صلاح الحريري - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2816
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لطالما كانت المدينة الفاضلة، مدينة الفضلاء، مدينة النبلاء، مدينة الإنسان، هي حلم الصادقين...هي حلم الفلاسفة والعلماء والمتصوفة وأهل الفن الحقيقي الصادق الهادف. وكذلك كانت المدينة الفاضلة هي حلم المقهورين والمظلومين والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.
ولطالما سعى إلى إنشاء المدينة الفاضلة أناس كثيرون على مدار التاريخ الإنساني، بالفعل سعَوْا إلى إنشاء مدينة أو مدن يسودها العدل والرحمة.
كل إنسان سوِيّ أو يحمل قدراً من الضمير لا بد وأن يتمنى إقامة المدينة الفاضلة، وليس كما قال المأفونون أن تحدثه نفسه بالغزو. كل من يحمل قدراً من الضمير لا بد أن يتمنى، على الأقل، إقامة المجتمع الفاضل. وكلما زادت يقظة ضميره فإنه ينتقل من خانة التمني [تمني إقامة المدينة الفاضلة]، إلى خانة الفعل والسعي والمحاولة [محاولة إقامة المدينة الفاضلة].
المدينة الفاضلة!!....ما هي المدينة الفاضلة؟
المدينة الفاضلة هي التي أهلها فضلاء. والإنسان الفاضل هو الذي يتعامل بالفضل لا بالعدل، لكنه يلجأ إلى العدل فقط، وفقط إذا اختل النظام. كذلك فإنه هو الذي يتعامل بالفضيلة لا بالرذيلة، حتى وإن رَذُل فإنه يعود إلى الله.
إذاً هناك المدينة الفاضلة وهناك المجتمع الفاضل وهناك الإنسان الفاضل.
ننتقل إلى جزئية مهمة، المدينة الفاضلة، قد تكون بالقهر [من خلال القانون، حيث تسهر المجموعة الفاضلة في المجتمع على تنفيذ القانون الصالح، الذي ليس به ثغرات، على المواطنين جميعاً، الصالح منهم والطالح]، وهكذا فالمدينة الفاضلة قد يكون بعض أهلها غير فضلاء.
أما مدينة الفضلاء، فهي التي كل أهلها فضلاء. وهذه لا يمكن إقامتها مباشرة، لفساد الطبيعة البشرية في بعض أفراد المجتمع، وإنما يمكن إقامتها بالتدريج، من خلال تطوير أفراد المجتمع حتى يصبح المجتمع، كله، فاضلاً، فتصبح مدينة الفضلاء.
وهكذا مدينة الفضلاء هي بالضرورة المدينة الفاضلة، لكن ليس بالضرورة أن تكون المدينة الفاضلة هي مدينة الفضلاء. لكن قد يطلق اسم المدينة الفاضلة على مدينة الفضلاء.
أول من دعا وسعى بل ووعد بإقامة مدينة، بل مدن، بل أمم، بل كوكب فاضل، هو الله رب العالمين.
فالله لم يَدْعُ ويسعى فحسب، بل وعد بإقامة المدينة الفاضلة على الأرض. وهو صادق في وعده، بإذنه تعالى. وهو، بإذنه، منفذ وعده. يقول الحق [وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوؤا من....الجنة....حيث نشاء فنعم أجر العاملين].
وتحقيق الجنة على الأرض إنما هو تحقيق لذات الله تعالى. فالله من حيث هو ذات يريد أن يحقق ذاته، كما تريد أي نفس إنسانية أن تحقق ذاتها. وتحقيق الله لذاته قضية فلسفية لاهوتية جميلة.
كما قلنا، فالله لا بد وحتماً منفِذٌ وعده، يقول الحق [ ولا تحسبن الله مخلف وعده رسلَه إن الله عزيز ذو انتقام].
إذاً هناك من اكتفوا بالدعوة إلى إقامة المدينة الفاضلة. وهؤلاء منهم فلاسفة ومصلحون إجتماعيون، وسوف نتعرض لهم في نبذة مختصرة. وهناك من لم يكتفوا بالدعوة، بل سعوا جادين إلى إقامة المدينة الفاضلة، والمجتمع الفاضل، والإنسان الفاضل. هناك من سعوا إلى إقامة المدينة الفاضلة، لكنهم لم ينتبهوا إلى تطوير البشر الذين يعيشون في المدينة الفاضلة حتى يصيروا كلهم فضلاء، مما أدى إلى انهيار حلمهم.
سنحتاج إلى 3 مقالات أخرى، على الأقل، حتى نوفي الموضوع حقه، قدر المستطاع. إلى مقالات أخرى.........
أرجو ألا أكون قد أطلت....وشكراً.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: