لمحات (14): مسألة الجنسيات الأجنبية في الإنتخابات التونسية
د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2521
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
من مفاجآت انتخابات ما بعد الثورة صراع الجنسيات فوق التراب الوطني.
فلتكن لك الشجاعة في الاحتفاظ بجنسيتك الأخرى لتجاوز عقدة الجنسية الثانية، كأول بلد عربي مسلم يحتفظ رئيسه بجنسية ثانية وهو معتز بأنه وهو بجنسيته الثانية قادر أن يخدم أكثر مصلحة بلد جنسيته الأصلية وبلد جنسيته الأخرى التي لم تكن تمثل حرجاً بالنسبة اليه، ولا اعتُبر كما في الماضي بمثابة المتجنس المنكور وطنياً واجتماعياً، والمحارب حتى في المشاركة في دفنه في مقابر تربتها الإسلامية.
وإلا كان عليه أن يتأسف عن ماضيه بهذه الجنسية المزدوجة وهو على رأس الحكم، وربما اعتذاره عن اضطراره لتحملها وهو في مسؤولية رئيس حكومة، وحتى وهو زير أو في وظفية سامية بالدولة، دون أن يفصح عنها للعموم، ويُقدِّر قابلية الناس لها في دولة لا مسوّغ فيها لقبول أجنبي الجنسية، ولو كان تونسي الأصل، في تسيير شأن من شؤونها العامة، لأنها أضعف حصانة من دولة تجيز ذلك لأسباب سياسية ظاهرة وأخرى مكتومة.
وقد بينا في لمحة سابقة (٤) أن الدستور، شرطُ الجنسية فيه، نظراً لكثرة حاملي الجنسية من المعارضين الذين كانوا بالخارج، جاءت صياغته مضطربة. فمن ناحية يشترط في المترشح للرئاسة أن يكون تونسي الجنسية منذ الولادة، ومن ناحية أخرى يخيّر حامل الجنسية الثانية أن يتنازل عنها بعد الفوز بالولاية.
وهذا التعبير يقتضي أن يسقط التعبير السابق "منذ الولادة"، لأنه سبق وأن حصل قطع في حمل الجنسية التونسية في مدة معينة، حين أصبح المعنيّ صاحب جنسيتين.
والسر في ذلك أن هذا التعبير "منذ الولادة" كان موروثاً من الدستور القديم، لأنه يرمي الى منع حمل جنسية ثانية لمن له غير جنسية بلاده ويرغب في الترشح لرئاسة الجمهورية بها.
فجاء الدستور الثاني لرفع الحرج منه وهو حامل للجنسية الأخرى في طور دون طور.
وأكثر البلدان تحرراً من الاستعمار ومخلفاته وأساليبه في تحريف توجهات الشعوب ضده، لا تزال سائرة في منع هذا النوع من التداخل بين الوطني البحت والوطني المخلّط في الوظائف السامية في دواليب الدولة ومناصبها العليا.
وعلى الأقل، لا بد من مضي فترة متباعدة بين التخلص من الجنسية الأجنبية وبين التأهل لما هو مجال للتنافس السليم علي تولّي المهام في الدولة.
وفي دولنا الكبرى قديماً لم يكن مشكل الجنسية قائماً وإنما الذي كان مقبولاً ديناً هو دخول الإسلام لكل من تختاره الدولة من اليهود والنصارى لتولي المناصب الهامة فيها وحتى قيادة الجيوش للحروب والفتح.
فانظر كيف تقاوم الدول الكبرى اليوم أصحاب الديانات المناوئة للإسلام لحمل شبابنا بعد الاستقلال على اعتناق جنسياتهم. وهي ترهنهم في الغالب لأغراضها التوسعية وتقدّمها على حساب الآخرين، وتمييز المتجنسين على أبناء بلدهم غير المتجنسين لديها.
المهم هو الشفافية، وليس نسج المبررات لصرف النظر. فقد دخلت تونس الى ما هو، في الحريات الفردية وفي التهاون بروح الجماعة، أبعد من الدول المحافظة في هذه الناحية لقوتها بذاتها.
وأكرمْ بمترشح للرئاسة حفظ كرامة شعبه قبل حفظ مصالح نفسه، وأجّل مستقبله لما بعد غده منعاً للظنون.
-----------
تونس في ٢١ أوت ٢٠١٩
-----------
وقع تحوير طفيف في العنوان الأصلي للمقال كما وردنا
محرر موقع بوابتي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: