(306) علم الأنثروبولوجيا Anthropology (ماهيته والانتقادات الموجهة إليه)
د - أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 20363
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أولا: مفهوم الأنثروبولوجيا.
1- الأنثروبولوجيا هو ذلك العلم الذى يدرس البشر، فى ماضيهم وحاضرهم لكى يفهم هذا الكيانات الهائلة والمعقدة من الثقافات عبر التاريخ. وتبنى الأنثروبولوجيا وتتحرك على القواعد المعرفية التى تقوم عليها العلوم الاجتماعية والبيولوجيه وكذلك عبر الانسانيات مثل التاريخ والفن والفلسفة وعلوم الفيزياء.
What is Anthropology? www.aaanet.org
2- عبارة " انثروبولوجيا "مشتقة من كلمتين يونانيتين هما: انثرو بوس (Anthvo pos)، وتعنى الإنسان ولوغوس (Logos) ومعناها الكلمة أو الموضوع أو الدراسة وبهذا يكون معنى الأنثروبولوجيا هو دراسة الإنسان، أو علم الإنسان.
(علم الانثروبولوجيا www.qwled.com/vb/t102529.html)
2- يُجمع الباحثون في علم " الأنثروبولوجيا " على أنّه علم حديث العهد، إذا ما قيس ببعض العلوم الأخرى كالفلسفة والطب والفلك.. وغيرها. إلاّ أنّ البحث في شؤون الإنسان والمجتمعات الإنسانية قديم قدم الإنسان، منذ وعى ذاته وبدأ يسعى للتفاعل الإيجابي مع بيئته الطبيعية والاجتماعية.
3- تعرّف الأنثروبولوجيا بصورة مختصرة وشاملة بأنّها" علم دراسة الإنسان طبيعياً واجتماعياً وحضارياً..أي أنّ الأنثروبولوجيا لا تدرس الإنسان ككائن وحيد بذاته، أو منعزل عن أبناء جنسه، إنّما تدرسه بوصفه كائناً اجتماعياً بطبعه، يحيا في مجتمع معيّن لـه ميزاته الخاصة في مكان وزمان معينين ".
والأنثروبولوجيا بوصفها دراسة للإنسان في أبعاده المختلفة، البيوفيزيائية (1) والاجتماعية والثقافية، علم شامل يجمع بين ميادين ومجالات متباينة ومختلفة بعضها عن بعض،مثل علم التشريح، وتاريخ تطوّر الجنس البشري، والجماعات العرقية، وعلوم دراسة النظم الاجتماعية من سياسيّة واقتصادية وقرابية ودينية وقانونية، وما إليها.
4- تعُرّف ألانثروبولوجـيا إلى جانب التعريفات السابقة بعدة تعريفاتٌ أشهرها :
أ- علمُ الإناسة أى علم الناس، أى العلم الذي يدرس الإنسان كمخلوق، ينتمي إلى العالم الحيواني من جهة، ومن جهة أخرى أنّه الوحيد من الأنواع الحيوانية كلّها، الذي يصنع الثقافة ويبدعها، والمخلوق الذي يتميّز عنها جميعاً.
(بشير خلف، العدد: 3753 – 6/9/2012 قراءة فى كتاب مبادئ الأنثروبولوجيا )
www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=311203
ب - علمُ الجماعات البشرية وسلوكها وإنتاجها.
ج - علمُ الإنسان من حيث هو كائنٌ طبيعي وإجتماعي وحضاري.
د - علمُ الحضارات والمجتمعات البشرية.
(ابراهيم الساعدى،ماهى الأنثروبولوجيا، الحوار المتمدن-العدد: 2457 - 2008 / 11 / 6 www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=152524)
5- أثبتت ترجمة اسم هذا العلم إلى اللغة العربية عدم جدواها واتضح أنها غير علمية، لأن الترجمة لا تقدم تسمية كاشفة دالة، فكما أوضحنا،هناك علوم أخرى كثيرة تدرس الإنسان، كالتاريخ،وعلم الاجتماع،وعلم النفس، والبيولوجيا الإنسانية، وغيرها من العلوم،ولهذا السبب العملى آثر علماء الأنثروبولوجيا العرب الإبقاء على تسمية العلم كما هو دون ترجمة.
(محمد الجوهرى وعلياء شكرى (2007)،علم الأنثروبولوجيا وفروعه فى الأنثروبولوجيا، مقدمة فى دراسة الأنثروبولوجيا، القاهرة.
ثانيا :أهداف دراسة الأنثروبولوجيا
استناداً إلى مفهوم الانثروبولوجيا وطبيعتها، فإنّ دراستها تحقّق مجموعة من الأهداف، يمكن حصرها في الأمور التالية :
1- وصف مظاهر الحياة البشرية والحضارية وصفاً دقيقاً، وذلك عن طريق معايشة الباحث المجموعة أو الجماعة المدروسة، وتسجيل كلّ ما يقوم به أفرادها من سلوكيات في تعاملهم في الحياة اليوميّة.
2- تصنيف مظاهر الحياة البشرية والحضارية بعد دراستها دراسة واقعية،وذلك للوصول إلى أنماط إنسانية عامة، في سياق الترتيب التطوّري الحضاري العام للإنسان : (بدائي- زراعي- صناعي – معرفي – تكنولوجي).
3- تحديد أصول التغيّر الذي يحدث للإنسان، وأسباب هذا التغيّر وعملياته بدقّة علمية.. وذلك بالرجوع إلى التراث الإنساني وربطه بالحاضر من خلال المقارنة، وإيجاد عناصر التغيير المختلفة.
4- استنتاج المؤشّرات والتوقعّات لاتّجاه التغيير المحتمل، في الظواهر الإنسانية والحضارية التي تتم دراستها، وتصور إمكانية التنبؤ بمستقبل الجماعة البشرية التي أجريت عليها الدراسة. (مفهوم الأنثروبولوجيا وطبيعتها وأهدافها)
lina.forumouf.com/t1029-topic
ثالثا : انتقال الأنثروبولوجيا من دراسة المجتمعات البدائية إلى دراسة المجتمعات المعاصرة
1 - ركز علم الأنثروبولوجيا في بدايته منذ القرن التاسع عشر الميلادى على دراسة الإنسان وأسلافه الأوائل وأصوله منذ أقدم فترات التاريخ، وما قبل التاريخ وفي كل بقاع العالم وذلك من خلال الحفريات والآثار، ولهذا انصبت اهتماماته على دراسة المجتمعات البدائية. و يرى بعض الأنثروبولوجيين أن ما يميز هذا العلم عن العلوم الأخرى، كعلم الأجتماع والأقتصاد و السياسة والتاريخ وعلم النفس والجغرافيا هو تركيزه على المجتمعات البشرية البدائية. غير أن هذا الرأي لم يعد مقبولاً في الوقت الراهن حيث توسع مجال الدراسة وشمل المجتمعات غير البدائية، كالقروية والبدو الرحل، والمجتمعات المتمدينة كالمجتمع الأمريكي والروسي والصينى...، وشمل كذلك دراسة عمليات الشرائح و الاندماج بين الحضارات...إلخ.. ومن هنا رأى الأنثروبولوجيون أن الزمان والمكان لا يقيدان الموضوعات التى تدخل فى نطاق علم الأنثروبولوجيا، إذ يدرس الإنسان وأجداده وأصوله منذ أقدم العصور، وحتى الوقت الحاضر، ويدرس الإنسان فى كل مكان، وهكذا لا يتقيد هذا العلم بحدود الزمان والمكان، ولكنه يتقيد فقط بالإنسان كموضوع للدراسة.
( على المكاوى، (1990) الأنثروبولوجيا الاجتماعية، مكتبة نهضة الشرق جامعة القاهرة 1990، القاهرة،ص 16.
2- درس الأنثروبولوجيون المجتمعات غير الأوربية، التى كانوا يطلقون عليها المجتمعات البدائية أو البربرية أي المجتمعات الصغيرة والمعزولة مثل "المجتمع القبلي" أو التي لا تعرف الكتابة كما سماها البعض في تلك الفترة والآن، عن طريق مجموعة من الرحل والمستكشفين والعسكريين الذين كانوا يذهبون إلى هناك على شكل بعثات استكشافية لهذه المجتمعات، الغاية منها توطين الاستعمار بها،واستغلالها خصوصا مجتمعات العالم الإسلامي، مع التركيز على المشرق العربي،كون هذه المنطقة هي مهد للديانات السماوية وتتوفر فيها ثروات مهمة كالنفط والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى أنها عرفت امتداد ثلاث إمبراطوريات كبرى.
3- يرى الأنثروبولوجيون أن العامل الإيديولوجى لعب دورا بارزا فى تركيز علماء الأنثروبولوجيا الأوائل على دراسة المجتمعات البدائية صغيرة الحجم، حيث سعى بعضهم إلى وضع مقياس يقيس تطور المجتمعات بحيث تحتل المجتمعات الأوربية قمته (مائة درجة مثلا)، وتشغل المجتمعات البدائية نقطة البداية فيه (الصفر مثلا)، وبين هذين القطبين (من الصفر إلى المائة) يمكن التعرف على المستوى أو الدرجة التى تشغلها هذه المجتمعات على مقياس التطور.( على المكاوى، المرجع السابق ص 20)
4- كان السبب الآخر فى تركيز علماء الأنثروبولوجيا على دراسة المجتمعات البدائية " أو ما يسمونها بـ " المجتمعات اللاكتابية " المنعزلة أو الأقل تقدّماً هو: البحثَ عن الأصول الأولى للنُّظُم والثقافات، معتقدين أن هذا هو الطريق إلى فهم كيفية تطور الثقافة وطبيعة السلوك الإنساني، وذهبوا إلى اعتقاد أن الثقافات قد نشأت وتطورت في سلسلة من المراحل المتوازية، ويرى الأنثروبولوجيون أن غاية تغيُّر المجتمعات هو التقدّم والرُّقيِّ، وأن المراحلَ التي يمرُّ بها أيُّ نظامٍ من الأنظمة الاجتماعية هي المراحلُ نفسُها التي يمرُّ بها أيُّ مجتمعٍ آخرَ؛ فكلُّ نظامٍ يتطور وفق مراحلَ معينةٍ، ويتعين عليه أن يمرَّ بها مهما كانت الظروف، لأن تلك المراحل عالمية، أي يمرُّ بها كلُّ مجتمعٍ في العالم في خطوطٍ مستقيمةٍ، وبما أن المجتمعات البدائية تُمثِّل البداية البسيطة للمجتمعات المركبة، فإن دراسة هذه النُّظُم الاجتماعية البسيطة تُمكِّنهم من فهم كيفية نشوء التركيبات الاجتماعية والسياسية المعقدة، ومن ثَمَّ كيف تطوَّرت.
5- أطلق أسم "أنثروبولوجيوا المكاتب أو المكاتب المكيفة " على الأنثروبولوجيين الأوائل الذين كانوا يدونون ما يأتي به الرحل والمستكشفين من معلومات حول طبيعة المجتمعات البدائية ويعرضونها بطريقتهم الخاصة. ومع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، استلزم الأمر من الباحث الأنثروبولوجي الانطلاق من رحم الميدان بهدف البحث عن أصول النظام الاجتماعي وطبيعة الاختلاف بين هذه المجتمعات وبين المجتمعات الحديثة، لأن فهم طبيعة هذه المجتمعات يستلزم أولا وأخيرا الإقامة فيها لأطول فترة ممكنة بهدف الإحاطة بهذه المجتمعات من كل الجوانب وتقديمها في شكل كتاب أو تقرير. ومن هنا أصبحت الأنثروبولوجيا الثقافية أو الأجتماعية المعاصرة تعتمد اليوم على ما يسمى بالبحث الحقلي (field Research) أو المعاينة الميدانية للنموذج المختار للدراسة،حيث انتهى عهد الأنثروبولوجيا النظرية وأصبحت الدراسة الميدانية هي الحقل التجريبي لعلم الأنثروبولوجيا، تماماً كبقية العلوم الأخرى التي تعتمد على التجارب المخبرية.
(عبد الإله فرج، موجز فى تاريخ الأنثروبولوجيا )
bdelilahfarah.elaphblog.com/posts.aspx?U=6994&A=95496،10/15/2011
-(دور الأنثروبولوجيا فى دراسة المجتمعات البدائية )
www.hakimnote.com/vb/showthread.php?3870-%CF%E6%D1
رابعا : أقسام الأنثروبولوجيا
تنقسم ألانثروبولوجـيا إلى أربعة أقسام رئيسة هى:
1- ألانثروبولوجــيا الطبيعية:
يرتبط هذا القسم بالعلوم الطبيعية وخاصة علم التشريح وعلم وظائف ألاعضاء "، وعلم الحياة ". وينتمي هذا القسم إلى طائفة العلوم الطبيعية، وأهم تخصصاتهُ علم العظام، وعلم البناء الإنساني Human Morphology""، ومقاييس جسم الإنسان anthropometry" "، ودراسة مقاييس ألاجسام الحية "Biometrics"، وعلم الجراحة الإنساني "Human serology". ويُدرّس هذا القسم في كلياتِ الطب والعلوم ومعظم المتخصصينَ فيهِ من ألاطباء وعُلماءَ الحياة، ولكنهُ يدرّس أيضاً في كلياتِ العلوم الإجتمــــاعية في أقسام ألانثروبولوجيـــا.
وتتناول ألانثروبولوجــيا الطبيعية دراسة ظهور الإنسان على ألارض كسلالةٍ مُتميزة، وأكتسابه صفات خاصة كالسير منتصبا، والقدرة على إستعمال اليدين، والقدرة على الكلام، وكبر الدماغ، ثم تدرس تطوره حياتيا. وإنتشاره على الارض، كما تدرس السلالات البشرية القديمة وصفاتها، والعناصر البشرية المُعاصرة وصفاتها وأوصافها الجسمّية المُختلفة، وتوزيع تلكَ العناصر على قارات ألارض، وتضع مقاييس وضوابط لتلكَ العناصر، كطول القامة، وشكل الجمجمة، ولون الشعر وكثافته، ولون العين وأشكالها، ولون البشرة، وأشكال الانوف. إلى جانب دراستها للوراثة، وإنتقال ميزات الجنس البشري من جيلٍ لآخر.
2- ألانثروبولوجـيا ألإجتمــاعيّة:
تولى الأنثروبولوجيا الاجتماعية اهتماما ملحوظا بالبناء الاجتماعى الذى تقوم بتحليله فى المجتمعات الانسانية، وخاصة تلك البدائية والبسيطة التى يظهر فيها تكامل ووحدة البناء الاجتماعى بوضوح. وبدأ الأنثروبولوجيون مُنذ الحرب العالمية الثانية فى دراسة المجتمعات الريفية والحضرية في الدول النامية والمُتقدمِة. فكانوا يدرسون البناء ألإجتمـاعي والعلاقات ألإجتمـاعية والنظم ألإجتمـاعية مثل العائلة، والفخذ، والعشيرة، والقرابة، والزواج، والطبقات والطوائف الإجتمـاعية، والنظم الإقتصادية، كالإنتاج، والتوزيع، والإستهلاك، والمقايضة، والنقود، والنظم السياسية، كالقوانين، والعقوبات، والسلطة والحكومة، والنظم العقائدية، كالسحر والدين. كما درسوا النسق الإيكولوجي، وعنوا بتوضيح الترابط والتأثير المتبادل بين النظم ألإجتماعية. وكان أساس النظرية التى اعتمدوا عليها هو إن النظمَ ألإجتمـاعية في مجتمع ما،هي نسيجٌ متشابك العناصر – يُؤثر كل عنصر في العناصر ألاخُرى، وتعمل تلكَ العناصر على خلق وحدة إجتمـاعية تسمح للمجتمع بالإستمرار والبقاء. ولا تهتم ألانثروبولوجيـا ألاجتمـاعية المُعاصرة بتأريخ النظم ألإجتماعية، لأن تأريخ النظام الإجتمـاعي لا يفسر طبيعتهُ وإنما تفسر تلكَ الطبيعة عن طريق تحديد وظيفة النظام ألإجتمـاعي الواحد في البناء ألإجتماعي للمجتمع.
3- الانثروبولوجـيا الحضارية ( أو الثقافية) :
تدرس الثقافة من جوانبها المختلفة حيث تركز على المعتقدات والعادات والتقاليد، وكذلك مُخترعات الشعوب البدائية، وأدواتها، وأجهزتها، وأسلحتها، وطرُز المساكن، وأنواع ألالبسة، ووسائل الزينة، والفنون، وألآداب، والقصص، والخرافات، أي كافة إنتاج الشعب البدائي المادي والروحي. كما تركز على الإتصال الحضاري بين الشعب ومن يتصل بهِ من الشعوب. وما يقتبسهُ منهم، والتطور الحضاري، والتغير ألإجتمـاعي. ومُنذ الحرب العالمية الثانية أخذت الانثروبولوجيا الثقافية تدرس المجتمعات الريفية والحضرية في الدول المتقدمة والنامية.
وتركز الأنثروبولوجيا الثقافية على جانبين :
أ- الدراسة المتزامنة أى الآنية : أى دراسة الثقافة فى نقطة معينة من تاريخها ، وتنظر هنا إلى العناصر الثقافية من حيث ارتباطها مع حياة المجتمع ككل.
ب- الدراسة التتبعية أو التاريخية : أى دراسة الثقافة عبر التاريخ. ويقوم الباحث هنا بعزل الظاهرة أو العنصر، ويتتبعها فى سيرها التاريخى. ( على المكاوى، مرجع سابق ص 25)
4- ألانثروبولوجــيا التطبيقية :
حينَ اتصل ألاوربيونَ عن طريق التجارة والتنصير والاستعمار بالشعوب البدائية، نشأت الحاجة إلى فهم هذه الشعوب بقدر ما تقتضيهِ مصلحة ألاوربيـين في حكم الشعوب وإستغلالها، وفي حالاتٍ نادرة جداً بقدر ما تقتضيهِ مساعدة تلكَ الشعوب واعانتها على اللحاق بقافلة المدنية الحديثة. وترتب على ذلك نشأة فرعٌ جديدٌ من ألانثروبولوجــيا يدرس مشاكل ألإتصال بتلكَ الشعوب البدائية ومعضلات ادارتها وتصريف شؤونها ووجوه تحسينها. ويُدعى هذا الفرع بـ " ألانثروبولوجــيا التطبيقية ".
وقد تطورَ هذا الفرع " الانثروبولوجــيا التطبيقية " كثيراً، خاصة مُنذ الحرب العالمية الثانية، وتنوّعت مجالاتهُ بتطور أقسام ألانثروبولوجــيا وفروعها، إذ إنهُ يمثل الجانب التطبيقي لهذهِ ألاقسام والفروع، ولا يعد فرعاً مُستقلاً عنها وإنما هو ألاداة الرئيسة لتطبيق نتائج بحوث كل فروع ألانثروبولوجــيا والتي تجد طموحاتها لخدمة الإنسان والمُجتمع. وقد شملت تطبيقاتهُ مجالات كثيرة أهمها : التربية والتعليم، والتحضّر والسُكان، والتنمية الإجتمـاعية والإقتصادية، خاصة تنمية المُجتمعات المحلية، والمجالات الطبية والصحة العامّة، والنفسية، والإعلام، والإتصال وبرامج الإذاعة والتلفزيون، والتأليف الروائي والمسرحي، والفن، ومجال الفلكلور " التراث الشعبي"، والمتاحف ألاثنولوجية، إضافة إلى المجالات الصناعيّة،والعسكرية والحرب النفسية، والسياسة ومُشكلات الادارة والحكم،والجريمة والسجون....الخ.
. ( ابراهيم الساعدى، مرجع سابق. اظر أيضا محمد الجوهرى وعلياء شكرى، مرجع سابق ص 55)
خامسا: علاقة الانثروبولوجـيا بالعلوم الاجتماعية الأخرى
1- تفرد الأنثروبولوجيا بخصائص تختلف عن خصائص العلوم الاجتماعية الأخرى :
على الرغم من أن الإنسان يدرس من قبل علوم أخرى كعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ وعلم التشريح والجغرافيا البشرية والسياسية وعلم الاقتصاد، وعلم الأديان، إلا أن علم الأنثروبولوجيا يننفرد بخصائص منهجية في دراسة الإنسان، يتحدد من خلالها سمات هذا العلم، عن بقية العلوم الأخرى ومن أهم هذه الخصائص ما يلي:
أ- علم الأنثروبولوجيا يدرس المجتمع ككل دون التركيز على جانب محدد بذاته. وبذلك فهو يستخدم المنهج الكلي في الدراسة (holistic method) ويدرس المجتمع من عقائده، وشعائره، واقتصاده، وسياسته...إلخ.
ب- يستخدم علم الأنثروبولوجيا المنهج المقارن في دراسة الأنسان (Comparative Method) فهو أنسب الطرق في دراسة الأنثروبولوجيا. حيث تتم دراسة مقارنة لمجتمعات متعددة في أبنيتها الأجتماعية وثقافاتها حتى يمكن التوصل إلى تعميمات علمية مجردة تحد وخصائص تلك المجتمعات.
ج- تعتمد الأنثروبولوجيا الثقافية أو الاجتماعية المعاصرة على ما يسمى بالبحث الحقلي (field Research) أو المعانية الميدانية للنموذج المختار للدراسة. حيث انتهى عهد الأنثروبولوجيا النظرية وأصبحت الدراسة الميدانية هي الحقل التجريبي لعلم الأنثروبولوجيا، تماماً كبقية العلوم الأخرى التي تعتمد على التجارب المخبرية.
د- من أهم الخصائص التي تميز الأنثروبولوجيا عن غيرها من العلوم الأنسانية هو اختياره لنوعية معينة من النماذج المجتمعية التي تدرسها. وقد كان النموذج المختار للدراسة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر هو المجتمع الذي يوصف بأنه بدائي (Primitive society) لأنه مجتمع صغير نسبياً ومحدود الكثافة تسهل دراسته دراسة كلية شاملة.(ابراهيم الساعدى، تابع)
2- تُشكّل الأنثروبولوجيا مع العلوم الأخرى، ولا سيّما العلوم الإنسانية، منظومة من المعارف والموضوعات التي تدور حول كائن موضوع الدراسة، وهو الإنسان. ويأتي هذا التشابك (التكامل) بين هذه العلوم بالنظر إلى تلك الأطر المعرفية والمناهج التحليلية، التي تنظّم العلاقة المتبادلة والمتكاملة بين المجالات المعرفية المختلفة التي تسعى إليها هذه العلوم.وسنضرب لذلك مثالين من هذه العلوم وهما علم الاجتماع وعلم النفس ثم نعرج على بيان العلاقة بين الأنثروبولوجيا والخدمة الاجتماعية.
أ- علاقة الانثروبولوجـيا بعلم الاجتماع
يدرس علم الاجتماع العلاقات بين الأفراد وعمليات التفاعل فيما بينهم، وتصرّفاتهم كأعضاء مكوّنين لهذه الجماعة. فهو يركّز على سلوكيات الأفراد ضمن هذا المجتمع أو ذاك، ويدرس بالتالي تأثير البيئة الاجتماعية (الاقتصادية والثقافية) في تكوين الشخصيّة الإنسانية، وتحديد العلاقات بين الأفراد.
هناك تداخل كبير بين علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، فكلاهما يدرس البناء الاجتماعي والوظائف الاجتماعية.. وهذا ما دعا أحد العلماء إلى القول : إنّ علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية، هو فرع من فروع علم الاجتماع المقارن.
وهكذا نجد أنّ ثمّة صلة من نوع ما، بين علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، بالنظر إلى أنّ كلاًّ منهما يدرس الإنسان. ويتجاوز الترابط بينهما المعلومات التي يهدف كلّ منهما الحصول عليها، إلى منهجيّة البحث من حيث طريقته وأسلوبه، إلى حدّ تسمّى الأنثروبولوجيا عنده، بعلم الاجتماع المقارن، على الرغم أن أنّها تهتمّ بالجانب الحضاري عن الإنسان، بينما تقترب دراسة علم الاجتماع من الأنثروبولوجيا الاجتماعية
فعلم الاجتماع يركّز في دراساته على المشكلات الاجتماعية في المجتمع الواحد، كما يدرس الطبقات الاجتماعية في هذا المجتمع أو ذاك من المجتمعات الحديثة، ويندر أن يدرس المجتمعات البدائية أو المنقرضة. بينما تركّز الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) في دراساتها، على المجتمعات البدائية / الأولية، وأيضاً المجتمعات المتحضّرة / المعاصرة.
ولكنّ دراسة الأنثروبولوجيا للمجتمعات الإنسانية، تتركّز في الغالب على : التقاليد والعادات والنظم، والعلاقات بين الناس، والأنماط السلوكية المختلفة، التي يمارسها شعب ما أو أمّة معيّنة. أي أنّ علم الأنثربولوجيا الاجتماعية يدرس الحياة الاجتماعية (المجتمع ككلّ )، وينظر إليها نظرة شاملة، ويدرس البيئة العامة، والعائلة ونظم القرابة والدين، بينما تكون دراسة علم الاجتماع متخصّصة إلى حدّ بعيد. حيث تقتصر على دراسة ظواهر محدّدة أو مشكلات معيّنة، أو مشكلات قائمة بذاتها، كمشكلات : الأسرة والطلاق والجريمة، والبطالة والإدمان والانتحار.
وإذا كان ثمّة تباين أو اختلاف بين العلمين، فهو لا يتعدّى فهم الظواهر الاجتماعية وتفسيراتها، وفق أهداف كلّ منهما. فبينما نجد أنّ الباحث في علم الاجتماع، يعتمد على افتراضات نظرية لدراسة وضع المتغيرات الاجتماعية، ويحاول التحقّق منها من خلال المعلومات التي يجمعها بواسطة استبيان أو استمارة خاصة لذلك، نجد – في المقابل – أنّ الباحث الأنثروبولوجي، يعتمد تشخيص الظاهرة استناداً إلى فهم الواقع كما هو، ومن خلال الملاحظة المباشرة ومشاركة الأفراد في حياتهم العادية.
(عيسى الشماس (2004)، مدخل إلى علم الإنسان، اتحاد الكتاب العرب، دمشق )
www.tourathtripoli.org/phocadownload/...fi./alinterpologia.pdf
ب - علاقة الأنثروبولوجيا بعلم النفس
يعرّف علم النفس بأنّه : العلم الذي يهتمّ بدراسة العقل البشري، والطبيعة البشرية، والسلوك الناتج عنهما. أي أنّه : مجموعة الحقائق التي يتمّ الحصول عليها من وجهة النظر النفسيّة. وهذا يعني : أنّه العلم الذي يدرس سلوك الإنسان بهدف فهمه وتفسيره.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول : إنّ علم النفس، هو العلم الذي يدرس الإنسان من جوانب شخصيّته المختلفة، بغية الوصول إلى حقائق حولها، قد تكون ذات صفة عامة ومطلقة، يمكن تعميمها.
ولذلك، تهتمّ الدراسات النفسيّة بالخصائص الجسميّة الموروثة، وتحديد علاقاتها بالعوامل السلوكية لدى الفرد، ولا سيّما تلك العلاقة بين الصفات الجسميّة العامة، وسمات الشخصيّة. مع الأخذ في الحسبان العوامل البيئيّة المحيطة بهذه الشخصيّة.
ويميل النفسانيون إلى الاعتقاد بأهميّة هذه العوامل في هذه العلاقة، فالشخص القوي البنية، والذي يميل إلى السيطرة وتولّي المراكز القياديّة، لا بدّ وأنّه تعرّض إلى خبرات اجتماعية / نفسيّة، في أثناء طفولته ونموّه، أسهمت في إكسابه هذه السلوكيات.
وإذا كانت الأنثروبولوجيا، توصف بأنّها العلم الذي يدرس الإنسان، من حيث تطوّره وسلوكياته وأنماط حياته، فإنّ علم النفس يشارك الأنثروبولوجيا في دراسة سلوك الإنسان. ولكنّ الخلاف بينهما، هو أنّ علم النفس يركّز على سلوك الإنسان / الفرد، أمّا الأنثروبولوجيا فتركّز على السلوك الإنساني بشكل عام. كما تدرس السلوك الجماعي النابع من تراث الجماعة.
وعلى الرغم من أنّ علم النفس يقصر دراسته على الفرد، بينما تركّز الأنثروبولوجيا اهتمامها على المجموعة من جهة، وعلى كلّ فرد بصفته عضواً في هذه المجموعة من جهة أخرى، فثمّة صلة وثيقة بين العلمين. حيث اكتشف علماء النفس أنّ الإنسان لا يعيش إلاّ في بيئة اجتماعية يؤثّر فيها ويتأثّر بها.
ولذلك نرى أنّ المهمّة التي تواجه الباحث الأنثروبولوجي، لا تختلف عن تلك المهمةّ التي تواجه عالم النفس. فكلاهما عليه أن يستخلص صفات الشيء الذي هو موضوع دراسته، من التعبير الخارجي في السلوك.. وإن كان عالم الأنثروبولوجيا يعوّقه اضطراره إلى إدخال خطوة إضافية في مستهلّ عمله، فإن عالم النفس يستطيع أن يلاحظ سلوك موضوع بحثه بصورة مباشرة، بينما ينبغي على عالم الأنثروبولوجيا أن يبني استنتاجاته على الأنماط المثالية للثقافة التي يتناولها بالبحث.
ولكنّ مهمّة عالم الأنثروبولوجيا في محاولاته لكشف خفايا الأمور، تشبه مهمّة عالم النفس في الجهود التي يبذلها في سبر غور العقل الباطن. وفي كلا الحالين، تتألّف النتائج التي يتوصّل إليها الباحثون من سلسلة تأويلات، أمّا الحقائق التي تستند إليها هذه التأويلات، فكثيراً ما تكون قابلة لأكثر من تفسير.
لذلك، تعدّ دراسة الأنثروبولوجيا دراسة للأنماط السلوكية الإنسانية، بينما تعدّ الدراسة النفسيّة دراسة للسلوك الخاص بالشخصيّة الفردية، وأن كانت تتأثر بالعلوم الاجتماعية.( المرجع السابق).
ج- علاقة الأنثروبولوجيا بالخدمة الاجتماعية
يقول " مورتون تيشر" الأستاذ بقسم الخدمة الاجتماعية بجامعة "تورنتو"فى مقال له بعنوان "الأنثروبولوجيا والخدمة الاجتماعية نشر فى مجلة " Human Organization V.10,N.3, Fall 1951 P.22-24 " : ان الأدبيات التى تتناول العلاقة بين الأنثروبولوجيا والخدمة الاجتماعية تتنامى، وتبرز بصفة خاصة فى المقالات المنشورة فى دوريات الخدمة الاجتماعية،وفى التقارير التى تخرج من مؤتمرات الخدمة الاجتماعية، وإذا نظر الواحد منا إلى حجم المعلومات المستخرجة منها سيكون قادرا على أن يستنتج الآتى :
أولا: أن الباحثين الاجتماعيين هم الذين يلزمهم التوجه إلى الأنثروبولوجيين وليس العكس.
ثانيا : أن التعاون بين هذين الحقلين يأخذ شكل العلاقة بين المتبرع وبين متلقى هذا التبرع، وليس هذا الشكل من المشاركة المتبادلة.
ثالثا :أن الذى لاشك فيه هو أن الخدمة الاجتماعية سوف تتلقى بوضوح شيئا ذو معنى من المتبرع الأنثروبولوجى طالما أنها تبحث عن المزيد فى ميدانها.
Anthropology and Social Work - Visit Sfaa.metapress.com
sfaa.metapress.com/index/e3841w2118237034.pdf
ساسا: انتقادات الباحثين العرب لعلم الأنثروبولوجيا
ينبه بعض الباحثين أن علم الأنثروبولوجيا علم غربي أساسًا، ينطلق من نظرة الغرب الخاصة إلى الإنسان، والكون، والمصير التى تخالف ثقافتنا من جهة، ومن نظرة الغربيين إلى الآخر المختلف من جهة أخرى؛ كما أن المنطلقات الفكرية للأنثروبولوجيا لدى الغرب كانت عرضة لانتقادات شديدة ليس فقط من أنثروبولوجيين مسلمين، بل حتى من العلماء الغربيين من ذوى النزاهة. ( بشير خلف، مرجع سابق). أما أهم الانتقادات التى وجهها الباحثون العرب إلى الأنثروبولوجيا الغربية فهى على النحو الآتى :
1- أن فكرة التطور الحيوي عند الإنسان التي نادى بها داروين وغيره، تتعارض مع الفكر الديني، وتفسيراته التي تؤكد أن الإنسان مخلوق من عمل الله، وليس نتاج حلقة تطورية ذات أصل حيواني.
2- ارتباط الأنثروبولوجيا بالاستعمار الغربي، إذ استغلّ المستعمر المعلومات التي جاء بها الباحثون عن المجتمعات البدائية قصْد معرفة بنيتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ممّا يسهّل التحكم فيها، والسيطرة عليها.
3-أن التاريخ الحديث والمعاصر أثبت، ويثبت بالدليل أن أيّ تعـــاطٍ أوروبي غربي مهما كان شكله مع قضايا المجتمعات العربية والإسلامية يقع دون ريب في دائرة الأطماع الاستعمارية، والتآمر على العرب والإسلام..وما يجري اليوم في هذه المساحة من العالم وراءه الغرب الذي جنّد ويجند كل تقنياته وأسلحته، وفي صدارتها العلوم، ومنها الأنثروبولوجيا.(بشير خلف، مرجع سابق).
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
(1) الفيزياء الحيوية هى دراسة العمليات البيولوجية عبر علم الفيزياء وذلك بتطبيق النظريات والمناهج التقليدية المستخدمة فى علوم الفيزياء.
Definition-arctic-ocean | Content From Web | Learn...
cbsenext.com
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: