فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5899 groupfaz@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يُطلّ علينا اليوم – الخامس عشر من مايو - ويطوي بإطلالته أربعا و ستّين سنة على يوم النّكبة... اليوم الذي طرَد فيه الصّهاينة المغتصبون أهلَنا من قراهم و من ضيعاتهم و من زياتينهم و من مدنهم و من شوارعهم في فلسطين ... ثمّ احتلّ هؤلاء الوافدون على تلكم الأراضي الطاهرة من كلّ حدبٍ و صوبٍ، تلك الدّيار بالحديد و النّار، بعد أن قَتلوا وشَرّدوا كلّ من قاومهم فيها فلم يستثنوا أطفالنا و لا شيوخنا و لا نساءنا و لا شجرنا و لا زيتنا و لا دقيقنا و لا تاريخنا و لا قدسنا... ليقيموا ما يُسمّى دولة إسرائيل، الّتي لن تكون أبدا دولة مكتملة العناصر ما فعلوا... ولن تخفى عن ضمير الإنسان ما لمّعوا. للقطيعة الحادّة بين سكّانها و أرضنا، و بين سُكّانها فيما بينهم. إذ وصلوا إلى أرضنا مشرّديــــــن و من كلّ ملّة بشريّةٍ ينحدرون، فلا أساس حضارة تجمعهم، و لا جذور انتماء تُشركهم.
كلّ ذلك تمّ على عين و مسمع ما يسمّى بالمُجتمع الدّولي ...هذا المجتمع الذي لا أراه يستأسِدُ سوى في القضايا التي تنتهي عدلا بقهر العرب و المسلمين. بل كانت بريطانيا التي تتشدّق في كلّ محفلٍ دُوليٍّ بعلــــكة حقوق الانسان، تُؤثّث ذلك الإحتلال و تدعمه خلسة. بحجّة فكّ الارتباط مع تلك الرّبوع. وهي في نفس الوقت تنظّم أو تُساعد على تنظيم رحلات الهجرة البحريّة من أوروبا إلى فلسطين... الرّحلات و السّفن التّي حملت على متنها من قاتلنا في 1948و في1967وفي 1973 ، و في كلّ معارك الظّلم الّتي انتصر فيها جيش هؤلاء الغاصبين علينا بعد ذلك اليوم.
و حكومة بريطانيا بذاك الفعل إنّما و صمت كل بريطاني إلى اليوم، بوصمة عار أراها على جبينه واضحة، كلّما أطلّ أحدهم اليوم يتشدّق علينا بعلكة من علك السّاعة تلك كحقوق الإنسان و احترام الأقلّيات و حقّ تقرير المصير إلى غير ذلك من الأكاذيب و التُّرهات.
... لكنّي اليوم و بعد كلّ هذه السّنوات، و بعد كلّ صنوف القهر التي تجرّعتُها منذ الصّغر في بدايات وعيي بالحقيقة الجلل إلى اليوم، كلّما فكّرتُ في أرضي المسلوبة... و جدّي الموءود... و جدّاتي الثّكـــــــالى... و أطفالي القتلى... و نساء أمّتي المشوّهات بخنجر البكاء و اليتم و الفراق...
بدأتُ أرى بصيصا من نور في عودة أرضي إلى أبنائي من بعدي... لأنّي بدأت ألحظ كل فترة إسفينا يُدقّ ببطء في هيكل كيانهم و هم مثلي واعون بها، إلاّ أننّا عنها عمون...
فخروج الصّهاينة من لبنان في نظري كان أوّل إسفين شرخَ قوّتهم. تلاه إسفين هزيمتها في حرب الثّلاثة و الثّلاثين يوما. قبل أن يُدقّ فيها أكبر إسفين في تاريخها، و هو قيام الثّورات العربيّة و سقوط نظام مبارك العميل في بلد الكنانة... مع ما سيمثّله ذلك و ما بدأ فيه فعلا، من إعادة طبيعة العلاقة مع هذا الكيان الغاصب إلى أصلها و هو العدائيّة. بعد أن كانت ترزح لعقود تحت الانبطاحيّة... إذ كيف يجمعني تحت أيّ منطق... اتفاق أو وفاق مع ســــــارق بيتي و قاتل أهلي و نافي أجدادي؟
و هذه العدائيّة، صدحنا بها لأوّل مرّة هنا في تونس أيّام مظاهرات طرد المخلوع، إذ كنّا نُعِدُّ ليلا ما تتلقّفه حناجرنا نهارا، شعارات و هتافات، كانت ضمنها فلسطين و تحريرها، قصدًا لا اعتباطا... رغم إدراكنا التّامّ بعظم المُهمّة الأصل و هي تغيير النظام. و من ثَمَّ ها نحن نلحظها في الخطابات السّياسيّة لزعماء الثّورة العربيّة و خاصّة المصريّون منهم. و هي ستتحوّل حتما ممارسة عند مآل أمر الأمّة إليهم في دُولهم.
أمّا الإسفين الرّابع الذي رأيته بأمّ عيني يُدقّ في كيانهم علنا، فهو انتصار الأسرى العزَّل الضّعفاء في سجونهم و زنزاناتهم الموحشة، عليهم هذه الأيّام. بحركاتهم النّضالية البسيطة و هي إضرابهم عن الطّعام... و رضوخ الاحتلال إلى مطالبهم كلّها و انصياعه لها ... فما كان الصهاينة يرضخون إلى تلك المطالــــــــب لو لم تقم الثورات في ربوعنا. لأنّهم يحسّون متغيّرا آخر في معادلاتهم معنا لم يكن موجودا أصلا.... و أقصد تحرّك الشّعوب لنصرة إخوانهم. الشّيء الذي كان يُقمع في مهده من حكاّم تلك الشّعوب بقمع أصحابه من المفكّرين في ديارهم.
لذلك فإنّي على يقين بأنّ كلّ من خرج في مظاهرات التّخلّص من أنظمتنا الدّيكتاتورية من شباب ورجال ونســاء و أطفال و شيوخ هذه الأمّة... هم أكبر عزيمة و قوة و أشدّ حنقا و إرادة من ... صلاح الدّين نفسه.
فرحمك الله يا صلاح الدّين و رحم من كان معك و بعدك... و أفهمكَ الله في ثراك أن الأمّة كلّها بعد ثوراتها إنّما هي في طريقها إلى صلاح الدّين.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: