منجي باكير - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8005
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
مـــــــــا كانت الحكومة لتركب الخطر و تضع نفسها أمام إبرة الميزان لتتحمّل من بعد و في كلّ الحالات تبعات هي في غنًى عنها وسط الغوغاء التي احترفت التنكيد عليها و الإرباك لكل مجهوداتها في الحكم ، ما كانت الحكومة لتقدم مُكرهة على هذا الفعل لولا الضغوطات الخارجيّة المتواترة و المساومة لكينونتها مقابل الإضطلاع بالتصدّي لكل وجود إسلامي يشكّل الخطر الأكبر على المصالح و التواجد الغربي و الأمريكي في المنطقة ،و ما كانت لتفعل لولا الهجمات المقيتة من إعلام يسوّق لبضاعة التغريب و اجتثاث الشعب من جذور هويّته و دينه ، هذا الإعلام الذي إنخرط في معظمه في أجندا ممنهجة يتقاسم فيها أدعياء الإعلام و الوطنيّة أدوارا تتكامل و تتّحد لتلتقي آجلا أم عاجلا على هدف واحد و هو تمييع الدّين الإسلامي و إقصاءه من الحياة السّياسيّة فضلا عن الحياة الإجتماعيّة ،و هكذا كان شأنهم مع حركة النهضة قائدة الترويكا و التي أجبروها تِباعا على التنازل وراء التنازل عن ثوابتها المرجعيّة و عن وعودها لشعب و ناخبين أشّر معظمهم على خانة ترشّحها لسبب حفظ الدين و ردّ اعتباره بعد سنوات الجمر و العلمانيّة المقيتة ،،،
أضف إلى هذا حساسيّة العلاقة القائمة بين السّلفييّن و حركة النهضة التي تتباين عندها كثير من الأفكار و الخطوط العريضة في فهم تطبيق شريعة الإسلام و تنزيل تعاليمه على الواقع و كيفيّة الأخذ بالمعالجات الشّرعيّة ،لهذا فأنّ محاولة السّلفيّين لإقامة مؤتمرهم الثالث بالقيروان بدون طلب ترخيص من الدّاخلية كان الذّريعة التي اعتمدتها الحكومة لتبرير المنع و المواجهة بأقصى ما تملك من جاهزيّة سخّرتها حصريّا لتنفيذ وعيدها في مواجهة الحدث برغم أنّنا لم نر مثل هذه المواقف الحكوميّة من قبل مع كثير من الأحداث و الأحزاب و الشخوص الذين تناقلت الأخبار عنهم تعطيل المصلحة العامّة و ازدراء المصلحة العليا للوطن و رمزياتها و انتهاك للقوانين الضّابطة و التهديد جهرا بما يزيد من توتير الأوضاع السّياسيّة و الإجتماعية و الإقتصادية و يشكّل خطرا على النّظام العامّ ...
السّلفويّون –التونسيّون- في وضعهم العامّ هم أصيلون و لم يأتوننا من خارج هذه الأرض الطيّبة و التي تحمّلت طيلة تاريخها الكثير من المفارقات الفكريّة و المذهبيّة و حتى الحضاريّة ، هؤلاء السّلفيون قد يحملون ما لا يروق للبعض منّا أو يأتون أفعالا لا يتقبّلها هذا البعض ، لكن ليس هذا هو المشكل الذي تُبطنه الحملات الشعواء عليهم و التهم التي تُلصق بهم جُزافا و أثبت الواقع غالبا براءتهم منها ، بل أصل كلّ هذا العداء هو عداء خفيّ للإسلام و كره لتعاليمه و شِرعته و هذه العداوة لا يمكن المجاهرة بها أمام الشعب المسلم و لا يمكن تمريرها في هذه البلاد العريقة الدّيانة و الهويّة ، و لا سبيل إلى تنفيذ أجنداتهم التي تبشّر بالحداثة و العلمانية إلاّ جعل السلفيين كبش الفداء خصوصا إذا كانت القوى الدّولية تصبّ في ذات الإتّجاه ...
غير أنّه من المفيد جدّا القول بأنّ التيّار السّلفي كغيره من التيّارات مازال يعيش شيئا من تشوّش الأفكار و تضارب بعض الأدبيّات و تعدّد المرجعيّات المحلّية وغوغائيّة التنظّم ممّا جعل من السّهل إختراقهم و بلبلة صفوفهم كما أنّ شيوخهم في بعض الأحيان قد لا يقدّرون جيّدا الأمور قدر حقّها ، أيضا هم لا يتقنون متاهات اللّعبة السياسيّة التي تعتمد المراوغة و التسويف و ديبلوماسيّة التصاريح و ازدواجيّة المواقف باعتبار أنّ عملهم ينطلق من عين الفكرة فيتمسّكون بالوضوح و الصراحة و تحمّل النتائج مهما كانت ضدّهم ...
ختاما نقول أن التيار السلفي هو واقع لا يمكن بأيّة حال إنكاره أو إقصاءه أو حتّى محاصرته ، أتباعه هم تونسيّون يشاركوننا الوطن و يقاسموننا العيش عليه و لهم فيه ما لنا ، هم يمثّلون كتلة من الشعب – أحبّ من أحبّ و كره من كره – و من الملاحظ أنّ أتباعهم يزيدون عند كل ّ مواجهة لهم أو حصارهم ، غالب ما يحملونه من فكر هو دعوي و خدماتي يشتركون فيه مع كل تيّار أو حزب يسعى لبناء هذا الوطن و ما تبقّى ممّا يحملون من الأجدى أن تُرفع عنهم الشيطنة المسلّطة عليهم و الإمساك عن إلصاق التّهم بهم مجاراة للجهات المعادية محلّيا و خارجيا و فتح الحوارات الفكريّة العلميّة و الدينيّة و تيسير أنشطتهم العلنية بمراعاة و متابعة حكوميّة تشملهم و تشمل غيرهم من التيّارات و الأحزاب بنفس المستوى ..
و لهــــذا فإنّه من العبث أن تستمرّ طرق المحاصرة و الإقصاء و المنع لتيّار يحوي في مكوّناته أبناءنا و إخوتنا و أهلنا الذين هم منّا و نحن منهم فالنتائج تتّجه دوما نحو الكوارث التي تعشّش و يستعصي إستئصالها و ما جرى و يجري في البلدان التي مرّت بمثل هكذا تجارب إلاّ دليل واضح ،،،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: