا واختلافاتنا، فتوحي للباحث أنّها وليدة صراعات داخلية لا شأن لغير أهل هذا البلد أو ذاك بها.
لقد ركّز البروتوكول العاشر على مسألة الدستور وأهميتها في تحقيق الهدف الذي سيجيب على التساؤل المحوري الذي ورد في البروتوكول الثالث (ماذا ينفع الدستور العمّال الأجراء إذا هم لم يظفروا منه بفائدة، غير الفضلات التي نطرحها إليهم من موائدنا جزاء أصواتهم لانتخاب وكلائنا؟)(9). لم يدرج استعمل مصطلح "العمّال" اعتباطا في سياق هذا التساؤل، بل له دلالة سوسيولوجية عميقة ومقصودة في القرن التاسع عشر والقرنين اللذين تلاه. مثلت طبقة العمّال أو ما يعرف بالبروليتاريا ولا تزال العمود الفقري للمجتمعات الأوروبية المصنعة، وقد كان السياسيون الذين أشار إليه التساؤل بمصطلح "وكلائنا" من يساريين، كانوا يمنون النّفس بإقامة دولة البروليتاريا؛ هذه البروليتاريا التي يخطب اليمينيون ودّها ويسترضونها بحقوق مبتورة، تتحقق تباعا بفضل سياسة التّنازلات والنقاشات النقابية، تضمنها الدساتير المنظمة للحياة الاجتماعية والسياسية في ظل تهميش العمّال بين الفترات الانتخابية المتعاقبة.
يقول البروتوكول العاشر "... فالدساتير كما تعلمون ليس أكثر من مدرسة للفتن والاختلافات والمشاحنات والهيجانات الحزبية العميقة، وهو بإيجاز مدرسة كل شيء يضعف نفوذ الحكومة. وأنّ الخطابة، كالصحافة، قد مالت إلى جعل الملوك كُسَالَى ضعافا، فردّتهم بذلك عقماء زائدين على الحاجة، ولهذا السبب عُزِلَوا في كثير من البلاد"(10). وهذا ما نراه ونعيشهم اليوم بعد سقوط أنظمة الطغيان من رؤساء، كانوا أقرب إلى ملوك في (جمهوركيات)(*). وبعد سقوطهم انطلق السعي المحموم إلى إعادة كتابة دساتير جديدة في مجتمعات لم تهدأ ثورتها بَعْدُ.
إنّ الرئيس الذي أتت بهت صناديق الانتخاب إلى سدّة الحكم في مصر تحديدا، سارع إلى امتطاء جواد الدستور ليؤسس لدكتاتورية جديدة، أقصت كل القوى الحيّة في البلاد وهمّشت كل القوى الثورية الحقيقية. فما لبثت أن عمّت الفتنة في البلاد وانتشرت الفوضى كل أجهزة الدولة وانقسمت المجتمع على نفسه بين مؤيد ورافض لدستور جديد تمّ تمريره بشتى وسائل الاستغفال السياسي، تحت راية ديمقراطية زائفة، اضطر أصحابها ومن آمن بخداعها إلى معادة جلّ مكوّمات المجتمع المصري وفي طليعته النّخب والقضاء والإعلام.
ثم يواصل حكماء صهيون قولهم " وفي مثل هذه الأحوال سيكون مفتاح الموقف الباطني في أيدينا بالضرورة وما من أحد غيرنا سيكون مهيمنا على التّشريع... وبهذا الدستور الجديد سننقص كذلك عدد ممثلي الأمة إلى أقلّ عدد... فإننا سنسمح للمثلين الباقين بالاحتكام إلى الأمة، وسيكون حقا لرئيس الجمهورية أن يعّن رئيسا ووكيلا لمجلس النّواب ومثلهما لمجلس الشيوخ... وإلى ذلك سيكون لرئيس الجمهورية، باعتباره رأس السلطة التّنفيذية، حق دعوة البرلمان وحلّه. وسيكون له في حالة الحلّ ارجاء الدّعوة لبرلمان جديد، ولكن لكي لا يتحمّل الرئيس المسؤولية عن نتائج هذه الأعمال المخالفة للقانون مخالفة صارخة، من قبل أن تبلغ خططنا وتستوي. سنغري الوزراء وكبار الموظفين الذين يحيطون بالرئيس، كي يموّهوا أوامره، بأن يصدّروا التّعليمات من جانبهم، وبذلك نضطرهم إلى تحمّل المسؤولية بدلا من الرئيس... وبإرشادنا سيفسر الرئيس القوانين الني يمكن فهمها بوجوه عدّة"(11). أليس هذا ما يحدث في مصر اليوم، مع فوارق طفيفة وهوامش ضيّقة، تتعلق بتعيين رئيس ووكيل مجلس الشعب ويطبّق بالنّص على مجلس الشورى؟
يمهدّ اليهود لإقامة دولتهم من المحيط إلى الخليج أو ما يعرف بإسرائيل الكبرى، فدّسوا السّم في الدّسم للأمة العربية الإسلامية وخططوا لتحقيق حلمهم الأبدي من خلال مرونة أدخلوها قصدا في صياغة الدساتير وهم يعلمون أن أي دستور لن يستجيب لحقوق كل الطّيف الاجتماعي، فكتبوا موضحين رأيهم "ومثل هذه الامتيازات سنقدمها في دستور البلاد لتغطية النّقص التّدريجي لكل الحقوق الدستورية، وذلك حين يحين الوقت لتغيّير كل الحكومات القائمة... أعني بالضبط، أن تعرف أنّ حكمنا سيبدأ في اللحظة ذاتها حين يصرخ الناس الذين مزقتهم الخلافات وتعذّبوا تحت إفلاس حكّامهم. فيصرخون هاتفين [اخلعوهم وأعطونا حاكما عالميا واحدا، يستطيع أن يوحدنا ويمحق أسباب الخلاف، وهي الحدود والقوميات والأديان والديون الدولية ونحوها...]"( 12).
تلك مرحلة لا تزال بعيدة نسبيا وتسبقها مراحل ثانوية تصرخ فيها مجتمعاتنا من الظلم والقهر وتئن فيها متوجعة من الفقر والجوع، فتثور وقد ثارت فعلا، من أجل التّغيير والبحث عن منقذ، يعيد لها كرامتها ويغنيها ويسمنها من جوع. ستعيش الأمة العربية أزمات قادمة شديدة الحدّة، تمّ التخطيط لها بعناية فائقة، تفقد فيها الشعوب تدريجيا كل الثقة في حكّامها لتسقط معها النّزعة الوطنية ويندثر معها الانتماء للوطن القومي، فترتفع الأصوات منادية بالحلول الأممية. هذا ما تعمل على تحقيقه فئات وربما فئات عربية، إسلاموية، تتعالى أصواتها بإقامة دولة الخلافة وإلغاء الحدود وتوحيد الزعامة في أمير للمؤمنين أو مرشد عام أو فقيه/إمام في ظل انعدام كل الشروط الموضوعية والنّظامية، من قوة (علم ومعرفة ودهاء) ورباط خيل (مكونات لوجستيكية وعتاد متطوّر) لا تملك الدول العربية مجتمعة، ناصيتها ولا تتحكم في أسرارها وبالتالي فهي لا تزال إلى الآن بعيدة عنها وعن السبل المؤدية إليها كل البعد.
ينادي البعض مدّعي الإسلام، الجاهلين بطبيعة السياسة وبحقائق التاريخ، المندفعين غريزيا نحو طوباوية وحدة الأمة والأمة على ما عليه من ضعف وتخلف وجهل ومرض وتبعية، لنغوص جميعا في جوف الصهيونية العالمية بعد أن سقطنا لقمة سائغة في فمها. لا تنتظر الصهيونية من بعضنا إلا المزيد من الغباء والغفلة، ليتحقق مرادها؛ وهي في مأمن من كل المخاطر وترقب عن قرب وتساهم بآليات خفية في الحراك الشامل الذي يعيشه العرب وقد أتى قبل موعده، ناشرا الفرقة وتمزيق الوحدة الوطنية أشلاء باسم حب الوطن ومصلحته، بعد أن توحدّت الشرائح الاجتماعية المتنافرة أصلا حول كراهية حكّام الفساد ومقت أساليب الاضطهاد ... لم يغفل حكماء صهيون هذه النقطة في إستراتيجية تفكيك المجتمعات العربية وشلّ إرادة شعوبها في التّغيير باتجاه الصواب والعمل على تحديد أعداء الخارج في سبيل توحيد الناس على ما ينفعهم ويرتقي نحو الأفضل.
لم يقف الفكر الصهيوني عند العموميات ويترك الجزئيات لأوانها، بل اهتم بالجزئية قبل الكلية، ففكر وخطط للقضاء على مكوّنات المجتمع المدّني في العالم المتقدم وما يشبهه في العالم العربي، فانظر ماذا كتب حكماؤهم "... ومع تصميمنا على خطة عملنا، سنناقش من هذه الأجزاء ما قد يكون ضروريا لنا، كي نُتِمَ الثورة في مجموعات دواليب جهاز الدولة... والقصد بهذه الأجزاء حرية الصحافة، وحقوق تشكيل الهيئات، وحرية العقيدة، وحرية انتخاب ممثلي الشعب وحقوق كثيرة غيرها سوف تختفي من حياة الإنسان اليومية. وإذا لم تختف جميعا فسيكون تغييرها أساسيا منذ اليوم التالي لإعلان الدستور الجديد. وسنكون في هذه اللحظة وحدها آمنين كل الأمان، لكي نعلن كل تغييراتنا... وسيكون رؤساء الجامعات وأساتذتها مُعَدِّينَ إعدادا خاصا وسيلته برنامج سرّي متقن... وسيرشحون بعناية بالغة ويكونوا معتمدين كل الاعتماد على الحكومة... ولن يسمح للجامعات أن تخرج للعالم فتيانا ذوي أفكار عن الإصلاحات الدستورية الجديدة، كأنّما هذه الإصلاحات مهازل أو مآس... ولن يسمح للجامعات أيضا أن تخرج فتيانا ذوي اهتمام من أنفسهم بالمسائل السياسية التي لا يستطيع ولو آباؤهم أن يفهموه"( 13).
إنّ المتأمل في مجريات أحداث دول (الربيع العربي) يقف مشدوها أمام نجاحات المخطط الصهيوني الذي لم يخطئ ولو لمرة واحد. لقد جاء (مهديهم المنتظر) الرئيس المصري المنتخب الذي بمجرد وصوله إلى السلطة، حقق لإسرائيل حلمها في تأمين مستوطناتها ومستوطنيها في أقل من يوم من المفاوضات التي حرمت المعتدى عليه من حقه في الدّافع عن حياته وحياة أبنائه. هذا بالإضافة إلى المحاولات المتكررة في كل من تونس ومصر لتدجين الإعلام وتركيع النّخب وتقييد دور الاتحاد التونسي للشغل والسطو على استقلال القضاء هنا وهناك... الخ.
في مناخ من التّخوين المتبادل والتّكفير المعلن والقذف الصريح والعداء الصّارخ والمعلن في غير خجل أو حياء أو خوف من الله، مرر الإخوان المسلمون في مصر اليوم 23/12/2012 استفاءهم على مسودّة الدستور الجديد (بنعم) %63.8 مقابل %36.2 (لـــلا)، في استعلاء على الجميع واستغباء للكل. هاهم يردّون التحية بأحسن منها، لمن سمح لهم بالوصول إلى الحكم على حساب القوى السياسية التقليدية " التقط الغرب الصهيو - مسيحي أنفاسه واستجمع خبثه ودهاءه والثّوار في غفلة من أمرهم، فصادر الثورات بمزيّة الدّعم المالي وسماح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين لأعداء وإرهابيي الأمس (الإسلاميين)، أصدقاء وحلفاء اليوم (الإسلاميين) بحكم بلدان الرّبيع العربي"(14 ).
هكذا إذا يتّم الحراك الثوري باتجاه معاكس لإرادة الشعوب وحمى الثورة لم تخفت بَعْدُ في عروقها. فلولا حيائي من أمة انتسب إليها قلبا وقالبا، لكنت قدّمت التهاني للصهيونية العالمية على نجاحها في تقسيم الأمة ووأد ثورتها والقضاء على طموحاتها وتحويل حلمها في الرقي والتّقدم إلى كوابيس مُحْبِطَةٍ.
---------------------
1) من قصيدة الحمامة والصياد لأمير الشعراء أحمد شوقي
2) الوهن في معنى حب الدنيا، كما في الحديث الذي جاء في سنن أبي داود - كتاب الملاحم - قوله صلى الله عليه وسلّم: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت"
3) البقرة الآية 143
4) آل عمرا الآية 85
5) الحجر ات الآية 13
6) البقرة الآية 256
7) سنن الترمذي عن أبي هريرة.
8) الأنعام الآية 159
9) كتاب: الخطر اليهودي، بروتوكولات حكماء صهيون. ترجمة محمد خليفة التونسي، تحقيق ومراجعة عباس محمود العقاد، الطبعة الخامسة 1980. دار الكتاب العربي، النسخة الإلكترونية ص: 77
10) المصدر السابق، البروتوكول العاشر ص: 91
* ) التعبير لعالم الاجتماع المصري سعد الدّين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون للبحوث السياسية والاجتماعية بالقاهرة، للتعبير عن الجمهوريات العربية الهجينة فلا هي جمهوريات ولا هي مملكات.
11) المصدر السابق، البروتوكول العاشر ص: 92
12) المصدر السابق، البروتوكول العاشر ص: 93
13) المصدر السابق، البروتوكول العاشر ص: 94 والبروتوكل السادس عشر ص: 109
14) انظر كتابي: نظرية التّبعية بين القرآن الكريم وعلم الاجتماع، عن الدار المتوسطية للنشر، ص:88
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: