د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5383
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كنت أتواجد بالأمس في ندوة أقامتها أحدى الجمعيات العربية في برلين، وجانب من الحديث كان يدور عن العراق، حمام الدمع والدم الذي لا يعرف النهاية .. لماذا ؟
ومع الإقرار بأن الأوضاع التي خلفها الاحتلال معقدة، بل أن أطراف الاحتلال هندست ميدان العمل وخلقت العقبات والعراقيل والإشكالات بطريقة تبدو لا حل لها سوى الصراع و الأصطراع بين أطراف العملية، إلى مالا نهاية، ووضعت دستوراً يسهل التهاب المشاكل ولا يسهل الحلول لها، يشجع على تمزيق المجتمع الموحد، بداعي الديمقراطية، ولكنه لا يمارس الديمقراطية في جوهرها، والأمر في لحمته وسداه هو تشجيع الخلاف والاختلاف وقيام حركات وأحزاب وجبهات، ليقولوا بعدها، هاكم شعباً لا يعرف سوى الخلاف والمعارضة والتراشق بالاتهامات والتصفيات وأخيراً بالإعدام.
العملية السياسية لا تتقدم، لأن الخطة المرسومة لها وآلياتها تهدف إلى أن لا تتقدم. فالأسس التي تسير عليها العملية السياسية تنطوي في خريطتها على ألغام بعضها ضرب من مصائد المغفلين، ولكن أخرى ألغام كبيرة ومدمرة واضحة للعيان، بل حتى لمن لديه نصف عين، وربع عقل.
هناك نظرية قديمة تنص أن الاستعمار عندما يحمل عصاه ويرحل، يترك خلفه مشكلات لا حل لها، لتكون المناسبة التي يعود فيها ليلعب دور الناصح أو الحكيم، ومدخلاً يضيف عليه الشرعية ليتدخل بشتى الأساليب وصولاً إلى الأساليب العسكرية العدوانية، والأمر في العراق ليس ببعيد عن هذا الوصف، ولكن مع اختلاف الأشكال والمسميات .
كيف تستقيم الأمور، وقد بثوا جرثومة الطائفية، والعرقية، وكل ما يفرق الشعب الذي عاش متحداً منذ فجر التاريخ ؟ ومن أسباب الفرقة والنزاع، التي ما أنزل الله بها من سلطان. أليس من الطبيعي أن تدب وتهب الخلافات بين أطراف استدعاها المحتلون إلى طاولة مفاوضات جهزوها سلفاً ومليئة بالألغام، ألا يكون فقدان الثقة بينهم أمراً بديهياً وتحصيل حاصل، وفي ألقاء نظرة على الموقف وتفاصيله، سنجد أن الثقة مفقودة حتى بين أطراف المكون الطائفي والعرقي الواحد، وهذا المنجز / المحبط الكبير لم يكن ليوجد لولا الأيادي الأجنبية التي تعبث بالعراق ومقدرات شعبه.
الخاسر الوحيد هو الشعب العراقي، الذي يعاني صعوبة في أبسط مستلزمات عيشه، البلاد تمتلك أكبر ميزانية في تاريخها، ولكن الشعب يعيش بمستويات متدنية جداً على الأصعدة المهمة: التعليم، الصحة، الأمن، الخدمات، الماء، الكهربا، الهاتف، واليوم نسمع تمهيد لإلغاء البطاقة التموينية التي هي الملاذ الأخير لفقراء الشعب.
أطراف العملية السياسية يدركون ما أمامهم من مهام وواجبات، ولكنهم يعلمون ما وراءهم أيضاً من حراب وفخاخ، لذلك فالأزمات ستبقى تراوح في مكانها، طالما أن هناك أوامر عليا بأن يبقى العراق ممزق ومشرذم، عراق يبدو للناظر كبيت فسيح عامر بالخير، ولكنه مثل آلة عملاقة يبدو ككومة براغي مفككة، آلة عملاقة كانت يوماً بيضة القبان في توازنات الشرق الأوسط، كياناً مهاب الجانب منذ استقلاله وحتى اندثار دولته الوطنية، كلمته لها صوت قوي، وفعله مؤثر، ولكنه اليوم قد أصبح مرمى للنيران وملعباً من يريد اللعب والتنافس.
الأخبار والتسريبات الأمنية وإلغاء البطاقة التموينية هي جميعها فقرات في سلة سياسية، أو برنامج موجه مقبل للعراقيين، المنطقة ملبدة بغيوم سوداء ثقيلة، وهذه فقرات سياسية لها هدف سياسي، يجري طبخه في الكواليس ووراء الأبواب الموصدة.
يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رض الله عنه:
وأعلم يا بني أن الدهر يومان يوم لك، ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإن كان عليك فلا تجزع ....... فكلاهما سينحر.
الشعب يعرف طريقه، وسيتصرف من وهج أوجاعه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال جزء من مقابلة تلفازية مع إحدى القنوات العربية بتاريخ 6 / نوفمبر / 2012
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: