مجدي داود - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5249
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
منذ أن اندلعت الثورة السورية المباركة –المنتصرة بإذن الله- والشعب السوري يعاني من القتل والتدمير والتخريب على أيدي عصابات الأسد الإجرامية، وهروبا من هذا المصير، ترك الآلاف من السوريين ديارهم وبلادهم، شيوخا وأطفالا، رجالا ونساء، ونزحوا إلى أراض مجاورة في البلدان العربية وتركيا الإسلامية، لعلهم يجدون فيها الطعام والشراب والأمان من العدوان، حتى يأذن الله بسقوط النظام الغاشم، فيعودون إلى ديارهم.
خرج السوريون من ديارهم آملين أن يلقوا المعاملة الطيبة من إخوة الإسلام والعروبة، إلا أن بعضهم وقع فريسة لذوي النفوس الضيفة، والذمم البالية والضمائر الميتة، ممن أراد استغلال الواقع المزري، لحرائر سوريا ممن لا زوج لهن ولا معيل، في الزواج منهن، ولكنه ليس كأي زواج، زواج يستغل فيه هؤلاء المرضى المجرمون في حق الإنسانية والإسلام، ظروف هؤلاء الحرائر لكي يخسفوهن حقهن، التي فرضها الله لهن، أو يتخذن منهن وعاء لتفريغ الشهوة، ثم يطلقوهن، مدعين أن ذلك يأتي في إطار الدعم والمساندة.
الدعوة لزواج السوريات
بدأت الدعوة لزواج اللاجئات السوريات، منذ بدء فرارهن من بلادهن، وكانت في بدياتها دعوة طيبة، للتخفيف من أعباء الأسر النازحة، ورفع معنويات الشعب السوري، والتأكيد على الوحدة العربية الإسلامية، وعلى شرعية المطالب التي ينادي بها الثوار السوريون، على اعتبار أن الزواج منهن أحد وسائل الدعم والتأييد للثورة السورية، في ظل العجز العربي والدولي عن تقديم مساعدات ملموسة للشعب السوري الذي يقتل ويذبح على أعين العرب والعالم أجمع، وكأن أحرار سوريا ليسوا بشرا لهم على الإنسانية حقوق.
كما جاءت هذه الدعوة للتخفيف من معاناة الفتيات اللاجئات اللاتي تعرضن للاغتصاب والإهانة على أيدي عصابات وشبيحة بشار الأسد، فقد تواردت الأنباء المؤكدة والمتطابقة، والتي وثقتها المنظمات الحقوقية الدولية، على أن عصابات الأسد المجرمة، تلجأ إلى اغتصاب حرائر سوريا، للضغط على المعارضة المسلحة، ولإذلال أهل السنة ومؤيدي الثوار، وإلحاق "العار" بهن، وبذلك يكون الزواج منهن تأكيدًا على أن اغتصابهن من قبل هؤلاء المجرمين لا ينفي عن أي منهن، عفتها وطهارتها، بل هو دليل على طيب أصلها المنيف.
نفوس مريضة
لم يمر وقت طويل، حتى تحولت تلك الدعوة الطيبة، إلى أفعال مشينة، فقد تحدثت الكثير من التقارير الإعلامية عن انتشار ظاهرة زواج لاجئات سوريات بمن فيهن القاصرات في بلدان نزحن إليها، فقد ذكر تقرير صحيفة الدستور الأردنية بعنوان "أردنيون يستغلون الأحداث ويتزوجون من لاجئات سوريات" جاء فيه أنه يمكن الزواج من الزوجة السورية هذه الأيام "بمائة دينار، أو بمائتي دينار وما عليك إلا أن تذهب إلى المفرق أو عمان أو الرمثا أو اربد أو الكرك، لتختار حورية من حوريات الشام".
وقد ذكرت تقارير أدرنية أخرى، أن هناك إقبالا على التزوج من القاصرات السوريات اللاتي لا تتجاوز أعمارهن 14 أو 15 من العمر، وأن أهالي هؤلاء الفتيات، يلجأن إلى تزويج بناتها في سن مبكرة لظروف المعيشة الصعبة ومخاوف التعرض للاغتصاب، أو بسبب اغتصابهن من قبل العصابات الأسدية.
ورغم هذه التقارير التي تتحدث عن زواج القاصرات، إلا أن القانون الأردني يمنع تلك الزيجات، وبالتالي فإن هذه الزيجات لا تجد سبيلا لإشهارها وتسجيلها لدى السلطات، بما يحفظ لهؤلاء الفتيات حقوقهن.
هذه الجريمة لا تقتصر على الأردن فقط، بل التقارير تشير إلى أنها ظهرت في بعض الدول الخليجية التي فر إليها بعض السوريين، إلا أنها برزت بشكل كبير في الأردن، نظرا للعدد الضخم من السوريين الذين لجأوا إلى الأردن.
ورغم توارد الأخبار المتطابقة من مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن، التي تؤكد انتشار ظاهرة الزواج من السوريات القاصرات، إلا أن أعداد تلك الزيجات لا تزال مجهولة، كما تفيد بعض التقارير أن بعض "الوسطاء" يتدخلون لإيصال الخليجيين الراغبين في الزواج من السوريات إلى هذه الملاجئ، واختيار الفتاة المناسبة له، أي أن الأمر صار سلعة وفيها وساطة "وسمسرة"، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ومن جانبها أصدرت الحكومة الأردنية قراراً يقضي بمنع الزواج من السوريات على أراضيها إلا للأقرباء بشرط أن يكونوا من العائلة ذاتها، وعليه أوعزت وزارة الداخلية لجميع محاكم الأردن وكذلك جميع المأذونين الشرعيين بأن "أي عقد زواج خارج المحاكم الشرعية سيعتبر غير نافذ قانونياً ويتحمل الزوج مساءلة قانونية في ذلك".
إهانة لا إكرام
لا يشك عاقل أن الزواج من اللاجئات السوريات بهذه الصورة، يعد جريمة نكراء في حق الإنسانية، وفي حق أخوة الإسلام والعروبة، الذين لجأوا إلى الديار العربية، طلبا للأمان، بعدما حرمهم العدو "الأسد" تلك النعمة في ديارهم، أفيكون مقابلة أخوتهم لهم هكذا؟!
إنه لا أحد يستطيع أن يحرم أو يمنع الزواج من السوريات، ومن فعل ذلك بحسن نية، ويعتزم أن يعطيها كافة حقوقها وأن يعاملها كما يعامل نساء بلده، فله من الله خير الجزاء، وسيثيبه على ذلك ويرزقه رزقا حسنا، أما أن يتعامل مع هؤلاء على أنهن سبايا، وأنه سيتفضل ويتكرم عليهن بالزواج والستر، فهذا ما لا يرضاه الله عز وجل، ولا يرضاه كل مسلم حر أبي، يشعر بمرارة العجز عن تقديم الدعم والعون لإخواننا الأبطال في سوريا الأبية، الذي يخوضون معركة من أجل الحرية والكرامة والإسلام.
نعم، قد يكون الزواج مكتمل الأركان، ولكن استغلال معاناة السوريين والسوريات بهذا الشكل، لهو أشد قسوة عليهم مما تفعله بهم عصابات الأسد المجرمة، بل هو أشد من أن يلفظوا أنفاسهم تحت الرماد لا يعلم عنهم العالم شيئا، وإنه لشبيه برجل ظلمه عدوه، فلجأ إلى أخيه يستنصره ويستنجده، فزاده أخاه ظلما على الظلم، وألما على الألم، ولا يمكن بحال أن يدخل هذا العمل القبيح في إطار وسائل الدعم والتأييد والنصرة، بل ليتهم تركوهم يداوون جراحهم بأنفسهم.
لاجئات لا سبايا
اعتراضا على هذا الواقع المؤسف، دشن نشطاء سوريون حملة "لاجئات لا سبايا"، تهدف إلى "التصدي لدعوات الزواج الرخيصة والمبتذلة من قبل البعض في العديد من الدول العربية فيها امتهان لقيمة المرأة، والمرأة السورية وكرامة الإنسان بشكل عام، ولأجل التنبيه من الخطر القادم جراء هذه العروض، خاصة أنها تأخذ لباس الدين بعد الدعوات في بعض المساجد، لاسيما في الجزائر".
إن التعامل مع اللاجئات السوريات بهذا الشكل، يخالف مبادئ وآداب الدين الإسلامي، فإذا كان ربنا عز وجل قد حرم استغلال المضطر، ونهى عن استغلال اضطرار المسلم لبيع شيء ما بثمن بخس استغلالا للظروف، فمن باب أولى حرمة استغلال ظروف المسلمة السورية المنكوبة في أهلها وديارها، بأن يجعلها سلعة رخيصة يشتريها بثمن بخس، ثم يزعم أنه تفضل عليها بالزواج منها.
إن أخواتنا السوريات وشعبنا السوري الأبي، لا يستحق من أخوة الدين والعروبة أن يعاملوهم بهذا الشكل، بل إن حسن معاملتهم وإكرامهم، ونجدتهم وإغاثتهم، ومساعدتهم بما يريدون وما يحتاجون لهو واجب على كل مسلم، دون أن ينتظر شيئا مقابل هذه المساعدة.
أما من أراد الزواج منهن، زواجا صحيحا سليما، كامل الأركان، يليق بالسورية الحرة الطاهرة العفيفة، وبمكانتها ومنزلتها، ويحفظ لها حقوقها كاملة كمثيلاتها من بنات بلده، بغير نقصان ولا إجحاف، فنأمل أن تبيح الدول العربية ذلك الأمر، ولا تمنعه، شريطة تسجيله وتوثيقه رسميا، كي تكون قادرة على نيل حقوقها إن هو استضعفها وظن أنه لا نصير لها من الناس.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: