انحراف الفتيات بالجامعة التونسية….بعض من الحصاد المر
ابو سمية
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
المشاهدات: 23804
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الكل في القرية يكن نحوه الاحترام, كذلك فعل كبار السن, وكذلك نسج على منوالهم الصغار, والكل يصدر عن رأيه في ما يطرأ من منازعات و مشاورات تشهدها القرية, و لطالما كان بيته قبلة الناس, يستشيرونه في ما يجد من مشاغلهم المفرحة أو المحزنة.
يستمد "سي ابراهيم" تقدير الناس له من تاريخه الحافل بميزات الشرف, حيث كان ممن حمل السلاح في وجه الاستعمار الفرنسي, ويقول السكان أن "سي ابراهيم" كان من الأوائل الذين التحقوا بالمقاومة المسلحة التي نشطت في سلسلة الجبال المحيطة بقريتهم, والممتدة ما بين جبال "عرباطة" وجبال "السوينة" التي تتواجد مابين سيدي بوزيد وقفصة حاليا, و لطالما ردد الناس قصص "سي ابراهيم" حتى لكانها الأساطير, وخاصة تلك التي يحكي فيها بطولات المقاومة التونسية المسلحة ضد المستعمر الفرنسي, والمواقف البطولية النادرة الرائعة ل"سيدي", وهو الاسم الذي يطلقه رجال المقاومة آنذاك على قائد المقاومة الشهير"الأزهر الشرايطي", فلقد كان "سي إبراهيم" من المقاومين المقربين من الأزهر الشرايطي, الذين لزموه في كل المعارك تقريبا التي دارت رحاها بجهة قفصة من "المتلوي" غربا وحتى" سيدي عيش" شرقا.
وما إن نالت تونس استقلالها, حتى اتجه "سي ابراهيم" نحو الاستقرار, فتزوج و رزق بخمسة أبناء, الأربعة الأوائل ذكور, أما "سلوى" فكانت آخر أبنائه, ولدت قبل 20 سنة, درست المرحلة الابتدائية في مدرسة القرية, وأما تعليمها الثانوي فكان بالمعهد القريب.
ولقد كان "سي ابراهيم" يسهر على تربية ابنته تربية صالحة تليق ببنت رجل مهاب الجانب مثله, فنشأها على التعلق بمعاني الشرف, وكان يقول لابنته: لتتذكري بنيتي أن أباك قاتل لسنوات المستعمر الفرنسي لأني أرفض الهوان, فلا تكوني أنت من يجرعني الذل, لا قدر الله.
وكذلك مضت سنوات الدراسة الثانوية ل"سلوى", وكذلك كانت تلميذة مضرب المثل في السلوك والدراسة, حتى تحصلت على شهادة الباكالوريا بمعدل جيد ووقع توجيهها لمؤسسة جامعية بإحدى مدن الساحل التونسي, مع السكن في المبيت الملحق بالجامعة. وافق "سي ابراهيم" على ذلك على مضض, حيث أقنعته زوجته "خديجة" بأن "سلوى" تمتلك من عمق التربية بحيث تستطيع الصمود في وجه ما سمعوه عن تسيب وانحرافات لدى بعض بنات الجامعات التونسية.
لم تكد تمضي عليها أيام قليلة داخل الجامعة, حتى صدمت "سلوى" بالأجواء الجديدة, إذ منذ الأيام الأولى رأت ما لم تكن تتوقعه, حيث حضرت ما قيل أنه حفل لا تدري بأي مناسبة نظم ولا تدري من نظمه, وخلاله تلقت مثل باقي الحضور كتيبات و أشرطة لاصقة تدعو الشباب للحذر حينما "يستمتعون بشبابهم" وتدعوهم أن يستعملوا ما يسمى "واقيات ذكرية", وتهون عليهم الأمر, إذ أن هناك من هو على ذمتهم كما قيل لهم, فقط عليهم أن يتصلوا عل أرقام هواتف لطرح أي سؤال يخطر ببالهم له علاقة "بممارساتهم الجنسية" المحتملة أو ما شابه من أسئلة, لكي لا يكونوا ضحايا ل"سيدا". حينما قرأت "سلوى" ما تناولته, شعرت بما يشبه الدوار الخفيف, و أحست بموجة من العرق البارد تعم بدنها, وفي حركة لا شعورية قامت برمي الوريقات, ونهضت مسرعة مغادرة القاعة. لقد سمعت من قبل الكثير عن الأجواء الجامعية, ولكنها لم تكن تتوقع أبدا أن يقع التشجيع هكذا على الزناء بطريقة مباشرة في فضاء جامعي, بيد أنها استدركت وتذكرت أن مثل هذا, يقع أيضا في وسائل الإعلام الموجهة لكل الناس, فزادها الأمر انقباضا.
مرت الأيام وأصبحت "سلوى" تلاقي عنتا كبيرا في مقاومة الواقع الجديد, فكل غدوة أو روحة داخل الجزء الجامعي يحمل فتنة يستدعي منها مدافعة وصمودا.
كانت "سلوى" ترى وتسمع الكثير عن سلوكيات الانحراف والتهتك مما تأتيه بعض الطالبات من أهل تلك المدينة وما قاربها حيث تقع جامعتها, وكيف أن بعضهن يحملن عقاقير منع الحمل, ولكنها كانت لا تعبأ كثيرا بمثل هذه السلوكيات, وكانت تنظر باحتقار شديد لهؤلاء الطالبات و تعرض عنهن, ولعل ما ساهم في موقفها ذلك أنها كانت تتذكر كلام أستاذ التاريخ بمعهد قريتها حينما كان يفسر لهم كيف أن بعض المدن الساحلية التونسية في التاريخ الوسيط كانت تشهد المتاجرة بالجواري والغلمان ممن يقع سبيهم في المعارك, وكان يقع تزويج بعض من أولئك الجواري والغلمان داخل بعض المدن التونسية. وكانت "سلوى" تقول في نفسها حينما ترى واحدة من تلك الطالبات المنحرفات: لعل جدها كان غلاما أو جدتها كانت جارية تقاذفتها أيادي عشرات الرجال قبل أن تستقر, إذن فالشيء من مأتاه لا يستغرب.
كانت "سلوى" تعرف أن هذا تفسير نمطي بسيط موغل في السطحية لظواهر شديدة التعقيد, كما تعرف أن أستاذها لم يكن يقصد بكلامه القدح في سكان تلك المدن التي أنجب بعضها رجال وأي رجال, ولكنها كانت تتعلق بهذا النمط من التفكير البسيط لأنه يساعدها على الإعراض على مثل تلك الطالبات. على أن هذا لا يعني أن "سلوى" لم تكن تتألم من هذا الواقع وخاصة حينما ترى بعض من بنات يشبهنها يتجهن نحو الانحراف.
أضحت "سلوى" تبحث عن ملجئ يقيها دواعي الغواية ويعينها على الثبات, وكانت المسكينة من السذاجة بحيث أنها توقعت أن يتغير الحال في شهر رمضان المقبل آنذاك على الأبواب, وكانت تقول لا ريب أن الكثير من الحفلات والسهرات ستتوقف خلال ذلك الشهر. شعرت "سلوى" المسكينة براحة حينما سرحت في تمنياتها, فهي لا تريد السقوط في أوحال الانحراف التي واجهتها, وهي تتمنى الخروج سالمة من هذه الشباك التي وقعت فيها.
حل شهر رمضان, وفوجئت "سلوى" بالإعلان عن حفلة موسيقية كبيرة ستقام بالمدينة ستحييها إحدى المغنيات, كما أعلن عن تخفيض لمن يريد الدخول من الطلبة كتشجيع لهم على الحضور, في المقابل لم تلحظ "سلوى".أي تحسن إيجابي داخل فضاء الجامعة. وفي ليلة إقامة الحفلة الغنائية, انهمكت المسكينة في بكاء طويل مسترسل مصحوب بإحساس بالغربة بدا ينتابها. اجل, لم تبق طالبة من السنوات الاولى إلا وخرجت تلك الليلة لحضور الحفلة الغنائية, لم يبق بالمبيت الجامعي إلا هي وبعض الطالبات القديمات ممن لهن دروس للمراجعة.
لقد مر الآن ما يزيد عن الشهرين وسلوى تواجه هذا الواقع الجديد بصبر و ثبات نادرين, لكن حصونها بدأت بالتزلزل, ودفاعاتها اتجهت نحو التآكل.
مضت الأيام طويلة كئيبة, و دخلت "سلوى" في صراع مع نفسها, زاده حدة أن بعض الطالبات ممن كن يشبهنها في تحليهن بسلوك حسن, ابتعدن عنها وبدان تحولا نحو التأقلم مع الواقع الجديد, ولشد ما آلمها وأثر فيها أن "سعاد" صديقة صباها وبنت قريتها التي وقع توجيهها معها لنفس الجزء الجامعي هجرتها, بعد أن قامت بجرحها. كان ذلك حينما قامت "سعاد" بالاقتراح على "سلوى" أن يتوجها مساء السبت لإحدى النزل, و أردفت "سعاد" في جرأة استغربتها "سلوى" ولم تفهمها, إنهما لن يدفعا مقابلا لذلك, بل إن "عادل" زميليهما, سيتكفل بذلك, وزادت, أن العديد من الطلبة اعتادوا التوجه إلى ذلك النزل, حيث اللقاءات تبدأ بيضاء, وتنتهي بسهرات حمراء.
حينها قامت "سلوى" بنهر "سعاد" وذكرتها بأصلها وتربيتها, و لم تلبث الأخيرة أن ردت بدورها, قائلة ل"سلوى" بما يشبه السخرية: كفاك تعقدا وتخلفا, أوكل الناس مخطئون إلا أنت, إنك بحق غير عادية؟ قضت "سلوى" تلك الليلة باكية, و تفاقم إحساسها بالغربة إذ لم تعد لها قرينات يماثلنها, الكل ينظر إليها على أنها غير عادية, والبعض يصفنها على أنها معقدة, بدا الشك يتسرب لنفسها, و بدأت تتساءل: أيعقل أن أكون وحدي على صواب والكل مخطئون؟ كان الجواب بالنفي هو أيسر طريق تجد به راحتها النفسية المفقودة.
مضت الأمور بسرعة, أصبح الإحساس بالأمان لدى "سلوى" يكمن في أن تصبح مثل غيرها, وبدأت ترى التعلق بالمبادئ و التربية والشرف قرين العذاب النفسي.
أجل, لقد انهارت حصون "سلوى" الدفاعية ولم يعد بإمكانها الصمود أكثر بعد ما يقارب الثلاثة أشهر من العنت و الفتنة الشديدة, لقد انهزمت نفسيا وسقطت راياتها.
تولد عن ذلك سعي محموم للتملص من هذا الوضع النفسي الذي تعيشه و الالتحاق بالركب, ركب الواقع من حولها, والإعراض عما دون ذلك, ولم تعدم "سلوى" الحلول, ولم تتعب في ولوج العالم الجديد.
لا حظ عليها أحد الطلبة المنحرفين ممن يتقن اصطياد الفرص, ما حل بها من تغير, بدا بلباسها الذي استبدلت فيه فستانها الطويل بسروال ضيق, فاستغل الأمر واقترح عليها الذهاب معا لمشاهدة فيلم, فوافقت في الحال وهي التي تتعجل الخطى لكي تقطع مع عالمها السابق. حينما عادت تلك الليلة لغرفتها, كان عليها أن تصارع بقايا من نفس لوامة لازالت تتمسك بالمبادئ وتنادي فيها صوت العفة والشرف, ولكن دواعي الانحراف لديها كانت أقوى فانتصرت في النهاية, فعزمت على تكرار الأمر وعدم تفويت الفرص المشابهة لكي تعوض ما فاتها.
توطدت علاقة "سلوى" ب"كريم" أو "كمكم" كما يناديه أصحابه, وكان أن قضيا عديد المرات معا" أوقاتا ممتعة" سواء في مشاهدة أفلام بقاعات السينما أو حينما كانا يتناولان معا العشاء بإحدى النزل الذي حرص "كمكم" ان يكون نزلا لا يرتاده بقية الطلبة.
جاء الصيف, وعادت "سلوى" لقريتها, وذات يوم حدث ان كان "سي ابراهيم" في سفر و"مختار" هو من يتكفل بشؤون المنزل في غياب والده. طلبت الأم "خديجة" من "مختار" نقل أخته "سلوى" لمستوصف القرية لتفحصها, فهي تشعر بما يشبه الدوار, فلعلها شربت ماء ملوثا, وأردفت الأم في ما يشبه العتاب لابنها: الم أطلب منك بان تشتري لأختك ماء معدنيا؟ ثم أضافت: سيرجع أبوك اليوم من السفر, فلتنتظره في محطة القرية و لتات به معك, ولتترفق به, فأبوك كبر سنه ورق عظمه ولم يعد يتحمل الإجهاد.
مضى شطر من النهار و لم يرجع "مختار", كما أن "سي ابراهيم" يفترض انه قد وصل القرية, وها إنه لم يأت بعد, ازداد قلق "خديجة" ولم تعد تجد تفسيرا للأمر, و لم تجد كذلك من يعينها على ما هي عليه من توتر, إذ أن باقي أولادها الثلاثة متزوجون, وليس بالبيت غير ابنها "مختار", فكان عليها انتظار مجيء هذا الأخير.
قبيل الغروب, والشمس في انقراض ترمي ببقايا أشعة عمقت من كآبة الموقف, رجع "مختار" إلى المنزل وحيدا, لم يكن معه بالسيارة لا "سلوى" و لا "سي ابراهيم", ولكن كان معه شيء آخر, كان معه خزي و عار ظهرا في خطواته الثقيلة حينما ترجل من السيارة وفي الدمعة التي تداركها قبل السقوط على خده عندما أراد إخبار أمه.
أما "سلوى" فقد أخذتها منظمة تعنى ب"الأمهات العازبات", وأما "سي ابراهيم" فقد نصح طبيب القرية بنقله لقسم الأمراض العقلية بمستشفى قفصة في انتظار تحويله لتونس.
قصة مستوحاة من الواقع
15-09-2007
|
8-09-2009 / 12:01:43 ابو سمية