فرنسا انتخبت "هولاند" رئيسا... هل تتغيّر السّياسات باختلاف الرّئيس؟
فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4885
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أُسدل السّتار البارحة على الانتخابات الرّئاسة الفرنسية باختيار "فرانسوا هولاند" رئيسا سابعا للجمهوريّة الخامسة في هذا البلد، و بحكم العدد الكبير من العرب و المسلمين المقيمين بها، و بحكم قربها الشّديد لمنطقتنا المغاربية، و بحكم وزنها في السّياسة الدّولية العامّة ... تُعتبر فرنسا و ما سيحدث فيها محطّ أنظار العديد من المحلّلين عند تغيير رئيسها، خاصّة إذا ما أتى التّصويت برئيس من حزب يختلف راديكاليا مع حزب الرئيس المغادر.
و في عمليّة جرد بسيطة بين الرّجلين و من خلال ممارسات "ساركوزي" في الحكم، و خطابات "هولاند" الانتخابيّة، يمكن القول بأن سياسة فرنسا الاجتماعيّة و الاقتصاديّة في طريقها للتّعديل إن لم نقل للتّغيير... فالمدرسة اليمينيّة التي ينحدر منها الرّئيس المتخلّي تتمايز في هذين المجالين - بل و تتناقض أحيانا عند بعض المفاصل - عن المدرسة اليساريّة الاشتراكيّة القادم منها الرّئيس المنتَخب. و لعلّ ما يهمُّني كعربي مسلم مهتمّ بالشؤون الدّولية هو انعكاس السّياسات التي ينتهجها الرّئيس مهما يكن حزبه و توجّهه السياسي، على الإجراءات الخاصّة بالمهاجرين ووضعيّتهم في بلده، و مدى تمتّعهم هناك بحقوقهم الانسانيّة و الوطنيّة، و مدى إقرار تلك الإجراءات الخاصّة بالدّور الهـــام و المحوري لهذه الشّريحة الاجتماعية، الّتي تجد نفسها في أغلب الحالات ضيفة في بلد الهجرة و ضيفة في بلـــــــــدها، و ذلك لسوء حظّها لاقتصار وقت تواجدها بوطنها في أيّام العطل فقط. و من ثمّ فإن إجراءات الإدمــــاج و احترام الخصوصيّة هي من أولويّات اهتمامنا بأي رئيس أو سياسة في أيّ بلد في العالم.
و لعلّ ما شدّ انتباهي في صعود "هولاند" إلى الرّئاسة هو خلوّ الرّجل من تجربة الحكم أصلا... فقد صعد إلى الرئاسة عبر صعوده في حزبه. و شذّ بذلك عن قاعدة الارتقاء في المسؤوليات قبل الحلول بالرّئاسة. مع ما يثيره هذا الارتقاء من نقاط استفهام عن خبرته الإداريّة و التّرتيبية. و لعلّي أجد شبها هذه الأيام بينه و بين الإسلاميين الذين وصلوا إلى الحكم في دول الرّبيع العربي بالانتخابات مثله... إلاّ أنّ تجربة الحكم تلك تعوزهم.
أمّا في السّياسة الخارجية ... فقد علّمتنا التّجارب مع البلدان العريقة في الدّيمقراطية، أن تغيّر شخص الرّئيس لا يغيّر سياستها الدّولية جذريّا... لأنّ الرّئيس في تلك النّظم، هو مؤسّسة متفاعلة مع مؤسّسات عديدة أخرى ينتهي أخذ القرار بينها بطريقة مركّبة تعتمد المصلحة الوطنيّة. و تختلف مع ما نعرفه – أو على الأقلّ ما عرفناه قبل الثورات - في نظمنا العربيّة المتخلّفة التي يعدّل فيها كل مسؤول داخل و خارج البلد تصرّفاته، و تصريحاته، و ما يحبّ، و ما يكره، على ساعة انفعالات الزّعيم و هواه.
و في نظري، بقدر ما يختلف الرئيسان في المدرسة السياسية فإنهم لن يتناقضا رأيا في أمّهات القضايا الدولية، فهكذا قضايا لن تعتمد على الانفعال و عن الواحديّة في الرأي... إلا أننا نستطيع أن نلمح تغييرا طفيفا في علاقة هذا البلد مع أوروبا مثلا، إذ كان "ساركوزي" أكبر سندا لهذا المشروع القارّي الضخم رغم بوادر فشله العديدة، لما يعطيه زخما قياديّا عالميّا يذكّي فيه روح الاستعراض التي تطبعه، و التي لا يغيب عن المحلّلين حبّه الشديد لها، رغم فراغ الرجل من مقومات الزعامة.
كما يمكن القول بأن السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط – و هي السياسة التي تهمّنا قبل غيرها – هي سياسة يغلبُ عليها طابع الثبات، فمنحنى التغيير في هذه السياسة لم يشهد تحوّلا جذريّا أو انقلابا في البوصلة عبر الرؤساء الفرنسيين باختلاف مشاربهم الحزبية و الفكريّة. فهم إلى الكيان الإسرائيلي أقرب روحا و وجدانا منهم إلى العرب. رغم أنّ مصالح فرنسا مع العرب لا يمكن مقارنتها مع تلك التي تجمع هذا البلد الكبير بالكيان الإسرائيلي. إلاّ أنّ العرب هم الذين لم يُدركوا هذه المعادلة بعد، و أظنّهم لن يُدركوها في منظور العقد القادم من الزمن... الأمر الذي لن يؤثّر البتّة في السياسة الفرنسيّة نحو الكيان الصهيوني، إلاّ أنّي أعتقد أنّها ستشهدُ شيئا من التغيير، لأن الإسرائيليين خسروا "ساركوزي" لا شكّ في ذلك. حيثُ كان إيقاعه في شركهم لا يتطلّب منهم جهدا كبيرا. والرّجل قد ارتمى و انتهى في أحضـانهم حتى قبل ولوجه إلى الإيليزيه.... و تاريخ الاشتراكيين مع هذا الكيان أكثر استقلالا عن اليمينيين ممّن حكم فرنسا، رغم غياب المواقف الدّولية الشجاعة في هذا الصدد لدى الطّرفين.
و هنا نستطيع الجزم بأنّ أكبر الملفات التي تنتظر الرئيس "هولاند" في السياسة الخارجيّة، هو الملف السوري الذي أرّق المجتمع الدولي. و الملف الأفغاني و ما يحويه من تبعيّة فرنسا العمياء للولايات المتحدة الأمريكية. و الملف الإفريقي التي لم يعتن به "ساركوزي" العناية التي تستحقّ ، الشيء الذي أفقد فرنسا خلفيّتها التاريخيّة الإفريقيّة.لكن يبقى المُلاحظ بين الرئيسين، هو غياب القائد فيهما. القائدُ أو الزعيم الذي تعوّدنا عليه طيلة النصف الثاني من القرن العشرين. و لعلّي بفرنسا لم تشذّ بهذين الرجلين، عن موجة عالميّة ألمحها هذه الأيّام... إذ لم يصعد قائد - بمعنى القيادة الكلاسيكي للحكم - في جلّ البلدان في هذين العقدين. و أصبحنا نشاهد الجبّة أكبر من صاحب الجبّة... ففرنسا أكبر من "ساركوزي" حتما، و أراها أكبر من "هولاند" لا محالة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: