البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الكيانات الأسرية في التاريخ العربي القديم والوسيط

كاتب المقال د. ضرغام الدباغ - برلين    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 6097


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


محتوى البحث

أولاً : المقدمات النظرية والسياسية لنشوء الأنظمة الأسرية.
ثانياً : عصر فجر السلالات، أو دويلات المدن
ثالثاً : الكيانات الأسرية في العهد العربي / الإسلامي.
رابعاً : كيانات في مشرق الإمبراطورية
خامساً : كيانات في مغرب الإمبراطورية

-------

أولاً : المقدمات النظرية والسياسية لنشوء الأنظمة اللأسرية.


عرف التاريخ السياسي للإنسانية في شتى بقاع الارض ومراكز الحضارات أنظمة الحكم الأسرية، بل أن هذه الأنظمة كانت الأولى في فجر التاريخ، تلك الأنظمة التي عرفتها البشرية عندما توفرت شروط عديدة، فأستوطن الإنسان للمرة الأولي في مجاميع صغيرة على ضفاف الأنهر وتعلم تدجين الحيوانات، والأنواع البسيطة من الزراعة، وقبلها تعلم كيف يروض المعطيات الطبيعية وفي مقدمتها الفيضانات التي كانت تحول وبين استيطانه على ضفاف النهر، ولكنه وبعد أن أستطاع أن يروض النهر ويسيطر على الفيضان عبر معارف هيدروليكية (Hydraulic)، وتنظيم أقنية الري والسقي وتصريف المياه الفائضة، بعدها صار ممكناً أن يستوطن الإنسان على ضفاف الأنهار ويبدأ أولى خطواته بتشييد الحضارات، وأولها تلك التي قامت على ضفاف الأنهر : الرافدين في العراق، النيل في مصر، اليانغسي في الصين، براهمابوترا في الهند .. الخ.

بيد أن أساليب قيام الأنظمة الأسرية وشروطها ومآلها تغير بتغير الظروف التاريخية نشأة ومهاماً وتركيباً، وبواعثاً وعناوين ثم تفاصيل قانونية / دستورية. وإذا كان من قاسم مشترك أعظم يجمع بينها، كانت بصفة عامة:

1. قائد ذو نفوذ عشائري / عسكري، عائلي / ديني، يتخذ طابعاً سياسياً على يد مؤسس الأسرة لهذه النظام.
2. ضعف يعتري الدولة الكبيرة، فتنتشر فيها حكم الولايات الأسرية، فيستأثر الولاة الأقوياء بالحكم ويبتعدون عن حكم الإدارة المركزية إلى حكم لامركزي، قد يتجه للأستقلال عن المركز فيما بعد.
3. نظام حكم تتضافر عليه عوامل تؤدي إلى ديكتاتورية عسكرية / سياسية.
4. تتعرض هذه الأسرة الحاكمة للضعف التدريجي أو المفاجئ بموت مؤسسها، أو جيل / جيلين من بعد المؤسس في مدة تتراوح بين 60 ــ 129 عاماً.

ومثل هذه الأنظمة انتشرت في شتى بقاع العالم، خاصة تلك التي دارت فيها عمليات سياسية وثقافية، لا سيما في أوربا وآسيا وبدرجات أقل وذات صوت وصدى خافت في أميركا اللاتينية، وأقل منها بكثير في أفريقيا، عدا دول الشمال الأفريقي العربية حيث تميزت التاريخ السياسي فيها بالتطور والتنوع والحيوية. ولكن يحدث حتى في العصر الحديث أيضاً أن تستولي أسرة على السلطة فتقيم نظاماً تتشابك فيه الأطر السياسية / الحزبية بالعلاقات العائلية، في ظل مجتمع طغياني ديكتاتوري، وهي ضرورة يلجأ لها الحاكم سليل الأسرة لكبح جماح أي صوت معارض، كما هو الحال في كوريا (أسرة سونغ) التي تتمترس وراء شعارات اشتراكية وحزب، أو سوريا (أسرة الأسد) التي ترفع شعارات قومية وحزب تغيرت فيه النظم الداخلية وقواعد العمل السياسي / الحزبي لتخدم أغراض وأهداف الأسرة في تحقيق النفوذ السياسي والاقتصادي، ومحاولات أقل نجاحاً أقدم عليها الرئيس حسنى مبارك في جمهورية مصر العربية، ومثل تلك المحاولات جرت مقدماتها في ليبيا، في عهد الرئيس القذافي، وفي اليمن في عهد الرئيس علي عبدالله صالح.

ورغم أن الهند يحكم بنظام ديمقراطي لا توجد شبهات في شفافيته، ونزاهته، وإن وجدت فهي نادرة، ومع ذلك فقد تزعمت أسرة هندية معروفة ميدان العمل السياسي، وهي أسرة أول رئيس وزراء في الهند بعد أستقلالها عن بريطانيا، وهي أسرة جواهر لال نهرو، الذي كان أحر أقطاب النضال من أجل الاستقلال، وبعد وفاته، تزعمت أبنته أنديرا غاندي حزب المؤتمر لتصل إلى منصب رئاسة الوزراء عدة مرات، وبعد أن أغتيلت، تزعم أبنها راجيف غاندي الحزب وأصبح رئيساً للوزراء، ويعد أغتياله هو الآخر، تزعمت زوجته سونيا غاندي(الإيطالية الأصل) حزب المؤتمر، ولكنها لم تصل إلى كرسي رئاسة الوزارة.

وتختلف بالطبع النظم الأسرية عن الدول ذات الأنظمة الملكية الديمقراطية. فالنظام الملكي هو نظام على أية حال، فيه دستور أو دستور عرفي، ونظام الدولة فيها يتمتع بآليات انتقال السلطة، بينما النظم العائلية تتوارث السلطة باتفاق بين شيوخ وزعماء الأسرة، وتدور معظم المداولات في الخفاء.

وعرفت إيطاليا عرفت عدة أسر حاكمة منها : أسرو بورجيا (Borgia) التي أمد نفوذها السياسي / الديني القرنين الربع عشر والخامس عشر، وكان منهم من تسلم منصب البابوية، وتأسس نفوذهم على هذا الأساس رغم أنها كانت أسرة اشتهرت بالفساد السياسي والمالي والخلقي، وهي سمات تظهر مرافقة للطغيان والأنظمة التي لا رقيب ولا حسيب عليها.

ومن الأسر الإيطالية التي ذاعت شهرتها أيضاً هي أسرة ميديشي(Medici) التي أقتصر نفوذها في عصر الأمارات الإيطالية على فلورنسا(بين القرن الرابع عشر والثامن عشر)، وأتسع فيما بعد تجارياً وثقافياً إلى فرنسا وبريطانيا. ولكن نفوذ هذه الأسرة التي نشأ أساساً من ثرائها، تقلد ثلاثة منهم مرتبة البابوية، كما توصلوا لحكم أمارة فلورنسا، وبلغ نفوذهم السياسي والمالي عن طريق المصاهرات وتأسيس البنوك إلى فرنسا وبريطانيا. وعرف عن هذه العائلة تشجيعها للفنون والآداب والثقافة ولهم أيادي بيضاء في عصر النهضة.

والأنظمة الأسرية في التاريخ العربي تشير إلى أنها كانت نتيجة لتدهور مكانة الدولة ومن العناصر التي ساهمت في ضعف الدولة العربية الإسلامية، فهي أنظمة اهتمت بتأسيس كيانات كانت خارجة واقعياً عن سيطرة الحكومة المركزية، رغم أنها تقدم الولاء الشكلي لها، وربما بعض من الضرائب، وتسك أسمه على العملات، ويدعى له من على المنابر. وكانت مساعي هذه الكيانات تتركز في الغالب على توفير وضمان ما يساعدها على السيطرة على الأقليم وربما الأقاليم المجاورة.

وإذا كنا في مجال تقيم أداء الأنظمة الأسرية، فالبعض من تلك الأسر أستطاع أن يقدم منجزات ثقافية واقتصادية مهمة، ومن تلك الأسر السامانيون، والطاهريون، في مشرق الدولة العباسية، والأغالبة في مغربها، في أوربا كان لأسرة ميديتشي منجزات ثقافية وسياسية مهمة كما أسلفنا. بيد أن النظام الأسري المؤسس على مبدأ تركيز السلطة ضمن الحلقة الأولى من العائلة، والحرص على استمرار مكوث العائلة في الحكم، يلحق أضراراً في المسار التاريخي لهذه الدولة. رغم أن الجيل الثاني ربما يفتقر إلى الكاريزما القيادية التي أهلت للمؤسسين وضع اللبنات الأولى لنظام الأسرة. وحرم النظام السياسي من فرصة التطور والتقدم.

التاريخ زاخر بشتى الدروس والعبر، ولكن الاستفادة منها هي العبرة الأكبر، وأستخلاصها هي مهمة المؤرخين وعلماء السياسة.

الباحث


ثانياً : الدول الأسرية في عصر فجر السلالات، أو دويلات المدن
Early Dynastic Periods (2371-2800)

مثل وادي الرافدين احد الأهداف الرئيسية(إلى جانب سورية الطبيعية ووادي النيل) لاتجاهات هجرة القبائل البدوية سواء كانت عمورية أو أرامية أو كنعانية أو غيرها التي عاصرت أقامة أولى المستوطنات والمشتركات على ضفاف الأنهر وأقامت المدن. ومن جهة أخرى كان للمشاريع الأروائية وترويض مياه النهر والاستفادة منه في السقي وتدجين الحيوانات، بالإضافة إلى استقرار سلطة الدولة القوية عاملاً مهماً في لاستقرار وتوطيد عرى الوحدة بين السكان والانتقال إلى حياة المدن بصفة نهائية وتطوير المنجزات الاجتماعية والسياسية.

وكانت إقامة المدن الخطوة الأولى التي افتتحت المجال لتطوير هذه التجربة الإنسانية التي استغرقت زمناً طويلاً للوصول إليها وأدت كنتيجة حتمية لها، أقامة الإدارة المركزية وتأسيس أولى الدول والحكومات التي أطلق عليها في بلاد الرافدين الدويلات السومرية. وكانت تلك الدويلات بنفس الوقت فاتحة لعصر التاريخ، أي عندما اخترع الإنسان الكتابة وصار بالإمكان تدوين التاريخHistorical Periods ودخول عصر التاريخ، وقد استمرت الدويلات السومرية كمطلع لهذا العصر من عام 2800 إلى 2371 ق.م، أي أربعمائة وتسعة وعشرون عاماً، ثم ابتدأت بعدها مجموعة من الدويلات الأكدية منذ عام 2371 ق.م .

ويقرر المستشرق هاري ساكز :" إن الحضارة السومرية اكتسبت شكلها المميز في النصف الأول من الألف الثالث ق.م في الفترة المعروفة عامة بعصر فجر السلالات"(*)(23). فعصر السلالات هو عصر المدن بعد أن تطورت المشتركات من دور المجتمع الزراعي إلى عصر المدن التي أصبحت مقراً للدولة والدين والتجارة والفنون والآداب.

وكان نظام دويلات المدن معروفاً في اليونان القديم أيضاً. ويلاحظ في كتاب أفلاطون أنه شديد الخلط بين كلمتي: مملكة والمدن بسبب شيوع دول المدن في اليونان. (*)(24) فقد ازدهرت تلك الدويلات في عصر فجر السلالات، ثم عادت واضمحلت في أواخر تلك العصور وحل محلها دولة القطر الواحد، وكان النزاع والتنافس شديداً بين هذه السلالات للاستيلاء على اكبر جزء من الأراضي الزراعية وعلى مصادر المواد الخام، السبب الرئيسي في الاتجاه السياسي العام نحو توحيد البلاد ووضعها تحت سلطة إدارة مركزية واحدة.

ويستدل من أثار مؤكدة(الكثير منها مكتوبة أو رمزية)، أن التجارة كانت المسالة الأكثر أهمية في حضارة بلاد الرافدين منذ أن تأسست المجاميع الأولى من المدن على ضفاف الأنهر أو بالقرب منها، فقد كان التجار وقوافلهم تقطع المسافات البعيدة من أفغانستان إلى بلاد النهرين أو سورية وصولاً إلى سواحل البحر المتوسط وهي تحمل في تجارتها ليس المواد الغذائية الضرورية فحسب، بل وأيضاً الحلي والأحجار الكريمة والمعادن.

وكان نظام دويلات المدن عبارة عن مدينة رئيسية وهي العاصمة، ويتبعها عدد من المدن الصغيرة والقرى والأراضي الزراعية، وغالباً ما يكون هناك مصدر رئيسي للمياه. وللمدينة نظمها وتقاليدها وعاداتها وسلالتها المستقلة الحاكمة. وكان نظام الدويلات في العراق وسورية يضاهي نظام الدويلات في المدن اليونانية، حيث يكون انتماء الفرد فيه إلى الدولة وليس للقبيلة، وقد يكون هذا النظام قديم جداً ولكنه غدا متطوراً وواضحاً بمرور الوقت ومع تقدم الكتابة.

وفي المراحل الأولى من تأسيس دويلات المدن كانت سلطة كهنة المعابد تفوق قوة سلطة الإدارة المركزية. وعلى الأرجح أن ذلك كان بسبب حداثة عهد تلك الإدارات بالسلطة وكونها بحاجة إلى دعم المعبد لتحقيق الالتفاف حول السلطة بسبب شدة فاعلية الاعتقاد بالآلهة، وكانوا يعتبرون الكهنة بمثابة الوسطاء بينهم وبين الآلهة، وكثيراً ما كان الكهنة هم حكام البلاد في نفس الوقت ويطلق عليهم اسم (إن En)، وكان الحكام كدليل على شدة التحام العبد والسلطة السياسية، يسكنون في جناح ملحق بالمعبد يطلق عليه أسم (كيبار ـ Kibar).

ولكن مع مرور الزمن واتساع مساحة الدولة والمدن وكثرة عدد السكان، وتمرس الإدارة والحكومة بوجباتها، وتصاعد وعي الناس بأهمية السلطة المركزية واتساع مهام بوظيفة الحاكم، انفصلت سلطة الحكومة عن السلطة الدينية، وشيد الحكام لأنفسهم قصراً كمقر للحكم بمعزل عن المعبد ولقب الحاكم بلقب أنسي ـ Ensi ، ولكن دون انفصال السلطة الدينية والسلطة الزمني، وعندما كانت سلطات أحد الحكام تتسع بصفة فائقة للعادة، كان يطلق على نفسه لقب لوكال Logal، أي الرجل العظيم باللغة السومرية.

ويورد العالم الآثاري جاكوبسن Jacobson، في بحث عن طبيعة نظام الحكم في الدويلات السومرية بعنوان: الديمقراطية البدائية في بلاد الرافدين Primitiv Democracy in Ancint Mesopotamia " أن السلطة العليا في المدن السومرية الأولى، كانت تتألف من مجلسين:

الأول: مجلس الشيوخ (المسنين)، وهم رؤساء الأسر والعوائل والوجهاء.
الثاني: يضم جميع مواطني المدينة بما في ذلك النساء.

وتتخذ القرارات باجتماع المجلسين في حالة ضرورة القرار الحاسم. وتلعب شخصية الفرد دوراً في تحديد مكانته ونفوذه وتعلن القرارات عن مجموعة يطلق عليها ( مشرعي القانون) وينظر المجلس بشأن الأمور الخطيرة والحاسمة مثل، إعلان الحرب أو عقد المعاهدات.

ومن المؤكد أن التطور الاقتصادي/ الاجتماعي وتسارع تبلور الموقف الاجتماعي في المدن وبروز الفئات الاجتماعية بوضوح ساهم في نمو السلطة المركزية والدولة وتعدد اختصاصات الدوائر، وهناك ما يشير في آثار مؤكدة من أصحاب النفوذ والأملاك كانوا يمثلون دائماً العناصر الرئيسية في أي مجلس تمثيلي ولا سيما في مجـالس الكـبار (الشيوخ).

ومن المؤشرات التي تدل على تطور فعاليات الدولة، أن كلكامش ملك الوركاء، وعندما أراد إعلان الحرب على دولة كيش، استشار في ذلك مجلس الكبار(الشيوخ) ومجلس الشباب، ثم كتبت معاهدة السلام فيما بعد على مسلة حجرية. وبذلك تعد نصوص معاهدة أنتيميا كأقدم معاهدة صلح دولية موثقة موجودة، كما تتيح لنا الآثار المكتوبة الإطلاع على الكثير من فعاليات الدولة في التنظيم الاقتصادي والاجتماعي. كما أثبتت التنقيبات أن هناك رسائل دبلوماسية متبادلة بين ملوك العراق الحيثيين والكيشيين والحموريين مع ملوك مصر الفراعنة، فقد وجدت في عاصمتهم (العمارنة) بمصر كتابات بالخط المسماري لبلاد الرافدين باللغة الأكدية مما يؤشر وجود علاقات سياسية بين ملوك وحكام الشرق الأوسط في أواسط الألف الثاني قبل الميلاد(1500 ق.م).

ولكن تطور سلطة الحكومة والدولة لم تلغ أهمية المعبد، حيث تشير حقائق تاريخية كثيرة إلى أهمية المعبد، حيث تشير حقائق تاريخية كثيرة إلى أهمية المعبد والكهنة في حياة الناس، ففي أواخر عصر فجر السلالات ودول المدن، بدأت النشاطات الدينية تتحول إلى نشاطات جماعية وتصاعد بذلك أهمية المعبد في حياة الناس والمجتمع.

إلا أن مكانة المعبد سياسياً واقتصاديا واجتماعياً، كانت أمراً متفاوتاً بين مدينة وأخرى (بحسب التطور الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وتطور مؤسسات الدولة) ومن مرحلة تاريخية إلى أخرى، ولكنها لم تفقد أهميتها في حياة السكان. وفي الوقت الذي كانت فيه المعابد تدل على درجة تطور فن العمارة والبناء، فإن فخامة المعابد كانت تدل أيضاً على ثرائها حيث كانت تمتلك الأراضي الزراعية وأيضا من خلال استلامها للكثير من الهدايا والقرابين، الأمر الذي مكنها من المساهمة في الفعاليات التجارية، وبالتالي فقد كان ثراء المعبد أمرا يدل على سمو شأن ذلك المجتمع أو بالعكس انحطاطه.

بيد أن التطور اللاحق أفضى إلى نتيجة بمؤداها صارت الأنظمة الأسرية لا تفي بمتطلبات التقدم والتطور من كافه نواحيه :

1. التطور السكاني الذي أفضي بدوره إلى ....،
2. تطور في أنظمة الدول والحكم .

بل وسرعان ما كان لتزاحم دول الاسر والعائلات التي تطور من نظم حكم المدينة (Early Dynastic Period بحدود 300 ـ 2700 ق.م.) إلى اتحاد أو اندغام عدة مدن في دولة قوية واحدة، من عصر دويلات المدن إلى الإمبراطوريات، وتلك كانت حقبة شهدت تأسيس امبراطوريات كبيرة وقوية، وإن كان النظام الملكي هو الغالب، إلا أنها لم يطلق عليها حكم عائلات أو أسر، فتلك حقبة ولت، والأنظمة الملكية كانت ضمن نظام سياسي.

وكان قوام النظام السياسي يتمثل بتحالف بين القوى الرئيسية الثلاث في الدولة:

الملك / المعبد / أمراء الأرض (الإقطاع القديم)

واتفاق هذه القوى الرئيسية الثلاث كان عاملاً جوهرياً في الحكم ومتانته وقدرته في التصدي للأعداء الخارجيين الدرجة الأولى، وكذلك للمشكلات الداخلية ويفترض أنها لم تكن تتجاوز الفتن والدسائس والمؤامرات، أو فعاليات عصيان.

وهذه القوى الثلاث كانت تمثل في ذلك الوقت، في غياب مجتمعات لما تبلغ بعد مرحلة التبلورات الطبقية والاجتماعية التي تؤهلها لإفراز فقه دستوري وقانوني واضح، لذلك فإن هذه القوى الثلاث كانت تتقاسم النفوذ الاقتصادي والسياسي والثقافي في مجتمعات تلك العصور، وقيادة التحالف كان يتراوح بين سلطات المعبد الكهنوتية، أو الملك الذي يتمتع بحقوق تضعه في مرتبة مقدسة بمباركة المعبد، فيكون ملكه أما بموجب الحق الإلهي(Diveny Reight)، أو الزعم بأن الآلهة قد ساهمت في ولادته وفق نظرية الحلول الإلهي(مبدأ الحلول Incarnation ).


ثالثاً : الكيانات الأسرية في التاريخ العربي الإسلامي

كانت الفتوحات وتحرير البلاد العربية ورفع راية الإسلام فيها، وتوحيد الأمصار العربية لأول مرة جميعها تحت قيادة سياسية / إدارية واحدة، تعني أيضاً أتساع الدولة العربية الإسلامية وأيضاً أن تواجه الدولة صنوف من المشكلات ذات طبيعة مختلفة، تتطلب معالجات متفاوتة.

آ / مشكلات قضائية وإدارية ومالية ومحاسباتية.
ب/ مشكلات ناجمة عن تباين الظروف الموضوعية في كل قطر(لا سيـما غير العربـية)، الاقتصادية منها والاجتماعية والثقافية.
ج/ مشكلات يثيرها الحكام وولاة الأقاليم بسبب سوء التصرف والرغبة للاستئثار بالسلطة.
د / صحوة قومية تسببت في نشوء طموحات سياسية في تحقيق أي قدر من الاستقلال عن دولة الخلافة العربية، سواء كانت إمارة تابعة، أو دويلة تحت الحماية، حكم ذاتي، دولة مستقلة.

ولا بد من الإقرار بأن حجم المشكلات، سياسية أو أمنية، كانت في الولايات الشرقية أخطر منها في سائر الولايات العربية الأخرى، وعندما نتحدث عن الولايات الشرقية، فإننا نقصد بلاد فارس (إيران الحالية) وأذربيجان وأرمينيا، وولايات ما وراء النهر(نهر جيحون)، أي تركمانستان وأوزبكستان، وكازاخستان، وطاجكستان الحالية، وإلى الجنوب الشرقي، أفغانستان وشبه القارة الهندية. وقد كانت المشكلات متفاوتة في حجمها وطبيعتها، بل وفي ظروفها أيضاً.

ومن المعروف، أن العنصر التركي ـ المغولي (Turku- Mongol)، وهو العنصر الغالب في مناطق ما وراء النهر، ولكنه ليس العنصر الأوحد، فالمنطقة تتكون من موزائيك من العناصر والأعراق والمجتمعات، تختلف في درجة نضجها القومي والوطني وكذلك في درجة تحضرها الاجتماعي والثقافي، إذ أن الأنماط والعلاقات الرعوية ـ البدوية، كانت وما تزال سائدة على نحو واسع النطاق حتى بعد أن حل الإسلام بتلك الأرجاء بقرون طويلة، بل أن العديد من الشعوب والعناصر في تلك الأرجاء لم تكن اللغة قد تبلورت لديها بعد، كما أن أخرى تتحدث بلغة، فيما تستخدم للكتابة لغة أخرى، وهناك من يستخدم لغة أخرى غير لغته الوطنية للكتابة والتحدث معاً كالطاجيك مثلاً. (1)

والمؤكد أن علاقات الإنتاج والأوضاع الاجتماعية كانت متخلفة في تلك الأرجاء، ويعود نجاح الحركة الإسلامية هناك إلى الظلم والتعسف الذي كان السكان يلقونه على أيدي الأمراء والإقطاع وزعماء القبائل، كما أن النظام الديني الوثني لم يكن ينطوي على أية بادرة أمل في تحقيق تطور اجتماعي / اقتصادي وسياسي، ولهذه الأسباب وربما هناك غيرها ومثلنا يذهب العديد من المستشرقين الأوربيين، نرجح سهولة دخول(نسبياً) الجيوش العربية الإسلامية، ولاحقاً الثقافة العربية، إذ كانت تلبي فيهم حاجة يفتقدونها، إلى رباط يجمع شمل تلك العناصر المشتتة ويفسح المجال أمام تحقيق تطورات ومنجزات ثقافية وسياسية.

وقد ورد في مصادر عديدة، أن الجيش العربي الإسلامي لم يكن تواقاً إلى اجتياز جبال زاغروس والتوغل شرقاً في بلاد فارس وما ورائها، ولكن الضرورات الاستراتيجية والتكتيكية فرضت ذلك. وبالدرجة الأولى كان في استمرار الجيش الساساني في مناوشة ومقاتلة الجيش الإسلامي وفي مرحلة لاحقة، بعد توغل الجيش الإسلامي في تلك الديار، كان هناك حدثان مهمان لعبا دوراً حاسماً في تقرير مستقبل تلك البلاد :

الأول ـ اغتيال الملك يزدجر وانهيار الدولة الفارسية / الساسانية وتشتت الـسلطة فيـها نتيجة صراعات وخلافات ودسائس محلية.
الثاني ـ الانتشار السريع للإسلام بين الناس، لا سيما بين الفقراء الذين كانـوا يمـثلون الغالبية الساحقة من السكان، فالمسلمين جاءوا بجيش وعقيدة ونـظام، وكان ذلك يمثل أملاً لهم بتحسين ظروفهم لذلك أنظموا إلى الإسلام. والإقطاعيون فعلوا ذلك أيضاً، ولكن بهدف الحفاظ على مزاياهم ومواقعهم الاجتماعية.

والواقع أن السلطات الإسلامية كانت قد استطاعت أن تكسب أعجاب السكان بسبب إقامتهم العدل وأزاحتهم لظلم الإقطاع وقسوة السلطات السابقة. وكان الناس يأملون أوضاعاً سياسية واقتصادية أفضل من ذي قبل، وبالفعل فقد تحقق الكثير ومن ذلك من خلال إصلاحات في أنظمة الري، وانعكاس ذلك سريعاً بصورة مادية ملموسة في ازدهار الحياة الاقتصادية وتحسن مستوى معيشة الناس.(2)

أما على الصعيد السياسي وذلك هو الأهم، فقد كانت السلطات الإسلامية لا تستبعد أبناء تلك البلاد من المناصب حتى القيادية منها، والعامل الحاسم في الأمر هو الولاء للسلطات، والالتزام بالدين الإسلامي، ولكن في مناطق عديدة، سيما في أرجاء ما وراء النهر(وهي الكائنة إلى الشرق من بحر قزوين) فإن السلطات الإسلامية وقادة الحملات ابقوا على رأس السلطة من هادن السلطة الإسلامية وقبل دفع الجزية دون دخول الإسلام كما حصل مثلاً في بخارى. (3)

ولكن نجد من الضروري التنويه بطبيعة العلاقات الاجتماعية والثقافية والسياسية في تلك الأرجاء التي كانت لما تزل الأنماط السائدة فيها بدوية / رعوية، وإن أنماط السلطة السياسية متأثرة بطبيعة الحال بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الضعيفة أساساً وانعكاس لها. أما طبيعة الحياة الثقافية فقد كانت محدودة للغاية بسبب تخلف اللغة أساساً، وضعف صلاتهم بالأقوام الأخرى(لصعوبة الأوضاع الجغرافية وبعدها عن المراكز الحضارية) وكذلك بسبب تخلف نظام العبادة الذي كان وثنياً.

بيد أن الأمر لم يستمر على هذا المنوال، فقد كانت الأحداث الجديدة نافذة مرت من خلالها رياح التغير وأعاصير التحولات، وإذا كان القرن الهجري الأول قد شهد بصورة رئيسية ترسيخ وتثبيت السلطة الإسلامية في تلك الأمصار(ما وراء النهر وبلاد فارس) فإن أواخر العهد الأموي وأوائل العهد العباسي قد شهد بدايات التحول بوعي ونضج جديد، وما انفكت تلك الأمصار من صيرورتها بؤرة لفعاليات متباينة وتحت شعارات مختلفة.

ولا بد من الاقرار بادئ ذي بدء، أن لتلك الشعوب شخصيتها القومية وتقاليدها وعاداتها، وإن مثل هذه المعطيات بدأت بالتشكل وهي تطمح لأن تخلق لنفسها واقعاً ثقافياً متميزاً واعتزازاً بلغاتها القومية. وهناك أمر مهم آخر، هو أن تلك المجتمعات كانت تسودها طبيعة في علاقات الإنتاج، قد لا تتشابه مع الظروف والأنماط السائدة في مناطق أخرى من الإمبراطورية العربية المترامية الأطراف.والنظام الإسلامي وإن لم يكن في جوهره يهدف إلى صهر أو إلغاء الهوية القومية والمكونات الثقافية الاقتصادية الاجتماعية المكونة لشخصية الشعوب الأخرى، ولا يسعى إلى التسلط وفرض الهيمنة عليها.

ولكن ولربما أن بدايات عهود السيادة العربية الإسلامية كانت تنطوي على مثاليات عقائدية، إلا أن الأمر بدأ بالتحول والتطور في عاصمة الخلافة نفسها، عندما فرضت التطورات الاقتصادية(بالدرجة الأولى) والاجتماعية تأثيراتها على إيقاع الحياة وبالتالي إلى عموم حركة التطور الاجتماعية /السياسية في مقر الخلافة نفسها وتسببت في ردود فعل متفاوتة القوة في الولايات العربية وغير العربية.

ودون ريب، فإن للأحداث انعكاساتها المختلفة، وإذا كانت رياح التطور قد بدأت تخلق آثارها في عاصمة الخلافة منذ عهد الخليفة الراشدي الثالث والرابع، وما دارت في غضون ذلك من أحداث سياسية خطيرة وما بعدها في مطلع الخلافة الأموية من صراعات دموية (ثورات أبن الزبير والحسين بن على وغيرها)، كان لابد أن يكون لها تأثيرها وصداها في الأمصار، وبالفعل فإن تفاعل هذه العوامل ببطء أستغرق سنوات طويلة، بضمنها أخطاء إدارية وسياسية اقترفها الحكام هناك. ولكن في نهاية العصر الأموي، كانت مدن المشرق قد أضحت مراكز لتجمع القوى المعادية للدولة الأموية، بما في ذلك قوى عربية، أستطاع العباسيون بذكاء ومهارة سياسية تعبئتها في حركتهم.

وفي جرد لأبرز القوى الاجتماعية والسياسية في تلك الأمصار : ـ
آ / الفئات التي كانت تبدي حنيناً جارفاً للتقاليد القديمة سواء كانت الوثنية أو الزرادشتية أو المزدكية، وغيرها، وراحت تعمل تحت شعارات الإسلام ولكن بوحي التقاليد القديمة.
ب / قوى ثقافية اجتماعية كانت تريد أبراز ثقافة فارسية قبل كل شيء (لم تكن الثـقافة التركية مطروحة بعد) وكانت تعتقد أن اللغة العربية والحضارة العربـية منافـسة لها فعملت على ترويج التيار الشعوبي.

ومع استبعاد شدة فاعلية العامل القومي في تلك المرحلة، التي لم يكن العنصر القومي قد بلغ (في تلك الأرجاء بصفة خاصة) درجة من النضج ليشكل رباطاَ ومن عناصر الأمة الفارسية أو التركية، بيد أن الأمر آخذ تدريجياً في التبلور منذ أواخر العهد الأموي حتى غدا حقيقة موضوعية في مطلع العصر العباسي وأواسطه.

وبالإضافة إلى هذه العناصر المحلية، غدت الولايات الشرقية ميداناً للفعاليات المعادية للدولة الأموية أو العباسية على حد السواء، فقد لاحظنا أن الخوارج الذين كانوا يلجأون إلى المناطق الجبلية في الولايات الشرقية ويقيمون هناك مناطق عصيات أو تمرد أو ثورة، خارجة كلياً أو جزئياً عن سيطرة حكام الولايات، ويسعون لفرض هيمنتهم بالقوة، ولكن لا بد أنه قد ضمنوا بهذا القدر أو ذاك عناصر من أبناء تلك المناطق، وهو ما قامت به فئات من العلويين أو المحسوبين عليه التجأت إلى تلك المناطق تخلصاً من السلطات، ثم استغلال الأجواء المعادية أصلاً للخلافة هناك، وكان أبناء تلك الرجاء يجدون في الانتماء إلى هذه التيارات تنفيساً لعدائهم لسلطات الخلافة المركزية.

وهكذا اجتمعت في تلك الأرجاء أسباب ذاتية داخلية تمثلت بعناصر الثورة ضد النظام لظروف ومعطيات داخلية، قومية، ودينية، وثقافية، وظروف وعناصر خارجية موضوعية تمثلت بحركات ودعايات الخوارج والعلويين، ولكن لم يتمكن غير العباسيين من توظيف واستثمار هذه التناقضات في أطار عملية سياسية / عسكرية سليمة، فاشتغلوا في سياسة إقامة التحالفات والائتلافات وأداروا بذكاء عملية المعارضة للعهد الأموي، وانتهجوا في ذلك منهجاً منطقياً معقولاً، فلم يبالغوا ولم يتطرفوا أو يسرفوا في إطلاق الشعارات الخلابة والوعود التي تنطوي على التناقض في دعاياتهم، لاسيما أنهم كانوا القاسم المشترك بين أطراف عديدة متناقضة فيما بينها، وبذلك فأنهم ضمنوا حياد هو أقرب للتشجيع من الخوارج الذين كانوا بنفس الوقت خصوماً للعلويين، كما أنهم(العباسيون) كسبوا دعماً ومساندة فعالة من العلويين على أمل أن ينالوا من العباسيين مكسباً يستحيل عليهم اقتطافه من الأمويين، أما حركات الموالي على اختلافها، فقد اعتقدت أنها بدعمها للعباسيين قد ترخي قبضة الخلافة العربية، وإن النظام القبلي(العباسي) قد يفتح الأبواب ولو جزئياً أمام طموحاتهم في تحقيق مكتسبات سياسية، من خلال تغلغل عناصرهم في أجهزة الدولة، وصولاً للمراتب القيادية.

وفي الواقع فأن حسابات هذه القوى المتناقضة فيما بينها والتي أستطاع العباسيون بذكاء ودهاء أن يجمعوا بينها ويؤطروها في إطار نضالهم السري والعلني ضد الأمويين، لم تجد تحقيقاً تاماً لها على ارض الواقع بعد أن أستلم العباسيون الخلافة. وقد أثبتت التجربة أن تحالفات العمل السياسي في المعارضة والنضال هي غير التزامات السلطة ومسؤولياتها، وفي استحقاقاتها التطبيقية. لذلك ظل الخوارج على ثوريتهم الرومانسية وواصلوا طرح مواقف مثالية تعجيزية يصعب على العباسيين القبول بها، إما لأنها تعني مواجهة الجميع، أو لكونها تتجاهل معطيات كثيرة كان الواقع المادي الموضوعي قد أفرزها طيلة الحقبة الأموية، ولم تعد مفردات الموقف السياسي / الأيديولوجي، أو الاجتماعي/الاقتصادي، تحمل ذات الملامح والسمات التي كانت عليها يوم طرح الخوارج مواقفهم السياسية من مسألة الإمامة والخلافة تحديداً.

أما العلويون، فقد كان العباسيون على استعداد لإدامة التحالف معهم، بل لربما أبداء بعض التنازلات، إلا أنهم بالغوا في طلباتهم واستهانوا بقدرة العباسيين(وهم أبناء عمومة)، فقدروا أنهم أجدر بالخلافة واقدر على التأثير السياسي والأيديولوجي والدعائي، ووجدوا من بين أوساط الحركة العباسية في مطلع إقامتهم للخلافة، من يتعاون معهم، وهو الوزير أبو سلمة الخلالي، الذي أول من تسلم هذا المنصب في العهد العباسي. ولكن الخلالي كانت له حساباته الخاصة، فقد كان برنامجه يتلخص: أن ينال الخلافة لنفسه كمنصب دنيوي، فيما يدع الإمامة والشؤون الدينية لأحد أطراف البيت العلوي(محمد ذو النفس الزكية بن عبد الله المحض بن الحسن الثاني بن الحسن بن علي بن أبي طالب)، ولكن العملية برمتها لاقت الفشل، فلا العباسيون كانوا بالطرف الذي يسهل تجاوزه، ولا العلويون الذين كانوا يبالغون في تقدير تأثيرهم ونفوذهم، ليقبلوا بعرض الخلالي. وصفى العباسيون الخلالي بيسر، وأجهضت المحاولة. ومع أن محاولات جادة لم تحدث بعدها إلا أن الريبة والحذر سادت العلاقة مع العلويين، وحتى محاولة المأمون بتعين علي الرضا، بن موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق، لاقت عاصفة من الاحتجاجات من أطراف عديدة، ولكن وفاة الرضا المفاجئة أنهت جدلاً وصراعاً محتملاً على السلطة، واستمرت العلاقات مع العلويين على هذا النحو من الشكوك والريبة.

أما قوى الموالي (في الولايات الشرقي)، فقد استمر تفاعل مزيج العناصر والتيارات وهي تفرز حالات وأوضاع سياسية وثقافية لا تخلو من التعقيد، وهناك دوماً ناتج عرضي وجانبي لهذه الصراعات والتفاعلات(كما في الكيمياء). كما لا يستبعد أن أخطاء في تقدير قيمة هذه الأحداث وآفاقها المستقبلية من قبل ولاة الأقاليم، أو حتى في مركز القرار السياسي في عاصمة الخلافة، كانت تؤدي إلى اشتداد التأزم في الموقف السياسي والعسكري.

وقد أدرك الخلفاء العباسيون، وبصفة خاصة منذ خلافة المأمون، استحالة مواجهة الموقف المتفاقم، باللجوء إلى القوة في استئصال نزعة الانفصال من الولايات الشرقية، وقدروا أن أفضل وسيلة لمواجهة الموقف هو الاعتماد على أسرة وعائلات تعاونت مع الخلافة العباسية، واعتماد أسلوب هو أقرب إلى الإدارة اللامركزية، أو الحكم الذاتي، وتأسيس إمارات يتوارث الحكم فيها أبناء تلك أسر على ولاء ثابت للدولة. (4)

بيد أن هذه العملية لا يمكن ضبطها بدقة، ولا يمكن وضع آليات دقيقة لتنفيذها، وكان الولاة والأمراء يخرجون على الأغلب عن مدى صلاحياتهم ويبدون ميولاً متزايدة للمزيد من الاستقلال وإلى القليل من الصلات مع العاصمة، لا سيما بعد جيل واحد من تأسيس الإمارة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الصراعات التنافسية التي كانت تدور في تلك الأرجاء بين زعامات قبلية واسر وعائلات لم تكن تتوقف، لذلك فإن مسلسلاً من الاقتتال والنزاعات بين هذه الأسر كان أمراً دائمياً، وبدا أن الخلافة عاجزة عن التدخل بأي صيغة لإقرار الأمن والسلم في تلك الأمصار، أو نظاماً موحداً دائمياً بينها وبين العاصمة.


رابعاً : الكيانات الأسرية في مشرق الإمبراطورية

الكيانات الاسلامية في مشرق الدولة هي أرجاء غير عربية، وإن سكنتها قبائل عربية كثيرة رافقت الجيوش الإسلامية بوصفها الجسم الإداري والخدمي للحملة واحتياطها البشري.(5) إلا أن السكان في غالبيتهم العظمى ظلوا من غير العرب بالطبع، وعندما نتحدث عن المشرق، فإننا نعني المناطق ما وراء سلسلة جبال زاغروس، وهي العازل التاريخي بين السهل الرسوبي العظيم، وادي الرافدين، وبين المشرق الذي يمتد حتى نهر جيحون(بلاد فارس)، وما وراء النهر يمتد حتى أواسط آسيا. وفي الشمال هناك خليط بين أقوام فارسية وتركية وأرمن. ويفصل بحر قزوين بين أذربيجان وأرمينيا وسائر آسيا الصغرى (تركيا اليوم) عن أواسط آسيا التي تقطنها شعوب تركو / منغول كطابع غالب، بالإضافة إلى أقليات عرقية أخرى منها الديلم الذين سيكون لهم شأن مهم في المنطقة.

وهكذا فإن هذه الأرجاء هي عبارة عن موزائيك من الأعراق والقوميات والطوائف والمذاهب تميد من بحر قزوين عبر تركمانستان وأزبكستان وكازاخستان وطاجكستان وأفغانستان، وصولاً إلى شبه القارة الهندية جنوباً، على أن حدوداً طبيعية تعزل أحياناً بين هذه الأقوام مثل نهر جيحون الذي يفصل بين بلاد فارس عن أواسك آسيا أو بوادي قاحلة أو شبه قاحلة.

وفي تلك الأصقاع، كانت هناك منذ أقدم العصور، مدناً وإن لم تبلغ شأناً مهماً في الحضارة والثقافة، لكنها كانت ناشطة في التجارة حيث مثلت وسطاً تجارياً بين المناطق المطلة على البحر المتوسط وبين أقاصي الشرق(الصين وأنحائها)، وبالطبع فإن معظم الأسماء الحالية لهذه البلدان هي حديثة بناء على أسماء قبائل أو أعراق، أما في الماضي فلم تكن كذلك، بل كانت تطلق على أسماء مدن وأنهار مثل : قرة قوم، أو سيحون، بخارى، سمرقند، سجستان، فرغانة، عشق آباد وغيرها. ولم تكن هناك كيانات قائمة على أسس قومية.

لذلك فإن معظم الإمارات أو الكيانات التي قامت في المشرق (فارس وما ورائها) قامت بها زعامات قبلية أو عائلات ذات نفوذ(إقطاعية)أو شخصيات مغامرة تبرز إلى مسرح الأحداث في غمار الحروب أو الصراعات والدسائس والمؤامرات، وتفرض نفسها على الموقف السياسي. وبعد أن تهيمن على مدينة كبيرة ويبسط نفوذه على المناطق المجاورة، يسعى لنيل اعتراف الخليفة في بغداد على أمارته، ويعزز فعالياته هذه بإرسال الهدايا إلى الخليفة، والدعاء له في المساجد. ويكون اعتراف الخليفة بالإمارات قائم على أساس ووفق مبدأ الاعتراف بالأمر الواقع، أو بدرجة الولاء التي كانت تعني أمداد الخليفة وبيت المال بالضرائب والأموال ومساعدة الخليفة عسكرياً عند الحاجة. ولكن الحكم الذاتي أو أنماط الإدارة المركزية، أو الاعتراف بأمارات أو دويلات تحكم باسم الخليفة وبجزء من صلاحياته الدنيوية بصفة خاصة، كان قد غدا أمراً طبيعياً في الحياة السياسية للعصر العباسي حتى في عهود الخلافة المزدهرة : عهد الرشيد والمأمون والمعتصم.

وفي المراحل اللاحقة، عندما عانت مؤسسة الخلافة من ضعف ظاهر سواء بسبب سيطرة الطغمة العسكرية من المرتزقة الأجانب، أو تفاقم نزعة الانفصال لدى الولايات، غدا الاستقلال الذي تتمتع به الإمارات أمراً مسلماً به, بل أن بعض تلك الإمارات والزعامات حاولت توسيع نفوذها إلى عاصمة الخلافة نفسها، ولم ترد الخلافة تلك المحاولات على أعقابها إلا بشق الأنفس. والولاء للخليفة غدا شكلياً والفرق شاسعاً بين الولاء الذي كانت الإمارة الطاهرية 872 -820 M / 259-205 H التي أسسها طاهر بن الحسين في خراسان، تكنه للخلافة، رغم أن ذلك لم يكن يخلو من أطماع التوسع، وبين الإمارة الصفارية 290-254 H ، في فارس وسجستان أو البريديون 949-934 M/ 338-323 H الذين حاولوا مهاجمة بغداد واحتلالها، أو بين الإمارات التي كانت تبدي الاحترام لمكانة الخلافة ولم تحاول الإساءة إليها مثل السامانيين 359-250 H في فـارس وما وراء الـنهر.

وقد حكمت تلك الرقعة الواسعة زعامات وكيانات مختلفة، بعضها كان يتعايش مع كيانات أخرى، وقد أستغرق تلاشي البعض الآخر فترة غير يسيرة، ويشير الجدول التالي إلى أبرز تلك العائلات والكيانات في المشرق : (6) (*)

السلالة فترة النفوذ والحكم والمؤسس المكان
الطاهريون 872-820 389 M / 259-205 H طاهر بن الحسين خراسان
العلويون 928-864 M / 316-250 H طبرستان
الصفاريون 903-867 M / 290-254 H يعقوب الصفار فارس
السامانيون* 999-874 M / 398-261 H سامان بن خداه فارس
الزيارية 1042-928 M / 434-316 H مرداويج بن زيار جرجان
الاليخانيون * 1336-1265 M هولاكو وأبنه أباقا فارس
الغزنويون * 1185-962 M ألب تكين البنجاب
البويهيون * 1055-4471 M / 932-320 H أحمد بن بويه فارس
الغوريون 1215-1148 M سيف الدين الغوري أفغانستان
السلاجقة 1189-1042 M / 575-323 H سلجوق بن دقماق خراسان
البريديون 949-934 M / 338-323 H أبو عبد الله أحمد البريدي الأهواز

وفي تحليل لقيام وانهيار هذه الكيانات، وتحليل ظاهرة مسلسل حكم هذه العائلات نلاحظ المؤشرات التالية :

آ / إن هذه الكيانات كانت تعتمد على شخصية قيادية قوية تنجح في تأسـيس كيان قبلي في جوهره، يفتقر إلى المقومات الأساسية للدولة.
ب/ إن هذه الكيانات لم تستمر لكثر من جيلين أو ثلاثة أجـيال، لا تتعدى حفـيد مؤسـس الأسرة.

ج / لم تكن هناك حدود واضحة لتلك الدولة، لذلك فإنها كانت تشهد توسعاً وتقلصاً.

د / لم يكن هناك نظاماً موحداً، رسمياً أو عرفياً ينظم العلاقة بين هذه الإمارات وعاصمة الخلافة، لذلك فقد كانت تلك العلاقة مزاجية ويحكمها مبدأ القوة والغلبة، ونادراً ما كان المحتوى الديني أو الشعارات السياسية تلعب دوراً مهماً.

و / في أكثر من تجربة، حاولت الإمارات أن تتوسع فكانت تصطدم بالإمارات المجاورة وتدور صراعات دموية في بعض الأحيان وتسعى تلك الكيانات التوسع على حساب نفوذ الخلافة نفسها.

لكن هذا المسلسل طرأ عليه جديد مهم، تمثل ذلك ببروز الزعامة البويهية التي أسسها أحمد بن بويه، وهو من قبائل الديلم التي تقطن الجبال شرقي بحر قزوين عام 320H في بلاد فارس ولكن هذه الإمارة سرعان ما توسعت حتى تمكنت من احتلال العاصمة بغداد عام 334، وفرضوا هيمنتهم على الأحداث، إلى أن تمكن السلاجقة، وهي أسرة تركية أسسها سلجوق بن دقماق عام 431H أن يوسعوا نفوذهم من شمال فارس، وأن يدخلوا بغداد ويطردوا البويهيين منها ويحلوا محلهم عام 446 H .

ورغم أن السلاجقة كانوا أكثر احتراماً لمكانة الخليفة، إلا أن وجودهم القوي في مقر الخلافة، كان يضعف الخليفة ويخلق ازدواجية في الحكم لم تكن مألوفة في تلك الأوقات، وقد مكث السلاجقة في بغداد حتى عام 1191 M حيث تمكن الخليفة الناصر من طردهم واستعادت الخلافة اتحاد السلطتين الدينية والدنيوية في شخص الخليفة، حيث قضى المغول أخيراً على الدولة العباسية عام 1258 M بصورة نهائية.

خامساً : كيانات في مغرب الإمبراطورية

وفي أرجاء أخرى من الإمبراطورية، كانت الأحداث تجري على منوال آخر، ولعل هناك سبباً جوهرياً في ذلك، هي أن تلك الأمصار كانت عربية، وباستثناء حالات نادرة، لم تكن الأحوال لتصل إلى درجة الصراع ألتناحري بين تلك المراكز وعاصمة الخلافة والكيانات التي نهضت فيها لم تكن لتهدف أكثر من تحقيق طموح قيادي أو تحقيق سيادة ونفوذ وممارسة السلطة والسلطان والهيمنة. والقاسم المشترك بين تلك الكيانات التي قامت في المغرب عنها في مشرق الإمبراطورية العباسية، هي أن تلك الكيانات التي قامت في المغرب كانت بالأساس أسر وعائلات متنفذة، أو شخصيات قيادية استطاعت التوصل إلى السلطة والهيمنة على قطر أو عدة أقطار عربية.

ومما يمنح تلك الكيانات السياسية طابعاً خاصاً يختلف عن تلك الكيانات التي قامت في المشرق، هي أنها كانت على الأغلب قد تمت بتعين من عاصمة الخلافة، لأسباب مختلفة أبرزها :

آ / إنشاء كيان سياسي يكون عازلاً أو حاجزاً بين دولة الخلافة ودولة معادية لها .
ب/ كيان يكون مصدر إزعاج لخصوم الخلافة.

ج / كيان يدير ويتولى إدارة ممتلكات الإمبراطورية في تلك الأرجاء البعيدة عن عاصـمة الخلافة، فقد أعتقد العباسيون بأن أحدى أسباب تداعي الإمبراطورية الأموية هو سعتها بما يخرج الولايات البعيدة عن سيطرة عاصمة الخلافة.

د / كمكافأة للقادة العسكريين الذين يثبتون أخلاصاً وولاء للدولة.

ومن تلك الكيانات التي تأسست في مغرب الإمبراطورية، دولة الأغالبة التي أسسها إبراهيم بن الأغلب في تونس بإيعاز وأمر من الخليفة هارون الرشيد ليكون كياناً قوياً في شمال أفريقيا، منافساً لدولة الأمويين في الأندلس. وبنفس الوقت يكون ولاؤه للخليفة في بغداد. وعلى هذا النحو يمكننا اعتبار الأغالبة إمارة وسادة(حاجز)، استمرت في الوجود أكثر من قرن :909-800 M / 296-184 H ، تمكنت من بسط النفوذ والسيادة على معظم مناطق شمال أفريقيا ومعظم جزر البحر الأبيض المتوسط مثل: سردينيا، وصقلية، وكورسيكا وغيرها، كما تمكن بالفعل من الحد من نشاط وتوسع أمويي الأندلس في مراكش.

بيد أن درجة ولاء إبراهيم بن الأغلب للخلافة لم تكن متوفرة عند أحمد بن طولون وهو ضابط تركي من حرس الخليفة(العسكر المرتزقة) أرسل إلى مصر لتشكيل إمارة عـام 254 H، وقد سعى هذا الضابط المغامر إلى تكوين كيان يكرس طموحاته، فأخذ يوسع حدود ولايته على حساب ممتلكات الإمبراطورية متجاوزاً المنطقة المحددة له، ومضى في سياسة داخلية بتكوين جيش واقتصاد قوي يلبي طموحاته, وقد مرت علاقته بعاصمة الخلافة نتيجة طموحاته بحالات من المد والجزر، تحالف أو صراع مكشوف لاسيما عندما حاول،(فعل ذلك حقاً)، مد نفوذه إلى سوريا التي غدت ميدان تنافس(كما كانت عبر حقب التاريخ) بين بغداد ومصر، ولكن كل ذلك أنتهي عندما تلاشى نفوذ الطولونيون على أيدي الأخشيديين، ومن ثم آلت إلى أيدي الفاطميين الذين احتلوا مصر عام 969 M وكان نفوذ الطولونيون قد تعرض إلى الضعف بعد وفاة مؤسس الإمارة أحمد بن طولون وتخللت تلك الحقبة(ما بعد وفاة أبن طولون) الكثير من الصراعات وبروز شخصيات ثانوية على مسرح الأحداث منهم الأخشيديون الذين شهدت الأحداث السياسية في مصر ارتباكا وعدم استقرار الذي مهد لقدوم الفاطميين.(8)

والأدارسة، وهم أبناء إدريس من الأسرة العلوية الحسينية، الذي كان قد نجح في تكوين إمارة في مراكش، ولكن هذه الإمارة لم تنجح في التوسع رغم أنها استمرت فترة طويلة نسبياً 985-788 M / 375-172 H، وذلك بسبب وجود الأغالبة الأقوياء الذين حالوا دون توسعها، وكذلك الطولونيون في مصر وشمال أفريقيا والأمويين في الأندلس.

أما في المناطق الأخرى من الإمبراطورية، فلم تشهد ما يستحق الذكر سوى الإمارة اليعفوية في اليمن 956-861 M / 345-316 H، ولكن الحمدانيون وبرغم قصر المدة التي مكثوها في الحكم، نجحوا في تحقيق منجزات ثقافية مهمة، وكان بلاطهم يشهد مناظرات شعرية رائعة، كما أنهم تصدوا بنجاح لكافة محاولات الإمبراطورية البيزنطية بالتوسع في أراضي الإمبراطورية العربية الإسلامية.

ومما يستحق الذكر، أن كافة هذه الكيانات، كانت لا تظهر ولأي صورة تحديها لسلطة الخلافة، بل أن ولائها السياسي استمر للخليفة العباسي وبذلك فقد اعترفوا بسيادة الخليفة الديني والدنيوي، خلافاً للكيانات التي نهضت في المشرق التي لم تعترف إلا بالمكانة الدينية للخليفة في حين كان استقلالها السياسي والإداري شبه تام، على أن أقطار المغرب العربي شهدت مرتين استقلالا تاماً عن عاصمة الخلافة العباسية، وهاتين التجربتين استطالتا لفترة طويلة نسبياً وهي: دولة الأمويين في الأندلس والفاطميين في مصر.


* دولة الأمويين في الأندلس :
تميز تاريخ أسبانيا بكثرة التحولات والأحداث الكبيرة، وكانت هذه البلاد عرضة لغزوات كثيرة، فقد أتخذ منها أقوام كثيرة وطناً لها، ربما لبعدها عن أوربا التي تفصلها عن شبه القارة الإيبرية جبال البيرنيه Pyrenaen ، وكان الرومان قد بسطوا سيادتهم على أسبانيا عام 134 ق.م، ثم زحفت قبائل البرابرة على أسبانيا عبر البحر في أوائل القرن الخامس الميلادي، وفي أواسط هذا القرن أرغمت قبائل اللان، أرغمت قبائل الوندال في الجلاء عن أسبانيا وطردهم إلى شمال أفريقيا، وتأثر الغوط الغربيين بعد دخولهم المسيحية بالمذهب الايوسي. وفي عام 587M تركوا هذا المذهب وما لوا إلى الكاثوليكية، فاشتدت مكانة الدين ورجال الكنيسة في المجتمع. (9)

ولكن الأحداث مضت دامية في المجتمع الأسباني، فالصراعات الاجتماعية والمذهبية كانت تدور بعنف مدمر, ويقيم أحد أساتذة جامعة مدريد المعاصرين أحداث تلك الحقبة :" ففي غضون السنوات الأخيرة من أسبانيا الغوطية، كانت البلاد تجتاز فترة من الفوضى والانحطاط والفاقة، انحطاط اجتماعي وتعسف طبقي، تعبئات حربية، مع الإهمال الطبيعي للأعمال الزراعية. أمة على شفا حرب أهلية، خلافات دينية، أضطهادات، تغريبات، مصادرات، وتقلبات مستمرة في الجهاز السياسي، تلك كانت هي العوامل الطبيعية"، وكانت في أسبانيا طبقتان فقط. (10)

* أقلية من النبلاء وكبار الموظفين ورجال الكنيسة.
* أغلبية من الأقنان .

ومقابل هذه الظروف المضطربة والعواصف الاجتماعية والسياسية، كان الشمال الأفريقي يشهد تقدماً وازدهاراً تحت سيطرة الدولة العربية الإسلامية الأموية. وكانت كافة مناطق الشمال الأفريقي حتى المحيط الأطلسي قد غدا منذ القرن الثامن الميلادي تحت السيطرة العربية، وكانت أسبانيا منذ قرنين فقط تحت حكم القوط. وكان اليهود الذين يمثلون شريحة مهمة داخل المجتمع الأسباني يعانون من اضطهاد وإرهاب ديني منذ القرن الخامس. وكانت مجموع هذه الظروف توفر مناخاً فريداً من نوعه، لتداخلات ومضاعفات عديدة. فقد أستقر الرأي لدى أعداد من أشراف القوط وحكام الولايات ومنهم يوليان الذي راسل القائد العربي موسى بن نصير في شمال أفريقيا وقدم له معلومات ثمينة عن الموقف السياسي والعسكري، كما قدم له السفن ودعاه لاجتياز المضيق الذي سيحمل إلى الأبد أسم القائد الذي سيقود الجيش العربي الإسلامي إلى البر الأندلس: طارق بن زياد.(11)

وفي عام 711 M ، كانت الظروف السياسية والعسكرية قد أنضجت موقفاً يحتم عبور القوات العربية الإسلامية البحر إلى البر الإيبري، وكانت نسبة كبيرة من الأسبان القوط واليهود والبربر قد دعوا الجيش العربي الإسلامي إلى القدوم وإنقاذ الوضع المأساوي من الحرب الأهلية بين الأمراء المحليين و :"المسيحية التي لم تكن قد تأصلت بعد في نفوس الأسبان عند دخول العرب، فقد كانت الوثنية ما تزال تبدي المقاومة للمسيحية "(12)، وهكذا وبعد اتصالات عديدة مع وجهاء أسبان، أقلعت قوات الحملة العربية الأسبانية بقيادة القائد طارق بن زياد، ونزلت البر الأسباني ومضت تسيطر بسهولة على المناطق الأسبانية دون مقاومة جدية. بيد أن معركة كبيرة حاسمة دارت عند بحيرة الخندق، بمحاذاة نهر بربيطر، وكسب العرب المعركة على الرغم من التفوق العددي الكبير للقوطيين، وهكذا غدت الأندلس عربية/ أسلامية لمدة سبعة قرون قادمة، وشهدت الكثير من الازدهار الثقافي ، إذ شكلت أحدى مصادر العلم والثقافة للحضارة الأوربية.(13)

أنظمت الأندلس كولاية في الدولة الأموية، تتبع مباشرة لحاكم شمال أفريقيا، وقد أدى الاستقرار السياسي والاجتماعي فيها إلى نهضة علمية وثقافية كبيرة، وكذلك على منجزات اقتصادية يدل عليها الرفاه الذي عاش فيه المواطنون في تلك العصور، وبذخ السكن والحياة الشخصية للأفراد وسائر المؤشرات الثقافية والعلمية والاجتماعية.

ثم حلت في الأندلس مرحلة جديدة عندما انهارت الدولة الأموية على أيدي العباسيين، إذ أستطاع أحد الأمراء الأمويين (عبد الرحمن) من الفرار والوصول إلى الأندلس وتأسيس دولة خلافة أموية مستقلة عن الخلافة العباسية.

ولم يعرف عن الدولة الأموية التي أتخذ فيها عبد الرحمن لقب الخليفة تأكيداً على انفصاله عن الخلافة العباسية، وشرعية واستمرارية الخلافة الأموية، وعبرت هذه الدولة عن نواياها في التوسع سيما صوب الشمال الأفريقي وبذلت بعض المحاولات في هذا المجال، ولكن العباسيون كانوا قد احتاطوا لهذا الاحتمال، حيث وضعوا إبراهيم بن الأغلب القوي حاكماً على شمال أفريقيا ومقره في تونس، مزوداً بالصلاحيات الضرورية لنجاح مهمته كما أسلفنا. وتمكن فعلاً من أن يكون حائلاً بوجه طموحاتهم، كما أن أمويي الأندلس بذلوا لمرة واحدة محاولة إنزال بحري على السواحل المصرية، ولكنها لاقت الإخفاق، ولم يعرف بعدها عن وجود فعاليات مهمة، وإن ظل استعادة الخلافة هاجس الأمويين الأساسي دون أن يكون لذلك ترجمته العملية.

ولم يكن أسلوب الحكم في دولة الأندلس يختلف كثيراً عما هو عليه في المشرق، فقد كان هناك منصب الحاجب بدلاً عن منصب الوزير، والخليفة كان الرئيس الأعلى للدولة، ويتولى الوزراء الإدارة الفعلية مزودين بالصلاحيات كما في المشرق. وكانت هناك أربعة دواوين رئيسية هي : المالية والخارجية والقضاء والمظالم، وإدارة الجيش. وكان الوزير الذي يدير الوزارة فعلياً (رئيس الوزراء) يسمى ذو الوزارتين، تميزاً له عن الوزير الذي يجالس الخليفة. ولقب الوزير الذي كان يمنح أيضاً لقب المستشار، وهنا نحن أمام تجربة في الحكم فيها أكثر من وزير واحد، وكانت أجهزة الدولة الأخرى تشهد تطوراً مماثلاً في : القضاء والشرطة والجيش، وكان هناك منصب أمناء سر الدولة، وهو أشبه بالوزير أو وكيل الوزارة.(14)

ولكن الدولة الأموية بدأت تعاني من الضعف بسبب الخلافات والانشقاقات، ثم تجزأت إلى أمارات ودويلات، وتداعت تحت ضربات متواصلة من قوات الفرنجة التي لم تكف عن تنظيم الحملات لإستعادة الأندلس، برغم أن هذه المحاولات قد اعتراها الضعف حيناً بسبب تركز اهتمام الكنيسة الأوربية بالحملات الصليبية في المشرق، كما أن الأمويين والأمارات العربية في الأندلس لقيت دعماً مهماً من المرابطون في شمال أفريقيا.(15)

وعلى الرغم من ذلك، فقد استطاعت قوات الفرنجة(حملة الاستعادة) من الاستيلاء على الأمارات العربية واحدة بعد الأخرى، إلى أن استولت في النهاية على آخر إمارة عربية هي غرناطة عام 1492 M ، وبذلك أنتهى الحكم العربي في الأندلس نهائياً.


* الدولة الفاطمية في مصر :
سعت عناصر من آل البيت، العلويين منهم إلى الحكم، وقد مر في المباحث السابقة أن آل البيت هو عنوان عريض، وكذلك الهاشميون. والعلويون، أي نسل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الخليفة ألراشدي الرابع، هم فرق عديدة منهم : الزيديون، الذي استقطبوا لمرونتهم(النسبية)في أرائهم السياسية فئات كثيرة من حولهم، وهم يؤمنون بخمسة أئمة معصومين، تنتهي عند الإمام زيد بن علي بن الحسين، وكذلك بجواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل، لذلك فقد أقام الزيديون إمارات في بلاد فارس واليمن، ولكن الفاطميين مارسوا النشاط السياسي، وهم من الشيعة الإسماعيلية التي تؤمن بسبعة أئمة معصومين تنتهي بالإمام إسماعيل بن جعفر الصادق ويطرحون إلى جانب ذلك سلسلة من الآراء السياسية/ الدينية المتطرفة والمغالية في الحلول الإلهي وفي الغيبيات، بل أن بعض المصادر الإسماعيلية تقرن الآلهة بمرتبة النبوة ذاتها. وتنسب إلى الأئمة المعجزات. ويقول القاضي نعمان وهو أحد واضعي أسس المذهب الشيعي الإسماعيلي الأساسيين في كتابه الشهير: أن الأئمة حجج الله على خلقه وخلفاؤه في أرضه".(16)

كان أحد أفراد الأسرة الإسماعيلية (عبد الله)قد هاجر إلى مراكش، وتوفي هناك. وأستلم الإمامة عنه ولده محمد الذي أستطاع تكوين سياسي في تونس عام 909 م منتزعاً السلطة من الأغالبة، وفي سنة 910 م، أعلن نفسه خليفة. وأخيرا تمكنوا من دخول مصر عام 969 وأزاحوا منها سلسلة الأنظمة التي كان الفساد ينخر جسم الدولة السياسي والاجتماعي. في أواخر العهد الطولوني والأخشيدي، فلم يكن صعباً إزاحة مثل هذا النظام و أحلال النظام الذي حمل اسم الفاطمية(نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء ابنة الرسول وزوج على بن أبي طالب) والعمل تحت هذه الشعارات.

والحقيقة أن شعارات الهاشميون، أو آل البيت والعلويون، ارتدت في مناسبات عديدة أشكالاً وصوراً مختلفة، وعمل تحت شعاراتهم مخلصون لآل البيت، ولكن أيضاً انتهازيون أردوا الاستحواذ على لافتة سياسية يناهضون بها السلطات على أمل إحراز مكتسبات سياسية، وقد ترفع الكثيرون من آل البيت والعلويون على وجه الخصوص من السير وراء تلك الشعارات. ولكن تكونت نظرية عن آل البيت، ومنهم الإسماعيلية الفاطميين " وخلاصة نظريتهم من الناحية العملية هو أن تراث النبي العربي لم يكن تراث أمة هداها الله إلى الإسلام، وتراث رياسة ومعنوية جاءت ثمرة الرسالة النبوية، إنما كان تراثاً وميراثاً شخصياً خالصاً لأسرة النبي، وأن الرسول أوصى بهذا التراث إلى أبن عمه وزوج أبنته وإلى بنيه من بعده، وهكذا تغدو رياسة الأمة الإسلامية في نظرهم ووفقاً لتأويلاتهم ميراثاً خاصاً لا يليها حتى يوم القيامة أحد سوى آل البيت". و" مع الألم والأسى الذي يثيره مقتل الحسين وسائر ثوار آل البيت، ولكنه لا يغير حقيقة تاريخية أن رئاسة الأمة الإسلامية لم تكن قط ميراثاً لأسرة بعينها ولو كانت هذه الأسرة من آل البيت، وأن الإمامة والرئاسة تذهب في كل مكان وزمان إلى الأكفاء والقادرين على الاضطلاع بها" .(17)

ومن المؤكد، أن النظام الفاطمي، (وقد حملوا لقب الخلافة)، لم يهادن يوماً الخلافة العباسية التي اعتبروها خصمهم السياسي الأول. ولم يتوقف الفاطميون يوماً عن محاولات التوسع في أراضي الخلافة، فأصابوا في ذلك النجاح حيناً والإخفاق أحياناً. وفي أقصى حالات نجاحهم توصلوا إلى حكم سوريا (بلاد الشام)، وشبه الجزيرة ومكة، وإن كان ذلك لفترات متقطعة، كما أن سيادتهم على شمال أفريقيا لم تكن تامة.

والفاطميون في إعلان خلافتهم، إنما كانوا يعتقدون أن الخلافة حق شرعي لهم، وبذلك فأنهم قطعوا كل صلة لهم مع عاصمة الخلافة(بغداد) وأعلنوا أن الشرعية هي في خلافتهم. ولكن التطرف كان مرة أخرى سبباً في ضعف البناء الأيديولوجي والإخفاق في التحول إلى عقيدة عامة. وقد اشتط خلفائهم لا سيما الخليفة الثالث (الحاكم بأمر الله) في تقمصه الوحي والسر الإلهي، وقاد هذا التطرف إلى انشقاق مذهب جديد، هو المذهب الدرزي. وشاعت الكثير من المفاهيم الغيبية، وفي النهاية كانت سبباً في انشقاقات متوالية تسببت في حدوث فرعين للخلافة الإسماعيلية في مصر بين أبناء الخليفة.

وتشير المصادر أن الفاطميين استطاعوا تحقيق منجزات اقتصادية واجتماعية وثقافية مهمة في مصر، بل أن الدولة الفاطمية غدت في مراحلها الأولى دولة قوية في المنطقة، وورثت أسطولا بحرياً قوياً من الأغالبة، ثم فرضت هيبتها وسلطانها في البحر والبر. وهم وإن لم يأتوا بجديد على صعيد الدولة، لكن اهتمامهم بالاقتصاد كان مثمراً، كذلك اهتموا بفخامة البلاط والبذخ في المناسبات والأعياد، وانتعشت الأوضاع الاجتماعية/الاقتصادية، ونشطت التجارة في البحر الأحمر، كما عادت أهمية ميناء الإسكندرية إلى سابق مجدها.(18)

ولكن النظام الفاطمي لم يأت بجديد " وكان من حيث الجوهر نظاماً مطلقاً كسائر الأنظمة الإسلامية، الخليفة فيه القائد الروحي والزمني للدولة وهو ما يتفق تماماً مع نظرية الإمامة، حيث يمثل الإمام قوة روحية وزمنية هائلة"، و "الإمام هو المختص الوحيد بالتأويل ومن تحته تندرج السلطات من أعلى إلى الأسفل ويليه الوزير ويلي الوزير حكام الولايات، ولكن هذا الاتساق لم يستمر طويلاً، ففي عهد ضعف وانحلال الدولة عند بداية عهد المستنصر 1059 M ـ 451 H بدء عصر الانحلال وسيطرة الوزراء الطغاة (بما يشبه أوضاع أمير الأمراء والسلاطين في بغداد) واستمروا كذلك حتى سقوط الدولة الفاطمية، فقد أطلق على القادة العسكريين في عصره لقب قائد القواد، قائد الجيوش، أمير الجيوش.(19)

وكانت فترة الحكم الفاطمي التي امتدت قرنين ونيف من السنوات، بما في ذلك عهود الخلفاء الأقوياء، تجتاحها الانتفاضات والثورات وأعمال التمرد، بالإضافة إلى تحالف الروم مع حكام الولايات، ومن أبرز خصومهم القرامطة، (ثورة أبو ركوة القرمطي 1006-1000 M ، وتمرد الخوارج في شمال أفريقيا وثورات البربر، المدن المحلية في الشام، وتذبذب آل حمدان(شمال سوريا والعراق) في علاقاتهم مع الفاطميين.

وبسبب التوجه الديني ـ السياسي الذي أكتنف الدعوة الفاطمية، فإن تيارات من التطرف والاعتدال كانت تنتاب الدعوة الفاطمية والتي لم تتوقف، ولكنها تشددت حيال من لم يماثلهم في توجههم المذهبي، لذلك شاعت في عصرهم بمصر تيارات متطرفة غالت وبالغت إلى حد الشرك.

ومما يستحق الإشارة إليه، أن الفاطميين في مصر لم يستطيعوا استثمار فرص مهمة حدثت في التطور السياسي للخلافة العباسية، كنقاط ضعف بارزة لا سيما في العراق (معقل الخلافة العباسية)، ومن تلك حركة الزنج، وبصورة أدق حركة القرامطة. وهنا فإن التحليل يشير إلى الاحتمالات التالية :

ـ وجود توجهات انتهازية في الخط السياسي لحركات الزنج والقرامطة.
ـ مغالاة الفاطميين في أرائهم المذهبية، بدليل أنهم لم ينجحوا بإقامة تفاهماً مع الأدارسة في
مراكش مع أن كلاهما من البيت العلوي.

والخلافة العباسية، التي كانت بدورها تمر بمرحلة ضعف، اتخذت في مواقفها حيال الأحداث. وفي الواقع فإن الدولة الفاطمية لم تنجح في أن تخلق حولها وسطاً ثقافياً وسياسياً مهماً، والحركة وإن اكتسبت في بدايتها تعاطفاً واسعاً حولها، إلا أن هذا التعاطف بدأ بالتحول إلى نقمة، كما أن الخلافات الداخلية ضمن البيت الحاكم ومع الحاشية كان من جملة عناصر الضعف بالإضافة إلى عنصر مهم آخر تمثل في فقدانهم تأييد عامة الناس، ففي البدء اعتمدت الدولة على جيش من البربر، وكان هذا الأمر يستفز مشاعر الناس في مصر، بالإضافة إلى التطرف المذهبي، وقد أدى ذلك إلى فجوة بين السلطة الإسماعيلية والشعب المصري الذي يتبع المذهب السني الشافعي.

وأسباب سقوط الدولة الفاطمية هي كالعادة في دروس التاريخ، ذاتية وموضوعية، داخلية وخارجية وقد تمثلت تلك :

1 ـ التطرف المذهبي، والغلو في طرح الغيبيات والمبالغة في قضايا الحلول الإلهي.
2 ـ كانت سياستهم ، التوسع في أراضي الخلافة العباسية فاشلة في مؤداها النهائي بسبب تردد أطراف التحالف من قرامطة وزنوج بل أنهم حاربوا القرامطة سنوات طويلة. وكاد القرامطة أن يحتلوا مصر التي زحفوا عليها مرتين 363-361 H.
3 ـ فشل الفاطميين (بسبب طموحاتهم المغالية والمتطرفة)،في التفاهم حـتى مع فـئات وأنظمة مقربة إليهم مثل : أدارسة المغرب، وزيديو اليمن، والقرامطة.
4 ـ خسارتهم لجزر البحر المتوسط لصالح النورمانديين(كورسيكا لدولة جنوه، وسردينيا لدولة بيزا) أفقدهم نقاط ارتكاز تجارية/عسكرية مهمة في البحر المتوسط.
5 ـ عجز المذهب الإسماعيلي عن الانتشار في مصر وشمال أفريقيا، إذ ظلت هناك فجوة بارزة في هذا المجال جديرة بالانتباه.
6 ـ اعتمادهم سياسة مترددة في الجيش، حيث اعتمدوا في البداية على البربر، ولكنـهم وبعد ثورة بربرية استغنوا هن خدماتهم وألتجأوا إلى عناصـر شركـسية وأتـراك ومرتزقة وسودانيين، مما أدى إلى اشتداد التنافس بين هذه العناصر من جهة وتعميق التناقض مع الشعب من جهة أخرى.
7 ـ الصراعات والخلافات بين الأسرة الحاكمة نفسـها، قادت إلـى تكـتلات ودسـائس ومؤمرات كان لها أثرها السلبي.
8 ـ تفشي الفساد الحكومي وتراجع الازدهار الاقتصادي الذي عم البلاد في مطلع حكمهم.

أدت هذه الظروف مجتمعة إلى تراجع مكانة الدولة وأجازاتها الحضارية التي أمكن تحقيقها في بداية حكمهم سواء على الصعيد الثقافي والعلمي والحضاري، وبتفاقم عناصر الضعف هذه، وعجز الدولة عن الالتحام بالشعب، وعن الوقوف بوجه الحملات الصليبية. ثم بدأ التداعي والانهيار يصيب هذه الدولة التي نهضت في تونس على حساب الأغالبة الأقوياء، ثم حكمت مصر واتخذت من القاهرة عاصمة وقاعدة لها، واتسع نفوذها في أوقات متفاوتة حتى شمل سورية وشبه الجزيرة العربية بما في ذلك مكة والمدينة، ولكن كل ذلك تلاشى وأنتهي عام 1171 M ونهض بدلاً عنه حكم الدولة الأيوبية التي ألغت الخلافة الفاطمية وأعادت مصر إلى الخلافة العباسية.

-------------
الهوامش

1 . الداقوقي، د.إبراهيم : القواعد الأساسية للغة التركية. دراسة في تاريخ اللغة التركية
ص 14-8
2 .Autorenkollektiv : dasebenda , S. 97
3 . خطاب، اللواء الركن محمد شيت : نفس المصدر مقال
4 . فوزي، د. فاروق عمر : العراق والتحدي الفارسي ص 135
5 . أطلس الوطن العربي والعالم ص95 انتشار القبائل العربية في بلاد فارس والهند.
6 . فوزي، د. فاروق عمر : الخلافة العباسية في عصر الفوضى العسكرية ص157
7 . مجموعة مؤلفين : المنجد : الطبعة 27
8 . فوزي، د.فاروق عمر : الخلافة العباسية في عصر الفوضى العسكرية ص 187
9 . أدهم، علي : صقر قريش ،ص 27-25
10 . تشوردوم، البروما : حرية العقيدة في أسبانيا الإسلامية مقال
11 . أدهم، علي : نفس المصدر ص30
12 . أدهم، علي : نفس المصدر ص36
13 . تشوردوم، البروما : نفس المصدر مقال
14 . علي، سيد أمير علي : مختصر تاريخ العرب ص467
15 . كاهن، كلود : نفس المصدر ص281
16 . عنان، محمد عبد الله : الحاكم بأمر الله، ص42
17 . عنان، محمد عبد الله : الحاكم بأمر الله : ص46-43
18 . كاهن، كلود : نفس المصدر ص314
19 . عنان، محمد عبد الله : نفس المصدر ص328-326



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

بحوث علمية، بحوث إجتماعية، علم الإجتماع، الأسرة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 21-06-2015  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  صبحي عبد الحميد
  الخطوط الدفاعية
  غيرترود بيل ... آثارية أم جاسوسة ..؟
  أمن البعثات الخارجية
  الحركة الوهابية
  ماذا يدور في البيت الشيعي
  الواقعية ... سيدة المواقف
  زنبقة ستالينغراد البيضاء هكذا أخرجت فتاة صغيرة 17 طائرة نازية من السماء
  اللورد بايرون : شاعر أم ثائر، أم بوهيمي لامنتمي
  حصان طروادة أسطورة أم حقيقة تاريخية
  دروس سياسية / استراتيجية في الهجرة النبوية الشريفة
  بؤر التوتر : أجنة الحروب : بلوشستان
  وليم شكسبير
  البحرية المصرية تغرق إيلات
  كولن ولسن
  الإرهاب ظاهرة محلية أم دولية
  بيير أوغستين رينوار
  المقاومة الألمانية ضد النظام النازي Widerstand gegen den Nationalsozialismus
  فلاديمير ماياكوفسكي
  العناصر المؤثرة على القرار السياسي
  سبل تحقيق الأمن القومي
  حركة الخوارج (الجماعة المؤمنة) رومانسية ثورية، أم رؤية مبكرة
  رسائل من ملوك المسلمين إلى أعدائهم
  وليم مكرم عبيد باشا
  ساعة غيفارا الاخيرة الذكرى السادسة والستون لمصرع البطل القائد غيفارا
  من معارك العرب الكبرى : معركة أنوال المجيدة
  نظرية المؤامرة Conspiracy Theory
  نوع جديد من الحروب
  نبوءة دقيقة
  الولايات المتحدة منزعجة من السياسة المصرية ...!

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- جابر قميحة، د - شاكر الحوكي ، د- محمد رحال، فوزي مسعود ، حميدة الطيلوش، رشيد السيد أحمد، سامح لطف الله، رافد العزاوي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، مصطفي زهران، عراق المطيري، د. خالد الطراولي ، أنس الشابي، إيمى الأشقر، فتحي العابد، جاسم الرصيف، د. أحمد محمد سليمان، أبو سمية، عواطف منصور، وائل بنجدو، صلاح المختار، محمد العيادي، د - الضاوي خوالدية، د. صلاح عودة الله ، خالد الجاف ، د - محمد بن موسى الشريف ، عمار غيلوفي، الناصر الرقيق، د- هاني ابوالفتوح، فهمي شراب، ياسين أحمد، حسن عثمان، إسراء أبو رمان، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - محمد بنيعيش، رمضان حينوني، رضا الدبّابي، ضحى عبد الرحمن، خبَّاب بن مروان الحمد، د - المنجي الكعبي، محمد أحمد عزوز، رافع القارصي، عبد الله الفقير، سيد السباعي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمود طرشوبي، تونسي، صالح النعامي ، محمد الطرابلسي، محرر "بوابتي"، سفيان عبد الكافي، منجي باكير، سعود السبعاني، د - مصطفى فهمي، أحمد بوادي، محمود سلطان، عمر غازي، أ.د. مصطفى رجب، محمد الياسين، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عبد الغني مزوز، سلوى المغربي، صباح الموسوي ، أشرف إبراهيم حجاج، محمود فاروق سيد شعبان، صفاء العراقي، يحيي البوليني، عزيز العرباوي، د. طارق عبد الحليم، مجدى داود، صلاح الحريري، طلال قسومي، د.محمد فتحي عبد العال، حسن الطرابلسي، د - صالح المازقي، صفاء العربي، المولدي الفرجاني، د- محمود علي عريقات، د. عادل محمد عايش الأسطل، حسني إبراهيم عبد العظيم، سلام الشماع، يزيد بن الحسين، الهادي المثلوثي، نادية سعد، فتحي الزغل، محمد عمر غرس الله، د. عبد الآله المالكي، حاتم الصولي، محمد يحي، العادل السمعلي، الهيثم زعفان، محمد اسعد بيوض التميمي، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد الله زيدان، د - عادل رضا، مصطفى منيغ، أحمد ملحم، فتحـي قاره بيبـان، مراد قميزة، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، كريم السليتي، سامر أبو رمان ، إياد محمود حسين ، أحمد النعيمي، علي عبد العال، أحمد الحباسي، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الرزاق قيراط ، كريم فارق، علي الكاش، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. أحمد بشير، محمد شمام ، ماهر عدنان قنديل،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة