د. ضرغام الدباغ - ألمانيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2367
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
مؤيد الدين بن العلقمي (1179 ــ 1258) أشتهر في التاريخ بأبن العلقمي، وهو وزير الخليفة العباسي المستعصم (رئيس الوزراء)، الذي تواطأ مع هولاكو بمعاونة نصير الدين الطوسي، على قتل الخليفة العباسي واحتلال بغداد، مقابل أن يكون هو أمير بغداد. تظاهر هولاكو بقبول شرط ابن العلقمي، وبعد أن تم احتلال بغداد، ومقتل الخليفة المستعصم، خنث هولاكو بوعده وقتل ابن العلقمي.
وأبن العلقمي عربي من أسرة عربية معروفة بالتاريخ فهو : محمد بن محمد بن علبي العلقمي الأسدي ويعود نسبه إلى أبو طالب مؤيد الدين العلقمي الأسدي. ألا أنه ولغايات في نفسه كاتب المغول (هول اكو) وخان عهده للخليفة العباسي وتواطأ على خيانة الدولة. وفي ذلك العهد وصفة كبار المؤرخين(أبن كثير، وأبن تغري) بالخيانة والعمالة.
ومهما تعددت الأقاويل في أسباب مخاطباته للمغول، إلا أن المتفق عليه بين المؤرخين أنه كان قد أجرى تلك المراسلات مع المغول سراً، على أمل أن يتولى إمارة بغداد. وكان ابن العلقمي على درجة من الكفاءة والمقدرة والمعرفة في شؤون الحكم والإدارة، وله مؤلفات وأعمال. وكان قد تولى الوزارة (كان رئيس الوزراء يلقب بالوزير) سنة (1242م) ولمدة 14 عاماً حتى سقوط الدولة، ومقتله.
والعلقمي على درجة كفاءته ومقدرته العلمية تلك، لم يكن فعالاً في إدارة الدولة، كما لم يحسن العمل على تحصينها، وحمايتها، وعندما أيقن أن المغول عازمون على اجتياح المشرق، ومنها عاصمة الخلافة العباسية بغداد، لجأ إلى التراسل والتخابر مع العدو المحدق متعاوناً في ذلك مع نضير الدين الطوسي المتعاون مع المغول. ويذهب المؤرخ قطب الدين البعلبكي إلى أن ابن العلقمي هو من بادر بالكتابة لهولاكو ورغبه وشجعه على القدوم إلى بغداد، على أن يكون وكيلهم في بغداد فوعدوه بذلك. وهناك رواية شهيرة أنه أمر بحلاقة رأس أحد خدمه، ثم كتب بالوشم على فروة الرأس رسالة، وترك الغلام حتى يطول شعره فبعث به لهولاكو.
ثم أنه بمنصبه كوزير أتخذ إجراءات عديدة عدم جاهزية الدولة للحرب وتسهل استسلام العاصمة، وسوء النصيحة للخليفة، ومن ذلك أنه عمل على إقناع الخليفة بتزويج أبنه من أبنة هولاكو، وكانت هذه خديعة ليخرج بها الخليفة من أسوار عاصمته (بغداد) لمقابلة هولاكو، وقتله فيما بعد.
ومن أفعاله لتمهيد سقوط الخلافة أنه كان يقلل من تخصيصات الجيش وتقليل موارده لإضعافه، وإنقاص عدده وعدته، وقد كاتب هولاكو يعلمه أن الجيش ضعيف ولا قبل له بمقاومة جيش التتار إن قدم إلى بغداد. ولم يكتف بذلك بل مضى بعيداً في خيانته وقد أنغمس فيها، متنكراً لعهوده ومواثيقه، وأنحاز للعدو. ويقول المؤرخون، أن هول اكو لما بلغ بغداد، كان الخليفة المستعصم قد أستنفر أهل بغداد، وصار يجمع الجيش، وتعاهد الجميع على الدفاع عنها، وخرجوا إلى ظاهر المدينة فقاتلوا المغول قتالاً شديداً، حتى شعر هولاكو بالخطر فانسحب من بغداد بعد أن كثرت خسائره، ورد أبن العلقمي على ذلك بأن أرسل من جماعته من خرب السواقي والسدود حول بغداد، فأغرقت المياه الجنود وخيامهم وخيولهم، وأبلغ هولاكو بما فعل الذي عاد على عجل مغتنماً الفوضى داخلاً بغداد وكسب المعركة.
ولما أدرك هولاكو أن الأمر أستتب له، قتل أولاد الخليفة بنصيحة من نصير الدين الطوسي وأبن العلقمي، وأباد فئة أعيان الدولة وعلماؤها، وقادتها، ثم أوعز بالقتل لعامة بغداد فدارت المجازر لمدة تزيد عن ثلاثين يوماً (قيل 32 يوماً)، جرى بعدها النهب والسلب، والتخريب، وتدنيس الجوامع ومنع إقامة الأذان، والصلاة في الجوامع لعدة شهور. وقتل الكثير من بغداد من سكانها ولم يسلم إلا من ساعده الحظ فأختفى حتى انحسرت موجة القتل.
ويخلص المؤرخون أن أبن العلقمي بلغ ما أراد بثلاث خطوات متكاملة مترادفة:
1. إضعاف وإهمال شؤون الدولة على مقدرته وكفاءته، مما أدى بالدرجة الأولى إلى إهمال الجيش.
2. مخابرة العدو التتاري (هولاكو)، ينبأهم عن ضعف الاستعداد ويحرضهم على غزو البلاد.
3. أقناع الخليفة عن عدم قتال التتار بل صلحهم والتصاهر معهم.
وغادر الجيش التتري بغداد خشية الإصابة بالأوبئة والأمراض، ووضع هولاكو أبن العلقمي حاكماً على بغداد برعاية ورقابة تتارية، وكان أبن العلقمي ينال الإهانات حتى من صغار الجند التتر، حتى قيل أنه ندم على فعلته وخيانته، حتى أن إمرأة بغدادية عيرته إذ رأته يهيم في الشوارع طلباً للعلف لحصانه، فخجل وتوارى ولم يشاهده أحد.
يميل بعض المؤرخين إلى أعتبار أن العلقمي أقدم على خيانته بسبب أنتماؤه المذهبي، إلا أننا لا نرجح ذلك، ونميل إلى الاعتقاد إلى أن العلقمي كان يعاني من عقد نفسية وميل فطري للانحطاط، فبتقديري أن الخائن المتعاون ليس بإنسان طبيعي سوي، فلربما كان يجد في نفسه الكفاءة وأداؤه الإداري الممتاز سبباً أن يعتقد أنه أجدر بالحكم، أو ربما صحت في نفسه شهوة المال والتملك، أو أن خوفه وجبنه دفعه للتعاون مع العدو لينقذ رأسه، ومن المؤكد أن نصير الدين الطوسي، وكانت له مكانته المهمة في حاشية هولاكو كمستشار) وكان يكن حقداً أعمى على العباسيين، كان له دوره في إقناع أبن العلقمي وحمله على التعاون والخيانة مع هولاكو.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: