الولايات المتّحدة تتبرّأ من فيلم يُسيء إلى المُسلمين بعد مقتل سفيرها بطرابلس
فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4644
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
و تلك الأيّامُ نُداولها بين النّاس... بالأمس القريب كانت الولايات المتّحدة تُذكّرنا بقُطّاع الطّرق الوحشييّن في تصريحات مسؤوليها و تصرّفاتهم الدّولية. فكانت تهجم على الشّعوب ولو بدون موجب... فتُنّصب حُكّاما و تعزل حكّاما. و تُعلن حروبا واهية لا تزال آثارها إلى اليوم. و بالأمس القريب كان العمّ سام يصول و يجول في العالم دون رادع. كان العالم كلّه يهابه، و لا يخالفه الرّأي صراحة، و لا يتجرّأ على المساس بصهر ابن عمّ جار خادم أيّ سفارة تتبعه. و بالأمس القريب كانت القوّة الأولى في العالم لا تتوانى عن تحريك أساطيلها و توجيه قنابلها و طائراتها لتحرير رهينة من مواطنيها احتُجِزت و لو في خطإ، و توجيه ضربة لمن سوّلت له نفسه الاقتراب من منظوريها ضربة تُخلّف بأقلّ الأضرار قتلى كثير و جرحى كثير كثير.
أمّا اليوم، و بعد هبّة الشّعب العربي هبّةً واحدة و خلعه حكّامه – عملاؤها – و حمله السّلاح و تضحيته بتقديم آلاف الشّهداء و آلاف الجرحى في سبيل الحريّة و الكرامة، فقد تغيّر الموقف الأمريكي تغيّرا أصبح ظاهرا لا يحتاج مقارنة. فقد استوعبت الحكومة الأمريكية الوضع الجديد للعربيّ بعد ثورته، و رأت في هبَّته قوةً لم تعرفها فيــــــــه، لم تكن في حساباتها منذ نشاتها كقوّة عظمى،و تأكدّت أنّ من يضع روحه على طبق الشّهادة من أجل كرامته لا يمكن التّعامل معه بغطرسة و إهانة.
و ها نحن اليوم أمام مشهد جديد في ميزان القوّة الاستراتيجي بين الدّول، بدى واضحا إثر مقتل أفراد من السفارة الأمريكية بطرابلس بينهم السفير "كريس ستيفن" في مظاهرات احتجاج على قيام أمريكيّين بإنتاج فيلم يُسيء إلى الرسول صلّى الله عليه و سلّم. مشهد لم يكن يأتي في خلد أيّ محلّل قبل عقد فقط من الزمن...فرغم أن السفير قَتَله أهل البلاد احتجاجا، و رغم أنّ السّفير منصبٌ اعتباري عال لدى كلّ الّدول، و رغم أنّ درجة الأذى الّتي لحقت بها لم تكن مسبوقة، و رغم أنّها تطبع في جواز سفر مواطنيها "نحن نحرّك أساطيلنا من أجلك"، فالولايات المتّحدة لم تحــــــــرّك أيّ أسطول، و اكتفت بحركة استعراضيّة سينمائية بإرسال فرقة من جنودها، هم اليوم أوهن من خيوط العنكبوت. و ها هي "هيلاري كلينتن" وزيرة الخارجيّة تتبرّأ من الفيلم سببُ حركة الاحتجاجات في كلّ الدّول الإسلاميّة، و تتبرّأ من منتجيه و ناشريه، و تعلن تضامنها مع المسلمين و تؤكد على احترام معتقدهم، و ما إلى ذلك من الكلام الذي يُحيل إلى فهم الدرس الجديد...و هاهو رئيسها قبلها يكتفي بإعلانه رفضه و تنديده لقتل سفيرها بطرابلس، و هو بذلك يُذكّرني بما كان زملاؤه العرب المخلوعين يصرّحون به في الأزمات و أيّام الشدائد... فقد كـــــــانوا – يا حسرة- يُندّدون... ويستنكرون... و يشجبُون... وهم كالمعيز أو أشدّ جُبنا.
و في اعتقادي أن هذا الموقف هو أوّل السّبحة التي مازلنا نرى و نشهد انفراط عقدها على الملأ. لأنّه، و ببساطة، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكيّة تخسر كل يوم مقوّمًا من مقوّمات الدولة القويّة.
فهل تكسب الشعوب التي هبّت من أجل كرامتها بالمقابل مقوّمَ قوّة كلّ يوم؟
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: