د. ضرغام الدباغ - ألمانيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2286
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في الأسابيع الثلاثة المنصرمة قدم المركز دراسات عن المتعاونين مع العدو، فنالوا في تاريخ بلدانهم العار الأبدي، وفي عددنا الذي تتصفحون، قررنا التحول بالمقابل إلى أبطال خدموا شعوبهم فنالوا المجد الأبدي، ومن هؤلاء الأبطال الذين تقشعر الأبدان لبطولتهم الفذة .. هو الجنرال التركي عصمت رشاد قائد الجبهة الغربية في جيش التحرير التركي، الذي دخل معركة غير متكافئة مع عدو متفوق عدداً وعتاداً، ولكن الجنرال البطل المخلص كان يدرك تمام الإدراك أن مصير بلاده وشعبه إنما يتوقف على نتيجة هذه المعركة، فتحول هو ورجاله من الضباط والجنود إلى رموز، وحددوا مصيرهم بثلاث كلمات فقط " النصر أو الموت " .
كان العدو يحتل مواقع مهمة وقد أحتل العاصمة القديمة " اسطنبول " وهو ماض لاحتلال العاصمة الجديدة " أنقرة " وسوف يحتل الجزء الأعظم من أرض الوطن ... وفي منطقة " إينونو " وضع الجند الحراب على بنادقهم وقرءوا الفاتحة على أرواحهم .. وتقدموا للموت ... للشهادة ... بقناعة تامة وسرور أن ينالوا هذا الشرف الوطني والقومي.
البلاد ... الأمة .. الشعب بأسره يتضرع ويدعو بالنصر لجيشه ... وللوطن، حياة الأفراد لم تعد مهمة أمام الهدف الكبير .. الأبطال يتقدمون وهم يسمعون أزيز الرصاص ودوي المدافع كتكبيرات الجوامع وزغاريد النساء، هدف واحد ولا غيره هدف .. كنس أرض الوطن المقدس من الأعداء ...لا راية فوق راية الوطن ..
انتصرت الإرادة الوطنية الشريفة، وتم سحق الأعداء، امتلأت جثثهم في السهول والوديان، يا وطني الحبيب ... يا وطني الحبيب ... هاك رايات العدو معفرة بالتراب .. الشعب ينحني للمجد، للشهداء ... ويحترم الأبطال .. وسوف يطلق على قائد المعركة الجنرال عصمت رشاد أسم " عصمت أينونو " مجد أبدي لهذا البطل .. سائر المناصب والتكريمات تبدو صغيرة ..
في خضم السجال الكبير والنصر العظيم ... جرى تبادل برقيات تاريخية بين قائد البلاد والجنرال عصمت هي من أبلغ أدبيات الحروب ، عندما يختلط يجسد الحرف مجد السيف، حين تنطلق الكلمات الصادقة من القلب لتصيب القلب والعقل معاً .... إليكم نص البرقيات المتبادلة بين قائد الجبهة والقائد العام ..
في 23 / آذار /1192 بدأ اليونانيون هجوماً كبيراً على الأتراك بجيش مؤلف من 40 ألف مقاتل، واحتلوا بورصا وأوشاك، ثم توجهوا نحو أسكي شهر فقابلهم الجنرال عصمت رشاد قائد الجبهة بجيش مؤلف من 15 ألف مقاتل، وأمام تحصيناته في أينونو.
وفي 26 / آذار التحم الجيشان فأحرز اليونانيون في البدء انتصارات سريعة، وتراجع عصمت، ولكنه شن في 31 / آذار هجوماً معاكساً أنزل فيه خسائر فادحة باليونانين، واضطرهم إلى التراجع، وكتب إلى مصطفى كمال هذه البرقية :
" في الساعة السادسة والنصف من مساء اليوم، أحرزت قواتنا النصر النهائي على القوات اليونانية المهاجمة واضطرتها إلى الانسحاب وسط جو من الذعر والفوضى بعد أن اكتسحت جناحها اليمين، وإننا نقوم الآن بمطاردة الفلول الهاربة التي احتلت ميدان المعركة مخلفة ورائها الألاف من جثث القتلى " .
التوقيع : عصمت
فرد عليه مصطفى كما بالبرقية التالية :
" إلى عصمت باشا قائد الجبهة الغربية ورئيس الأركان العامة ــ جبهة القنال إينونو
قليلون جداً في التاريخ القواد الذين قاموا بالمهات الجسام التي قمتم بها في معركة إينونو. إن استقلال ووجود شعبنا إنما يرتكزان على وطنية وشجاعة القادة ورفاق السلاح الذين يؤدون بشرف واجبهم تحت قيادتكم العامة. إنك لم تتغلب فقط على العدو، ولكنك انقذت الأمة. والبلاد بأسرها تعتز بهذا النصر المجيد الذي احرزته، كما أن حقد العدو وغروره قد تحطم على الصخرة الصلدة التي أقمتها بوطنيتك وشجاعتك.
إنني إذ أهنئك على هذا النصر الذي سيخلد أسمك في التاريخ المشرف الذي جعل الأمة بأسرها تدين لك بالتقدير وعرفان الجميل الأبديين، ولابد لي من مصارحتك بأن قمة النصر التي تقف الآن عليها وتشاهد من فوقها جثث القتلى من الأعداء تحت قدميك، هي القمة التي يقف عليها الآن شعبنا كله نحو آفاق أرحب من النصر والمجد اللذين يكللان هامتها وهامتك ".
مصطفى كمال
رئيس الجمعية الوطنية التركية الكبرى
وكان لوقع برقية مصطفى كمال هذه وهو الذي عرف عنه ندرة أن تصدر عنه كلمة إطراء أو مديح، كان لها أبلغ الأثر في نفس عصمت، فأرسل إلى مصطفى كمال البرقية التالية :
" سعادة مصطفى كمال باشا رئيس الجمعية الوطنية التركية الكبرى
إنكم يا صاحب السعادة بما أضفتم على هذا الشعب من شخصيتكم وروحكم الملهمة قد نفختم في هذه الأمة روح الحياة وحملتموها على الصمود أمام جميع المؤامرات الدولية التي حيكت لأفنائها.
إنني بأسمي وبأسم جميع الضباط والجنود العاملين تحت إمرتي، أبعث لكم بأصدق مشاعر التقدير والوفاء، كما أن تهنئتكم لي قد هزت مشاعري وملأتني فخراً واعتزازاً ".
عصمت
قائد الجبهة الغربية
هكذا يخلد الشعب أبطاله بالمجد .... ويوسم المتعاونين بالخيانة بالعار
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: