كيف نجحت أوربا في الهيمنة على العالم
Wie Europa die Eroberung der Welt gelang
بيرتولد زيفالد (Berthold Seewald) / ضرغام الدباغ
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1289
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كيف نجحت أوربا في الهيمنة على العالم، بالرغم أنها كانت حتى عام 1500 لم تزل بلداً نامياً، نجحت في الهيمنة على العالم. السبب يكمن في " تكنولوجيا البارود " يقول العالم الاقتصادي فيليب هوفمان ويقدم معادلة مدهشة.
***************
في الإجابة على سؤال، كيف تمكنت شبة الجزيرة ذات الطبيعة الوعرة في الحافة الغربية الأوروآسيوية التي تسمى أوربا حتى عام 1900 من السيطرة على أكثر من أربعة أخماس الكرة الأرضية، امتلأت مكتبات كاملة بكتب تعني بهذا السؤال.
انعدام ضمير، عدوانية، شجاعة الاكتشاف، الوعي التبشيري، الجشع، التكنولوجيا، أي شكل من أشكال التفوق أو ببساطة مجرد مصادفات، قادت إلى هذه النتيجة. وبصيغة مبسطة يطرح العالم الاقتصادي الأمريكي، فيليب ت هوفمان (Philip T. Hoffman) الحل في أحدث كتبه، بقوله : أوربا كانت ببساطة متفوقة على جميع القوى الأخرى عسكرياً.
أما أستاذ التاريخ واقتصاديات العمل في جامعة كاليفورنيا معهد التكنولوجيا، فقد طور ما أسماه بنظرية الدورات (Turniemodell)، ويفترض أن النظرية توضح أن أوربا تمكنت في الأزمنة الحديثة، ابتداء من القرن 15 كانت في حالة حرب دائمة. ويتحدث مؤرخون أيضاً عن حقبة " حروب تأسيس الدول "، والتي كانت أعظمها حرب الثلاثين عاماً التي كان من نتائجها أنها أفرت هيكليات الدول الحديثة.(1)
بالنسبة لهوفمان هناك 4 عوامل تحرك هذه النزاعات :
1. هناك أولاً التطلع لتحقيق أرباح عالية.
2. وبأقل تكاليف سياسية.
3. تحقيق زيادة في الموارد اللازمة للحروب.، هذه الموارد كانت من المواد الضرورية للجيوش، وللأساطيل وما شابه والتي لابد من توفرها والحفاظ عليها، ومن جهة أخرى ضرورية في خوض الحروب.
4. ومن أجل تحقيق ذلك، تنهض الحاجة إلى إدارة مالية مقتدرة ومحكمة، تحتاج تنميتها إلى تكاليف سياسية " وبذلك تكون النتيجة النهائية كبيرة بقدر الإمكان، على أن تكون الموارد (قيمة الأرباح) كبيرة، ، وينبغي أن تكون التكاليف السياسية قليلة. وأن ضوابط هذا النموذج تكون ابتكارات تقنية تعتبر كمتغيرات مضافة في التاريخ السياسي.
النموذج الرياضي (Mathamatic Modell) الذي يزعم شرح التاريخ، يستفز بسهولة التناقض. والبداية في هذه الحالة، مع تفاصيل ما حدث مع أسرة هابسبورغ، الذين " هاجموا الملوك والقياصرة في مطلع العصر الحديث لأسباب مالية باستخدام الجيوش ". وينتهي مع مختارات أدبية من الكلاسيكيات إلى موضوع كتبه لودفيغ ديوز (Liudwig Dehios) " التوازن والهيمنة " لصالح الأحياء بايولوجياً، والمنتهين فيزيائياً.
وكذلك التفسيرات التي توصلت إليها الصين خلال 2200 سنة الماضية أن أوربا قد انقسمت وتشرذمت. هو تفسير غير دقيق، وكذلك أعطت روما وحلفاءها من أنصار الكنيسة، انطباعاً مماثلاً، ومثلها الامبراطورية الوسطى، رغم أنها كانت قد وفرت الحماية خلال قرون عديدة قد كانت تبسط سيطرتها وهيمنتها، إلا كانت مقسمة إلى ولايات ودول صغيرة.
(الصورة : قادة الغزو الأسباني لدول أمريكا اللاتينية يخدعون آخر ملوك إمبراطورية الانكا بوعود كاذبة 1497)
ومن خلال جميع الأرقام والمعطيات التي أوردها البروفسور هوفمان كأطروحة أساسية وبصرامة مذهلة : " أن أوربا كانت قبل وقت طويل من الثورة الصناعية التي منحت الأوربيين القفزة إلى الأمام في مجال خدمات النقل اللوجستية، وتكنولوجيا التسليح، كانوا قد حققوا التفوق العسكري، حين حققوا مكاسب كبيرة في التفوق على أمبراطوريات الأنكا والأزتيك (في أميركا الجنوبية)، وعلى امبراطوريات المغول في الهند، وكانت وسيلتها في ذلك : البارود والتطور المتواصل . (2)
وعلى الرغم من أن البارود كان معروفا في شرق أسيا وفي الصين خصوصاً، وانتشرت صناعة البنادق والمدافع ، ما بعد القرن 15، وفي غضون بضعة عقود، تطورت إلى أسلحة تقليدية بعيدة المدى تطلق نيران قوس بمديات بعيدة، وأطلقت هذه الحروب الحديثة في أوربا وسباق التسلح بين الدول المشاركة في الحروب. ونشوء فئات متخصصة بهذه الصناعات تلقفتهم الصناعات الحربية.
كان هذا الانتشار (التوسع) السريع للأفكار والابتكار في أوربا ميسورا وبسهولة، نظرا لقرب المسافات وأمكانية الاتصال. وكانت متطلبات وحاجات الأمراء والجيوش متشابهة جداً. وحتى مع حسابات عوامل استثنائية كالحظ والصدف، مثل بقاء كيان سياسي صغير كدولة بروسيا الصغيرة بعد خرب السنوات السبع، كانت المكاسب التي تحققت كبيرة ، وفي سياق التنفس العسكري تراكمت لدى الدول الأوربية المعرفة (Know-how) والمجد والشهرة، والأرض، والسيادة، والتقدم التكنيكي. التي استخدمت في قضايا التسليح
أعداء الصين : بدو خيالة
تتمتع أفكار المؤرخ هوفمان بقوة إقناع في مقارباته التاريخية. وهكذا فإن الصين كانت وكذلك الامبراطورية المغولية في الهند، قوى مهيمنة، وقد تعلم منها خصومها الذين كانوا يماثلونها في القوة. وبالإضافة لذلك كان في المقام الأول الخصم الرئيسي في الصين، الذي كانوا بحاجة إلى تكنيك عسكري خاص. وكان الهدف الوجودي يتمثل بالأرض الزراعية الصالحة للحياة، وكان هدف فرسان البدو، التي لم تكون قوات المشاة قادرة على مواجهتهم، والتي كانت تمثل في العصور الوسطى فرسان المدرعات الأوربيين في ساحات المعارك. وقد التجأ الأمبراطور الصيني إلى الأسلحة والمقذوفات البعيدة المدى، ولكنه لم يطور صناعة البارود.
وهذا ينطبق أيضاً على جيش الامبراطورية الاسلامية الكبير العثمانية، وحكام إيران، والمغول. التي وصفت في علم التاريخ ب " امبراطوريات البارود ". التي تدين بفتوحاتها للاستخدام الواسع للمدافع والبنادق، ولكن أمراء هذه الامبراطوريات لم ينجحوا بتكوين كيانات فعالة قادة على التطور.
وعلى سبيل المثال يستشهد المؤرخ هوفمان بقوات الانكشاريين من العثمانيين، وهم الذين ينحدرون من أصول مسيحية، جندوا وهم أطفال ودربوا ليكونوا من قوات النخبة في الجيش. وقد تلقوا تدريبا عقائديا دينياً وعسكريا خاصاً. وذاع صيتهم بحيث أن الأوربيين كانوا يخشونهم ويخافونهم على مدى أجيال. ولكن سرعان ما تحول الانكشاريون إلى معرقلين لكل محاولات التحديث والعصرنة للدولة العثمانية. من أجل تقليص التكاليف السياسية للحروب، دفع الأوربيون بأتجاه دمج النخبة من خلال إلغاء الامتيازات التي كان يتمتع بها الانكشاريون . (3)
وكانت الابتكارات الخاصة مثل الشركات التجارية العاملة في التجارة مع الهند أو رجال الأعمال الذين روجوا للثورة الصناعية قد اهتموا، أن يكدسوا الموارد العسكرية في أميركا الشمالية التي لا تستطيع أية قوة مقاومتها، وفي الحرب العالمية الأولى اثبتت خطل هذه الافتراضات، وأن الغزوات الأوربية (الاستعمارية) كانت استثمارا سيئاً .(4)
1. نجد في هذا تبسيط لمشكلات تاريخية أكبر وأعقد، فحرب الثلاثين كان حدودها البلدان الأوربية (وسط أوربا) ولكن ما حدث من حروب استعمارية في القارات الأخرى لا علاقة له بحروب الثلاثين، بل بالتوسع الاستعماري بدرجة أساسية. / المترجم
2. هذا نص واعتراف ممتاز أن عصر الاستعمار لم يكن نتيجة لعصر التنوير وللثورة الصناعية، بل نتيجة لإرادة التوسع والعدوان .
3. هذه المساعي التي كان تبذلها الدول الأوربية تحت مسميات شتى، كانت تهدف كلها لعرقلة نمو الإمبراطورية العثمانية، ووضع العراقيل أمام محاولات الإصلاح، وإضعاف قدراتها السياسية والعسكرية والاقتصادية. وبالمقابل لابد من ذكر أن هذه التدخلات كانت تجد من جانب مراكز قوى ونفوذ آذاناً صاغية وعوناً لها في تنفيذ مآربها.
4. المؤرخ الأمريكي هوفمان يعتبر أن حملات التوسع الأوربية الاستعمارية في قارات آسيا أفريقيا وأميركا الجنوبية، كانت " استثمارات ..." وأنها حققت السيادة للعالم الغربي / المسيحي على العالم.
*****************
كيف نجحت أوربا في الهيمنة على العالم
Wie Europa die Eroberung der Welt gelang
موقع العالم : التاريخ
تحرير : بيرتولد زيفالد (Berthold Seewald) مدير قسم التاريخ
نشر بتاريخ : 29 / أيلول / 2017
ترجمة : ضرغام الدباغ
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: