نظرة تحليلية لنتائج الاستفتاء على الدستور في مصر
يحيي البوليني - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
المشاهدات: 5685
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لم يكن مشروع الدستور المصري الذي يتم التصويت عليه الآن هو منتهى أمل الإسلاميين , ولكنهم في الوقت نفسه يعتبرونه خطوة في الاتجاه الذي يبحثون عنه وهو تطبيق شريعة الله سبحانه في بلدهم ولم يكن هذا المشروع أيضا مهددا تهديدا قويا لأصحاب الاتجاه العلماني فلم ينص صراحة على تحكيم الشريعة , ولكنهم أيضا في الوقت نفسه يعملون على إسقاطه وعرقلة التصويت عليه والتشغيب الدائم المستمر وإثارة الأزمات تلو الأزمات وافتعال المشكلات للحيلولة بين الناس وبين إقراره والعمل به .
فقد جاءت المادة الثانية فيه وهي مادة الشريعة كطرف دائم في نزاع الإسلاميين والعلمانيين الذين هددوا دائما بالانسحاب وإسقاط الجمعية التأسيسية فاضطر الإسلاميون حينها على الإبقاء على كلمة " مبادئ الشريعة " على ما كانت عليه في الدساتير السابقة دون تغيير والاكتفاء بمادة تفسيرية لها , فانتقلت الحرب إلى المادة التفسيرية التي أدلى كل الناس بدلوهم فيها ورفض كثير من العلمانيين نصها , حتى النصارى رفضوا تفسيرها ووصفها كبيرهم تواضروس أنها " مادة كارثية " .
ولهذا كان الاستفتاء يحمل أكثر من مضمون , إذ تعدى الأمر كونه استفتاء على مسودة دستور فحسب , بل تعداه ليعتبر عن كثير من المراقبين المحليين والدوليين استفتاء شعبيا على المنهج الإسلامي في مواجهة المنهج العلماني , وعلى الإسلاميين في مواجهة المسمين بالنخب العلمانية والمجتمع المدني , بل واعتبره آخرون استفتاء على الرئيس مرسي في مواجهة الدولة العميقة المترسخة بنظام مبارك المخلوع المستند إلى بعض الوجوه الثورية مدعومة بآلة إعلامية جبارة ومحترفة لكل أنواع الكذب والغش والتدليس والافتراء , ولا تكل ولا تمل وتعمل آناء الليل وأطراف النهار .
وليس أدل على الاهتمام الكبير من الخارج قبل الداخل ما صرحت به بعض الدوائر متصلة الصلة بالقيادة الإسرائيلية معلقة على نتائج الاستفتاء ونشرته عدة مواقع مصرية على لسان الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية عوفر جندل وذلك علي القناة الثانية الإسرائيلية بأن " النتائج الأولية للاستفتاء المصري على الدستور بأنها كانت فاجعة لإسرائيل " , ثم أضاف " أن أصدقاءنا للأسف إما أنهم خدعونا وإما أن تقديراتهم كانت خاطئة ودعا الشعب المصري للرد في الجولة الثانية " .
وبالنظر إلى النتيجة شبه الرسمية من واقع الكشوف الخاصة باللجان والصادرة من القضاة الذين اشرفوا على كل لجنة فرعية يتضح ان النتيجة للمرحلة الأولى للعشر محافظات جاءت بالموافقة على الدستور بنسبة 57 % مقابل رفض للدستور بنسبة 43% وهي نسبة جديرة بالتوقف والتفسير للكتل التصويتية الموافقة والمعترضة لمحاولة فهمها وبيان دلالاتها والالتفات لنقاط القوة ونقاط الضعف للإسلاميين منها . وقبل ان نبدأ في بيان الدلالات والمؤشرات لابد وان نرتكز على نقطة للبدء والمقارنة لكي نتبين سير الاتجاهات التصويتية للناخبين , ولم نجد اقرب ولا أوضح نقطة للبدء سوى انتخابات الإعادة بين الدكتور مرسي الرئيس الحالي وبين المرشح الخاسر احمد شفيق والتي جرت قبل خمسة اشهر وكانت نتيجتها النهائية الإجمالية لمحافظات الجمهورية 51.5 % لمرسي مقابل 48.5 % لشفيق , والتي مثلت دلالة أيضا على تقسيم واضح للقوى التصويتية حينها , ويمكن من خلال المقارنة فهم الدلالات والمؤشرات والتي كان من بينها .
أولا قراءة في النتائج الإحصائية
1- تعتبر هذه النتيجة الحالية من الاستفتاء تأييدا جديدا للدكتور مرسي وللمنهج الإسلامي وانتصارا على المنهج العلماني وقنوات الإعلام وأموال الفلول , إذ ان النسبة السابقة للعشر محافظات في جولة الإعادة كانت لصالح المرشح شفيق بنسبة 51% في مقابل مرسي 49% فقط , فتقدم الاستفتاء بنعم في هذه المحافظات نفسها فأصبح 57% نعم , 43% لا , أي أن كتلة تضم 16% من جمهور الناخبين في العشر محافظات تحول من التصويت ضد مرسي والإسلاميين للتصويت لصالحهم والنتيجة معكوسة للفئة الأخرى المتوحدة ضد الإسلاميين
2- المحافظات التي أجري فيها الاستفتاء فيها كتلتان كبيرتان جدا وهما القاهرة والإسكندرية , ففي القاهرة ثبتت نسبة تأييد الإسلاميين ورفض الرافضين لهم على نسبة ثابتة في جولة الإعادة أو الاستفتاء وفي هذا أيضا نوع من النجاح النسبي رغم كل محاولات التشويه المتعمد واشتداد التركيز على القاهرة بصفتها العاصمة , ورغم وجود عدد كبير جدا من ساكني العشوائيات في القاهرة التي يمكن ان تمتد إليهم الأيدي بالرشوة الانتخابية المعهودة من فلول الحزب الوطني إلا ان ثبات النسبة يدل على عدم تجاوب نسبة كبيرة منهم مع المغريات .
3- وفي تفسير رفض القاهرة للدستور فهناك عدة محاور منها - في القاهرة نسبة كبيرة من النصارى وخاصة في شبرا والعباسية وهذا ما يفسر الاحتشاد دوما ضد الإسلاميين فيها في كل الاستحقاقات الانتخابية , والقاهرة أيضا موطن ميادين مصر فيها تقام الفعاليات وفيها الالتقاء بمن يعتبرونهم رموزا مما يجعل عددا من الشباب فيها أسرع تأثرا بكل الأفكار وأكثر استجابة للتحريض الإعلامي , وهناك مجموعات شبابية وتكتلات يمكن التأثير على قادتها فتتحرك معهم الجموع مثل مجموعات الالتراس أو شباب الجامعات أو غيرهم , ولا يعني هذا بالطبع ان القاهرة رافضة للدستور كلها فالنسبة فيها معكوسة عن مجموع المحافظات العشر .
4- وفي الإسكندرية التغيير الأبرز والكبير والذي يجب ان يبحثه الإسلاميون بدقة , فقد كانت النسبة بين مرسي وشفيق 68 : 32 , فانخفضت في الدستور رغم ايجابية النتيجة إلى 56 مؤيد : 44 معارض , وربما هذه النتيجة هي ابرز الجوانب السلبية للإسلاميين في هذا الاستفتاء رغم الظاهر العام فيها بالإيجاب والموافقة على الدستور .
5- أما الدقهلية والشرقية فهما من محافظات الدلتا اللتين اتهمتا بانهما عارضتا مرسي والإسلاميين وان أصوات الفلول فيهما مرتفعة جدا نظرا للعصبيات العائلية فحدث فيهما انقلاب عكسي ايجابي لصالح الإسلاميين , فبعد ان كانت الدقهلية في الرئاسة 44 مرسي : 56 شفيق , أصبحت 55 نعم : 45 لا , وبالمثل فالشرقية في الرئاسة 46 مرسي : 54 شفيق , تحولت في الاستفتاء إلى 66 نعم : 34 لا , وهاتان نتيجتان ايجابيتان جدا إذ يبلغ تحول الناخبين في الدقهلية حوالي 20% من جمهور الناخبين بينما الانقلاب في الشرقية بلغ حوالي 40% من الناخبين .
6- على الرغم من النتيجة النهائية للتصويت في الغربية جاء برفض الدستور إلا ان النسبة الرافضة قد تقلصت , فبعدما كانت في الرئاسة بأغلبية كبيرا جدا ضد مرسي إذ حصل على 37 % مقابل 63 % شفيق , أصبحت في الدستور 52 لا : 48 نعم , وهذه النسبة رغم أنها رفض إلا ان الاتجاه العام لقبول الإسلاميين ولتأثيرهم تقدم بدرجة كبيرة جدا
7- لازالت محافظات الصعيد تقدم في كل استفتاء أنها تقف مع الإسلاميين في كل الاستحقاقات الانتخابية , وأيضا رغم وجود عدد من النصارى منتشرين في جوانب كثيرة فيها إلا ان تكتلهم وتحزبهم وتصويتهم الطائفي المعلن يوجد دوما رد فعل عكسي لأنهم يصرون دوما على إدخال الدين النصراني كتجمع سياسي في خطيئة مسيحية لا يكفون عنها , فجاءت نتائج المحافظات الثلاث أسيوط وأسوان وسوهاج في الرئاسة والاستفتاء ايجابية لمرسي وللإسلاميين ولنعم للدستور , وان كانت ظاهرة بارزة تقدم النسب جدا , فأسوان انتقلت من 55 % إلى 76% , وأسيوط من 61% إلى 77% , وسوهاج من 58% إلى 79% .
8- أثبتت نتيجة اسوان تحديدا رغبة ظاهرة من أهل أسوان جميعهم في رفض تقسيم مصر كما كان يشاع عن رغبة النوبيين في ذلك – مثلما كان انسحاب سيدة نوبية كانت عضوا في التأسيسية – لوجود مادة تصر على ان مصر دولة غير قابلة للتقسيم , فجاء الاستفتاء ليؤكد عدم وجود مثل هذه الفكرة وأنهم يصرون على ان تكون مصر دوما دولة واحدة موحدة
9- والنتيجة الأخيرة في الإحصاء كانت لأهل سيناء بشمالها وجنوبها جاءت مؤيدة للدستور ومؤيدة للإسلاميين بنسبة متزايدة فانتقلت شمال سيناء من 62% رئاسة إلى 78 % دستور , وانتقلت جنوب سيناء التي كانت متعادلة بين مرسي وشفيق فأصبحت 64 مؤيد : 36 معترض , ولنتيجة جنوب سيناء دلالة خاصة على ضعف تأثير لأصحاب المستعمرات والمنتجعات والقرى السياحية وخاصة من رأسماليي النظام السابق على التأثير في الناخبين الذين رأوا ان دستور بلادهم يحفظ سيناء ويعطي للمواطن السيناوي الحق الذي حرم منه طويلا .
الدلالات التي يمكن استخراجها من الإحصائيات
1- المحافظات التي تم إجراء الاستفتاء فيها نتائجها كلها بحمد الله ايجابية حتى من رجحت فيهم كفة رفض الدستور ماعدا الإسكندرية التي رجحت فيه كفة نعم وينبغي دراستها
2- المحافظات القادمة هي المحافظات البعيدة عن التركيز الإعلامي والتأثير العلماني الشديد والتي ينتظر منها بإذن الله نتيجة أفضل
3- لم تحتسب نتائج المصريين في الخارج والتي تبشر بإذن الله بنتائج ايجابية نظرا لبعدهم – نوعا ما - عن الإعلام الممنهج الكاذب , وكذلك لقراءتهم للدستور وحلمهم ان يكون الدستور المصري كغيره من الدساتير التي تعطي المصري حقه وكرامته كغيره من الشعوب على أراضيها .
4- السقوط للعلمانيين والإعلام الكاذب المستمر في التأثير على الناخبين رغم كل البذاءات التي يتعاملون بها مع شخص الرئيس ومؤسسة الرئاسة والإسلاميين بشكل عام وافتعالهم المشكلات .
5- فشل الاختيار السياسي للنصارى كما يحدث في كل مرة وفشل قدرتها ورؤيتها وقراءتها للأحداث السياسية وانفصال الكنيسة الدائم عن اختيارات الشعب فدائما تصويتهم يأتي في الناحية العكسية لتصويت المصريين , وهذا الفشل المتكرر وهذه الاختيارات السياسية الخاطئة ستزيد من عزلة النصارى في مصر بسوء اختيارات الكنيسة وتدخلاتها السياسة في حياة المصريين , وأولى بها ان تكون - كما هو الأصل لها – مؤسسة روحية فقط ولا دخل لها بالسياسة , فدائما ما يختارون الانحياز للطرف الخطأ في المعادلة كما فعلوا بتأييد مبارك قبل وأثناء الثورة ثم تأييد نجله لرئاسة مصر ثم الاختيار لا في استفتاء مارس 2011 ثم اختيارهم شفيق وفي هذا الاستفتاء الأخير !!
6- لا تأثير لخروج حزب وأعضاء مصر القوية من كتلة المصوتين بنعم للدكتور مرسي إلى التصويت بلا في الاستفتاء الأخير , وكذلك لا تأثير أيضا لخروج الحزب الوهمي الذي أسسه الدكتور عمرو خالد من الكتلة التصويتية فلا وجود جماهيري لهم حقيقة على أرضية الميدان في مصر .
7- أيضا لم يستمع المصريون لدعاوى من طالب برفض الدستور من الإسلاميين الذين راوا ان بالدستور مواد تحرم الموافقة عليها , وانحاز الشعب لرأي علمائه الذين أفتوه بان الدستور الحالي – حتى وان لم يبلغ الحد الكمالي الواجب والمطلوب – إلا انه أفضل الحلول المتاحة حاليا ومن ثم يجب مساندته .
8- رغم وجود عدد كبير جدا من الصوفية في مصر ورغم محاولة استقطابهم من قبل العلمانيين ورجال الأعمال النصارى للوقوف صفا واحدا ضد الإسلاميين إلا أنهم كتلة كبيرة غير منظمة وغير واضحة المعالم ولا يمكن أبدا التعويل عليها فليس لها أي تأثير انتخابي .
9- على الإسلاميين الاهتمام بالعمل الإعلامي وتنميته لوجود إعلام شديد ومحترف يبث الفتن يوميا في حين يعجز الإسلاميون على الرد عليهم نتيجة قلة خبرة قنواتهم الإعلامية , فينبغي التقوية الدائمة لإعلامهم بالدارسين والمتخصصين حتى لو استؤجروا حتى تتكون كوادر إعلامية إسلامية قوية , وكذلك ينبغي عليهم عدم دعم قنوات الكذب بتواجدهم وبمداخلاتهم لأنهم يحققون نجاحات كثيرة على حساب الإسلاميين
10-النتيجة الأهم في هذا التحليل بان الله سبحانه يؤيد العاملين في الاتجاه الإسلامي ويمدهم بالعون والنصرة برغم الكثير من أخطائهم في الفترة السابقة واختلافهم وتباين ردود أفعالهم , إلا أن الفطرة في مصر لازالت تريد الالتزام بالإسلام وبالمنهج الإسلامي , وفي هذا رسالة تحذير شديدة للإسلاميين بان يكثروا من الالتحام بالناس وتعليمهم وتثقيفهم على مائدة الكتاب والسنة وإعادة تربية ناشئتهم على حب الدين وحب العمل له
--------------------
المصدر : مركز التاصيل للدراسات والبحوث
18-12-2012
|